لعنة البيروسترويكا- الجزء الثاني
جعفر صاحب
2008 / 11 / 7 - 09:36
لعنة البيروسترويكا
هل كانت مراسم دفن تشيرنينكو طبيعية؟
أ د. جعفر صاحب
نقل تشيرنينكو إلى مثواه الأخير في الساحة الحمراء يوم 13/3/1985 ، فهل كانت مراسم الدفن طبيعية؟ وهل كانت تلك المراسم مشابهة لمثيلاتها عندما نقلت جثامين قادة الحزب الشيوعي السابقين؟ وهل خرجت حالة تشيرنينكو عن البروتوكول المتبع؟
عندما نقل جثمان تشيرنينكو إلى الساحة الحمراء فأن أول كف تراب أهيلت على الجنازة جاءت من يد غورباتشوف وبعد ذلك قام أعضاء المكتب السياسي الآخرون باثالة التراب على جثمان رفيقهم.
وبعد مراسم الدفن مباشرة توجه غورباتشوف إلى الكرملين وانتصب في قاعة الجغرافيا. وهذه القاعة هي إحدى القاعات الكبرى التي تحمل سقوفها أعمدة مرمرية منصبة، وعلى جدرانها البيضاء نقشت أسماء كافة الذين خدموا الجيش الروسي من الضباط البارزين منذ الحروب النابليونية.
لقد وقف غورباتشوف والى جانبه ثلاثة من كبار المسؤولين السوفيت. واستغلت أجهزة الإعلام الغربية هذه الوقفة وركزت على عامل العمر إذ أظهرت غورباتشوف (54) سنة وكأنه شابا يافعا وهي تردد بان القيادات السوفيتية غالبا ما تكون من الطاعنين في السن وكأنهم (أحياء متحجرة)
أما الثلاثة الذين وقفوا إلى جانب ( الشاب اليافع) فهم:
- رئيس الوزراء السوفيتي تيخونوف 79 سنة.
- سكرتير اللجنة المركزية بونو مارييف 80 سنة.
- نائب رئيس الدولة السوفيتية كوزينيتسوف 80 سنة.
أما غورباتشوف فانه قبل أن يصل إلى الحكم بثمانية أيام كان قد أكمل عامه الرابع والخمسين وهو اصغر عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي، وهو اصغر سنا من كل أعضاء الحكومة الذين وقفوا بصف طويل أمام سلالم المدخل الأسفل للكرملين.
وحضرت مئات الوفود من مختلف أنحاء العالم ليقدموا التعازي والتهاني في نفس الوقت لحاكم الكرملين الجديد.
ومن الطبيعي أن يكون رؤساء الدول(الشقيقة) قادة الدول الأعضاء في حلف وارشو في مقدمة ذلك الطابور الكبير من المعزين.
وعندما بدأت عملية تقديم التعازي ظهرت مؤشرات غير طبيعية وكانت مراسم هذه الجنازة كاشفا لما سيحصل في الدولة السوفيتية.
كان أول المعزين (الرفيق) جيفكوف الذي فتح ذراعيه من مكان بعيد عن موقع وقوف غورباتشوف ، ولكن هذا الأخير استقبل جيفكوف بصورة عادية جدا.
وفعل غورباتشوف الشيء نفسه مع بقية (الرفاق) مثل هونيكر وتشاوتشسكو وهوساك. ولكن من الملاحظات الواضحة أنه استقبل ضيوفه الغربيين بحرارة عالية جدا.
فقد أمضى وقتا طويلا نسبيا مع رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر وعاملها بشكل يوحي للناظر بأنه يرتبط معها بعلاقات صداقة قديمة. وهذا يختلف تماما عن الأسلوب الذي قابل به القادة ( الأشقاء) إذ لم يقبل أحدا منهم لا في الاستقبال ولا في التوديع كما كان يفعل أسلافه من قبل.
ومما يذكر أن بريجينيف كان يتبع تقليدا روسيا قديما حيث يصافح حلفائه ويطبع قبلتين على الخدود والثالثة على الفم . ولكن مثل هذا الشيء لم يحصل في حالة غورباتشوف وكأنه يعلم مقدما بأن الأيام القادمة، وبسبب ما ستفعله سياسته، سوف تؤدي بحلفائه إلى السجون وهم مكبلون بالقيود أو يساقون إلى ساحات الإعدام كما في حالة نيقولاي تشاوتشكو.
استقبل غورباتشوف في الأيام التالية ليوم 13/3/1985 كبار المسؤولين الأجانب ، فقد استقبل جورج بوش نائب رئيس الولايات المتحدة (وقتذاك) وكذلك استقبل المستشار الألماني كول والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران وآخرين.
وأثناء التعزية كانت هناك صورة فوتغرافية مؤطرة بإطار اسود لتشيرنينكو وضعت في نهاية القاعة التي يمر من جانبها ممثلو الدول دون توقف. وخلافا للعادات المتبعة نشرت صحيفة البرافدا على الصفحة الأولى صورة غورباتشوف وسيرة حياته ووضعت على الصفحة الثانية صورة الرئيس الراحل.
وبعيدا عن التشبث بنظرية المؤامرة فمن خلال ما تقدم من المؤشرات البسيطة يمكن للمراقب أن يكشف حقيقة ما سيحل في الاتحاد السوفيتي على يد هذا الرجل بغض النظر عن حسن أو سوء نواياه التي أدت إلى تحطيم إمبراطورية البلاشفة منذ اللحظات الأولى لتوليه السلطة.
ولكن قبل هذا التاريخ وقبل موت تشيرنينكو كانت لدى غورباتشوف بعض التصرفات التي حاول من خلالها جذب انتباه الإعلام الغربي إليه، مثال ذلك:
زار غورباتشوف ايطاليا في شهر الصيف(يونيو) عام 1984 على رأس وفد حزبي للمشاركة في تشييع جنازة برلينغور الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي .وكانت العلاقة بين الحزبين سيئة للغاية إذ أن الحزب الشيوعي الإيطالي بقيادة برلينغور قد انتقد بشدة السياسة الخارجية السوفيتية وعلى وجه الخصوص التدخل السوفيتي في أفغانستان.
وكانت أدبيات الحزبين تتراشق فيما بينها بالاتهامات والعبارات الجارحة وكل طرف من الطرفين يدعي التمسك بالأيديولوجية الماركسية اللينينية ويتهم الطرف الآخر بالانحراف
وخيانة المباديء الشيوعية مع ميلان الطليان إلى اليوروشيوعية.
في جو كهذا مشحون بالعداء العقائدي يفاجأ غورباتشوف الصحفيين بتصريحاته في روما بقوله: (إن الانتقادات التي أطلقها برلينغور لم تؤسس على فراغ).
وذهب غورباتشوف إلى بريطانيا في الأيام الأخيرة من عام 1984 على راس وفد برلماني ورافقته في هذه الزيارة زوجته رايتسا . وقد ركزت عليه بشكل ملفت للنظر معظم كبريات وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية وهو يتحدث بالإنجليزية. ومن المعروف أن المسؤوليين السوفيت يتحدثون في الروسية فقط أينما يذهبوا حتى في حالة معرفتهم باللغة الأجنبية. ولكن هذه ليست القضية الوحيدة التي حصلت في بريطانيا بل انه أدلى بتصريح غريب بعد زيارته لمتحف التاريخ البريطاني ومشاهدة الجزء المخصص لكارل ماركس عندما كتب الجزء الأول من كتابه الشهير(رأس المال) في بريطانيا.
قال غورباتشوف:
( على الناس الذين لا يحبون الماركسية تقديم شكوى ضد المتحف البريطاني). ربما يعتقد بعض الناس أن هذا الكلام يمكن أن يحسب من باب خفة الدم أو المزاح الذي يلجأ إليه بعض المسؤولين، ولكن الموضوع هنا يختلف فالمتحدث هو عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي ويتحدث فوق ارض بريطانية ، فكل خطواته وحتى أنفاسه محسوبة عليه.
وفي مقابلة صحفية في لندن سأله احد الصحفيين : أين ساخاروف؟ ومعلوم أن ساخاروف عالم فيزياء سوفيتي معارض أعلت من شأنه وسائل الإعلام الغربية تحت عنوان حقوق الإنسان.
فعندما سئل ذلك السؤال المتعلق بساخاروف أجاب غورباتشوف باختصار: (إن هناك خرقا لحقوق الإنسان في ايرلندا الشمالية).
إن هذا الجواب غير متوقع من مسؤول روسي أو سوفيتي فهو يعني في الظاهر لماذا تسألون عن ساخاروف وهو شخص واحد ولديكم أيها الإنجليز خرق لحقوق الإنسان لشعب كامل في ايرلندا الشمالية . وفي الوقت نفسه هناك معان كثيرة بين السطور، من بينها انه يعترف بخرق حقوق الإنسان في داخل نظامه السياسي لان السائل لم يسأله عن حقوق الإنسان وإنما سأله عن فرد واحد معارض وعند إجابته قام بإدخال قضية حقوق الإنسان.
يوحي جواب غورباتشوف للسامع أن هناك خرقا لحقوق الإنسان ليس في الاتحاد السوفيتي وحده بل حتى في ايرلندا الشمالية وينبغي إيقاف هذا الخرق هنا وهناك .
إن تصرفات غورباتشوف قبل استلامه السلطة وبعد استلامه لها أعطت مؤشرات ودلالات واضحة بأن على يد هذا الرجل سوف تنتهي الدولة السوفيتية العملاقة. ولكن هبوب رياح البيروسترويكا واستغلال الغرب لها لم تستطع ان تلوي ذراع الأمة الروسية التي تعد من الأمم الحية .
ميخائيل غورباتشوف البطاقة الشخصية:
اسمه: ميخائيل سيرجيفيتش غورباتشوف.
تولد: 2/3/1931 ف.
مكان الولادة: قرية بريفولي في مقاطعة ستافروبوليا.
اسم أمه: ماريا بانتيليفنا.
الانحدار الطبقي : من عائلة فلاحية أب عن جد.
لم تسلط الأضواء كثيرا على حياة غورباتشوف أثناء طفولته ، ولم تتوفر الكثير من المعلومات عنها عدا بعض الكتابات التي صدرت بعد توليه السلطة ومنها كتاب زدينك مليناراج الذي اعتمدنا عليه للكتابة عن هذه الجزئية المتعلقة بمرحلة صباه.
ولد غورباتشوف في بيت فلاحي فقير . كان جده اندريا (والد سيرجيفيتش) أول رئيس كولخوز في بريفولي، فهو فلاح وعضو في الحزب الشيوعي ، وهذا يعني الشيء الكثير في الاتحاد السوفيتي في ثلاثينيات القرن الماضي وفي المجتمع الريفي الروسي تحديدا.
كان العمل في الحزب يتطلب الكثير من المجهودات الخاصة ببناء الكولخوزات والسوفخوزات ( مزارع الدولة والمزارع الجماعية) من خلال تدمير وتفكيك الملكيات الإقطاعية التي كانت سائدة، وهدم العادات والتقاليد المرتبطة بها.
كان سيرجيفيتش –والد غورباتشوف – سائق تركتور في الكولخوز وعمره(22)عاما.
التحق جد غورباتشوف بجبهات القتال ضد الألمان عام 1941 ، يومذاك كان غورباتشوف يبلغ من العمر عشر سنوات ونصف. وهذه النقطة يجب التوقف عندها قليلا، فان غورباتشوف يختلف عن كل أسلافه من قادة الكرملين إذ كان طفلا خلال الحرب العالمية الثانية، في حين أنهم (ماعدا لينين) قد ساهموا فعليا في تلك الحرب.
وعندما عاد والد غورباتشوف من جبهات القتال لم يعمل بوظيفته السابقة كسائق تراكتور وإنما أصبح عاملا في محطة الصيانة ( ورشة تصليح التراكتورات في الكولخوز) . ونظرا لنشاطه في الحزب فقد تم منحه عدد من الأوسمة الحزبية، وهو الاسلوب المتبع لدى الشيوعيين في تكريم الحزبيين الناشطين ضمن نظام المحفزات. ومن ابرز الأوسمة التي حصل عليها سيرجيفيتش اللقب الفخري (مستشار اللجنة الحزبية للشؤون الاقتصادية) وهذا اللقب غالبا ما يمنح للحزبيين المحاربين القدامى. وتوفي والد غورباتشوف عام 1976.
تقع القرية التي ولد فيها غورباتشوف (بريفولي) في سهل منبسط محصور بين اكبر نهرين في روسيا، هما نهرا الفولغا والدونا. ويعود تاريخ القرية إلى القرن الثامن عشر، وتتبع هذه القرية إداريا مدينة ستافروبلي التي يعود بناؤها إلى القرن الثامن عشر أيضا وهي بمثابة قلعة متقدمة لحماية الإمبراطورية الروسية من هجمات العثمانيين المستمرة ضد روسيا.
كان غورباتشوف في المرحلة الابتدائية عندما هجمت ألمانيا الهتلرية على الاتحاد السوفيتي عام 1941. ووقعت كامل المنطقة في قبضة القوات الألمانية الغازية بما فيها مدينة ستافروبلي.
وبذلك تحتم على جميع الشباب من الذكور الذهاب طوعا إلى الحرب لمقاومة القوات المحتلة.
ومما يذكر أن اسم هذه المدينة قد تبدل في عهد ستالين عام 1934 من ستافروبلي إلى فوروشيكلوفسك ، وهو وزير دفاع سوفيتي وعضو مكتب سياسي في الحزب. وعندما احتل الألمان المدينة أعادوا إليها اسمها القديم ستافروبلي وبقي هذا الاسم إلى يومنا هذا.
وبالرغم من تهجير السكان على يد القوات المحتلة إلا أن قيادة الحزب الشيوعي في المدينة تولت المقاومة بزعامة ميخائيل سوسولوف التي أصبحت على يده أكثر تنظيما ضمن حركة المقاومة(الأنصار) في شمال القوقاز.
ومن الطبيعي أن غورباتشوف اخذ يسمع فيما بعد من كبار السن وهم يتحدثون عن سوسولوف ابن بلدتهم الذي بقي مرتبطا بقريته ومنطقته ولم ينقطع عنها بعد ذهابه إلى موسكو رغم مسؤولياته الحزبية الكبيرة هناك.
ومعروف أن سوسولوف أصبح من أعضاء المكتب السياسي المخضرمين وكانت وسائل الإعلام تطلق عليه تسمية عرافة الأيديولوجية الماركسية.
ويبدو أن تلك الخاصية لدى سوسولوف قد أثرت فيما بعد على غورباتشوف وبشكل لا إرادي لأن الأخير اخذ يتردد على منطقته وقريته باستمرار وخصوصا حضور عيد ميلاد أمه علما التي هي من مواليد عام 1905 أي أنها قد بلغت الثمانين من العمر عام 1985.
وعلى العموم لم تتوفر معلومات رسمية عن ميخائيل غورباتشوف خلال تلك الفترة المتقدمة من حياته وكأن ذلك سر من أسرار الحزب والدولة، في حين كان العالم يريد معرفة المزيد عن سيد الكرملين الجديد.
القي بعض الضوء على سيرة ميخائيل (الشاب) ولكن كل ما ذكر عنه كان بعد توليه السلطة وفي كتب قليلة جدا من أبرزها كتاب زدنيك مليناراج الذي كان زميله في الدراسة ويسكن معه في غرفة واحدة في القسم الداخلي للطلاب للفترة( 1950-1955) وهي الفترة التي قضاها غورباتشوف في موسكو أثناء دراسته الجامعية إلا أن المؤرخ السوفيتي مدفيديف يتشكك في صحة بعض المعلومات التي نشرت علنيا بعد انتخابه للرئاسة كما سنرى فيما بعد .
وكتب عنه بأنه قبل أن ينهي سنوات دراسته الابتدائية العشر انتمى غورباتشوف إلى منظمة الشبيبة الشيوعية (الكومسمول) وهذا هو الطريق التقليدي الممهد للقبول في الحزب فيما بعد. وكان يخرج كبقية الصبيان أبناء الفلاحين إلى الحقل للعمل، وحسب نبذة حياته الرسمية التي نشرت بعد انتخابه، ذكرت بأن غورباتشوف كان ميكانيكيا يعمل في المحطة الميكانيكية الخاصة بتصليح التراكتورات . في حين أن المؤرخ مدفيديف يطعن بصحة تلك المعلومات الرسمية ويذكر أن غورباتشوف كان يعمل مساعد في حاصودة أو مساعد سائق تراكتور، وهي ليست وظيفة دائمة لان ذلك العمل يرتبط بمواسم الحصاد أو الحراثة. ويؤكد هذا المؤرخ بأن غورباتشوف لم يعمل قط في الكولخوز بالرغم من عيشه في بيئة زراعية، ولكن ربما كانت لديه نشاطات أخرى كالمشاركة في العمل التطوعي والحملات الجماعية وما يؤكد ذلك حصوله على وسام العمل(النجم الأحمر) وهذا اعتراف بنشاطه خلال تلك الفترة .
قرر غورباتشوف في عام 1950 ترك القرية والتوجه إلى موسكو للالتحاق بالدراسة الجامعية ضمن العام الدراسي 1950-1951 . ويبدو أن ثقافته العامة كانت جيدة بالنسبة لأقرانه وساعدته كذلك عوامل أخرى منها انحداره الطبقي الفلاحي ونشاط عائلته الشيوعي وعضويته في الكومسمول. إن هذه المواصفات مهدت له الطريق في القبول في جامعة لومونوسوف العريقة وفي كلية الحقوق تحديدا. وفي ذلك العام تم قبول مليون ومائتي طالب في الجامعات السوفيتية ،وقد قبلت كلية الحقوق بمفردها (45) ألف طالب كان ميخائيل واحدا منهم . ومن الطبيعي أن يجري التفاضل بين المتنافسين على القبول ،ضمن أعراف تلك الحقبة، على أساس قابلية الطالب العلمية ولكن الأهم من ذلك النظر إلى الجانب السياسي وما قدمه من خدمات عامة وانحداره الطبقي.
وحسب تعبير ميدفيديف فان غورباتشوف منذ لحظة ذهابه لموسكو لغرض الدراسة قد قرر نفض ملابسه من تربة الأرض والابتعاد عن الفلاحة.
في الحلقة القادمة (الخامسة) سنتناول أول حدث تاريخي في حياة غورباتشوف وهو حضوره لأول مرة المؤتمر (22) للحزب الشيوعي السوفيتي ذلك المؤتمر الذي يعد تاريخيا لان نيكيتا خروشوف ألقى فيه تقريره السري. وهي المرة الأولى التي يدخل فيها غورباتشوف قصر الكرملين وكان له من العمر(29)عاما.
لأول مرة يدخل غورباتشوف قصر الكرملين:
تعرف غورباتشوف خلال أعوام الدراسة الجامعية على طالبة وسيمة تدرس في قسم الفلسفة وبالضبط الفلسفة الماركسية-اللينينية واسمها رايتسا تينتور ، جاءت هي كذلك من ستافروبلي وأصبحت صديقته عدة سنوات إلى أن انتهت الصداقة بالزواج، فأصبح اسمها السيدة رايتسا غورباتشوف. رزقا بطفلة عام 1956 ( ايرينا) وهي حاليا طبيبة وقد تزوجت من طبيب ولديهما طفلة (أكسانا) وهذه الحفيدة غلبا ما كانت تظهر مع جدها غورباتشوف أثناء نشاطاته العامة بعدما أصبح رئيسا.
أنهى غورباتشوف دراسته الجامعية في الوقت المحدد ،عام 1955 ولكنه لم يستطع الحصول على فرصة عمل في موسكو لأنه ليس من الأوائل أو المتفوقين البارزين في الدراسة. ومن المتعارف عليه أن الأوائل تضمن لهم الدولة العمل في موسكو، لذا كان لزاما عليه العودة بعد تخرجه إلى منطقته ستافروبلي.
عاد غورباتشوف إلى مدينته وهو ليس ذلك القروي الذي خرج منها قبل خمس سنوات متوجها إلى موسكو وهو يحمل حقيبة بائسة واحدة، بل انه الآن أصبح حقوقيا وخريج موسكو فقد اطلع على التاريخ والنظرية الماركسية-اللينينية والحركة الشيوعية العالمية. ومن الطبيعي أن شابا بهذه المواصفات وبذلك الوقت يعني شيئا رائعا.
سعى غورباتشوف بعد عودته من موسكو مباشرة للحصول على عمل ضمن اختصاصه كأن يصبح موظفا في محكمة ستافروبلي ولكن لسوء حظه لن يحصل على فرصة العمل تلك لتزامن عودته مع عودة ألوف العائلات التي كانت مبعدة من هذه المدينة إلى سيبريا منذ زمن ستالين. ولقد أعاد لهم نيكيتا خروشوف اعتبارهم وضمن عودتهم لديارهم وتشغيلهم.
لم يجد غورباتشوف عملا وظيفيا فتوجه نحو العمل السياسي وأصبح رئيسا لمنظمة الطلبة(الكومسمول) في مدينته . ورغم أن هذا الموقع ليس بالشيء الكبير ولكنه خطوة أساسية للتسلق ضمن سلالم الصعود الحزبي.
هناك شخصية حزبية لعبت دورا كبيرا في مسيرة صعود غورباتشوف زمان حكم خروتشوف انه فيودوركولاكوف مسؤول اللجنة الحزبية في ستافروبلي . فقد سحب كولاكوف لرئاسة الكومسمول على مستوى المقاطعة، وكان يومها غورباتشوف قد بلغ (29) سنة.
واخذ غورباتشوف يطبق التوجيهات و التعليمات الحزبية بكل حماس عن طريق نشاطه في منظمة الشبيبة ، وسعى في تطبيق الشعار المركزي المطروح آنذاك: (( ينبغي على الكومسمول أن يساعد الحزب في قضية تربية الشبيبة بروح الشيوعية .
ليست رئاسة الكومسمول موقعا يملك صلاحيات الأمر والنهي في المقاطعة، ولكن رئيس الكومسمول مرتبط ارتباطا مباشرا بهذا المسؤول الآمر الناهي موراخوفسكي إذ توطدت علاقة غورباتشوف معه منذ عام 1956 إلى أن جعله نائبا له عام 1970 – أي أن غورباتشوف أصبح نائب اللجنة الحزبية في ستافروبلي . وعندما نقل موراخوفسكي إلى موسكو حل بمحله غورباتشوف وذلك عام 1978 ف واستمرت صداقتهم فيما بعد.
إن أول حدث تاريخي في حياة غورباتشوف كان حضوره لأول مرة المؤتمر (22) للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1960 ،ذلك المؤتمر الذي ألقى فيه خروشوف تقريره السري . حضر غورباتشوف المؤتمر بصفته رئيسا للكومسمول في ستافروبلي وكان عدد الحضور في المؤتمر المذكور أكثر من (6) آلاف شخص ، وهذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها غورباتشوف قصر الكرملين.
كان نيكيتا خروشوف قد هز الحزب بنقده الستالينية التي أطلق عليها لفظ (الصنمية) وبذلك كسب خروشوف التأييد الحزبي والشعبي الكبير خصوصا بعد قراره بعودة كل المهجرين إلى ديارهم ومناطقهم ، أي أولئك الذين أبعدهم ستالين قسرا إلى سيبريا ، وكذلك التخلي عن مطاردة الشعراء الشباب من أمثال اوكوخاف ويفتيشنكو وفوزنسفكي وغيرهم.
وما أن عاد غورباتشوف من المؤتمر فانه عقد العديد من الندوات في مدينته يشرح فيها لشباب منطقته ما حصل في قصر الكرملين.
في عام 1964 وبينما كان غورباتشوف يقضي إجازته في منتجع على ضفاف البحر الأسود فقد دبرت عملية إزاحته وإجباره على تقديم استقالته، وذلك ليحل بمحله ليونيد بريجينيف الذي بقي ما يقارب العقدين من الزمن مسيطرا على الأمور في الاتحاد السوفيتي.
وكعادة النظم الحزبية وخصوصا أنظمة الحزب الواحد فعندما يتبدل الرأس تجري عمليات تصفية الحسابات والتنقلات الرأسية الحزبية والإدارية ضمانا لاستمرار عملية التغيير.
منذ الأشهر الأولى لتولي بريجنيف السلطة عام 1964 نقل غورباتشوف من الكومسمول ليصبح ((منظم الإنتاج الزراعي)) في المقاطعة. إن العمل في القطاع الزراعي كثيرا ما يقضي على الحياة السياسية للحزبيين الذين يعملون بهذا القطاع. وفي الحقيقة أن آخر ما يتمناه الكادر الحزبي في الاتحاد السوفيتي هو العمل في التنظيم الزراعي، لان القليل من يلمع في هذا القطاع وان الكثيرين هم الذين تحطم مستقبلهم السياسي بسبب العمل فيه.
تألق غورباتشوف في ذلك العام - 1964 - ومن أسباب تألقه حرارة الإصلاح الخروشوفي والعوامل الجوية (المناخية) المتتعلقة بمصادفة نزول الامطار بتوقيتات وكميات مثالية فكان انتاج الاتحاد السوفيتي من الحبوب في ذلك العام بلغ رقما قياسيا(140) مليون طن .
إذن لعبت الصدف في توجه الانظار إليه من قبل دوائر الحزب والدولة المسؤولة عن القطاع الزراعي. ومما ساعد على صعود نجمه ايضا طموحه في تطوير امكانياته العلمية إذ اقدم خلال تلك الفترة الى التسجيل في مدرسة الكادر الحزبي في ستافربلي ليصبح طالبا خارجيا ( غير نظامي) للحصول على شهادة في الاقتصاد الزراعي. وفي الفترة ذاتها انهت زوجته رايتسا دراستها العليا ونالت شهادة الدكتوراه في الفلسفة وتفرغت لمساعدته في اعداد البحوث لانشغاله الكبير بالعمل الحزبي . وقبل ان ينهي دراسته بمدرسة الكادر الحزبي بسنة واحدة تمت تصعيده الى درجة حزبية عالية ضمن منطقته إذ أصبح مسؤول الكادر في اللجنة الحزبية للمقاطعة، وبالرغم من انشغاله بمنصبه الجديد واصل دراسته بنشاط وحصل على شهادة التخرج عام 1967.
واحتفظ غورباتشوف محتفظا بعلاقته مع كوكالوف حتى وصل كوكالوف –كما ذكرنا سابقا-الى منصب وزير الزراعة وعضو المكتب السياسي للحزب إذ بقي بهذين المنصبين حتى وفاته عام 1979. ولا ننسى بأنه عندما كان غورباتشوف مسؤول الكادر في المنطقة كان كوكالوف بنفس الوقت مسؤولا للجنة المركزية للحزب في المنطقة.
وعلى هذا الأساس لايمكننا معرفة سر تقدم غورباتشوف وصعوده في سلالم الترقيات الحزبية دون معرفة العلاقات التي كانت تربطه بالمسؤولين الشيوعيين الكبار من ابناء منطقته مثل سوسولوف وهو الرقم الصعب في الحزب الشيوعي السوفيتي بالاضافة الى كوكالوف الذي كان له ضلع ومعرفة مسبقة بعملية تنحية خروشوف عام 1964 إذ كان الزعيم السوفيتي يقضي وقت استجمام وطلعة صيد قرب ستافربلي وقت كان كوكالوف مسؤول تلك المنطقة حزبيا.
ويذكر المؤرخ ميدفيدف ان كوكالوف وحمايته كانوا بالقرب من المكان الذي تم فيه عزل خروشوف ، وكان باستطاعته ان يفشل مخطط عزل خروشوف ولكن واقع الحال يشير الى ان كوكالوف كان مشتركا في العملية فتمت السيطرة على الرجل ببساطة واجبر على تقديم استقالته ليرحل الى سيبريا ليقضي ما تبقى من حياته هناك.
فضل المياه المعدنية على غورباتشوف:
تشتهر منطقة ستافروبلي بحماماتها المعروفة ومياهها المعدنية وينابيعها الغنية التي تستغل كمصحات يتردد عليها كل عام العديد من المسؤولين من أعلى المستويات في الحزب والدولة.
ومن الطبيعي لا يفوت غورباتشوف فرصة الاستقبال والتوديع لمختلف المسؤولين القادمين من موسكو.
وبالرغم من أن هذه اللقاءات غير رسمية إلا أنها تعد من الأمور المهمة وخصوصا في الأجواء التي يسود فيها نظام الحزب الواحد. ففي لقاءات كهذه تجري عمليات جس الأنباض بين الذين يلتقون وفي بعض الأحيان يجري اتخاذ قرارات كبيرة وهامة على صعيد الدولة خلال مثل تلك اللقاءات غير الرسمية. مثلا إن قرار عزل خروشوف وإجباره على الاستقالة قد تم اتخاذه خلال طلعة صيد قرب ستافروبلي وبحضور كولاكوف وحمايته-كما ذكرنا سابقا إذ كان وقتها مسؤول المنطقة حزبيا.
قام غورباتشوف ببناء علاقات شخصية طيبة مع كبار رجال الدولة والعساكر والموظفين البارزين ورجال الكي جي بي ، وهو يحاول أن يكسب ثقتهم ويوطد علاقته بهم . واستمر على هذا الحال لمدة أربع سنوات.
استدعي كولاكوف إلى موسكو فاحتل موقعه يفريموف فبنى غورباتشوف وبسرعة علاقات طيبة مع يفريموف . فأصبح فيما بعد غورباتشوف السكرتير الثاني للجنة الحزبية في المقاطعة و مسؤول الزراعة و مسؤول التوعية الثقافية.
وصل اسم غورباتشوف خلال هذه الفترة إلى سجلات موسكو لأن العضوية في سكرتارية لجنة المقاطعة للحزب تتطلب موافقة اللجنة المركزية. وفي كل الأحوال لا توجد أية عوائق حول الموافقة وسرعة إنجازها لوجود تزكية كولاكوف وسوسولوف لانهما موجودان هناك في مركز اتخاذ القرار في موسكو.
سجلت الزراعة رقما متدنيا عام 1969 ولربما كان مستقبل غورباتشوف السياسي على كف عفريت ولكنه نجا من المساءلة نظرا لترشيحه ضمن الوفد الحزبي الذي كلف بموجبه بالذهاب إلى براغ أي بعد التدخل العسكري السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا. وهذا يعني أن المركز قد طرح به الثقة بالإضافة إلى أن سوسولوف هو الذي اختار أعضاء الوفد بصفته مسؤولا على قسم الايفادات للخارج.
وهذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها غورباتشوف خارج بلاده وكان عمره (38) سنة.
يقول المؤرخ مدفيديف ربما اختمرت في عقل غورباتشوف فكرة إعادة البناء (البيروسترويكا) على اثر التدخل السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا . ولكنه يرجع فيقول كان غورباتشوف هادئا ووديا مع أعضاء الوفد وكان جديا في عمله مما يضمن له عملية الصعود الحزبي ،فهو يبتعد عن الخطأ ويساير الجو العام السائد حوله.
تم تعيينه في عام 1970 وبعد رجوعه من تشيكوسلوفاكيا سكرتيرا أولا للحزب في ستافروبلي. وهذه هي الخطوة الجدية حقا باتجاه صعوده السلم الحزبي.
إن مهمة السكرتير الأول للجنة الحزب في المقاطعة هي مسؤولية صعبة وكبيرة خصوصا في ظل عمليات الشد والجذب بين الحزب ومنظماته من جهة والدولة وأجهزتها ومؤسساتها البيروقراطية من جهة أخرى. وهذه سمة مميزة ومشتركة لأنظمة الحكم ذات الحزب الواحد.
في عام 1971 ف وخلال المؤتمر (24) للحزب الشيوعي السوفيتي تم انتخاب غورباتشوف عضوا للجنة المركزية للحزب. وكان بريجينيف في تلك الفترة بأوج عظمته. ومن الطبيعي أن غورباتشوف كان بعيدا عن مصدر اتخاذ القرار لأن بريجينيف له بطانته الخاصة من الكهول ضمن الثلاثي المعروف هو و كوسيجين رئيس الوزراء وبودوغورني رئيس مجلس السوفيت الأعلى.
وبصفته مسؤول الحزب في المنطقة وعضو لجنة مركزية ولصداقته الوطيدة مع سوسولوف وكولاكوف فانه قد تقرب أكثر من اليكسي كوسيجين.
وبسبب نشاطه الحزبي ونجاح الخطة الزراعية في المقاطعة وتقدم السياحة فيها فقد سجل غورباتشوف تقدما آخر في مسيرته السياسية عندما رشح إلى مفوضية السوفيتات.
شارك غورباتشوف في المؤتمر (25) للحزب الذي انعقد في النوار (فبراير) 1976 ف ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة في هذا المؤتمر. وفي الحقيقة أن بريجينيف كان مسيطرا تماما على أعمال المؤتمر. وبشكل مفاجيء تتدهور صحته (صحة بريجينيف) فنصحه الأطباء بأخذ راحة طويلة أو اختصار وقت العمل.
لقد اعتادت الناس على قراءة قرارات المكتب السياسي وهو أعلى سلطة في هيكلية الدولة السوفيتيبة، وغالبا ما تكون اجتماعاته اسبوعية ، فهو الجهة التي تتخذ قرارات في شتى المجالات تنشر في كل جمعة فهي تتناول مثلا تقرير حول إنتاج علب الكبريت بالبلاد أو خطة زيادة حليب الأبقار ...الخ وبذلك فان السكرتير العام للحزب جعل كل شيء في قبضته وهو مثقل بواجبات ومهام فرعية- فرعية في الوقت الذي تجري فيه الأيام وأعمار أعضاء القيادة تطعن السنين، فإذا تناولنا راس القيادة نجد أن اغلب أعضائها قد تقدموا بالسن. فهذا سوسولوف –رجل في الظل-اكبر سنا من بريجينيف ، أما كيريلينكو كان من أترابه فقد أبعده بسرعة ونفس الشيء حصل مع بودوغورني الذي حجم دوره بعد تقليده منصبا اسميا واعتباريا فقط(رئيس الدولة).
كان فيودور كولاكوف ،في هذه الفترة، اصغر أعضاء القيادة السوفيتية سنا وقد صعد نجمه في الاتحاد السوفيتي بسبب موقعه باعتباره مسؤولا عن القطاع الزراعي على مستوى الدولة،وقد سجلت البلاد عام 1976 ف رقما قياسيا في إنتاج الحبوب (223) مليون طن.
وبإيعاز من كولاكوف نشرت صحيفة البرافدا تجربة ستافروبلي الزراعية الناجحة وتم تسليط الضوء على قيادة الحزب فيها مع التركيز على أنها سلمت التقرير الخاص بالإنتاج السنوي قبل المدة المقررة بتسعة أيام. وقد ابلغ بريجنيف بذلك وصدر بعدها تعميم من اللجنة المركزية للحزب يحث بقية المقاطعات الإقتداء بتجربة ستافروبلي التي أنهت الحصاد في فترة قياسية.
وبعد بضعة أيام نشرت البرافدا موضوعا يتعلق بدور مسؤول الحزب هناك ، ميخائيل غورباتشوف ، وبذلك انتشر اسمه لأول مرة في البلاد.
مات فيودور كوكالوف في عام 1978 ف وهو سند كبير كان غورباتشوف يستند عليه في موسكو، ولكن هذا الحدث لم يؤثر على مسيرة غورباتشوف ، وعلى العكس من ذلك فان هذه المناسبة سنحت له الظهور لأول مرة على شاشة التلفزة ينعى فيها كولاكوف.
ولأول مرة يشاهد المواطن السوفيتي شاب هاديء الطبع ضمن تشكيلة قيادة الدولة يظهر ينعى رفيقه، ولكن لم يخطر على خلد احد بان ذلك الشاب سيكون يوما سيد الكرملين.
وكان موت كولاكوف قد فتح باب البحث عن بديل له في عضوية المكتب السياسي ووزارة الزراعة ومسؤولية قطاع الزراعة في المكتب السياسي . وكان رأي سوسولوف واندربوف وكوسيجين ان يقع الاختيار على ترشيح شاب للمكتب السياسي وتم ذكر ميخائيل غورباتشوف ، وواضح ان سوسولوف كان وقفا وراء هذا الترشيح وهو الذي اقنع اندربوف وكوسجين على فكرة ترشيحه لعدم وجود صلة قوية بين غورباتشوف من جهة وبين القائدين الشيوعيين المذكورين من جهة أخرى . ولكن بريجينيف حسم الموضوع في جلسة اللجنة المركزيه للحزب التي انعقدت في شهر الحرث (نوفمبر) حينما فضل ترشيح قسطنطين تشيرنينكو عضوا جديدا للمكتب السياسي ، وكان تشيرنينكو يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس مكتب بريجينيف .
والى جانب هذا تم اختيار شخص آخر كعضو مرشح لعضوية المكتب السياسي وهو نيكولاي تيخنوف الذي يبلغ من العمر (74) سنه . أي أن القيادة العليا بقيت متمركزة بيد كبار السن مع تفاقم مختلف الأزمات في الدولة السوفيتية . لقد جاء غورباتشوف للمرة الثانية إلى موسكو بعد (25) سنه من زيارته الأولى ولكن هذه المرة جاء كسياسي ينتمي إلى جيل الشباب ورجل أسهم في إنجاح الإنتاج الزراعي ، هذا القطاع الذي يبتعد عنه الجميع كما ذكرنا .
لقد تم تعيين غورباتشوف عام 1978 مسؤولا عن مكتب قطاع الزراعة التابع للجنة المركزية للحزب .وهو قطاع واسع ولكن صلاحياته محدودة بسبب تشابك وتقاطع الأجهزة البيروقراطية الحزبية والحكومية ضمن ازدواجية واضحة للعيان .
وفي نفس العام تم تعيين زوجته رايتسا محاضره في كلية الفلسفة في موسكو وقبلت بنفس العام ايضا ابنته ايرينا بكلية الطب.
الى اللقاء في الحلقة الثالثة.