13 - مدخل . . إلى العقل المتصنم 14 - الحلال والحرام ( الفرد ، المجتمع ، الدين )

أمين أحمد ثابت
aminthabet@yahoo.com

2022 / 9 / 15

( ملحوظة : يتبع انتهاء موضوعنا هذا ثلاثة حلقات قادمة اخرى أبعاد من زوايا مختلفة تكشف متخالطيتها فيما بينها في الفهم المعتقدي والتصوري والممارسي عند انسان مجتمعنا العربي بما يطبعه بالمسخ العقلي وفصامية الشخصية ) .

لخصوصية مجتمعاتنا العربية أن مواطني شعوبها دينية واحدية الربانية السماوية – إيمانية المعتقد ( إسلام ، مسيحية ويهودية ) ، بغض عن الفرق متعددة المذهب مجتمعيا ، كجانب انتقائي تأويلي لتفسير نصوص الكتاب الإلهي وما نقل عن سيرة وقول وفعل الرسول في كل ديانة من الثلاث ، ويكون لكل فرقة مذهبية اتباع من المجتمع ، يتم توارث هذه ( الملة ) مجتمعيا عبر التاريخ في الاجيال المتلاحقة لتصبح ركيزة من ركائز التمايز الاجتماعي من حيث البعد الايماني الديني المعتقدي الضيق ( المذهبي ) ، وتعد وجها دينيا من الانتماء المجتمعي الضيق ، وغالبا ما يكون متصلا عضويا للوجه الاخر من الانتماء المجتمعي الضيق فيما يعرف بالمناطقية ، ونادرا يكون ملاصقا لعصبوية التنظيم لمجموعة دينية بعينها – مثل الإخوان المسلمين ، القاعدة ، داعش ، السلفيين ، التكفير والهجرة ، الشباب المؤمن . . . إلخ – الذي يعنينا هنا من تلك الخصوصية المجتمعية بأنها تخلو مطلقا في بنيتها من وجود أديان وثنية غير سماوية ، وعلى ذلك سادا اللفظين المفهوميين المتقابلين حكما – أي الحلال والحرام - ليس على الجانب الديني بل الفرد والمجتمع . . حتى الطبيعة .

فدينيا : المعنى المفهومي والدلالي للفظين يقوم على أن الحلال هو كل ما أحله الله ولم يأتي ذكر عنه في الكتاب او التعاليم واحاديث وسيرة النبي او الرسول ، الحاملين معهم تعاليم إلهية يبشرون بها وليس كتابا إلهيا مقدسا ، كما هو معرف به النبي عليه الصلاة والسلام حامل الرسالة السماوية برسول الله او الرسول صلى الله عليه وسلم ، بينما الحرام هو كل ما حرمه الله على المؤمنين التابعين كأصحاب معتقد ديني إلهي بمسماه الذي عرف به . ولا تختلف الفرق المذهبية حولها كأحكام قطعية ( في عموميتها ) ، ولكنها تختلف من حيث ( الجانب الخاص ) عند بعض الفرق ، التي تضع تساؤلا استفهامي حول جواز الحكم القطعي العام تحديدا فيما هو محرم – الذي يرى فيه عند غيرهم كحكم مفهومي مطلق – عند إختلاف الحالة والظرفية ومسألتي الضرورة والصدفة – هذا غير المجموعات المتشددة المغالية ، التي ترى تحريما جرميا – من أكبر الكبائر - حتى في وضع ( تلك الاحكام المطلقة وفق فهمها ) موضع نقاش او اجتهاد تصوري – ما هو حدا بائنا منصوص عليه من الخالق في كتابه او خلال نبيه الذي يوحى إليه من الخالق عبر جبريل . . لا يجوز مطلقا وضعه موضع القول البشري – أي بمعنى تحرى تحريما مطلقا تعديل احكام التحريم بشريا ، فهي إلهية جاء بها وهو اعلم من الانسان في عموميته وخاصته وفرديته ، ويعلم ما يبطن ويجهر به ، ولذا فإن التعرض التعديلي للحدود في ما هو محرم هو فعل انتقاصي للدين وتعريضا بالخالق . من هنا فالمحرمات محدودة بذكرها على المؤمنين و . . ما بقي فهو حلال . كما وهناك المجاميع الفرقية الدينية المجتمعة في معرف يطلق عليه النصيين المغالين ، وصلوا الى افتراض بعض المحرمات كجانب تأويلي التخمين تشددا لأمور فيها خلاف في الفهم ، فلم يأتي على ذكرها نص صريح في الكتاب – أي ك . . حرم عليكم . . . – وإن كنا قد اوضحنا سابقا فيما هو مجمع عليه بوجود نص في الكتاب عليه عموما . . لم يمنع وجود الاختلاف من حيث خصوصية الحالة والظرفية – مثل ذلك مسألة الخمر – يقولون المتشددون عن قول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( : ما أسكر كثيره فقليله حرام ) ، بينما لا وجود نص قرآني مثلا بالتحريم ، وتعد آخر سورة حول الخمر ( : إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) ، وهنا تم إختلاف الفقهاء اصحاب الرأي لغويا . . حول معنى لفظة الاجتناب وبصورة أدق حول موضع حرف ( الفاء ) ، منهم من يراها عطفية على سابق القول من الجملة ، والذي يعني لا وجود للتحريم بقدر ما تفيد لفظية ( المكروه ) ، بينما المجموع الآخر فيرى موضع حرف الفاء ( آمره ) ، والذي يعنى ضمنيا على التحريم وإن كان دون صريح اللفظ - وهناك غيرها ك ( جواز التكفير للمؤمن ، حد لفظة المرتد وحد الحرابة . . . إلخ .

ونحن هنا في مجتمع منغلق العقل اسيرا للماضي والانقياد التلقيني المورث ، لا نجد فسحة من فضاء الحرية للخوض في امور الدين ، لكننا سنتعرض لمختلطية المفاهيم اللفظية في عقولنا المتكلسة دون أن ندرك حقيقتنا هذه .

مجتمعيا : لفظ الحرام والتحريم بمشتقاتها اللغوية ، يقصد به معنى ودلالة ب ( المنع ، عدم الجواز او عدم القبول أو غير مباح أوالرفض ) – اخلاقيا ، عرفا او تقليدا متبعا ، وبالتالي يقاس ذلك اللفظ المجتمعي بذات الدرجة للفظ دينيا ، من حيث الإجماع والاختلاف في الخاص علنا او بضمنية باطنية – بينما مع ظهور القانون وتسيده النصي لتنظيم المجتمع والعلاقات والحقوق . . إلخ ، وتضمنه في بنوده تحديد الحالة وظرفيتها بما يطابقها او يلائمها تخصيصا لنوع العقاب – ومع ذلك تظل مجتمعاتنا العربية مصطرعة التعامل الحكمي بين القانون والاشكال المجتمعية القبلية له ، بل انها تصطرع مع امور تشريعية من الدين . . في نفس الوقت – مثلا على ذلك الداعي القبلي في مواجهة الدولة او قبيلة اخرى ، يعتبر من يتخلف عنه من ابناء القبيلة يعد عيبا اسودا – أي اعلى انواع العيب – وحد الحكم ( عرفا ) هو النفي للمتخاذل او المتقاعس او الرافض منها ، وكما يقولون لا يعاشر او يؤكل معه او يتصل به بأي علاقة اجتماعية معه داخل القبيلة حتى ينفذ حكم القبيلة عليه بالرحيل عنها وقطع اواصره العائلية والنسب – ما يعنينا هنا أولئك المستجيبين لنداء الداعي القبلي ، فقطع الطريق والتقطع او نهب الناس وأحيانا الاعتداء على الاخرين لكونهم محسوبين على الطرف الاخر ما داموا ليسوا من ابناء القبيلة و . . كثيرا التخريب والتدمير للممتلكات المحسوبة افتراضا على الطرف الاخر المقابل ، ففي عرف القبيلة التي تورط ابناءها من صور الحرابة والترهيب أو التخريب . . هو امر مباح وتعتبر عمل افرادها نوعا من الشجاعة والجسارة والاقدام – كالفروسية قديما – حيث يعلي شأن القبيلة وقوتها ، كما ترى فيهم المروءة في التقدم والتضحية بأنفسهم لأجل القبيلة ومكانتها وصيتها وترى فيهم الجدارة – فبالمواجهة يعد طرفا خصما عدوا للطرف الاخر – بينما للطرف الاخر يعد هذا الفعل جرما مرتكبا يتنافى مع الاخلاق والقيم الاجتماعية عموما ، بينما ترى الاطراف الاخرى خارج نطاق المواجهة ( بين الحرابة وعدم الجواز او التحريم عموما وبين الجواز التذرعي تخصيصا لكونها واقعة في ظرفية خاصة . . حرب او شبه حرب ) – وهكذا بالنسبة لبقية الامور العالقة بين الجواز والتحليل والتحريم من جانب اخر ، فعصبوية عنصر هذه القبيلة يرى الامر مباحا بل وضرورة ، بينما يرى في ذات الشأن والحدث التحريم واللا إباحة بل والجرم ما دام خارج الارتباط بعصبته القبلية – وتمثل الانتقائية في المثل السابق منطبقا على مختلف تكوينات وتراكيب المجتمع . . حتى المدنية منها ، حيث يكون افرادها ووفق طابعهم المجتمعي يرون وكل واحد منهم ما هو محرما وغير مقبول اخلاقيا – عندما يقع الاذى او الاثر السلبي عليهم او عليه شخصيا – بينما حين يكونون خارج موطن الأذى أو الانتفاع الضيق ويقع الأذى على غيرهم او غيره ، فإنه يظهر انفصاما حادا تناقضي الموقف الحكمي ، بين التمظهر الشكلي كموقف حكمي ( النظري الاخلاقي بعدم الجواز او عدم التحريم وبين الموقف المضموني ممارسة - إما صريحا او مخفي ظاهرا أو بمعطى إشارة بمعنى الجواز والإباحة وعدم التحريم او القبول .

ذاتيا فرديا : هو ذاته في خطه العام المشابه فيما هو متجلي مجتمعيا بين ما هو قولي وفعلي ممارسي ك ( ثنائية انفصامية او اكثر ) في مسألتي التحريم وعدم التحريم ، الجواز وعدم الإباحة أو المنع ، ما يفرق بين ذات الفرد وذات المجموع – لإنسان مجتمعنا العربي – أن تلك الأولى تتعمق تأصيلا فيها حدة الحالة الانفصامية – إظهار ما لا يبطن – وتكون ركيزتها الاساسية لظهور حالة التلون للموقف عند ذات الفرد بعينه مقادة ب ( نزعته الفردية الانانية والنفعية المتحصلة من وراء متلون الموقف عند ذات الانسان الواحد بعينه ) ، وأردأ متجليات الفصامية الخداعية كطبيعة مجتمعية معاصرة لذات إنسان المجتمع العربي ، متمثلة بما نطلق عليه ب ( الانتهازية والموقف الانتهازي ) ، حيث أصبحت نوع شخصيتنا الراهنة هذه سمة للذكاء والمهارة – بتلفيقيه ملفقة من كلام العرب قديما ، أن مثل هذه الشخصية تعرف من أين يؤكل الكتف !!!! .

لن أزيد في إيراد تطبيقات تدليليه اخرى ، فجوهر قاعدة الفهم واضحة فيما قدمناه يمكن اعتمادها حول التفاصيل اللامتناهية من مختلط الفهم الاعتقادي وتناقضيته المسخية المضادة لطبيعته العامة والخاصة والفردية ، كما وسنجد منها في ملحق الحلقات القادمة التتابعي المتممة نسبيا لهذه الحلقة كوجه من اوجه صنميتنا وطبيعتنا الفصامية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن