قراءة كاثوليكية لرواية ( الأبله الرائع ) .

محمود يعقوب
mahmoodyeaqop@gmail.com

2022 / 10 / 6

قراءة كاثوليكية لرواية ( الأبله الرائع )
رواية ( الأبله الرائع ) ، تأليف الياباني شوساكو أندو ، وترجمة فلاح رحيم .
( اسطعي يا كل النجوم )
ما من كاتب مبدع تقرأ له عملاً جديداً ، ويجذبك حقّاً لتكرار قراءة مؤلفاته السابقة أكثر من الروائي الياباني شوساكو أندو . أقول ذلك عن تجربة حيّة مع هذا الكاتب الساحر ؛ فأي عمل أدبي يُترجم له ، يبدو أنه على صلة وثيقة بما سبقه من أعماله الأدبية الأخرى ، حتّى وإن كنا نقرأ هذا العمل الفني كعمل منفصل ، إذ سرعان ما يحيلنا إلى النصوص الإبداعية الأخرى للكاتب نفسه .
ثمة أواصر عقائدية متينة تربط رواية ( الأبله الرائع ) مع روايات شوساكو أندو التمثيلية الأخرى . حيث تركّز الرواية على محنة المسيحية في مجتمع " وثني " ، وخطورة التبشير الديني فيه . ويستمر الكاتب في استكشاف القضية المسيحية في العصر الحديث ـ قبيل وبعد الحرب العالمية الثانية ـ وكان قد بذل قصارى جهده في تتبع هذه القضية منذ القرن السابع عشر في أعماله الأدبية ، لا سيّما رواية " الصمت " . في كل رواية يقدّم شوساكو نوعاً جديداً من أنواع التعذيب ، والترهيب الذي طال المسيحيين ، المؤمنين ، الفقراء ؛ وألوان أساليب القهر التي تعرّضوا لها في اليابان ، منذ بداية مرحلة التبشير المسيحي وحتّى العصر الحديث . وفي واقع الأمر ، لم يكن التسامح الديني معروفاً مع المسيحيين اليابانيين ، الذين كانوا يؤدون طقوسهم بتجمعات سرّية ، وما يلبث أن يقوم المسؤولون بقمع هذه التجمعات في منتهى القسوة .
يكتب شوساكو أندو أدبه من منظور كاثوليكي روماني ، وتعد روايته الشهيرة " الصمت " مثالاً حيّاً لأدبه المسيحي العقائدي . وهو غالباً ما يلجأ إلى شخصيات حقيقية ، وأخرى خيالية في بناء مادته الإبداعية لأجل أن يروي حكاياته . وقد جاهد الكاتب لصقل صورة " يسوع " اليابانية ، كرمز للخلاص ، واستغرق سبع سنوات لتطوير يسوع من ( الإله الأم ) في رواية " الصمت " ، إلى ( الرفيق الأبدي ) في كتاب " شاطئ البحر الميت " . ففي روايته الشهيرة " الصمت " كان السعي هو لغرس المسيحية في المعتقدات اليابانية ، أما في " شاطئ البحر الميت " فكان السعي إلى جعل يسوع رفيقاً أبدياً في قلوب أبناء الشعب الياباني ، وجنباً إلى جنب معهم . وكان شوساكو يكدح في أعماله لاستكشاف صورة اليسوع التي يمكن أن يتقبلها اليابانيون برحابة صدر .
يعتقد شوساكو أندو أن سبب عدم قدرة اليابانيين على فهم المسيحية بشكل أساسي ليس بسبب تربة الفكر الياباني القائمة على فكرة وحدة الوجود ، ولكن أيضاً لأن اليابانيين ليس لديهم إحساس بالله ، وهو ما يختلف عن مفهوم الغربيين الواضح عن " الله " . ليست السعادة والفرح فقط هي التي تربطنا بالآخرين ، فالناس يشاركوننا الألم أيضاً . إنه يعتقد أن يسوع هو الوجود الذي يشارك الضعيف في ألمه .
جاء في عرض هذه الرواية المترجمة ، كما ورد على ظهر الغلاف الثاني منها ، كلمة هذا نصّها : " يستقبل تاكاموري وأخته تومي " الأبله الرائع " غاستون بونابرت ، القادم من باريس إلى طوكيو ما بعد الحرب العالمية الثانية . وينطلق شوساكو أندو ، الروائي الياباني المعروف ، إلى الغوص بمناسبة هذه الزيارة الطريفة في أعماق الحياة اليابانية الفريدة بعد معاناة طويلة من الاستبداد والحرب والاحتلال .هناك رغبة لدى اليابانيين في بداية جديدة تخذلها طبقات عميقة من الفساد والكراهية والثأر . رواية شيقة ، ومتقنة ، عميقة وصريحة في طرح أسئلة عالم ما بعد الحرب . تراوح فيها البلاهة بين الملهاة والمأساة ، ويعيد فيها أندو كتابة أبله دوستيوفسكي بتنويعات حديثة " . يبدو هذا العرض واضحاً وصريحاً تماماً أثناء المطالعة الأولية ، ولكن هناك ما هو أعمق وأجلّ بين ثنايا هذا العمل الفذ ، ويمكن استلهامه بيسر بين سطور الرواية ، من جهة ، ومن خلال الالتفات إلى فكر شوساكو وعمله الإبداعي من جهة أخرى .
◘ ◘ ◘
تلوح نغمة المعاناة والتردّد من أول عبارة يفتتح بها شوساكو روايته : " كان صباح يوم أحد في أواخر آذار ، براعم الخوخ المتردّدة الأولى ... " 1 . نغمات التردّد والتوجس شائعة جداً في أدب شوساكو ، وظلالها أحد مزايا الإثارة في هذا الأدب . تبدأ الرواية باستعداد الأخوين : تاكاموري وتوموي لاستقبال ضيفهما غاستون بونابرت القادم من فرنسا ؛ وهذان هما يابانيان أصيلان ، يحمل كل منهما اسماً ذا دلالة تاريخية ، نشئا على طريقة اليابانيين الحديثة ، يتسمان بواقعيتهما إلى أبعد حدّ ، يعيشان في زمن يمثل عصر الانفتاح الشامل على الحضارة الغربية في اليابان الحديثة ، وبمعنى آخر أنهما لا ينوءان بحمل الكثير من أثقال الماضي ..
وكان غاستون بونابرت قد تعرّف على تاكاموري من خلال المراسلة ، وعقب سنوات أعلن عن رغبته في زيارة اليابان . وحينما هبّ تاكوموري ، بصحبة أخته توموي إلى استقباله في ميناء يوكاهاما ، بحثا عنه طويلاً على ظهر السفينة ، ليجداه ، في النهاية ، محشوراً في موضع الدرجة الرابعة منها : " حتى قادهما البحّار إلى فتحة عند أقدامهما . كان مدخلاً مربع الشكل إلى عنبر السفينة يغور في الأسفل مع سلم معدني شاقولي . ومن مكان وقوفهما كان بإمكانهما استنشاق رائحة الزيت والطلاء في العنبر الحار المكتظ يختلط بها نوع من النتانة " 2 . في ذلك الموضع البائس وجدا ضيفهما غاستون بونابرت .
غاستون بونابرت ، رجل مفرط الطول ، يحمل حقيبة اسطوانية بالية ، وأقرب الشبه بالحصان ! غير أنيق ولا تصدر عنه جاذبية ، واحتاجت عائلة هيجاكي إلى أسبوع لكي تعتاد على زائرها هذا ، وخلال تلك الفترة اجتذب غاستون إليه نظرات الدهشة ؛ وقد وجدت العائلة في شخصه براءة .. براءة إلى حدّ البله ، وعقل بعمر طفل ، وقد عبّر عن تلك البراءة حينما سألوه بعد عودته إلى البيت ، في أول يوم له في طوكيو : ـ إذن ما الذي رأيت غاستون ؟ ـ معبداً . قال ثم ابتسم بشيء من الحزن : ـ والكثير الكثير من الأطفال والحمام " 3 .
ولم يكن مظهره أو سلوكه موضع دهشة أو ازدراء وحسب ، بل كان اسمه الذي اقترن بنابليون بونابرت ، يرجّ الأذهان حال سماعه ، فقد كان الرجل سليل نابليون العظيم . واختيار هذا الاسم على وجه التعيين ، مدعاة لإستنتاج أسبابه من قبل القارئ ؛ وهنا يطفو في مخيلتي أن السبب المرجح لذلك ، هو رغبة شوساكو أن يكون ( راهبه ) المسكين هذا ، والذي فضّل أن تكون وجهته صوب الشرق ( اليابان ) ، أراد له أن يكون مسلّحاً بالعزيمة والتصميم ، اللذان لا تراجع عنهما ، كما تسلّح بهما بونابرت من قبل ، عندما انطلق بجيشه شرقاً ( روسيا ) ، وهذا يعني أن جرأة وعزيمة نابليون قد ألبسها إلى سليله غاستون بونابرت ، ومنحه فرصته ، حتّى لو لم يكن يمتلك مثل قوة ودهاء القائد نابليون . أو ربما أراد شوساكو أن يتخذ منه رمزاً لقوة تأثير الغرب في اليابان الحديثة . وثمة إشارة في أحد أركان الرواية : " أن هناك ثمار أشجار كرز حمراء في اليابان يًطلق عليها اسم نابليون .. " كانت أشجار الكرز ، حين تهزّ أوراقها الفضية نسمة لطيفة ، تستعرض بفخر عناقيد وعناقيد من الكرز بلون الياقوت ، هنالك كرز لم يكتسب اللون الأحمر بعد ، لماذا أطلقوا اسم نابليون على هذا الكرز ؟ هل لأنه النوع الأكثر فخامة بين الكرز ؟ " 4 .
ولكن لمّ وُسِمَت هذه الشخصية المثيرة ، بالبلاهة والحمق على الرغم من ( روعتها ) ؟ . هنا تتجلّى دقّة تنبه الكاتب لواقعية السلوكيات الاجتماعية ؛ ففي الحقيقة لم يكن الرجل أحمقَ بأي حال من الأحوال ، إلّا بمقدار ردود أفعال الآخرين الذين غشيت أبصارهم عن رؤية البراءة الطفولية التي تطغي على شخصيته البتولية ، أو غشيت قلوبهم بعض الشرور . إن شخصية تنمّ عن البراءة المتناهية والسماحة واللين ، في مجتمع تشوبه مختلف العاهات السلوكية ، ستلوح ، بالتأكيد ، شخصية شاذّة ، في نظر الأفكار السطحية ، لدى البعض ، الذين يسارعون لوصف تلك البراءة بالبله والحمق . ولم يكن غاستون بونابرت رجلاً غبيّاً أو أميّاً ، بل هو متعلم ، ويذكر أنه درس اليابانية لمدة سنتين في معهد خاص بلغات الشرق الأقصى في باريس .
تبدأ مصاعب غاستون بونابرت في اليابان ابتداءاً من مهاجمته من قبل قطّاع طرق ، قرب أحد المقاهي ، وهروب توكامي وتوموي عنه ، وقد انقضّ عليه أحد الأشقياء وأوسعه ضرباً مبرحاً . وكان اليابانيون يتفرّجون عليه ، ولم يحاول أحد مساعدته ، واكتفى غاستون بذرف دموع كاللؤلؤ تماماً كما " تفعل الأبقار وهي تذرف الدموع إذا ضُرِبَت دون وجه حق " . وقد تضرّع إليهم غاستون قائلاً : " ـ نحن جميعاً .. أصدقاء جميعاً .. أصدقاء ! لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ " 5 . منذ يومه الأول ، بدأ اليابانيون يرفسونه بالأقدام . ولكن بالطبع ، هناك من اليابانيين من هو عظيم الشفقة ؛ هنالك ملايين منهم في نهاية المطاف ، والثمر الفاسد يوجد على كل الأشجار .
وعقب أيام قليلة من وصول غاستون إلى اليابان ، يقرّر أن يترك عائلة هيجاكي ، وينطلق لمفرده في هذه البلاد ، ولم ينفع إلحاحهم وتوسّلهم به في ثنيه عن ذلك . خرج من منزل مضيفيه لأنه يريد أن يتعرّف على الكثير من اليابانيين ، ويريد فرصة اللقاء بكل الأنواع . وعند هذه الفكرة ، أراد شوساكو لبطله أن يعبّر عن مكنونه الحسّي وعمقه الروحي في التعامل مع المجتمع الياباني . ولم يكن أمام هذه الشخصية تقاطعاً محيّراً للطرق ، فقد مضى بدليل لا يخطئ ، ولا يتردّد ، ألا وهو قلبه النقي ، المترع بالمحبة الصادقة . وكان لانطلاقه وحيداً ، بعيداً عن العائلة ، أن أثار في نفسي تاكاموري وتوموي فضول التعرّف عن السبب الحقيقي الذي حدا به إلى تجشم عناء السفر إلى اليابان . ومهما فكّرا في سبب قدومه ، لم يتوصّلا إلى جوابٍ شافٍ ، ويبقى السؤال المحيّر هو : " ... لا بدّ أن لديه سبباً يدعوه لزيارة اليابان " 6 . ولم يكن غاستون ، نفسه ، يستطيع أن يخبر الأخوين عن غايته من تلك الزيارة ، ولكن ربما تمكّن في يوم ما من تقديم الشرح ، لكن عليه أولاً أن يلتقي بالمزيد والمزيد من اليابانيين ويتخذ قراراً . ونضيف إلى ذلك ، أن جميع ممن صادف غاستون لم يكن باستطاعته أن يخمّن بعد السبب الحقيقي وراء زيارته إلى اليابان ، باستثناء العرّاف العجوز تشوتي ، الذي أخبر غاستون بقوله : " لديك مشروع عظيم في رأسك ، أليس كذلك ؟ " 7 .
لم يكن بوسع غاستون ، الرجل البسيط ، أن يضمر الرفض أو الكراهية تجاه أي شخص منذ طفولته . كانت سجاياه الناصعة البياض لا تسمح له بكراهية الآخرين ، على الرغم من إساءاتهم المتكرّرة له . ومع أنه ظلّ يتعرّض للمزيد من المصاعب والويلات ، إلّا أنه عقد العزم على مواصلة ثقته بالناس : " تلك واحدة من المهمات التي نذر نفسه لإنجازها في اليابان " 8 . إن شوساكو أندو ، وهو الكاتب المثقّف ، قد عاش ، بعض الوقت ، في أحضان المجتمع الغربي ، الباريسي ، على وجه التحديد ، وأدرك عناصر الشك والريبة الغربية ، والثقافة التي ترفض أن تلج قلوب الآخرين وترى إرادتهم الطيبة . وبات على قناعة من افتقار تلك المجتمعات إلى الثقة بالناس . ولا عجب أن يكون بطل روايته هذه ساعياً إلى ترسيخ الثقة في نفوس من يصادفهم ويلتقي معهم في اليابان ؛ التي وصفها بأنها فقيرة في الروح . وقد عبّرت عن ذلك شخصية العرّاف العجوز الذي خاطبه بالقول : " حتّى رجل عجوز مثلي ، يعيش في جحر كهذا ، يستطيع أن يقول لك ما تفتقده يابان اليوم .. الثقة بالناس .. السياسيون والمثقفون أكثر ريبة من الثعالب والغرير . يشكّ السياسيون بكل المثل ويشكّ المثقفون بالإنسان نفسه " 9 .
يدرك الكاتب شوساكو ، بحكم كونه مسيحياً مثقفاً ما للألفة الاجتماعية ، وتبادل الثقة ، وتنميتهما ، من دور كبير في العمل الاجتماعي ، لأنها ترفع من درجات اليقين بقدرة الآخر على مساعدتنا ، وهذه الثقة ليست بمتناول اليد عادة ، بل ينبغي بناءها حجراً حجر . وهذا ما يفسر سبب عقد غاستون بونابرت عزمه على ترسيخ الثقة والمحبة مع الناس ، أثناء طوافه في اليابان ، كأولى المهام التي انبرى يكافح لأجلها ؟ فالكاتب يعرف جيداً أن السلام الروحي هو بوّابة الإيمان ، والتسامح العقائدي ، الذي ظلّ يشكّل محنة في هذا المجتمع .
وفي خضم عمل غاستون ، في اليابان ، قادته الصدفة ليلتقي برجل عصابة شرّير ، يُدعى أندو ، وكان هذا الرجل قد فقد كل ثقة له بالعالم ، وتحوّل إلى إنسان عدمي . وقد استخدم شوساكو هذه الشخصية لترمز إلى الشر الذي لم يكبحه كابح في المجتمع الياباني . وحاول غاستون بونابرت أن يبذل المساعدة إلى مثل هذه الشخصيات التعيسة ، وأن يثنيها عن فعل الشر ، وهو يعرّض نفسه إلى أفدح المخاطر ؛ وبصورة أدخلت الذهول إلى نفس ذلك الشرير فراح يسأله حائراً : " لماذا تتبعني ؟ لم يجب غاستون . ـ سألت لماذا تتبعني . ألا تريد أن تذهب ؟ ـ لن أذهب عنك أندو سان . ................ ـ إن ذهبت أذهب معك . ـ ماذا ؟ ـ لأني أحبك . أريد أن أساعدك . ـ تساعدني ؟ تريد أن تساعدني في القضاء على الرجل الآخر ؟ ـ لا ، ليس ذلك . بدا على وجه غاستون إحباط لأنه لا يستطيع أن يجد الكلمات اليابانية التي يستطيع بها أن يوصل ما يحسّ به . ـ أندو .... وحيد ، لذلك تحتاج إلى صديق . 10 .
وبالنسبة إلى صديقيّ غاستون ـ تاكاموري وتوموي سرعان ما بات غاستون مثالاً لهما . فقد كانت توموي تنظر إليه كأبله أو أحمق ، في الأيام الأولى له في اليابان ، ولكنها الآن تقرّ أن أخاها كان على حق في وصفه لغاستون بأنه يمتلك قلباً طيباً ، له قلب نادراً ما يجده المرء هذه الأيام ، بل يمكن أن يسمّى قديس .. أما تاكاموري فلم يلتق من قبل بأي شخص يتحلّى بمثل بساطة غاستون وصفاء سريرته : " تماماً كما أن النجوم تكافح بشجاعة لكي تنير سماء الليل بقناديلها الصغيرة ، كان هذا الأجنبي يفعل ما بوسعه ليمنح الناس القوة بصفاء قلبه " 11 .
وأخيراً ينتهي المطاف بغاستون بونابرت في شمال البلاد ، في مدينة ياماجاتا ـ مدينة المعابد ـ التي يخيم عليها الجو الحزين ؛ حيث يقوده المجرم أندو ، بمكر ، لاستغلاله في التخلص من غريمه واسترداد سبائك الفضة منه . وهناك في مستنقع مظلم كئيب ، يرمز إلى مستنقع اليابان الكبير ، خاض فيه هؤلاء الرجال معاً ، لينتهي بمقتل غاستون بونابرت ، وسقوطه كالشهيد من أجل مثله ونبله . ولكنه لم يمت ، كان شخصه باقياً ، وظل وحيه يصد شرور الآخرين . " ما زال غاستون حيّاً ، سيعود يوماً يجر قدميه مرّة أخرى إلى تلك البلاد اللازوردية البعيدة ، ليحمل على ظهره من جديد آلام أناس مثل هؤلاء " 12 .
بعد موت غاستون ، وجد الأخوان تاكامورو و توموي دفتر مذكراته الصغير ، في حقيبته البالية ، وفيه كتب غاستون : " لقد فشلت ثلاث مرّات في اجتياز امتحان القبول في معهد الإرسالية ، لذلك لم أتمكن من أن أصبح قساً مبشّراً . لكني يجب أن أذهب إلى اليابان " 13 .
قد تبدو الملامح العقائدية ، المسيحية ، غير واضحة تماماً في هذه الرواية ، غير أن قلب وروح بطلها يطفح بها ، وكان السبب الوجيه الذي دعاه لجرّ قدميه إلى هذه البلاد الغامضة ، هو لإنقاذ أولئك الأشخاص الذين يكافحون في مستنقع الخطيئة ، وغير قادرين على إنقاذ أنفسهم .
وفي النهاية ، يسعني القول بأن المترجم الرائع فلاح رحيم ، ودار الرافدين الغرّاء ، نجحا معاً في تقديم عملاً ممتازاً ، قلّ نظيره ، إلى القارئ العربي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ شوساكو أندو ، الأبله الرائع ، ترجمة فلاح رحيم ، دار الرافدين 2021 . ص7 . 2 ـ ص42 . 3 ـ ص62 . 4 ـ ص241 . 5 ـ ص78 . 6 ـ ص84 . 7 ـ ص112 . 8 ـ ص110 . 9 ـ ص114 . 10 ـ ص192 ـ 193 . 11 ـ ص210 . 12 ـ ص301 . 13 ـ ص297 .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن