الأصل التاريخي للاحتفال بأول مايو
عبد الله حسين
2004 / 5 / 7 - 06:43
يرتبط الأول من مايو بنضال الطبقة العاملة في الولايات المتحدة , فمع شروق شمس الأول من مايو 1886م خرجت مظاهرة عارمة من (350) عامل أمريكي في شكاغو أخذت تجوب الشوارع والميادين كان المتظاهرون العمال من خلالها يطالبون بتخفيض ساعات العمل من إحدى عشر ساعة إلى ثمان ساعات لنفس الأجر.
وحين دوت هتافات العمال وشقت عنان الفضاء, دبّ الخوف والفزع في قلوب الرأسماليين استجاب بعضهم لمطالب العمال, واضطروا لتخفيض ساعات العمل إلى ثمان ساعات لصالح (42) ألف عامل في اليوم الأول, إلاّ أنّ المظاهرات العمالية لم تتوقف, وخرجت في اليوم التالي تطالب بأن يشمل التخفيض جميع العمال في كافة الصناعات. ومرة أخرى تم تخفيض العمل لصالح (150) ألف عامل آخرين, إلاّ المظاهرات السلمية استمرت بنفس هدوئها, وفي اليوم الثالث خرجت تطالب بأن يشمل التخفيض جميع العمال الباقين بحيث يعم كافة العمال في جميع القطاعات الصناعية الأمريكية.
ولقد نجح العمال وحققوا نصراً في تحقيق تخفيض لساعات العمل لـ (193) ألف عامل عن طريق المظاهرات السلمية دون أن يحدثوا أي خلل بالأمن, فهم لم يكونوا في حاجة إلى استخدام أساليب العنف, لكنّ الرأسماليين كانوا, بالعكس, محتاجين إلى العنف من أجل مقاومة أي محاولة من جانب العمال تؤدي إلى تقليل أرباحهم.
لذلك تعاون رجال الأعمال من الرأسماليين مع بوليس مدينة (شيكاغو) في تنفيذ مؤامرة قمعية ضد العمال المتظاهرين, فحين انضم عمال مصانع (ماك كومارك لصناعة الآلات الزراعية) إلى زملائهم المتظاهرين من عمال الشركات والمصانع الأخرى وقف أبرز قادة العمال المناضلين (أوجست سبايز) خطيباً, يحث العمال بقوة على مواصلة التظاهرات حتى يشمل التخفيض جميع عمال أمريكا, وفي هذه اللحظة قام مدير البوليس بتنفيذ المؤامرة الجريمة, بدس أحد عناصر عملائه المؤجرين في وسط الجماهير العمالية المحتشدة في الميدان .
واستغل العميل انشداد العمال نحو الخطيب فألقى قنبلة يدوية, كان البوليس قد زوده بها, على رجال البوليس, فأخذها المدير ذريعة لتنفيذ جريمته الوحشية, فأصدر أوامره بلمحة بصر للجنود المدججين بالبنادق والرصاص بالهجوم الغادر على العمال المسالمين, فكانت مذبحة بين قوتين غير متكافئتين, امتلأت على أثرها أرض الميدان بالقتلى والجرحى من العمال المتظاهرين, وتم القبض على مجموعة من العمال القياديين, وساقوهم إلى السجن, حيث جرت, وعلى وجه السرعة, محاكمة على أربعة من قادة العمل المناضلين هم (أوجست سبايز, أودوين فيشر, ألبرت باسونز, وجورج اتيل), وصدر عليهم حكم بالإعدام نفذ بعد ساعات معدودات من صدوره. وقد كشف مدير البوليس, عند احتضاره, عن سر هذه المؤامرة, اللاانسانية التي نفذت ضد الطبقة العاملة وقادتها, واعترف بدوره المباشر في تنفيذها.
ونتيجة لنضال العمال المتواصل, تشكلت محكمة, في عام 1891م, لإعادة التحقيق في قضية القادة العمال الأربعة, وفي أول مايو 1896م, أي بعد خمس سنوات من تشكل المحكمة, وبعد أن غطت الأشجار والحشائش الخضراء قبورهم أعلن حاكم ولاية (ايللينوي) قرار المحكمة الأخير ببراءة العمال.
وتكريماً لانتصار قضية العمال على دسائس الطبقة الرأسمالية, وتحقق مطالبهم العادلة آنذاك, قرر المؤتمر الفرنسي لنقابات العمل في عام 1898م المنعقد في مدينة (بوردو) اعتبار الأول من مايو من كل عام عيدا للعمال, كما اتخذ اتحاد العمال الأمريكي المنعقد في (سانت لويس) في ديسمبر من هذا العام, نفس القرار, وتلاه مؤتمر النقابات البريطاني الذي اتخذ ذات القرار.
في عام 1889م انعقد مؤتمر الدولية الثانية للأحزاب والنقابات العمالية في باريس واتخذ القرار التالي (( إنه ابتداء من1900م في كافة بقاع العالم يجب ان ينتظم العمال في مظاهرات
كبيرة من جميع البلدان في يوم الأول من مايو وفي هذا اليوم من كل عام يجب أن يحدد العمال كل عام مطالبهم للعام المقبل ))
ومن ذلك التاريخ أصبح هذا اليوم من كل عام عيداً للعمال على الصعيد العالمي, يحتفلون فيه بالذكرى الخالدة لشهدائهم الأبطال, ويمجدون شجاعة كل إنسان وهب حياته للنضال من أجل مجتمع العدالة والديمقراطية والسلام