المؤسّسة الدّينيّة في خدمةِ السُلطة السياسيّة

ازهر عبدالله طوالبه
Azhertawalbeh@yaho.com

2022 / 9 / 22

إنَّ الابتِعاد عن الوعي الاجتماعيّ والثّقافيّ والعلميّ، والإنجراف خلفَ ثقافةٍ دينيّةٍ منقوصة، تجعلنا نرتكِب أخطاءً كبيرة، لن يكونَ مِن السّهلِ تجاوزها ؛ وذلكَ لأنَّنا في حقيقةِ الأمر، نعيش في مُجتمعاتِ تقدِّس الأديان، وتؤمِن بكلِّ ما تتضمّنهُ هذه الأديان، وبكلّ ما يقولهُ رجالها.

فهذا الأمر، وبالنّتيجة الحتميّة، سيولِّد الإنسان الضّعيف..والإنسان الضّعيف ؛ هو ذاكَ الإنسان الذي كُوِّن على أساس "التّلقين" وليس على أساس "التَّفكير" بعدَ أن أُقنِعَ بأنَّ التّفكير طريق مِن طُرقِ هلاك الإنسان. وللأسَف، فإنَّ الكثيرينَ مِن بني الإنسان لا يتقدَّمونَ في أيٍّ مِن مساعيهم ؛ إلّا في مسعاهم للمُنافسة على الغَباء.
إذ أنَّ هذا الغباء المُجلجِل لا يجعَلهم يُدرِكون قيمتهم الحقيقيّة، ويجعلهُم يقِفون عن الحُدود التي يجب ألّا يتجاوزوها وهُم في هذا الحال، بل يجعلهُم ينظُرونَ لأنفُسهِم على أنَّهُم أفضَل وأشرَف وأرقى مِن غيرهِم في كُلّ شيء.

ولذا، ونتيجةً لهذا الإبتِعاد، وتجنُّبًا لولادةِ الإنسان الضّعيف، فإنَّهُ مِن الطبيعيّ -جدًّا- أن نلحظَ ارتفاعًا بمنسوبِ الكُفرِ بالأدّيان، ليسَ الأديانِ الحقيقيّة، وإنَّما الأديانِ السياسيّة، التي حوَّلت حياة البشرِ إلى جحيمٍ مُستعِر، وحكَمت على الإنسانِ بأن يبّقى في صراعٍ دائم..صراع جعلَ الإنسان يصِل إلى قناعةٍ مفادها ؛ أنّ الأديانَ، بمُختلفِ تقسيماتها وتعدُّدِ فِرقها، ما هي إلّا أديانٌ سلطويّة كهنوتيّة، وأنَّها مِن حيث المنشأ ومِن حيث طُقوسها أقرَب إلى الوثنيّة.
وهذا واضحٌ وجليّ في مُعظَم كُتبِ مفسّري النُّصوص الدّينيّة..فمَن يسعونَ لتضييقِ الخِناق على مُعتنقي الأديان، يُفسّرونَ النُصوص الدينيّة كيفما يشاؤون، وبالطريقة التي تتوافَق وتتلاءم مع أهدافهم. فيُسرفونَ بأحاديثِ التّحريم، ويُبدعونَ بإحكامِ قبضتهم التفسيريّة على أعناقِ النصوص.

هذا مَع عدمَ إنكارهم بأنَّ النُصوص الدّينيّة تصلُح لكلّ زمان، كما تصلُح لكُلِّ مكان، إلّا أنّ هذا يصطَدم بإغلاقِ بابِ "الإجتهاد" الذي يقوم على تفسيرِ النُّصوص الدينيّة بما يتوافَق مَع قيمِ كلّ عصرٍ وكُلّ زَمان.

وردًّا على كُلّ هذه التّضييقاتِ التي مورِسَت، وتُمارَس عليه ؛ راحَ الإنسان يعمَل على إرساءِ قواعِد ما يُصطَلح على تسمِيته ب" الدّين القيَميّ والأخلاقيّ" . إذ أنّ هذا الدّين لا اعتِبارَ فيهِ إلّا للإنسانيّة، وبالتّأكيدِ، هذه الإنسانيّة هي مِن صُلبِ مهامِ الأديانِ الحقيقيّة . فمِن مهام الأديان "الحِفاظ على النَّفس البشريّة". وما كانَ لهذهِ القواعِد أن تُرسى لولا إدراكِ الإنسان لإرتقاءِ وتقدُّمِ القيمةِ الإنسانيّة المُعاصِرة، العادِلة والمُتطوّرة، والتي سيعمَل الإنسان جاهدًا مِن أجلِ تثبيتها.


وعليه، فإنَّ السُلطة التي تتمتَّع بها المؤسسة الدينيّة في الشرقِ الأوسطِ عُمومًا، والمنطقة العربيّة على وجهِ الخُصوص، هي التي تجعَل السُلطة السياسية مُهادنة لها طوال الوقت. فصحيح، أنَّ الفساد مستشري في كلّ مؤسساتِ الدُّول، إلّا أنَّ هُناكَ فسادٌ مِن نوعٍ خاص، يستَشري في( وزارات الأوقاف، المؤسسات الدّينية) التي لا مُهمّة لها إلّا مُحارَبة العقِل وتفريخِ الجَهل وحِمايته بعدَ أن تُطلِق عليه اسم "الدّين"، وهو في حقيقة الأمر ليسَ دينًا، ولا يُمكِن أن يكونَ دينًا . إذ أنَّ لا وظيفة لهُ إلّا خدمَة الحُكام.

حيث أنَّ استمالة العاطفة الدينية، والتّرويج لمفاهيمٍ شكَّلت مجموعة من الصّور النمطية، هي من بينِ الأساليب التي دأبَ عليها الكثيرون لتمريرِ اهدافهم، والتّلاعب بعقولِ غيرهم. فامتلكهُم الغرور الذي جاء نتيجة التّفكيرِ الخاطئ، وعدم رؤية الأمور من زوايا مُتعدِّدة، حتي أصبحَ نبذ القائل أولى مِن مُعالَجة ما يتفوَّه بهِ، والنّبذُ هُنا لا يعني تهميش، وفرضَ قيودٍ عليه، وتنغيص حياته، وإنّما يعني "القَتل" ولا شيءَ سوى القَتل، خاصةً حينما يكون قول القائلِ مُخالِفًا لم يعتَقدونَ، ومُستقلّ عمّا تؤمِن بهِ السُلطة ؛ وما كان هذا إلّا لأنَّهُم كوِّنوا على خلفيّةٍ لا تخدم إلّا توجّهاتهم التي لا تتقاطَع مَع جوهر النَّص الدّينيّ، لا سيَّما القُرآنيّ مِنه، و الذي يُطالبنا بتقبُّلِ الآخر مهما كانَ مُختلفًا عنّا، وذلكَ مِن باب أنّ الإنسان حرٌّ فيما يعتَقد . إذ لا إكراه بالدّين، وأنّهُ لا يحقّ لأيّ إنسانٍ أن يُكرِه آخرًا على أن يكون مؤمِنا.

لذلك فإنَّهُ لمِنَ المؤسفِ جدًّا، أن نرى من يرونَ بأنَّهم الصفّ الأوّل في حراسةِ الدّين لا يفهمونَ هذه الحقيقة. وطالما أنَّهُ ليسَ بوسعهِم أن يخرُجوا مِن عباءات مَن كوِّنوا على أيديهم، فإنَّهُ لن نخرُجَ مِن بوتَقةِ الصِّراعات حولَ الأفكارِ البائدة، كما وأنَّهُم لن يتوقَّفوا عن التصدّي لكُلّ تيّارٍ جديد، يسعى لإخراجِ مُعتنقي الأديانَ مِن دناسة السّياسة التي وُظِّف الدّين- وما زالَ يوظَّف- لتحقيقِ مآرب أصحابها.

الخُلاصة: نحن بحاجةٍ ماسّة إلى القيامِ بعمليّات تعقيمٍ أو تجريفٍ فكريٍّ لتنظيفِ رحمِ فكرِنا مِن كُلّ بقايا الإجهاضات الفكريّة والدينيّة والسياسيّة التي عاشناها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن