فهمنا الحالي للإسلام لا يُعين كثيراً الحياة

أحمد إدريس
hamada.d.1968@gmail.com

2022 / 9 / 13

« لا يمكن أن يُقنعني أحد بأن الإسلام السائد في عصرنا هو الإسلام الأول الخالص و النقي ؛ فأنا أقيس صواب كل فكرة أو نسق فكري بالنتائج المُترتبة عليه ؛ فالفكرة الصواب هي التي تعمل بنجاح في الواقع و تنفع الناس. الإسلام الأول كانت نتائجه مبهرة في تغيير الواقع و التاريخ، أما الإسلام الذي نعيشه اليوم فهو خارج التاريخ و منفصل عن واقع حركة التقدُّم. و لذلك باتت من الضرورات المُلحة اليوم العودة إلى الإسلام المنسي، لا الإسلام المُزيَّف الذي نعيشه اليوم. » (محمد عثمان الخشت، "نحو تأسيس عصر ديني جديد"، 2017)

« نَعيب فهمَنا للدين، لا نَعيب الدين. » (أحمد الشقيري)


ينبغي لنا الإقرار دون مُرَاوغة بأننا اليوم كأفراد و جماعات في ضلال كبير مبين و بعيدون كل البُعد عن الجوهر الحقيقي للرسالة السَّامِية العظيمة التي أتى بها المبعوثُ رحمة للعالَمين. الدين الصحيح القويم مِنا بَراء، هذا واقع صارخ مرير محزن لا يُمكن بأيِّ حال إنكاره، لا صلة تربطنا بالدين الحنيف. إلاَّ ما رحم ربي. إغفالُ ما هو جوهري في الدين و الوَلَعُ المُفرِط بالقشور و الإنشغال بالصغائر و توافه الأشياء، كل ذلك بلَّد بل أمات الأرواح كما حنَّط العقول مما أفقد متديِّنين في الظاهر إنسانيتَهم للأسف.

الدين الصحيح يبعث في القلوب الميتة الحياة مِن جديد، يُنيرها بالإيمان و يشحن حركة الإنسان في الوجود بالمعنى و بكل ما هو إيجابي، يُضيء لنا دُروبَ الخلاص و سُبُل الرِّفعة الحقيقية عبر التقوى و الإرتقاء الروحي، على النقيض تماماً مِما تفعله النُّسخ المُزَيفة مِن الدين. و الدين الصحيح و الجدير بأن نعتنِقه ما جاء لِيَعزل الإنسان عن العالَم، و إنما لِيَستنهض فيه روح المبادرة كي يحيا و يتفاعل إيجابياً مع العالَم. التديُّن الصحيح يُعين الإنسان على تحقيق ذاته و أداء رسالته بجدارة في الكون، التديُّن الزائف يُؤدي بالإنسان إلى تعفين و إفسادِ الحياة على سطح هذا الكوكب. التديُّن الزائف المغشوش أضر بالبلاد و العباد مِن عدم الإنتماء الإسمي لأي دين. و ما أكثر غير المُلتزمين بالمراسم و الطقوس و الشعائر الدينية، مَن وجدناهم أزكى مسلكاً مِن أُناس هم في الظاهر شديدو التديُّن…

المُتديِّن الحق هو في المقام الأول و الأخير "إنسان نموذجي" بما تحمله هذه العبارة من معان سامية نبيلة : كريم جواد طيِّب يُعين على النائبات، يُحب و يدافع عن الحق و الحقيقة بكل ما في وسعه، و لا يُؤذي متعمِّداً أحداً من الكائنات. فلا يبني سعادته على حِساب سعادة الآخرين… أبغض شيء إلى نفسه الحرة الأبية الظلم، فَمُحال أن يمارس هو أياً من أنواع الظلم. و طبعاً يقف مع المظلوم، حتى لو لم يكن من طائفته الدينية أو المذهبية أو العرقية، و يكافح ليُرفَع عنه الظلم. يتحرَّى بجد الحقيقة قبل اتخاذ أي موقفٍ يناصر عبره هذا أو ذاك و خاصة في أوقات الفتن العمياء كالتي نعيشها اليوم ! يعلم و يُقر أن انتماءه الديني لا يعطيه قداسة و لا يعصِمه من الخطأ. هو بإمتياز صانع سلام و مصدر بركات كثيرة في الأرض، و لا يمكن إطلاقاً أن يصبح لعنة و سبباً للفساد في الأرض. هو يَنبوع خير و رحمة و بركة على كل ما و مَن حوله، هو ينبوع خير لا يغيض ما بقي فيه عرق ينبِض بالحياة… يهجُر منكَر القول و العمل. المظهر له أهمِّيتُه عنده، لَكِنه يُعنَى أكثر بالجوهر. المتديِّن صاحب الصلة الأصيلة بالموجود الأسمى، لأنه استطاع تليين و تطويع الحيوان المُتوحش الراقد في أعماقه - و هذا بالذات ما أهمله و فشل فيه مَن لجأوا إلى التطرُّف العنيف -، طريقُه الوحيد إلى قلوب الناس هو الرفق و الحب… و مع كل ذلك هو إنسان راشد سوي العقل بمعنى أنه يُفكِّر تفكيراً سليماً و مستقيماً في جميع أمور الحياة بما فيها الدين. يُفكِّر و لا يُكفِّر. ليس مِمَّن يكابرون و يتجاهلون بديهيات، بل يجحدون المحسوس المرئي، و مع ذلك يرمون بالكفر منكري غيبيات ! المختلفون عنه في الدِّيانة الظاهرية هم مَوْضع احترامه و تكريمه، يُنصفهم و لا يعتقد بأفضليته عليهم لِمُجرَّد تلفُّظه ببعض الكلمات أو أدائه لطقوس و شعائر مُعيَّنة، يُصغي إليهم بإهتمام و يتعلَّم منهم فذلك مِمَّا يساعده على توسيع آفاقه و الإرتقاء إنسانياً و روحانياً، فالبشر بالنسبة له إخوة و يُشكِّلون أسرة واحدة و كافَّتُهم عِيال الله. أياً كانت الظروف و مهما اعترته من خطوب، سلوكياته الراقية لا تتغيَّر و لا تتبدَّل و نُبله لا يستحيل لُؤماً حتى لو ظُلم، و يبقى الإنصاف الميزة التي لا تنفكُّ عنه أبداً… ما قصدت مطلقاً أن يكون المُتديِّن إنساناً كاملاً، و إنما فقط أن يسعى دوماً ليكون إنساناً بجدارة : إنسانيته التي يُنمِّيها بإستمرار هي وسيلته في سعيه لتحسين العالَم و جعله أكثر إنسانية.

الدين جاء لإسعاد الناس، جاء لإرساء مُقوِّمات و دعائم حياة أفضل على الأرض و لِترشيد مسيرة الجنس البشري، و ما جاء لإتعاس الناس : جاء لِيَسْمو و يرتقي بالإنسان و بالعلاقات بَيْن بني الإنسان. و الدين الإلهي في جَوْهَره جاء لِيَفُك الأغلال عن العقول، حتى يُصبح الناس فِعلاً أحراراً و لِكَي لا يضحك عليهم الأفَّاكون، و ما أتى أبداً لِيُعلن الحرب أو يحكم بالإعدام على العقول. بشأن العقل و استخدامه في مسائل الدين، ها هي القناعة الحقيقية لمشايخ كثيرين : مَن غالى في استخدام عقله و أمْعَن في التفكير فحتماً سينتهي به المطاف إلى الكفر، و بالتالي فجزاؤه الدُّنيَوِي القتل و الأُخرَوِي إقامة مُؤبَّدة في نار أهوالُها تفوق الخيال !

أسفي شديد و حزني كبير على المُتَدَيِّنين الذين يُعانون من فوبيا حرية الفكر، و هم لَيْسوا قِلة في تقديري، أرجو من أعماق فؤادي أن يُخلِّصَهم مِنها واهب العقل الذي هو أداة التفكير : التفكير الذي ينبغي أن يكون حراً ـ بأن يُوضع كل شيء بنزاهة و تَجرُّد تام، و هذا ليس بالهيِّن لذا ما أندَرَهُ، في ميزان العقل السليم و المنطق القويم ـ و إلاَّ فلا معنى أصلاً لكلمة تفكير. تشغيل العقل ضرورة حياتية فهو إذن فريضة - كل على حَسَب طاقته - و تعطيله وخيم العواقب يقيناً فهو إذن معصية : معصية يَتوَجَّب اليوم على علماء الدين، في هذه الأمة، أن يُصنِّفوها ضِمن الكبائر و الموبقات. التفكير فريضة قرآنية ذات أهمية قصوى و هو الفريضة الغائبة…

أُمتنا تتخبَّط فِعلاً في قدر هائل من الأزمات و المشاكل، و للأسف غفلنا في غَمْرَتِها عن حقيقة في غاية البداهة : المشاكل لا يُمكن حلُّها باستخدام نفسِ طريقة التفكير التي أَوْقعت في هذه المشاكل. قناعتي هي أنه لا مناص مِن مراجعة جادة و جذرية و تمحيص دقيق لِما هو سائد بَيْننا مِن مفاهيم و تَصوُّرات و قِيَم في إطارِ عمليةِ تقويمٍ و تجديدٍ كاملٍ شاملٍ لِمَوْروثنا الديني، ذلك هو حجرُ الأساس لأي مشروع تحرُّري نهضوي حقيقي في أوطاننا و ضمانُ إسهامنا الفعَّال في بناء حضارة الخير و الحُبِّ و السلام التي تهنأ في ظِلها جميع مخلوقات الله.

إننا بِأمَس الحاجة إلى ثورة بداخل عقول المشايخ. هذه العقول المُقفِرة إلاَّ من الأوهام، و التي ما زالت مُقفلة تماماً بإحكام. إلاَّ ما رحم ربي. نُفوسُهم في حاجة إلى مراجعةٍ شاملةٍ و قاسيةٍ، و كذلك مجموعة تصوُّرات و أفكار و رُؤى هي الآن عندهم من المُسلَّمات، إن أرادوا أن يصيروا من رُوَّاد نهضة حقيقية. شيوخ الدين عندنا في مجملهم بحاجة إلى طريقة تفكير جديدة تُمكِّنهم من استيعاب رحابة التجربة الإنسانية على مستوى العالَم، و تُخرجهم من قَوْقعة التمايُز المَزهُوِّ عن الآخَر التي ما زالوا يتمترسون بعناد وراءها إلى الفضاء الإنساني و الحضاري الواسع. و ليبدأوا بِفَتح قلوبهم لجميع الخلائق و تَوسيع آفاقهم و رفع حِسِّهم الإنساني، إن كانت تحدوهم رغبة صادقة و حقيقية في أن يصيروا للعالَم قاطبة رحمة. إن كانت لديهم رغبة جادَّة بأن يكونوا مساهِمين بفاعِلية و إيجابية في صناعة المستقبل. إن كانوا جادين صادقين في السعي لبناء مجتمعات راقية مُتوازنة في جوانبها المادية و الروحية و أكثر إنسانية.

الأمة مَعدِنُها أصيل نبيل و سوف تعود من جديد، و لكن بعد أن تُصحِّح الخلل الذي فيها و تستعيدَ ثِقتها بنفسها، أمةً تهدي و تقود إلى الخير و الحق، و تُسهم بجدارة في صناعة المستقبل و ترشيد مسيرة الحضارة الإنسانية. بالتأكيد نستطيع إعادة البوصلة إلى اتِّجاهها الصحيح بِهدف ترتيب أوضاعِنا الحالِيَّة التي نعترف كلُّنا أنها سيئة، شريطة أن نبدأ دون تأخير بوقفة مع النفس فردياً و جماعياً و نكون فيها صادقين تماماً و في مُنتهى الصراحة ! و أن نعترف بأنه لا غِنى لنا عن تجديدٍ أساسي لِفكرنا الديني الموروث. الأمة التي لا تُراجع دَوْرِياً ذاتها و الفِكرَ الذي يَصدُر منه سلوكُها هي مُعرَّضة للتَّقهقُر المُستمِر إلى أن تُغادِر مُعترك التاريخ، المحكوم بِالصِّراع و بالشَّد و الجذب، أو بِما يُسمَّى بسُنَّة التدافُع في القرآن، الأمة التي لا تستفيد شيئاً من تجاربها مآلُها و مصيرها المحتوم هو أن تكون على الدَّوَام مُجرَّد ألعوبةٍ بأيدي صُنَّاع التاريخ : هي فِعلاً أمة تحكم على نفسِها بالموت و لا مكان لها بَيْن الأمم الجادَّة…

في هذا الظرف الخطير الحرج و معضلاتٌ و قضايا بلا حصر تُعيق انطلاقنا نحو التحرر و التقدم و التحضر و تُثقل كاهل أمتنا، المطلوب منا جميعاً و بالأخص النُّخب قدر كاف بل عال من الشعور بالواجب و الإحساس بالمسؤولية و بالإنتماء إلى هذه الأمة… يَتَعيَّن علينا تجاوز الفكر المجرَّد و الأماني العريضة و تحويل ذلك كله إلى حالة فعَّالة و ديناميكية و حركة بناء قوية. ذلك لإننا في كافة مجالات الحياة بحاجة قُصوى إلى انطلاقة جديدة قد نؤسِّس بها انطلاقة جديدة للحضارة الإنسانية نحو عالَم مُتزِن يهنأ فيه الجميع. لكنْ قبل ذلك لا بد من رصد شامل للعيوب و النقائص، فنحن بحاجة لتمحيص دقيق لمفاهيمنا السائدة و قِيَمنا الرائجة التي تمارس في الغالب دوراً مُضلِّلاً للكثيرين و تسهم إلى حد كبير في تزييف وعي عموم الأمة، و النقدُ البنَّاء هو الخطوة الأولى على الطريق الصحيح : هو المصباح الذي ينير لنا الطريق. فنَقلُ أمتنا من وضعها الراهن إلى حالتها المَرجُوَّة يستحيل أن يتم من غير عملية نقد، نقوم به على أحسن وجه أي وَفْق قواعده و أصوله السليمة الصحيحة، هذه العملية تمنحنا رؤية واضحة واعية لحقيقة الأحوال و الأوضاع في كل الميادين. إحدى البديهيات عند كل مَن لديه مُسْكة عقل و حِس سليم أن النقد وسيلة و ليس غاية كما صار يبدو من خلال ممارسات بعض النُّقاد. فمعظم ما يوجد الآن في هذا الصَّدد، هو فقط تَكرار يفتقد الرؤية الإيجابية. النقد الذي أعنيه و أنادي به، القرآن سمَّاه التواصي بالحق. نحن اليوم بعيدون عن التواصي بالحق الذي عاقبةُ تركِه و هجره هي الخسران المبين كما يؤكد القرآن… لا أمل على الإطلاق في مستقبل أفضل لأمتنا الضائعة الهائمة ما دمنا مُواظبين و مُصمِّمين على رفض التواصي الأخوي الهادئ بالحق !

لا بد إذاً أن يصير التواصي بالحق عُنوانَ أمة لا تزال ترى نفسها بِجِد خير أمة على مستوى المعمورة بأكملها و إلى الأبد. النهوض بالحق عسير بلا شك لكِنَّ التواصي بالحق ضرورة. فالمستقبَل ينتظرنا. و العالَم يُنادينا. و التاريخ ينادينا : فلقد طال أكثر من اللازم غِيابُنا شبه التام عن الفعل التاريخي، و أُمتُنا هذه بقيت دهراً طويلاً على هامش الحضارة و التاريخ.

أجل لا غنى على الإطلاق لأمتِنا عن مراجعةٍ شاملةٍ جادَّةٍ و ذلك لا يعني فقط تقصِّي الأخطاء و محاسبة النفس سَلبِياً… هذه المراجعة الضرورية ستُفيدها كثيراً في تصحيح مسارِها و لِتتمكَّنَ من طَيِّ صفحةِ الإنكسارات و تَنطلِقَ نحو مستقبلٍ أفضل و أجمل لها. لا خلاص لنا من المشاكل المُستعصِية و التناقُضات الصارخة المُلازِمة لأمتنا مُنذ أمد طويل و التي لها علاقة وثيقة برُؤانا الدينية إلاَّ بإعادة النَّظر في بعض القضايا، أعني جملة مِن المفاهيم و التَّصَوُّرات استقرَّت و بسطت هَيْمنتَها على الجميع بِحَيْث لم يَعُد مُمكناً مساءَلتُها و تَناوُلُها بعقلية نقدية مخافة الوقوع تحت طائلة التكفير. إن ما نحتاج إليه هو إصلاح فكري حقيقي، فالحلول الترقيعية الحالية ستبقى بلا جدوى. لقد لاحظت أمراً آلمني كثيراً و ما عُدت أُطيق السُّكوتَ عنه : القرآن فتح أبْوَابَ التفكيرِ الحر و التَّعَبُّدِ بإعمال العقل على مِصراعيها، و جمهور المُلَقَّبين عندنا بأهل العلم ما ادَّخروا وُسْعاً في سبيل إغلاقِها… جزء كبير مِن شُغل هذه الطبقة هو إنشاءُ و صناعة الأصنام الفكرية أي إنتاجُ أفكار يُضفون عليها قداسة زائفة دون أن يروا في ذلك نقضاً لِلتَّوْحيد ! لهذا ما عادوا هُداةً للتي هي أَقْوَم و لا دُعاةً إلى دينٍ قويم.

لقد غاب عن أذهانهم ما يلي : الدين القويم و هو الذي يُوائِم الفِطرة و لا يصدِم الضمير و قبل كل شيء يُعين الحياة و يُحَسِّنُها و يُخفِّف مِن قسْوَتها، و يُعلِّم المخلوق الآدمِيَّ كيف يكون إنساناً بجدارة و مُستحِقاً بالفعل أن يُسمَّى إنساناً، لا يُمكِن أن يستغني عن المُراجعة النقدية الدائمة و التصحيح المُستمِر للتَّصوُّرات و الدعائم الفكرية التي يقوم عليها. و هذا يقتضي عدم تصنيم أي فكرة هي نِتاج جهد بشري في محاولة فهم النصوص المُؤسِّسة للدين. و طبيعي جداً أنَّ المراجعة الواعية و المسؤولة و النزيهة لِما نحن عليه مُكلِّفة و كذلك مُربِكة للمشاعر لكِنَّها ضرورية حقاً و لا مناص منها لِكَيْ نتجاوز ما نحن فيه. الحقيقة وحدها تُخلِّصُنا و تُحرِّرنا مِن الحالة الحرجة التي نحن فيها، و المستقبل الذي نريد و نرجو بُلوغَه لن تصنعه الأوهامُ بل الحقيقة…

ها قد حان الوقت لِيَسترجع أصحابُ العقول عقولَهم و لِيَمضِيَ الجميع قُدُماً نحو الحقيقة. المطلوب بإلحاح ليس أقلَّ من تجديدٍ كُلِّي و إعادةِ بناءٍ حقيقية لِمَنظومَتِنا اللاهوتية بِرُمَّتِها و فكرِنا الديني المَوْروث. ذلك شرط تصالُحِنا مع كُلِّ ما هو جميل و طيِّب في العالَم، تلك أولى الخُطُوات على طريق إصلاح حال الأمة و تخليصِها مِن أمراضِها و مُعضِلاتها المُستعصِية، ذلك شرط نهضتِنا المأمولة التي بها سيتغيَّر وجه الأرض. أرجو أن يكون ذلك قريباً.


« إن تجديد الإيمان يقتضي تجديدَ فهم الدين، و فهمُ الدين لا يُمكن أنْ يتجدَّد دون وعي التغيُّر من جهة، و دون تجديد المُتديِّنين لمعارفهم و شحذ قُدرتهم على الفهم من جهة ثانية. إذ من خلال هذا التجديد يُمكن تجديدُ تَوْهيج "لا إله إلاَّ الله" قولاً و حالاً و عملاً، أي تجديدُ تنزيلها في العقول و القلوب و الحياة. على أن تجديد الفهم بما يُلائم التغيُّر، ليس معناه إخضاعَ الدين للواقع المُتغيِّر، و إنما معناه تجديدُ أدوات الحوار مع النصوص الدينية بما يضمن استخلاصَ أجوبة جديدة لأسئلة جديدة أفرزها الواقع المُتغيِّر الذي يحياه المسلمون. بهذا فقط يستطيع الإسلام أن يُحقِّق خُلودَه و تعاليه عن الزمان و المكان. بإحتضان التحوُّل لا بإنكاره، يُمكن للإسلام أن يتأبَّد ؛ و بإلتقاط مفاتيح الكَوْنِية في الكتاب و السُّنة يُمكن أنْ نكون كَوْنِيين، و أنْ نُفيضَ الرحمة من مشكاة النُّبوة على العالَمين. » (محمد التهامي الحراق)

« يا مسلمون، استرِدوا دينكم بالوعي الحقيقي و بالإنسانية الحقة. » (عدنان إبراهيم)

« أرجو أن يَفتح النقاشُ حول الأفكار المطروحة هنا المجالَ لمزيد من الأفكار الجديدة التي نتجاوز فيها و بها عصر الجمود الديني الذي طال أكثر من اللازم في تاريخ أمتنا ؛ من أجل تأسيس عصر ديني جديد، و تكوين خطاب ديني من نوع مختلف، و ليس فقط تجديد الخطاب الديني التقليدي ؛ لأن تجديد الخطاب الديني عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم، و الأجدى هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة و لغة جديدة و مفردات جديدة إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد. » (محمد عثمان الخشت، "نحو تأسيس عصر ديني جديد"، 2017)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن