عن ثورة أكتوبر أيضا...
نسيب عادل حطاب
2008 / 11 / 3 - 09:09
كنت حريصا قدر ألامـــكـــان أن أقرأ بأمعان ماكتب الفتره الماضيه عن ثورة أكتوبر. وأذ وجدت في الكثير من هــــذه الكـــتــــابات
والمداخلات مايستحق الاهتمام به والوقوف عنده ودراسته بعمق أكثر فقد أرتأيت أن أشـــــير بدوري الى بعض الملاحظات التي يمــــكن بمجملها أن تشكل رأيا شخصيا لقاريء-- ليس ألا-- يحرص مثل ألاخرين أن يعرف حقيقة ماجرى وأن يضع يده على الاسباب الحقيقيه لانـــــهيارهذه التجربه.
*أن الماركسيه تعلمنا أن تاريخ البشريه يســيرالى الامام ولكن ليس بخط مستقيم دائما أنما بخط متكسر يرتد بشكل حاد وموجع أحيانا
أخرى وأن فشـــل ثورة أكتوبر في بناء ألأشتركيه في الاتحاد السوفيتي رغم أنه بشـــكل أنتكاسه كبيره- ربما كان من الممكن تلافيها-
لايعني مطلقا نهاية ألتاريخ اوهزيمة الشيوعيه ولايبيح ترك النضال والارتداد للوراء.أود ألاشاره هنا لما حدث بعد أنهيار كــــومــونة
باريس أذ لم يندب ماركس وقتها الحظ العاثر لثوار الكومونه بل انبرى لدراسة ألتجربه وتحديد أسباب ألفشل وألأخفاق وقد شكلت هذه
الدراسه فبما بعد أساسا عمليا أستفاد منه لينين ورفاقه في ألأعداد والتنفيذ الناجح لثورة أكتوبر.
*مــع أن ثورة أكتوبر كانت نتاج مباشر وممارسه مبدعه وخلاقه للماركسيه فان هذه الاخيره في جانبها ألأخرعلم قائم بــذاتــــــــــه وأن
ماركس من خلال نظريته الاقتصاديه يعد واحدا من عظماء المكتشفين والباحثين الذين تركوا بصماتهم في ألتاريخ ألبشري أمثال - نيوتن- داروين- أينشتاين....الخ. أعتقد جازما أن كبارمفكري ألرأسماليه وأقتصاديها يدركون هذه الحقيقه جيدا رغم أنكارهم ألعـــــــــلني
لها بل ويحاولون ألأستفاده منها في ترقيع وديمومة سلطة رأس المال.
*لم يكن ماركس نبيا وما كانت الماركسيه دينا يتنبأ بالأ تي من الزمان وبالتالي حينما أشار(ماركس)الى مواضع الضعف والتناقض في
ألرأسماليه وحتمية زوالها وقيام مجتمع أشتراكي على أنقاضها بفعل نضال الطبقه العامله وحلفائها لم يترك لنا وصفه جاهزه لتطبيقها
وعليه فأن التطوراللاحق للثوره ألأشتراكيه والخطوات العمليه للبناء ألأشتراكي في مكان ما أوزمن ما ترك ماركس تحديده وألاشاره
اليه لمن يتصدى لهذه المهمه من شيوعي ألمستقبل.وأذا كانت ثورة أكتوبرقد فشلت في الاهتداء لأليات وسبل بنـــــــاء ألأشـــتراكيه
فأن ألأنسانيه التقدميه في سعيها المتكرر لذلك قد تحاول وتفشل وتحاول وتفشل مرارا قبل ان تهتدي لذلك.
*أن الصراع القاسي والعنيف الذي لازم قيام ألثوره ثم الحرب ألأهليه أللاحقه والتدخل الامبريالي أدى الى أشاعة روح العسكريتريا والمخابراتيه في المجتمع وأحدث قطعا عموديا فيه أساسه الموقف من الثوره كما افرزاصطفافا مؤلم في جانبه ألأخرأدى لخـســـــــــارة
الثوره والدوله السوفيتيه الفتيه لخبرة كوادر فنيه وعلميه بل وحتى كوادر ماركسيه مناضله وقد كان لينين ببصيرته يعي ذلك تمـــــــامـا
وقد تكرر هذا الســيناريو مرة اخرى داخل صفوف الحزب البلشفي نفسه بعد رحيل لينين المبكر وأستلام ستالين للسلطه العليا في الحزب
والتصفيات الجسديه الغير مبرره والغير مقبوله شيوعيا وأخلاقيا ألتي قام بها لرفاقه ورفاق لينين في اللجنه المركزيه-بوخارين –زينوفيف –كامينييف وأخيرا تروتسكي والتي تطورت لتصبح حملات تطهيركامله طالت كوادر مناضله ومخلصه في هيئات الحزب المختلفه.أن هذه ألسياسه أدت ألى افراغ الحزب من كوادره المخلصه والكفؤه والنزيهه وأشاعة الخوف وألانتهازيه والوصوليه وقتل روح المبادره وتسيد ألرأي ألواحد وألموقف ألواحد ألذي بات يملى على أعضاء الحزب من هيئاته القياديه العليا.
*بروز دور المخابرات والتأثير ألذي مارسته في الحياة الحزبيه والسياسيه كنتيجه مباشره لتأريخ طويل من الصراعات الداخليه والخارجيه .قد لانجانب الحقيقه أذ نقول أن السيطره الواضحه للمخابرات الروسيه في الحياة السوفيتيه بدأت مبكرا منذ أوائل الثلاثينات وأن تحكمها وصل حد التدخل في اختيار الاعضاء القيادين بالحزب واصبحت بدلا من الحزب الموجه الرئيسي للسياسه الداخليه والخارجيه. ولازال هذا الدور ماثلا للعيان حتى بعد أنهيارالدوله ألسوفيتيه
*مثلما كانت الديمقراطيه البرلمانيه ولاتزال شكلا من أشكال ممارسة البرجوازيه لديكتاتوريتها فأن على الطبقه العامله عـــــند أستلامها
السلطه ومن خلال حزبها أن تشيع ديمقراطيتها الخاصه ديمقراطية الطبقات المسحوقه كشرط أساسي لنجاح ألبناء ألأشـــــتراكي وهذا
مافشلت فيه ثورة أكتوبر.أن للديمقراطيه معنى طبقي ودور وظيفي متابين في كلا ألنظامين البرجوازي والاشتراكي.كما أن ديكتاتورية البروليتاريا كمفهوم ماركسي مناقض لديكتاتورية البرجوازيه واحتكارها للسلطه السياسيه والاقتصاديه لاعلاقه لها بالممارسات القمعيه والبوليسيه أو بالتسلط ومصادرة الحريات الفكريه والشخصيه الأساسيه لأفراد المجتمع الأشتراكي وهي لاتعني التعبير اللغوي ألمجرد
لكلمة الديكتاتوريه كنقيض للديمقراطيه.
*لم يستطع الحزب الشيوعي السوفيتي أن يخلق أو يبادرلتكوين القاعده الأجتماعيه لأدارة شوؤن الدوله كما انه فشل في انشـــاء مؤسسات المجتمع ألأشتراكي. وبأدعاءتمثيلها فقد بادر الحزب لمصادرة حقوق الطبقه العامله في المشاركه بادارة المؤسسات والمصانع.
*نتائج الحرب العالميه الثانيه وظهور مايسمى بالكتله ألشرقيه وألأعباء الماديه الجســــيمه التي تحملها الاتحاد السوفيتي لدعــــــم هــذه
البلدان ومحاولة بناء ألأشتراكيه على النمط السوفيتي وأستنساخ التجربه بكل أمراضها في بلدان لاتمتلك القاعده الماديه وغير مـــــؤهله
لذلك.من المفارقات في هذا الصدد ان يصر الاتحاد السوفيتي على محاولة بناء ألأشتراكيه في دوله مثل بولندا يكاد يكون دور الكنيســـه الكاثوليكيه الرجعي والعداء القومي للسوفيت والمزاج الشعبي الرافض كافيا لعرقلة اي مسعى في ذلك.
*أهدار ثروات ألمجتمع ألأشتراكي ليس فقط من خلال ألأعباء الماديه الضخمه الناتجه عن سباق التسلح الرهيب الذي فرضته الامبرياليه الامريكيه وانما من خلال أكذوبة( دعم البلدان الناميه لأعتماد طريق التطور أللارأسمالي ومجابهة الامبرياليه الامريكيه) فبــــــدلا من الارتقاء بالمستوى المعاشي للطبقات الكادحه في الاتحاد السوفيتي كانت ملايين الدولارات تذهب اما كمساعدات عسكريه او اقتصاديه لدعم الطغم الديكتاتوريه الحاكمه في بلدان العالم الثالث.
*في جـــزء من قراءاتي ....يميل البعض لتحميل شخص مــا بعينه ---غورباتشيف تحديدا--- وزرتفكيك الاتحاد الســــــوفيتي ان هــــذاالتصور خاطيء تماما أذ هو ضد طبيعة ألأشياء فالأفراد مهما علا شأنهم لايصنعون ألتاريخ من العدم...أن عوامل التفكك كانت كامنه أصلا داخل ألبناء....أدرك ألرجل أن ألامر يحتاج الى أصلاح( وهذه ربما تحسب له) فأدخل رأسه في جحر ألضّب ولم يستطع
أخراجه.لم يكن لينينيا حقيقيا ولم يستوعب الماركسيه مثل الكثير من أعضاء ألحزب أذ كانوا شيوعين بالأنتساب فقط. لــقد كانت هـــذه
النقطه بالذات من اهم عوامل الأنهيار فقد أمسى ألحزب منذ مرحله مبكره أثر التصفيات الكارثيه موئلا للأنتهازين والطامحين للأرتقاء
الوظيفي وبذا صار الحزب رغم ضخامته جثه هامده لاتقوى على الحراك ولولاهذا لما أستطاع يلتسين(هو ألأخر كان شيوعبا) وزمرته
اللصوصيه من سرقة الثوره ولجم عشرين مليون شيوعي على السكوت دون ان ينزل اي منهم للشارع ولو للأحتجاج فقط.
*كانت عمليات تأميم المعامل والمنشأت الصناعيه ومصادره أراضي الملاكين الكبار(الكولاك) ألتي قامت بها ألثوره فور أستلامها
ألسلطه ألخطوه ألاولى وألضروريه لبدء عملية التحول ألأشتراكي في المجنمع وبدلا من ان تتطورهذه العمليه لتصبح أســاسا للملكيه
العامه لوســــائل ألأأنتاج من خلال تعزيزســـلطةالعمال والفلاحين في ألأداره أتجه ألأمر تدريجيا لتركيزسلطة أدارة هذه ألمؤسسات
بيد الرفاق –ألمدراء ألعامين—ليمارس هؤلاء بمرور الوقت دور الرأسمالين الجدد أذ تكونت لهم مصالحهم وامتيازاتهم التي يحرصون على ديمومتها من خلال مناصبهم وأصبح العمال ينظرون اليهم كرمز للتسلط والأستغلال فشـــاع الكسل وعدم الأكتراث بالأنتاج وألأله
وانخفضت ألأنتاجيه بشـــكل رهيب. وهكذا كانت المؤسسات تستمر بالعمل رغم الخسائر الماديه الكبيره.
*ومع كل ماتقدم وأشرنا اليه يكاد يتسع الحديث عن ثورة أكتوبر ليتعقد ويطول بما لايلمه مقال سريع هنا وكتابه مبتسره هناك سيما أن
ذلك يقترن بالضروره بالنتاج اللاحق لهذه الثوره أعني ألاتحاد السوفيتي بكل مراحله—النشوء والتكوين—الحرب ألاهليه وتدخل رأس ألمال ألعالمي لأجهاض ألثوره—التطور أللاحق للثوره—أسلوب قيادة ألحزب للمجتمع---البناء ألاقتصادي وألاجتماعي للدوله السوفيتيه
--أسباب ألفشل وألأنهيار...ألخ .أعتقد أن التصدي لكل ذلك بالدراسه وألتحليل تقع أولا على عاتق ألأحزاب والحركات ألشيوعيه والعماليه العالميه .وهي مهمــــــه عاجله و ضروريه لاغنى عنها لتحديد فهم ماركسي لملامح المرحله الراهنه وأستئناف ألنضال بصيغ متطوره .
*ويبقى أن ثورة أكتوبربكل مايحسب لها ويؤخذ عليها كانت خطوة عظيمه -- لن يذهب تأثيرها سدى -- على طريق تقويض سلطة الراسماليه البشعه وبناء عالم أنساني جديد أكثرعدلا ومســاواه وهذا أمرلاينتطح فيه عنزان.