أول أيار لماذا نعيّدُهُ كل عام؟!

بطرس دلة
2004 / 5 / 6 - 07:39     

طُرح عليّ هذا السؤال منذ سنوات وما زال الناس الذين يعيّدون أول ايار يثيرون السؤال مجددا وهم يعرفون انه عيد العمال ولكن لماذا اختير هذا اليوم وما هي ملابسات الاحتفال واسئلة اخرى بحاجة الى شرح وتوضيح لازالة اللبس والتأكيد على اهمية هذا العيد للطبقة العاملة ليس في بلادنا فقط بل وفي مختلف بلاد العالم.
يعتبر هذا العيد عيدا دوليا للعمال، للنقابات المهنية، وللأحزاب الاشتراكية في كل مكان.

نحن نعرف ان الرومان القدامى كانوا يقومون بمسيرات الى حرش الايغيريا في الأول من أيار كل عام. كما ان الشعوب الكثيرة والبريطانيين كانوا يخرجون في مسيرات، الا ان ما يعيده العمال اليوم ليست له اية صلة بما كانت تعيده الشعوب قديما.

المطالع لتاريخ الحركات الاشتراكية في العالم ونظريات المفكرين من العصور الوسطى ومطلع العصر الحاضر لا بد ان يلتقي باسماء لامعة خدمت الطبقة العاملة بفكرها وعملها، على رأس هذه القائمة يقف المفكر الاشتراكي الانجليزي روبرت أوين الذي أسس اولى التعاونيات وجعل العمال فيها يتقاسمون الارباح كما لو كانوا يملكون المصانع التي بناها. وتوسّع في الفكرة فافتتح مدرسة بجانب كل مصنع ومطعما عموميا ونوادي لابناء العمال ولزوجاتهم. في البداية تحمست الحكومة البريطانية للفكرة وقدمت له الدعم لأنه يعالج مسألة البطالة في توفير العمل للكثير من العمال العاطلين عن العمل، ولكن سرعان ما وعَتْ هذه الحكومة انها انما تحفر تحت اسس نظامها الرأسمالي في تطبيق النظام الاشتراكي قولا وفعلا فأخذت تعادي روبرت أوين وافكاره الاشتراكية، كان ذلك في مطلع عام 1833. وظلت المحاولات تَترَى حتى جاء كارل ماركس وانجلز فوضعا البيان الشيوعي عام 1848 فأخذ العمل على دعم مطالب العمال طابع الصراع السياسي غير التقليدي.

في عام 1884 اتخذ اتحاد العمال في امريكا قرارا بجعل يوم الاول من ايار في كل عام عيدا يطالب فيه العمال ان يكون يوم العمل ثماني ساعات يومية فقط‍ وفي اجتماع الاتحاد الفيدرالي الامريكي للعمال يوم 1887 تقرر تحديد يوم الاول من ايار عيدا للعمال ويوم ذكرى للنضال من اجل ان يكون يوم العمل ثماني ساعات فقط.

احداث مسيرة العمال في شيكاغو 1886:
في عام 1886 قامت النقابات المهنية والهيئات العمالية بالتظاهر في شوارع مدينة شيكاغو رافقها اضراب شامل في معظم مرافق الحياة ورفع المتظاهرون في مسيرة شيكاغو عدة شعارات منها:
1. المطالبة بأن يكون يوم العمل ثماني ساعات فقط.
2. ان تتعهد الهيئات المسؤولة بدفع تعويضات واعطاء ضمانات للعمال عند الاصابة في العمل او المرض.
3. تأمين الخدمات الصحية للعمال
ولما لم تستطع شرطة شيكاغو قمع المظاهرة وايقاف مسيرتها دسّت احد اعوانها بين صفوف المتظاهرين الذي اطلق النار على الشرطة ووفر لها حجة الرد بالنار الحية، قتل من جرائها العشرات وجرح المئات فسمّي الحادث مجزرة شيكاغو. هذا وقد اعترف مدير شرطة شيكاغو انه استغل احد المتعاونين ببعض الاغراءات المالية كي تكون لديه حجة للهجوم حتى بالاسلحة النارية بحجة الدفاع عن النفس وهكذا كانت مجزرة شيكاغو الرهيبة.

فماذا كان دور الحركة الاممية ازاء ذلك؟
الحركة الاممية هي منظمة دولية اقيمت منذ عام 1864 بمبادرة كارل ماركس وكانت مهمتها تنظيم نضال العمال اجتماعيا وسياسيا ومهنياً وزيادة التعاون بين مختلف النقابات المهنية.

الأممية الثانية عام 1889:
كان لأحداث أول أيار عام 1886 في مدينة شيكاغو ابعاد كثيرة تنظيمية وسياسية. ولذلك عندما اجتمع رجال الاممية الثانية كان عليهم معالجة عدة قضايا لان فترة هذه الاممية امتدت حتى نهاية الحرب العالمية الاولى عام 1918. من اهم القضايا التي واجهتها الاممية الثانية نذكر:
1. بحث قضايا العمال ووضع برامج لعلاج هذه القضايا
2. مسألة حرب الطبقات على ضوء البيان الشيوعي من عام 1848 وظهور الخلاف بين الشيوعيين الماركسيين والشيوعيين التنقيحيين امثال ادوارد برنشتاين الذي توفي عام 1932
3. مسألة مشاركة الاحزاب الاشتراكية في الحكومات البرجوازية هل تكون هذه المشاركة في صالح طبقات العمال ام سيكون رد فعل عليها في غير صالح العمال
4. مسألة الحرب التي كانت متوقعة في فترة السلم المسلح (بين سنّي 1870 - 1914) وكان السؤال يدور حول ماذا سيكون موقف الاحزاب الاشتراكية من الحرب اذا ما اعلنتها الحكومات البرجوازية؟ هل تقف هذه الاحزاب مع حكوماتها وتدعم نضالها من باب دعم النضال القومي ام تلتزم هذه الاحزاب بمصالح العمال وتستغل قيام الحرب فتوجه حرابها الى صدور الحكام البرجوازيين معلنة الثورة وتقلب نظام الحكم من برجوازي رأس مالي الى اشتراكي!
والواقع ان احزاب اليسار الثوري الشيوعية فشلت في اقناع باقي الاحزاب بعدم التجند الى جانب الحكومات الامر الذي افشل الاممية الثانية وقامت الحرب العالمية الاولى التي كان هذا الفشل احد اسباب قيامها عام 1914.
من المهم ان نذكر هنا ان الاممية الثانية كانت وراء اعلان يوم الأول من أيار يوم عيد للطبقة العاملة وللنقابات المهنية في كل العالم وما زال هذا التقليد ساريا في بعض الدول يعيّده العمال ويحصلون على اجرهم كاملا.
اخيرا: قامت الاممية الثالثة عام 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى التي ذهبت بآلاف مؤلفة من الضحايا الابرياء خدمة لمطامع الطبقة البرجوازية الحاكمة في كل مكان.

لماذا لا تهتم الهستدروت اليوم بأول أيار؟
يعتبر نظام الحكم في اسرائيل اشتراكيا مُملّحا برأس المال ولذلك فالحكومات المتعاقبة كحكومات حزب المعراخ (اليساري) والليكود (اليميني) لا تؤمن بالاشتراكية العلمية كأحسن نظام حكم في العالم، واذا كان العالم قد احتفل بعيد أول أيار للمرة الاولى عام 1890 فقط فإن اسرائيل لم يتم الاحتفال فيها الا عام 1906 وذلك في مستوطنة ريشون لتسيون. كما انه في بعض دول اوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى لم تكن الحكومات بمعظمها تشجع المسيرات العمالية ما عدا الدول الاشتراكية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الاولى والثانية. ففي ايطاليا الفاشستية حُرّم الاحتفال بأول أيار بتاتا. اما في المانيا النازية فقد سمح للعمال ان يحتفلوا به. وبما ان اساس هذا العيد، يعود الى احداث شيكاغو كما مر معنا عام 1886 فإن هذا العيد يعتبر مستوردا من الغرب الذي لم يعد يعيّده. فالولايات المتحدة الامريكية لا تعيد بهذه المناسبة. كذلك كندا وغيرهما من دول القارتين.

وبما ان الوضع في عالم الغرب لا يشجع مثل هذا النشاط لأن فيه مصلحة للاحزاب الاشتراكية وهي ضعيفة جدا في معظم دول الغرب، فإن الاحتفال بالعيد غير وارد، اللهم الا اذا استثنينا جزيرة كوبا حيث يعتبر العيد من اهم اعياد الجزيرة‍.
هناك سبب آخر وجيه ايضا الا وهو فشل التجربة الاشتراكية الشيوعية في دول المجموعة الاشتراكية وعلى رأسها فشل الشيوعية في الاتحاد السوفييتي الذي خاض غمار الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة الامريكية ومنظومة دول احلاف الدولار كحلف جنوب شرق آسيا (سياتو) وحلف شمال الاطلسي (الناتو) وحتى احلاف بغداد سابقا واتفاقيات الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة الامريكية.

يجب ان لا يغيب عن بالنا ان معظم مطالب العمال التي نادت بتطبيقها الاممية الثانية قد تحققت، مثل يوم عمل من ثماني ساعات، او ايجاد ضمانات اجتماعية وثقافية وصحية وغيرها.
ومع ان ذلك لا يعني ان الطبقة العاملة قد حققت معظم طلباتها، الا ان ما نصبو اليه في بلادنا مثلا هو توحيد صفوف الطبقة العاملة وتحقيق رفاه اجتماعي واقتصادي لكافة الكادحين والعاملين بغض النظر عن انتمائهم الحزبي او السياسي.
يضاف الى هذه العوامل عنصر العلاقات الدبلوماسية بين اسرائيل وقطري الصراع في الحرب الباردة، وميل اسرائيل للسير في فلك الدولار. هذه العوامل مجتمعة كانت ولا تزال وراء اللامبالاة او عدم الاهتمام من قِبل الهستدروت باحياء احتفالات عيد أول أيار عيد العمال العالمي.

وفوق ذلك كله يشعر الانسان العربي في اسرائيل بشكل عام انه مواطن من الدرجة الثانية، وان طريق الكفاح الجماهيري والتعاون مع القوى اليسارية والتقدمية، اليهودية من اجل الحصول على كافة الحقوق التي يعاني من عدم توافرها كافة قطاعات شعبنا العربي الفلسطيني. ولذلك من المهم رفع شعارات الوحدة العربية، ووحدة القوى العاملة والنقابات المهنية التي تخدم مصالح العمال والمصالح القومية للانسان الفلسطيني في اسرائيل وفي الضفة والقطاع.
اخيرا، اعتقد جازما ان على النقابات المهنية في اسرائيل وفي الضفة وقطاع غزة ان تتمسك بهذه المبادئ وان تعمل على تحقيقها وعلى اقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. فحتى ذلك الحين ستظل الطبقة العاملة الفلسطينية تتظاهر رافعة شعار حق تقرير المصير، وشعار تحسين ظروف العمل للجميع.
فتحياتنا للعمال والكادحين في هذا اليوم، ولترتفع اعلام اول ايار مطالبة باعطاء الحق لكل ذي حق!

(كفر ياسيف)