حدث إعدام صدام بداية لواقع جديد

حمزة الجواهري
hjawahri@yahoo.com

2007 / 1 / 3

2007-01-02
عملية الإعدام تمت ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فقد نشط الإعلام العربي وحتى بعض الإعلام الغربي لدوافع معروفة، وظهرت طروحات عجيبة وبعيدة عن الواقع كل البعد، لكن بذات الوقت قرأت وسمعت مساهمات لبعض المحللين كانت جادة وذات معنى، لكنها بالتأكيد لم تغطي الموضوع بالكامل.
التحليل الأكثر رواجا هو أن إعدام صدام سوف يكون سببا لتأجيج روح الانتقام الطائفي! وقد بالغ البعض بهذا الشأن فتوقعوا أن الحرب الأهلية سوف تكون واقعا لا مجرد تمنيات!
في الواقع لو كان باستطاعة تحالف البعثيين والسلفيين، وهم المسؤولين أصلا عن تأجيج العنف الطائفي المسلح، لو كان باستطاعتهم عمل المزيد لما انتظروا لحين إعدام صدام ليأخذوا بالثأر، فهم بلا أدنى شك كانوا يعملون بكل ما أوتوا من قوة لتأجيج الصراع الطائفي والإخلال بالوضع الأمني، ولم يعد باستطاعتهم فعل المزيد، كما وان محاولات تأجيج الحرب الأهلية كانت من حيث الأساس صناعة زرقاوية تبناها البعث من الأشهر الأولى لسقوط نظامهم، وما سيحدث ليس أكثر من استمرار بهذه المحاولات البائسة.
وفي واقع الأمر هناك من فقد الأمل بعودة صدام، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا إيجابيا على مجريات الأحداث خلال العام الجديد، لأن الذين مازالوا يأملون بعودة النظام السابق قد سيطر على نفوسهم اليأس بعد موت صدام، لكنه على العكس من ذلك بالنسبة لمن يبحثون عن انتقام، وهذا يعني أن الرؤى تتبلور بشكل واضح جدا في معسكر المعادين للنظام الجديد، بحيث يمكن أن يكون الفرز سهلا في المرحلة القادمة، ويكون موضوع البحث عن حلول أكثر واقعية من خلال الحوار سيكون أفضل عما كان عليه الأمر وصدام حي يرزق.
ربما يساهم الحدث بانضمام المزيد من عناصر المسلحة التي تسمى "مقاومة"، ولكن يبقى الأثر محدودا ومحصورا بالبعثيين فقط، لأن السلفيين لا يطيقون سماع اسم صدام، وربما هم فرحون بعض الشيء بموته، كون غيابة تماما عن الساحة يقربهم من الهدف الذي يحاربون من أجله في العراق، وهو إقامة دولة إسلامية على أرض الرافدين، لأن بوجود صدام، يعتبر هذا الهدف بعيدا جدا عن أعينهم.
لكن بحساب الإمكانيات الحقيقية لهذا التحالف نجد أنه سينهار بسرعة شديدة فيما لو قررت الولايات المتحدة ضربهم وتصفيتهم بصدق، وليس عمليات متراخية شكلية بسبب تخوفهم من المليشيات الشيعية المدعومة من قبل أطراف عديدة في الدولة، وتشارك في العملية السياسية، لأن من المستحيل أن يترك الأمريكان العراق بأيدي هذه المليشيات يتفردون بالسلطة بعد القضاء على عدوهم اللدود تلك العناصر المسلحة من تحالف البعثيين والقاعدة، وذلك لأن خطر النظام الذي تقيمه المليشيات الشيعية على الولايات المتحدة أكبر بكثير لوجود إيران المنفلتة والتي تفعل ما تشاء إقليميا وعالميا. هذه الإشكالية سوف يكون حلها أكثر سهولة بغياب صدام.
أطراف أخرى من حزب البعث تجد بموت صدام حرية أكثر بالعمل، لأن معظمهم يحجم عن العمل من جديد في الحزب، وذلك لأن النتائج سيحصدها صدام ولا ينوبهم من العودة للعمل سوى التضحية، وربما يكون الثمن غالي جدا، هذا إذا كانت هذه الأطراف تحمل السلاح.
أما الأطراف البعثية التي تريد الدخول في عملية سياسية على أساس المشاركة وتصحيح المسار الفكري للبعث وقبوله بمبدأ الشراكة لا مبدأ القيادة، فإنها اليوم تجد بغياب صدام عن الساحة نعميها المفقود، لأن بوجوده ما كان باستطاعتهم العمل بهذا الاتجاه.
بالرغم من تحويل أنظار الشارع العربي نحو معنى فارغ متمثل بالإهانة الموجهة للمسلمين كون التنفيذ تم يوم العيد، وبالرغم من أن المسلمين متعودين على الإهانات من قبل حكامهم مهطعين خانعين، ولكن حين يتعلق الأمر بالحكومة العراقية التي لم يبقى عربي إلا وشتمها وأتهمها بالعمالة لأمريكا، كان الأمر سهلا على الإعلام العربي تحويل الأنظار نحو أمريكا والحكومة العراقية وكيل التهم عليهما، مستفيدين من هذه الإهانة المفتعلة، وهكذا سجل الإعلام العربي المظلل نصرا جديدا بتشويه الحقائق وقلب مضامينها.
الإعلام كان هو الأداة لتحريف المعنى الحقيقي لعملية إعدام صدام من أنها رسالة للشعوب المقهورة ودعوتها لمحاسبة جلاديها، وفق القانون كما فعل الشعب العراقي، لكن تمكن الإعلام العربي المظلل من تحويل الأمر إلى دعم للطغاة، بحيث صارت الشعوب تدافع عن جلاديها، وتتوسم بهم رد الإهانة!
طبعا، هذا التشويه الإعلامي للحقيقة وقلب مضامينها، لا يعني أن هناك فئة مثقفة وأخرى واعية لكنها صامتة وتمتلك الحس الكافي للخروج بالاستنتاجات الحقيقية من هذه التجربة الجديدة في المنطقة، التي لم تشهد حدثا كهذا من قبل، وهذا ما لاحظناه حصرا في الصحافة المصرية واللبنانية، حتى ردود فعل الشارع في هذين البلدين كانت متباينة، لأن البلدين يتمتعان بقدر معقول من حرية الصحافة والرأي الحر.
الرؤساء وإن كانوا قد نجحوا بتحويل الأنظار عنهم نحو قضية شكلية تافهة، وهي أن الإعدام تم يوم العيد، لكنهم أدركوا تماما أن انتقام شعوبهم سوف يكون وفق القانون أيضا تماما كما فعل العراقيون، وهذا الأمر شديد القسوة على الحكام، أضف إلى ذلك، فإن شعوبهم قد تنبهت أن هناك رؤساء لا يختلفون عن صدام حتى لو كانوا أقل بشاعة منه، لكنهم بالتأكيد قد ارتكبوا من الجرائم ما يكفي لمحاكمتهم بأكثر من قضية، لذا فإن التجربة، أو الحدث، كان وقعه على رؤوسهم كوقع الصاعقة، بل خنقهم للحد الذي لم يتمالك البعض منهم نفسه، فأعلن الحداد! وآخرون أصدروا البيانات الانفعالية، وغيرهم أقاموا مجالس العزاء، كلها كانت تعبر عن حالة من خوف والهلع الذي بدأ يقض مضاجعهم، وبذات الوقت، وإمعانا باستغفال شعوبهم بأن جعلوا من الضلالة حقيقة يتكئون عليها.
لابد أن أصدقاء أمريكا من الرؤساء العرب قد أدركوا أنها لا تستطيع دائما حمايتهم من غضب الشعوب، فقد كشفت التجربة أن أمريكا لم تستطع أن توقف عملية الإعدام لأسبوعين كما طلب السفير الأمريكي زلماي نيابة عن الإدارة في واشنطن، أو بالأحرى نيابة عن أصدقاء أمريكا الذين عدوا العدة لتهريب صدام من سجنه وهو تحت سيطرة الحكومة العراقية لا الأمريكان، وإن عملية إنقاذ صدام من حبل المشنقة قد باءت بالفشل الذريع، ولم تؤتي أوكلها كما خططوا لها، هي أن يتم تهريب صدام وهو تحت سيطرة الحكومة العراقية الهشة وأجهزتها الأمنية المخترقة بالكامل، لكن مباغتة الحكومة المعبرة عن إرادة شعبية قد أفشلت خطتهم، وقد يتكرر السيناريو معهم يوما ما......... لم لا؟
لا أدري ما إذا كان الحكام العرب سيتعظون من هذه التجربة وأن يخففوا من اضطهاد شعوبهم أم لا؟ قد لا أكون مغاليا لو قلت إنهم ماضون في غيهم ولا يمكنهم التنازل عن وسائل الإذلال لشعوبهم، لكن التجربة لا بد مفضية لما هو إيجابي، وذلك بتغيير أسلوب التفكير للإنسان العربي رغم أنف الإعلام المظلل.
الإعلام وأيتام صدام الذين توطدت علاقتهم خلال هذه الأيام أكثر من ذي قبل، تناسوا الشرعية وحكم القضاء العادل وراحوا يبحثون عن تفاصيل صغيرة لا تغني، كأن يكون الدكتاتور قويا ومتماسكا وهو يواجه الموت، أو أن هناك تظاهرات في مناطق معينة من العراق تشجب وتستنكر هذا العمل الذي لا يتورعون عن وصفه بالعمل الإجرامي، والبعض منهم حول الموضوع من شكله الحقيقي كونه حكم القضاء، إلى موضوع انتقام ذو طبيعة طائفية مستندين على هتافات باسم مقتدى الصدر في شريط الإعدام، وكأن شهداء العراق الذين قتلهم صدام من آل الصدر فقط! لذا فإن عملية إعدامه كانت نوعا من الانتقام على أساس طائفي، وليس السبب هو سقوط أكثر من مليوني شهيد عراقي خلال حكم الطاغية صدام، كان البعض منهم قد قتله صدام بنفسه، وأكبر من هذا العدد بكثير من الأرامل والأيتام والأمهات الثكلى أنتجته سياسات وجرائم النظام، وأن هناك جرائم تطهير عرقي، وسياسات تغيير البنية الديموغرافية للبلد، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إشعال حروب ضد دول الجوار، وجرائم تصفية رجال دين من كلا الطائفتين، وجرائم تصفية الأحزاب الوطنية، وكل من يحمل فكر غير البعث، وجرائم البيئة، وجرائم أخرى لا تعد ولا تحصى، كأنها قد اختصرت لتكون وكأنها قضية انتقام طائفي من قبل جماعة الصدريين!!
وهناك من أسرف بالمواعظ الساذجة والحديث عن التسامح، وكأن المسألة تتعلق بخلاف فكري أو خلاف حول قضية شجار في مقهى شعبي، وليس مسألة كبرى وفيها حكم قضائي عن جريمة واحدة فقط من جرائم صدام ونظامه الكثيرة بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة والإنسانية! ونسوا أو تناسوا القوانين الشرعية للإسلام الذي تلزم بالقصاص العادل، أي إنهم نسوا ما هو ملزم، وراحوا يتباكون على ما هو غير ملزم، أي التنفيذ يوم العيد!
ثم أن جرائم صدام ونظامه لا يمكن محاكمته عليها بالكامل، فلو قدر لهذا الأمر أن يحدث، لأحتاج العراق إلى أكثر من500 سنة لمحاكمة الطاغية على كل هذه الجرائم، لأن وزن الوثائق التي قيل أن مؤسسة الذاكرة العراقية تملكها، وكلها تدين النظام وأقطابه، يقدر وزنها بخمسة أطنان، وتعد بملايين الوثائق، وإن محاكمة الطاغية حول قضية الدجيل أو الأنفال أو القضايا السبعة الأخرى التي تنتظر اكتمال التحقيق بها، ما هي إلا نماذج تغطي أنواع الجرائم التي ارتكبها نظام صدام وليس جميعها.
أما كون قضية الدجيل هي القضية الأولى التي نظرت بها المحكمة الخاصة، فإن أمرها ليس بحاجة إلى تفكير طويل، ذلك أن رئيس الوزراء السابق والحالي من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية، وإن مجزرة الدجيل كانت ضد أعضاء هذا الحزب تحديدا، ولو كنت أنا على رأس السلطة، رغم أني لا أتمنى ذلك، لاخترت أن تكون القضية الأولى مقتل أبناء عمومتي قبل انتفاضة ال91 وبعدها، أو ربما أختار أن تكون المحاكمة الأولى حول المجازر التي ارتكبت بحق الشيوعيين كونهم المتضرر الأكبر من النظام، لذا لا أعتقد أن حزب الدعوة مدان لأنه طالب بحق الضحايا من أعضاءه، فهو سلوك طبيعي وأكثر من مبرر، وليس على أساس طائفي كما يحلوا للبعض تصويره، ولا يمكن اعتبار التنفيذ على أنه انتقام، لأن لو تأجل التنفيذ يوما واحدا لهربوا صدام وهو بعهدة الحكومة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن