كتاب ولا يعرفون الفرق بين القصاص والانتقام والثأر!

حمزة الجواهري
hjawahri@yahoo.com

2007 / 1 / 11

القصاص والانتقام والثأر، هذه المعاني الثلاثة يطلبها الإنسان أو المجتمع ممن أقترف جريمة ما، ربما فقه الكلمات الثلاثة فيه الكثير الذي يجب أن يقال، لكن في مقال قصير لابد من الاختصار.
القصاص قضية أقرتها كل الحضارات قديما وأقرتها الأديان والمجتمعات الحديثة على اختلاف ثقافاتها، لقد تم تثبيت القصاص بشريعة أكد في عصرها الثالث على جدارية أورنمو عام2050 قبل الميلاد، وهو أول تشريع كتبه الإنسان تم اكتشافه لحد الآن، تلاه تشريع بابل في عصرها الأول في مسلة حمواربي عام1750 قبل الميلاد. بعد ذلك لم تبقى حضارة قديمة ولا حديثة يخلو تشريعها من القصاص العادل، وجميع الأديان بلا استثناء أقرت بضرورة القصاص العادل، وفي القرآن تقول الآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة يا أولوا الألباب".
بمعنى أن القصاص مطلوب شرعا من الناحية الدينية والقانونية، ولا يمكن التنازل عنه تحت أي ذريعة كانت، بالطبع يجب أن يكون وفق القانون، ولم أجد لحد اللحظة عاقلين اختلفا على أن كان صدام مجرما وقد اقترف من الجرائم ما لم يقترفه إنسان من قبل، ومع ذلك أجد أن الإعلام العربي مدفوعا من قبل الأنظمة التي تمتلك هذا الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر خلط الأوراق وتجعل من صدام شهيدا! حتى أن بعض الجهات الرسمية العربية قد اعتبرت تنفيذ عملية الإعدام بحقه "عملية اغتيال"!
في الحقيقة لا أدري من الذي تم اغتياله، صدام؟ أم العقل العربي؟ العقل الذي أهانوه ليقبل أن يكون المجرم بطلا شهيدا!!!
هذه الحالة الغير مسبوقة، لا تعبر عن نصر إعلامي، ولكن تعبر عن حالة من الوعي العربي متدنية للحد الذي ينذر بكارثة، إذ ليس معقولا في القرن الحادي والعشرين أن نجد شعوبا من السذاجة بحيث تقبل اعتبار صدام ضحية! وعملية إعدامه انتقام أو ثأر أو اغتيال! ومن ثم فهو شهيد! وبطل! وقائد الأمة التاريخي! وهو.... وهو....!
هذه الحالة بحاجة إلى دراسة، بل دراسات موسعة من قبل علماء الاجتماع لكي نعرف أسبابها الحقيقية وأن تعالج، ليس من قبل الأنظمة، لأنها، بلا أدنى شك، هي السبب وراء هذا التدني بالمستوى الثقافي والمعرفي المريع، لذا من الضروري أن تكون مسؤولية المثقفين والعلماء، وهو ما نطلبه من دور العلم والجامعات والمنتديات الثقافية وأجهزة الإعلام المستقلة لمواجهة هذا النوع من التدني المعرفي والثقافي الذي بلغه العربي!؟
تصوير عملية الإعدام بكاميرات الفيديو ونشر الأفلام عبر الانترنت، أمر مشين ومرفوض أخلاقيا، ولكن هذا لا يعني أن القصاص ليس شرعيا، ولا يبرر اعتبار القصاص العادل من خلال محاكمة دامت جلساتها41جلسة، وأدارها خمسة قضاة بعيدون عن الطائفية تماما، ولا يمكن القول أنهم قضاة غير مؤهلين، لنهم أصلا كانوا يعملون في سلك القضاء لسنين طويلة، وقد تدرب القضاة الخمسة في بريطانيا على أيدي قضاة محترفون بما عرف عن حرفية القضاء البريطاني وأهليته، كما ولا يمكن اعتبار المحكمة غير شرعية لأن قانونها كتبه عراقيون وليس كما صوره البعض على أنه قانون كتبه الاحتلال، وقد أقر القانون برلمان شرعي منتخب يشارك به جميع أطياف الشعب العرقي بلا استثناء. ولكن مع ذلك بكل بساطة تجاوز الإعلام العربي على الحقائق وسوق أخرى معكوسة عن المحكمة وحيثياتها رغم أنها كانت علنية بكل جلساتها!
هنا يأتي سؤال مهم جدا، هل العرب سذج لهذا الحد حتى يتجاوزوا على كل هذه الحقائق وأن يعتبروا أن المحكمة غير شرعية؟
القصاص هو عقاب عادل، وهو ليس انتقام، لأن الانتقام هو الفعل الغير منضبط، ربما يكون مقبول اجتماعيا، تحديدا في المجتمعات المتخلفة، وهو ما نسميه بالثأر الذي يرفضه القانون فيما لو كان دون ضوابط قانونية، لأن بعض الأنظمة والوانين العربية تبيح الثأر الغير منضبط قانونيا، كالجرائم التي تسمى بجرائم الشرف، أما القصاص فإنه على أساس من القانون والقضاء، وهو في نهاة الأمر نوع من الانتقام على أساس قانوني، لأن من يطلب الانتقام ويلجأ للقضاء يعتبر طلبه مشروعا ومسوغا من الناحية الأخلاقية والعرفية والاجتماعية.
في هذا الصدد كتب فهمي هويدي مقالة بعنوان "رسائل الإعدام المهين " اليوم الثلائاء 9 يناير في صحيفة الخليج الإماراتية، الغريب هو أن هويدي يجد بصدام "جلاد من أجل الوطن"!! ولا أدري كيف سمح لنفسه أن يكتب مثل هذا الهراء؟! وهل الملايين الذين جلدهم صدام كانوا ضد الوطن؟! أم أن الوطن، العراق، يعني لفهمي هويدي فقط العوجة وما جاورها من قرى؟! أم أن الكورد والعرب من مختلف المذاهب الذين قتلهم نظام صدام ليسوا من أبناء الوطن؟! وحسب علمي أن فهمي هويدي كان كاتبا منذ أن قتل صدام أول عراقي بلا ذنب، لكن لم أقرأ له كلمة واحدة تدين صدام أو نظامه الذي قتل الملايين من أبناء الوطن! فلم كل هذا الحرص والتباكي على عيد الأضحى الأخير فقط؟ صدام كان يقتل قبل وأثناء وبعد العيد وخلال الأشهر الحرم التي تمر سنويا ويقتل بلا محاكمة وبلا أي مسوغ قانوني أو عرفي أو أخلاقي، ومع ذلك لم نقرأ كلمة واحدة تدين نظام صدام رغم اعترافه بذات المقال أن صدام مجرم وقد اقترف آلاف الجرائم، بل مئات الآلاف! فهل تذكر فهمي هويدي الآن فقط أن هناك شعبا كان يقتل؟! وما هو السبب الذي جعل من هويدي لا يشعر بالمهانة من القتل يوم العيد في السابق؟ وما الذي يجعل هويدي لا يشعر بالمهانة عندما تقطع الأيدي والرؤوس أيام الأعياد والجمع في أماكن أخرى عربية أيضا؟ وأسئلة كثيرة يضج بها العقل السوي كلها تدور حول صحوة الكرامة المفاجئة لدى هذا الرجل وغيره!
بهذه الطريقة المضحكة يسوق مثقفو العربان أفكارهم الطائفية والعنصرية الخائبة، فكيف يفكر الساذج منهم؟!
ويذهب هويدي وآخرون بعيدا ليصفوا عملية الإعدام على أنها ثأر! في حين أن الثأر لا يجري على أساس من قانون ولا قضاء وترفضه كل الأعراف، فهل يعقل إن المثقفين العرب لحد الآن لا يدركون الفرق بين الانتقام والثأر والقصاص؟ هذه كارثة لو كان الأمر كذلك!
لم يبخل علينا بعض المتعاطفين مع صدام أو نظامه أن يطلقوا الدموع الحرى طالبين التسامح! ولا أدري ما إذا كانوا يدركون أن التسامح مسألة شخصية أم لا؟
أنا مثلا أسامح بدم أخي، لكن ابن أخي لا يقبل أن يسامح بدم أبيه، وهو نفس الضحية، فهل أجبر ابن أخي على قبول التسامح بدم أبيه؟ وهل يعقل أن تطلب من شعب أن يسامح! ربما تطلب هذا الأمر من شخص، أو مجموعة أشخاص على عدد الأصابع، لكن الذي لا يقبله عقل ولا منطق هو أن تطلب هذا الأمر من شعب لكي يسامح بدماء أبناءه! وهل من بيت عراقي يخل من ضحية لنظام صدام؟!
والغريب أن فهمي هويدي العنصري حتى النخاع يحرض الكورد بعد أن أتضح أخيرا بقدرة قادر حرصه على ضحايا الكورد! وهو المعروف بكرهه للكورد، نجده يحرضهم لأن إعدام صدام كان يجب أن يتم بعد الانتهاء من محاكمة الأنفال!!!! ربما كان قد سمع الدكتور محمود عثمان السياسي الكوردي وهو يدلي برأيه في هذا الموضع، لذا وجدها فرصة سانحة ليعمل على الوقيعة بين الكورد والعرب في العراق، أي دجل هذا! وأي سذاجة سياسية هذه؟!
كأني بفهمي هويدي قد تنبه الآن أن هناك ضحايا في عمليات الأنفال، وأن شعبنا الكوردي قد قتل اليوم! والغريب أن هويدي يعد جريمة إعدام صدام قبل الانتهاء من محاكمة الأنفال أكثر جرما من جرائم الأنفال بكل بشاعتها!!! ويريد أيضا الانتظار لحين الانتهاء من القضايا السبعة الأخرى، بناءا على مبدأ المساوات بين الضحايا!! وكأن فهمي هويدي هو الذي اخترع مبدأ المساوات!!!! فإذا كانت قضية الدجيل قد أخذت من الوقت أكثر من سنة، والأنفال ربما تطول لمدة أكثر، فهل هذا يعني أن علينا الانتظار عشرة سنوات أو يزيد حتى يتم تنفيذ القصاص العادل بحق صدام؟ إنه أمر مضحك حد البكاء!
لم يعد سرا أن فهمي هويدي وغيره من العرب الذين يستهترون بمشاعرنا وحقوقنا بدوافع طائفية وعنصرية ويستخفون بنا وبدمائنا وشهدائنا، لذا أقول لهم أن محكمة الأنفال قد أصبحت أكثر شعبية من سابقتها، لأنها تعزز عدالة الحكم على صدام، لكثرة الأدلة الدامغة، وكثرة الضحايا الذين يعدون ب180ألف قتيل وما رافقها من عمليات قتل جماعي، وتطهير عرقي، وتغيير للبنية الديموغرافية ومصادرة أموال بغير حق، بل وكل أنواع الجرائم بحق الإنسانية التي أقترفها النظام البعثي بحق الكورد وغير الكورد، تلك الجرائم التي تجاهلها كل العرب ومنهم فهمي هويدي وغيره من مرتزقة القلم "عبيد صدام" أو كما أسماهم نبيل شرف الدين أخيرا ب"أرامل صدام"، فهل يعقل أن فهمي هويدي لم يسمع بالأنفال قبل اليوم؟ وهل يعقل أن هويدي لا يعرف أنهم مسلمون أيضا كونه من المزايدين على القضايا الإسلامية؟
المرتزقة العرب الذين مازالوا يبكون على سيدهم صدام ولم يستفيقوا من الصدمة لحد الآن على حد قول هويدي، بودي لو أنهم جلسوا في مقهى أو بيت عراقي وسجلوا انطباعاتهم عن ردود أفعال الناس وهم يتابعون محاكمات صدام وأعوانه، لشاهدوا أن العراقيين يتابعوها اليوم بشغف كبير بعد أن ملوا من مشاهدة المجرم على شاشة التلفزيون وهو يستهتر بكل شيء ويوجه الإهانات لكل من هب ودب، حيث بعد تنفيذ حكم الإعدام أيقن العراقيون أن هذه المحاكمات لها جدوى حقيقية وليست ضحكا على الذقون، لأن الانطباع الذي كان يسيطر عليهم هو أن صدام سيفلت من حبل المشنقة، خصوصا بعد أن تعالت الأصوات المنكرة التي تدعوا للتسامح أو تبديل الحكم بآخر مؤبد، وبعضها راح ينادي بمحاكمة المسؤولين العراقيين وإطلاق سراح صدام! كما وأن الخوف من تهريب صدام كان يسيطر على كل عراقي، لأنهم يعرفون أن أصدقاء أمريكا في المنطقة يعملون بكل الوسائل من أجل إنقاذه، ولو كان المالكي قد خضع لرغبتهم لكان صدام الآن ينعم بالحرية الكاملة في أرقى منتجعات الدنيا.
وأخيرا لابد من الوقوف إجلالا لحكومتنا لأنها أبدت شجاعة كبيرة باتخاذه القرار الصعب رغم كل المعوقات والضغوط الكبيرة التي سلطت عليها، وهذا يدل على أنها تمتلك قوة الإرادة المطلوبة، وفي الحقيقة هو ما نحتاج له في المرحلة القادمة، بعد أن لاحظنا فشل الخطط الأمنية السابقة بسبب شلل القرار الحكومي، أي أن إعدام صدام كان مؤشرا قويا على تحرير الإرادة العراقية، وهو أهم ما نحتاج له هذه الأيام.

2007-01-09



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن