التكییف القانوني للواقعة الاجرامية وفقاً للقانون الجنائي وقرار الإدارة (الجريمة المستحيلة أُنموذجاً )

ماجد احمد الزاملي
majidhady415@yahoo.com

2022 / 9 / 1

إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٖ (47) يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ (49) وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۭ بِٱلۡبَصَرِ(50)
( سورة القمر )

التكییف القانوني للواقعة الاجرامية وفقاً للقانون الجنائي وقرار الإدارة
الجريمة المستحيلة أُنموذجاً ) (
The legal compliance of the criminal law
according to the criminal law and the
decision of the administration








الملخص
هدف هذه الدراسة تبيان حدود السلطة القضائية في التكيف القانوني في ضوء أحكام التشريع
الجزائي المقارن ، وبيان الضوابط التي تحكم السلطة القضائية في التكييف القانوني للوقائع
المطروحة عليها وما يتبع ذلك من اجراءات, ومعرفة إذا ما تجاوزت السلطة حدودها في
التكييف، حيث تظهر عملية التكييف القانوني عند قيام وكيل النيابة العامة أو القاضي
الجزائي المختص بالعملية المنطقية التي تتمثل في مطابقة النص القانوني للواقعة أو الجريمة
المعروضة عليه عند مباشرة الدعوى الجزائية، حيث ان مرحلة التكييف القانوني تبدأ في
مرحلة التحقيق الابتدائي والتي تتسم بالصفة المؤقتة وعدم إلزاميته لمحكمة الموضوع، ومن
ثم يتبع هذه المرحلة مرحلة التحقيق النهائي من قبل المحكمة المختصة، وحتى يوصف
التكييف القانوني بالوصف الصحيح والدقيق لا بد من التقيّد بحدود الدعوى أي الوقائع التي
رفعت بها الدعوى دون إضافة، وحدود الدعوى الشخصية أي التقيّد بالاشخاص الذين رفعت
. ضدهم الدعوى فحسب
الدور الذي یلعبه القاضي الإداري في رقابة التكییف القانوني یكمن في إنزال حكم القانون
على الواقعة التي استند إلیها قرار الإدارة, بعد التأكد من ثبوتها، فیتناول تلك الواقعة بالتكییف
لمعرفة مدى تطابقها مع القانون، أو بتفسیر النص القانوني لإنزال حكمه على الوقائع لمعرفة
مدى انطباقه على الواقعة، وبالتالي یكون تطابق القانون مع الواقعة في الحالة الثانیة، كان القرار
. مشوباً بعیب السبب ویتعین إلغاؤه والحكم بعدم صحته
من خلال هذا البحث تم الوقوف على كل من مفهوم الجريمة المستحيلة وموقف كل من الفقه
والقضاء والقانون تجاه هذه الجريمة، فـالجريمة المستحيلة هي الجريمة التي يستحيل فيها
تحقيق النتيجة الجرمية التي اتجهت اليها ارادة الفاعل على الرغم من بذله لكل نشاط يستطيع
القيام يه لتحقيق هذه النتيجة وبهذا هي تشابه الشروع التام في ان الجاني يستنفذ اي
نشاط ممكن له وتخلف النتيجة الجرمية. لم تتطرق مختلف التشريعات إلى تعريف الجريمة
المستحيلة وتركت ذلك للقضاء والفقه وبالرجوع إلى بعض النصوص القانونية في مختلف
التشريعات نجد أن هناك من التشريعات من نص عليها بنص صريح ولم يعرّفها، فقد ذكرت
. فيها العقوبات المقررة لها فقط ومن أمثلة التشريعات التي نصت على الجريمة المستحيلة
والرقابة القضائیة على التكییف القانوني للوقائع في القرار التأدیبي تكمن في التحقق أولاً: من
الوجود المادي للوقائع المنسوبة إلى الموظف، و ثانیاً: یقوم القاضي الإداري في كل حالة بمراقبة
تكییف الإدارة لهذه الوقائع، ومدى توافر من الناحیة الفعلیة صفة الخطأ الوظیفي الذي یبرر توقیع
الجزاء التأدیبي من عدمه، فسلامة التكییف القانوني للوقائع تقتضي أن تلتزم سلطة التأدیب
حكم القانون على الوقائع عند تكییفها دون التقید بالألفاظ، بمعنى أنه یتعین علیها استجلاء
الواقعة أو الوقائع التي یستند إلیها تسبیب القرار وتقصّي مرامیها بما تراه أو فى مقصود
المدعي وأقرب إلیه.




Abstract:

The aim of this study is to show the-limit-s of the judiciary in legal adaptation in the light of the provisions of the legislation
Comparative penal, and a statement of the controls that govern the judiciary in the legal adaptation of facts
submitted to it and the procedures that follow, and knowing if the authority has exceeded its-limit-s in
Adaptation, where the process of legal adaptation appears when the public prosecutor´-or-the judge
The criminal concerned with the logical process represented in matching the legal text to the fact´-or-crime
presented to him upon initiating the criminal case, as the stage of legal adaptation begins in
The preliminary investigation stage, which is temporary and not mandatory for the trial court
Then this stage is followed by the final investigation stage by the competent court, and until it is described
Legal qualification with the correct and accurate de-script-ion must adhere to the-limit-s of the case, i.e. the facts that
The lawsuit was filed without addition, and the-limit-s of the personal lawsuit, i.e. adherence to the persons who filed it
. Just a lawsuit against them
The role that the administrative judge plays in monitoring legal adaptation lies in bringing down the rule of law
On the incident on which the management’s decision was based, after making sure of its substantiation, it deals with that incident adaptively
To find out the extent of their conformity with the law,´-or-by interpreting the legal text to send its judgment on the facts to find out
The extent of its applicability to the incident, and thus the conformity of the law with the incident in the second case, was the decision
. It is tainted by a defect of reason and must be rescinded and judged to be invalid
Through this research, both the concept of the impossible crime and the position of each of the jurisprudence were identified
And the judiciary and the law towards this crime, for an impossible crime is a crime in which it is impossible
Achieving the criminal result to which the offender s will is -dir-ected, despite his exertion of every activity he can
What to do to achieve this result, and this is the similarity of the complete attempt in two respects, that the offender exhausts any
Possible activity and the result of the crime. The various legislations did not address the definition of crime
I left it to the judiciary and jurisprudence, and with reference to some legal texts in various fields
Legislation, we find that there are some legislation that stipulated it explicitly and did not know it
It includes only the penalties prescribed for it, and it is an example of the legislation that stipulates the impossible crime.
Judicial control over the legal adaptation of the facts in the disciplinary decision lies in first verifying:
The physical presence of the facts attributed to the employee, and second: the administrative judge in each case monitors
Adaptation of the administration to these facts, and the extent to which there is, in actual terms, the characteristic of a -function-al error that justifies the signature
Disciplinary penalty´-or-not, the proper legal adjustment of facts requires that the disciplinary authority abide by
The rule of law on facts when they are adapted without being restricted to words, meaning that they must be clarified
The incident´-or-facts on which the reasoning of the decision is based and the investigation of its aims, as it deems fit, is more appropriate.
The plaintiff is close to him.










أهمية البحث ومنهجيته
أنّ الوقائع غير متناهية أمّا النصوص الشرعية أو القانونية فهي متناهية، وبالتالي
لا يتصوّر إيراد نصّ لكل واقعة، لكن لا بدّ من توسيع نطاق القانون. وتوسيع نطاقه قد يأتى
من خلال تفسير النصوص، أو من خلال خلق القاضي لمباديء قانونية يتوقف عليها حسم
النزاع المعروض أمامه، أو من خلال تكييف الواقع أو الواقعة، لتضمّ بذلك الوقائع غير
المتناهية إلى النصوص أو القواعد الشرعية أو القانونية المتناهية.
ولا شكّ أن معرفة الواقع أمر سابق على معرفة الحكم فيه. فالحكم فرع التصوّر، بمعنى أن
تصوّر الواقع وهو العِلم به سابق على إصدار الحكم ، وقد يتفرّع ذلك على قاعدة أنّ العِلم
يتبع المعلوم. فكأنّ كلّ واقعة تَعرض حالها مستدعية إيقاع حكم يصلح فيها ولا يصلح في
غيرها مما يُغايرها في جانب أو أكثر. ومن هذا الاعتبار كان التكييف سابقاً على
التشريع من حيث عمل المشرّع (القانوني)، وسابقاً لإيقاع الأحكام على الوقائع من حيث
عمل القاضي والفقيه. ومن هنا ظهرت أهمية التكييف من حيث أنّه أحد ضرورات أو
لوازم أعمال القانون؛ تشريعاً وتطبيقاً على أرض الواقع.

منهج الدراسة
اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج التحليلي لنصوص القانون الجنائي المقارن في فرض
ظرف العقاب ، مع الاستشهاد بالتطبيقات القضائية كلما دعت الحاجة إلي ذلك ، هذا مع
الإشارة إلى موقف التشريعات المقارنة التي تصدت لهذه المسألة ، والمقصد من ذلك التمًّكن
من الوقوف على تقييم جدي ومستنير لسياسة المشرع الجنائي الوضعي في تنظيم
الموضوع محل الدراسة، بتحديد مواضع التشديد بسب ظرف وجود وما يسانده من
ظروف ، هذا من جهة ومن جهة آخري ركزت الدراسة علي بسط السوابق القضائية
للإستئناس بها في بعض المواضع التي كثر فيها الجدل ولم يستقر فيها الأمر حتي الأن.
ولقد اعتمدنا في ذلك علي التركيز علي الخطوط الأساسية للموضوع لاستبيان
مقوماته بسهولة ، فلا تطغي كثرة تفاصيله علي جوهره.


أهمية البحث
إن أهمية هذا البحث تكمن في كونه مطلب أساسي لضمان محاكمة عادلة،
إذ أن عملية التكييف الجزائي من المسائل الدقيقة لما لها من أثر في تحديد نوع الجريمة في
إطار التقسيم الثلاثي جنايات – جنح – مخالفات، و تحديد إختصاص المحكمة التي يؤول
إليها البت في الدعوى المرفوعة إليها، وبذلك إسباغ التكييف القانوني المناسب للوقائع، وكذلك
في تسبيب الأحكام والقرارات الجنائية تسبيبا قانونيا سيما وأنها محل رقابة من جهة قضائية .
أهداف البحث
لضمان صيانة الحقوق والحريات من خلال الوصول الى الحقيقة المنشودة
من وراء وضع القواعد القانونية المناسبة، احيطت تلك القواعد بجملة من الإجراءات
الواجب اتخاذها من أجل تطبيق تلك القواعد، اضافة الى مجموعة من الإجراءات
التي وُضِعت للوصول الى الدليل الذي سيثبت أو ينفي الواقعة، على أن يكون قد تم
تحصيله عن طريق أحد تلك الإجرءات التي رسمها القانون بشكل واضح ومؤكد
وصريح.













المقدمة
المفهوم القانوني للجريمة, هو انها كل فعل يُعاقب عليه القانون بعقوبة جزائية. والجريمة أمّا
أن تكون جناية أو جنحة أو مخالفة, حسبما يُعاقب عليها بعقوبة جنائية أو جنحية أو تكديرية.
أما العقوبة التي يُنظر اليها لتحديد نوع الجرم, فهي تلك المقررة في النص القانوني, لا
تلك التي يحكم بها القاضي.لذلك وَجَبَ على القاضي وإستنادً للتشريع الجنائي تكييف
الواقعة الإجرامية المعروضة أمامه. ويمكننا أن نُعرّف التَّكييف القانوني لجريمة ما، على
أنّه تحديد الجريمة في نموذج أو نصّ قانونيّ يتضمّن أركانَ هَذِهِ الجريمة، بالإضافة إلى
عقوبتها وَفْقًا لمبدأ الشَّرعية الجنائية، والمُشرّع هو الَّذِي يقوم بهَذِهِ المهمة وليس القاضي، حيث
إنَّ الأخير مُهمّته إنزال وتطبيق حكم النَّصّ أو النَّموذج القانوني على الواقعة المعروضة أمامه.
إن كان التكييف الصحيح يعتبر ضمانة قانونية مهمة للمتهم فالتكييف الخطأ يمس حقوقه
في مدى وجوب توقيفه في بعض الجرائم وعدم جواز توقيفه في أخرى ومدى إمكانية إطلاق
سراحه بكفالة من عدمه او إصدار امر القبض او ورقة التكليف بالحضور على ضوء الوصف
القانوني للواقعة بسبب اختلاف الضمانات لكل وصف قانوني.
إن كل جريمة أو سلوك مُجَرَّم ينبغي أن يبرز إلى الواقع من خلال ماديات تحدث خللاً في العالم
الخارجي و تعتدي على حق و تلحق ضرراً بمصلحة ,ولذلك يتدخل المشرّع في تجريمه
حمايةً للمصلحة المشروعة , و لا يمكن أن يُطال التجريم و العقاب الأفكار والرغبات طالما أنها
لم تظهر إلى العالم المحسوس , وعندما ينص المشرِّع على تجريم سلوك ما , فينبغي
البحث في مكونات عناصر ركنه المادي وهي: السلوك المُجَرَّم سواءً كان فعلاً أو إمتناعاً عن
فعل وهو الذي يُحدّد الواقعة الجرمية ويُثبِّت وجودها , والنتيجة الجرمية وهي أثر الاعتداء
المُترتب على ذلك السلوك, والرابطة السببية بين العنصرين الأولين فتنسب النتيجة
للسلوك, فإذا اكتملت العناصر الثلاث تكون الجريمة تامة , وإذا تَخلَّف إحداها فالحكم
مختلف بحسب العنصر المفقود .
التكييف في القانون الجنائي هو إعطاء الفعل المكوّن للجريمة وصفهُ القانوني الصحيح، ومن
ثم تحديد طبيعته القانونية وفقاً لنص القانون، وبيان ما إذا كان يُشكل جناية أو جنحة أو
مخالفة. وهو تحليل للوقائع والتصرفات القانونية تمهيدا لأعطائها وصفها الحق ووضعها
فى المكان الملائم من بين التقسيمات السائدة فى فرع معين من فروع القانون.
المشــرّع العراقــي لــم یُعــرِّف التكييف فــي قــانون العقوبــات رقــم( 111)لســنة١٩٦٩ المعــدل(1),
وهذا ليس بـنقصاً تشـریعياً ، إذ لـیس مـن مهـام المشـرّع وضـع التعـاریف للمصـطلحات
القانونیـة بحسـب الأصـل لـئلا تقـع نصـوص القـانون فـي فـخ الجمـود ، لـذلك اخـذ الفقـه
الجنـائي علـى عاتقـه مهمـة وضـع تعریـف دقیـق لمصـطلح التكییـف ، حیـث عَـرَّف
بأنـه ( عملیـة أولیـة ولازمـة لإخضـاع التصـرف أو الواقعـة القانونیـة محـل النـزاع
للـنص ، ویؤخـذ علـى هـذا التعریـف انـه اظهـر أهمیـة التكییـف (2) القـانوني الـذي یحكـم
هـذا التصـرف أو تلـك الواقعـة لتطبیق القانون عوضا عن إیجاد تعریف له).
تكييف الواقعة لا يأتي إلا بإلمام القاضي ووكيل النيابة العامة المختص بقواعد المنطق
التي تضبط تفكيره وتؤدي إلى سلامة استنتاجه؛ لذا يتوجب على تلك الأطراف عند قيامها
بالتكييف القانوني إتباع القواعد المنطقية في أن يبذل نشاطاً ذهنياً منطقياً يصل من خلاله إلى
التكييف القانوني الصحيح للواقعة المعروضة عليه( سورة ص، الآية رقم 26 ).
التكييف في المواد الجزائية موضوع قانوني بحت و يعتبر من أهم وأعقد المواضيع سواءً من
الناحية العلمية أو العملية وان كان يغلب عليه الطابع العملي اذ يُعد جوهر العمل القضائي
ودعامة من دعائمه الأساسية فضلاً عن كونه آلية لضمان تطبيق مبدأ الشرعية الجنائية.
ويُعتبر التكييف ملزماً يقع على عاتق المحكمة التقييد به في الحكم الذي وصلت اليه بعد
----------------------------------------------------------------------------------------------
1-ُ يُلاحـظ أن قـانون أصـول المحاكمــات الجزائیـة العراقـي اسـتخدم مصــطلح الوصـف القـانوني
كبـدیل عــن مصـطلح التكییـف ، ینظـر المـواد (١٨٧،٢٢٤،٢٢٧،٢٢٩ )مـنه.
أشـارت إلـى هـذه الملاحظـة ,هــدى ســالم محمــد الاطرقجــي: التكییــف
القــانوني للجــرائم فــي قــانون العقوبــات العراقــي ، دراســة مقارنــة ، أطروحة
دكتوراه مقدمة إلى كلیة القانون بجامعة الموصل ، ٢٠٠٠،ص٢٤.
-د. عبـــد الفتـــاح مـــراد: التصـــرف فـــي التحقیـــق الجنـــائي و طـــرق -2
الطعـــن بـــه مطبعـــة أطلـــس ، القـــاهرة، ١٦ص١٩٨٩ .



تحليلها للوقائع واستنتاج الوصف القانوني. والتكييف الخطأ يكون أثره واضحاً في قانون
أصول المحاكمات الجزائية من خلال المحكمة التي تُحال اليها القضية استنادً للتقسيم
الثلاثي للجرائم فتُحال جرائم الجنح الى محاكم الجنايات او جرائم الجنايات الى محاكم الجنح
مما يسبب تأخيراً وإرباكاً في سرعة حسم القضايا لكثرة النقض.
"إذا ما طُرحت الدعوى على القاضي طرحاً صحیحاً، واستقامت أمامه تعیَّن علیه أن
یفصل فیها بحكم یَرسي فیه رأیه القانوني. ولا یستطیع القاضي أن یتحلل أو یتعلل من عدم
أداء هذه الوظیفة، والاّ كان منكراً للعدالة وتأسیساً على ذلك فإنه یُعتبر من المسلمات
في "علم القضاء" أن القاضي هو الوسیلة التي تتحقق بها هذه العدالة وهي الغایة التي
یسعى إلى تحقیقها النظام القضائي كله. إلا أن هذه العدالة لا یجب أن تكون مجرد كلمة
فهي تصبح أشبه بحلم ما لم ندعمها بالوسائل الكفیلة بجعلها واقعاً ملموساً.
من هنا نشأت الحاجة الى وضع القواعد التي تُنظم السلطات والمحاكم الجزائية,
وتحدد إختصاصاتها والإجراءات الواجب إتباعها في استقصاء الجرائم وضبطها وجمع
الأدلة عليها, وملاحقة من أتاها أو من نُسبت اليه, ومن ثم, إجراء الملاحقة والفصل فيها,
الى تحديد أصول الطعن بالأحكام الصادرة نتيجتها... هذه القواعد بمجملها هي ما
يُعرف في لغة القانون بـ”أصول المحاكمات الجزائية”, وقد خضعت في لبنان مثلاً
لتغييرات عدة خلال القرن الماضي, كان أهمها وآخرها التعديل الحاصل مع صدور قانون
أصول المحاكمات الجزائية الجديد, بموجب القانون رقم 328, تاريخ 7/8/2001, وقد
تبعه في 16/8/2001 القانون رقم 358 الذي عدّل بعضاً من مواده.
إن التطور التاريخي لسلطة المحكمة الجزائية في التكييف لم تكن وليدة مرحلة من المراحل
بل مرّت بمراحل تطور عديدة فكانت لها بدايات في التشريعات القديمة، ومن ثم القوانين
الأجنبية القديمة حتى تضمنتها إعلانات حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وبعد ذلك
دخلت في التشريعات الجزائية ومنها التشريع الفلسطيني فكان لها بدايات في قانون أصول
المحاكمات الجزائية العثماني وطبقت بشكل أكثر وضوح في قانون الإجراءات الجزائية



الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001(1).
وبتتبع المرحلة التاريخية لظهور سلطة المحكمة في التكييف القانوني للواقعة لم تكن
لدى التشريعات العربية فقط، بل كانت مراحل تطورها بارزة في النظام الفرنسي.
ويعتبر تكييف الواقعة الإجرامية عمل إجرائي ينصب على أساس الدعوى الجنائية، لذا
فإنه لا يتم اعتماده إنتاج آثاره إلاّ بوجود أركانه الأساسية، ومقوماته التي يقوم عليها
والقبول به، بالإضافة إلى تحقق الشروط والضوابط المتعلقة بتلك الأركان والمقومات،
وبدونها لا يتحقق البناء الموضوعي والإجرائي للفصل في الدعوى سواءً بالإدانة أو بالبراءة.











--------------------------------------------------------------------------------------------
-1-هجيج، حسون عبيد و كاظم، منتظر فيصل: سلطة المحكمة الجزائية في التكييف القانوني
"دراسة تأصيلية تاريخية"(منشورة). مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية.
العدد الأول/ السنة السادسة. بلا سنة. ص246.




المبحث الاول
أهمية التكييف للواقعة الإجرامية
إن تكييف القاضي الجنائي لجريمة معينة وفقا لوصفها القانوني أي طبقا لنموذجهـا المحدد
في القانون وبالتالي إنزال هذا الوصف القانوني للفعل المجرّم على الواقعة المعروضة
أمـام القاضي يلزم القاضي المدني بهذا التكييف ، فإذا كيّف القاضي الجنائي الواقعة
بأنها سرقة فلا يمكـن للقاضي المدني أن يكيّفها بأنها نصب أو خيانة أمانة ، لكن القاضـي
المـدني يـستطيع أن يكيّـف الجريمة تكييفاً آخر من الناحية المدنية من اجل تقرير
المسؤولية المدنية وبالتـالي الحـصول علـى التعويض ، فمثلاً إذا حكمت المحكمة الجنائية
ببراءة المتهم من تهمة إتلاف منقولات الغير بلا عمـد لان القانون الجنائي لا يعاقب
عليها التزمت المحكمة المدنية بهذا التكييف ،فـــــلا تستطيع أن تقـــــرر بان الإتــلاف
حصـــل عمداً لأنه يخالف الحكم الجنائي, فالمواد ( 51 ، 52 ، 54 ,6 )من قانون
العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 تـشير إلـى الأخـذ بالوصـف القانوني
للجريمة والمحدد من قبل المشرع . فالمادة( 51 ) من هذا القانون تـنص علـى انـه إذا
توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على
كـل مـن ساهم في ارتكابها فاعلاً كان أو شريكاً علم بها أو لم يعلم . أما إذا توافرت
ظروف مـشددة سـهّلت ارتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها إلاّ إذا كان عالماً
بها . أما ما عدا ذلك من الظـروف فلا يتعدى أثرها شخص من تعلّقت به سواءً كانت
ظروفاً مشددة أو مخففة. أما المادة 52 مـن القانون ذاته فتنص بأنه إذا توافرت أعذار
شخصية مُعفية من العقاب أو مخففة له في حـق احـد المساهمين – فاعلاً أو شريكاً – في
ارتكاب الجريمة فلا يتعدى أثرها إلى غير من تعلّقت به.أمـا الأعذار المادية المٌعفية من
العقاب أو المخففة له فأنها تسري في حق كل من سـاهم فـي ارتكـاب الجريمة . في
حين إن المادة 54 من القانون نفسه تنص علـــى انه إذا اختلف قصد احـد المـساهمين
في الجريمة – فاعلاً أو شريكاً – أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أو عن
كيفية علم ذلك الغير بها عوقب كل منهم بحسب قصده أو كيفية علمه.إذا كانت الجريمة
تُعتبر سبباً مُنشأَ لحق الدولة في العقاب إلاّ أنها ليست كافية وحدها لتطبيق العقوبة إذ يتوقف
تطبيقها على توافر الخطورة الإجرامية سواءً كانت مفروضة من قبل المشرّع أو كانت
قضائية يتم التثبّت منها بمعرفة القاضي بواسطة التفريد القضائي لها، باعتبار أن
الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وأنّ المذنبين جميعهم لا تتوافق ظروفهم، وأن
عقوبتهم بالتالي لا يجوز أن تكون واحدة لا تغاير فيها، حتى لا يقع الجزاء في غير
ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع حجم الجريمة وملابساتها، وبما يُقيّد الحرية
الشخصية دون مقتضى مما مؤداه عدم تقرير استثناء على هذا الأصل . واضح من هذا
التعليل القيمة القانونية لتفريد العقوبة مستمدة من أساس التجريم والعقاب وهو
الضرورة والتناسب.والدعوى امام المحكمة تجمع بين الواقع والقانون والقاضي لتطبيقه
للقانون لا يجد نفسه امام نصوص تحتاج الى التفسير والتطبيق وانما يصادف مجموعة
من الوقائع يتوقع على تحديدها اختيار القاعدة القانونية وهو ايضا فى تفسيره للواقعة
وتطبيقها لا يضع بحثاً قانونياً مجرداً وانما يفصل فى دعوى محددة لها ظروفها الخاصة
ووقائعها الذاتية مما يؤثر فى تحديد كلمة القانون واذا كان الامر كذلك خليطاً من
الواقع والقانون وظروف خاصة بكل دعوى فأنّ القاضي يحتاج كل الاحتياج الى ممارسة
نشاط فكري يتصف بالمنطق حتى يحسم هذا الأمر فالقاضي متى أتَمَّ فهم الواقع فى الدعوى
فانه يبحث عن ما يجب تطبيقه اى تنزيله من احكام القانون على هذا الواقع ولما كانت
احكام القانون مطلقات وعموميات تتناول انواعاً واعداداً من الحوادث لا تنحصر وكانت
هذه الحوادث لا تقوم الاّ معينة لكل معنى منها خصوصية ليست فى غيره فلا سبيل لتنزيل
تلك الاحكام على هذه الحوادث الاّ بعد معرفة ان ذلك المعنى يشمل ذلك المطلق او ذلك العام.
المطلب الاول
تكييف الواقعة الجرمية طبقاً للنص القانوني
وقد عُرِفَ تكييف الواقعة الجنائية بانه (ردها الى اصل نص القانون
واجب التطبيق عليها ويكون في نطاق التقسيم الثلاثي للجرائم الى جنايات وجنح
ومخالفات بردها الى نوع دون غيره من بين هذه الانواع الثلاثة بما يترتب
على ذلك من آثار ضخمة في قانون العقوبات فضلاً عن الاجراءات الجنائية
حيث تظهر اثار التكييف بوجه خاص). وقد اثَّرَ مبدأ الشرعية على
سلطة القاضي في تحديد العقاب فظهر ان القاضي مطبّق للنص مع امكانية ان
تكون له سلطة تقديرية تنسجم ومبدأ الشرعية إذ لا يستطيع هذا القاضي ان
يفرض عقوبة لم يرد بشانها نص ولا ان يتنازل عن عقوبة بغير الطريقة المحددة
من قبل المشرع.وقد يوجِّه القاضي حالات وافعال تؤثر في تخفيف او تشديد
العقوبة للجريمة المرتكبة يُحددها المشرّع او يترك تحديدها للقاضي فيجيز له
عند توافر المخفف منها النزول بالعقوبة الى ما دون حدَّها الادنى المقرر
للجريمة او إحلال عقوبة اخرى من نوع أخف محلها، وهذه تُعرف بالظروف
المخففة او الاعذار المعفية او المخففة للعقوبة.
وهذا ما يؤكده قرار محكمة تمييز العراق المرقم 271/هيأة
عامة/1998 والمؤرخ في 12/7/1999 بقولها(ان عقوبة الاعدام والمقضي
بها على المتهم فقد وجد من ظروف الحادث انه حصل دون اكراه او ترويع
ومن ظروف المتهم كونه شاباً في مقتبل العمر وليس له سوابق قرر تخفيف
عقوبة الاعدام الى السجن المؤبد) وتتلخص وقائع هذه الدعوى ان محكمة
جنايات بابل بتاريخ 10/12/96 وبالدعوى المرقمة 891/ج/96 تجريم
المتهم (س) وفق المادة (433/ثالثا/رابعا عقوبات) المعدلة بالقرار 59
لسنة 1994 وحكمت عليه بقطع يده اليمنى من الرسغ قررت التمييز
بالعدد 4489/ج1/97 وبتاريخ 26/10/97 نقض الفقرة الحكمية وتوجيه
التهمة له وفق المادة (433/ثالثا/رابعا) لقيامه بالاشتراك مع المتهمين المفرقة
قضيتهم بسرقة البقرة العائدة للمشتكي (ن) والحكم عليه بالاعدام شنقا حتى
الموت فاصدرت محكمة التمييز قرارها اعلاه بتخفيف عقوبة الاعدام الى
السجن المؤبد(1). وينظر حول الاعذار القانونية المخففة(2).
-----------------------------------------------------------------------------------------
1-ينظر قرار محكمة تمييز العراق المرقم 271/هيأة
عامة/98 في 12/7/99 المنشور في الموسوعة العدلية، مكتبة شركة
التامين الوطنية، عدد 82،السنة 2001، ص7-8.
د. فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية -2
المخففة للعقوبة،دارسة مقارنة، جامعة بغداد 1979.

وذهـب الفقه المصري إلى تعريف التكييف القانوني بأنه ( بيان حكم النص القانوني الذي تخضع
له الواقعـة والذي يحكمها ويعاقب عليها،أو هو إرجاع الواقعة إلى نص جنائي وإعطاؤها الاسم
القانوني ، أوهو مجرد خلاف بين وجهات النظر في تقدير الواقعة(1). فالتكييف
القانوني ليس إلاّ بحث القاضي عما إذا كان الفعل المرتكب مـن قبـل المـتهم قـد توفرت
فيه العناصر القانونية وأركان جريمة ما حسب الوصف القانوني لها ، أي حـسب
التحديـد القانوني للنموذج أو الاسم الخاص بها. ومن هنا، يمكن القول إن تعريف
التكييف القانوني يجب أن يتضمن جملة عناصر، أبرزها دراسة الواقعة القانونية،
وإسنادها بعد توصيفها الى أحد فروع القانون مع اتخاذ القرار عن مدى ملائمة القاعدة
القانونية المختارة فيه لتطبيقها عليها. هناك اختلاف بين مفهوم الوصف القانوني
للجريمة والتكييـف القانوني لها، حيث إن الأدلة التشريعية القانونية وكذلك بعـض
الآراء الفقهيـة ومعظـم الأحكـام القضائية قد اتجهت إلى بيان إن الوصف القانوني
ليس إلاّ تحديد النموذج القانوني لجريمـة معينـة وإعطائها اسم معين في إطار نص قانوني
عقابي محدد من قبل المشرع . تُعرف بأنها عمل غير مشروع يقع على الإنسان في نفسه أو ماله أو
(2) عرضه أو على المجتمع ومؤسساته ونظمه السياسية والإقتصادية, كما قد يقع على الحيوان يوضح
فيـه إن الفعـل إذا توافرت فيه أركان جريمة معينة فانه يوصف بذلك الوصف القانوني ،وفقا لمبدأ
الشرعية الجنائية ، أما التكييف فهو ليس إلاّ عمل أو تصرف قضائي أو نشاط ذهني قانوني
يقوم به القاضي ومن خلاله يتبين بأن الواقعة المعروضة عليه تنطبق مع النموذج القانوني أو
الاسـم القانوني ( الوصف القانوني ) الذي حدده المشرع مسبقا فيعلن عن حالة التطابق
هذه في صورة حكم قضائي. و تكييف الجرائم عبارة عن أحد أشكال التكييف القانوني،
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
-1- د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي ، التكييف في المواد الجنائية ،
الإسكندرية ، دار الفكر.
2- قادري اعمر، التعامل مع الأفعال في القانون الجزائي العام، الطبعة الثانية،
دار هومة، الجزائر، 2014،ص17.

وهو ينحصر في توصيف الواقعة الإجرامية من خلال تحديد تلك القاعدة القانونية الجنائية
التي تتضمن النموذج القانوني للواقعة الإجرامية المرتكبة، أي أن تكييف الجرائم هو
إعطاء التثمين القانوني الجنائي للواقعة الإجرامية، وتحديد تطابقها مع قاعدة قانونية
جنائية ينص عليها قانون العقوبات النافذ. فتكييف الجرائم عبارة عن عملية معقدة ،
وذلك بالنظر الى انها تتطلب دراسة السمات المكونة للنموذج القانوني من جهة،
ومطابقتها بالسمات الواصفة لأركان الواقعة الإجرامية المرتكبة من جهة ثانية، الاّ
أن هذه العملية هي عملية ذات طبيعة منطقية في ذات الوقت، فعلى أساس قوانين المنطق
تصنّف سمات أركان الجريمة وفقاً لمجاميع معينة تطلق عليها تسمية عناصر
أركان الجريمة، وفي بعض الأحيان، تطلق عليها اختصاراً تسمية عناصر الجريمة أو
أركان الجريمة. أن كل عنصر من عناصر أركان الجريمة يضم مجموعة معينة من
سمات أركان الجريمة، ينظر اليها باعتبارها السمات الضرورية والكافية لإجراء
عملية تكييف الجرائم(1). التكييف للجرائم ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للالتزام
بمبادئ قانونَي العقوبات والإجراءات الجنائية، كما يسهم في تأمين حقوق الإنسان
المتهم في ارتكاب واقعة اجرامية معينة، ويؤدي دوره في إعطاء صورة حقيقية عن
حالة الإجرام وديناميته، كما يبرز نزاهة أجهزة الدولة المطبقة للقانون، وعلى
وجه الخصوص الهيئات القضائية، ويؤكد عدالة التدابير العقابية المتخذة ازاء المذنبين
في ارتكاب الجرائم. والنموذج القانوني للجريمة عبارة عن مجموعة السمات الواصفة
للسلوك المعتبر جريمة بموجب قانون العقوبات، الذي تبرز أهميته في عملية تكييف
الجرائم باعتباره أحد طرفي هذه العملية، المنحصرة في تحديد التوافق بين سمات أركان
الجريمة في نموذجها القانوني المحدد في قانون العقوبات، وما يماثلها في أركان
الواقعة الإجرامية التي تصادف في التطبيق العملي. اذا كان القاضي الجنائي او وكيل
النيابة يتقيد عند قيامه بتكييف الواقعة بضوابط اجرائية, فان ثمة اركان يلزم توافرها حتى
-------------------------------------------------------------------------------------------------
1-إ.راروغ، ف.إ. باريسوف، قانون العقوبات لجمهورية اليمن
الديمقراطية الشعبية القسم العام، ص47.

يتسنى له انزال حكم القانون الذي ثَبَت في وجدانه , تلك الاركان التي تَتَمثل في
ركني الجريمة المادي والمعنوي باعتبارهما العناصر الاساسية للوجود القانوني
للجريمة بالاضافة الى الركن الشرعي,حيث ان المطابقة لا تقتصرعلى نموذج الفعل
فحسب بل تشمل ايضاً نموذج الخطيئة, ويتكون النموذج القانوني للجريمة لإعمال
التكييف القانوني من ثلاث أركان وهي الركن الشرعي للجريمة والركن المادي
والركن المعنوي.ﻟﻡ ﺘﻌﺩ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻭﺤﺩﻫﺎ ﻭﺴيلة ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻜﻔﺎﺤﻪ ﻀﺩ ﺍﻟﺠﺭﻴمة ،ﻷﻥ
ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻗﺩ ﺃﺨﻔﻘﺕ ﻓﻲ مواطن عدة ،ﻋﻥ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﻤﻨﺸﻭﺩ ﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ ,
الأمر الذي استلزم ﻓﻲ ﺤﺩﻭﺩ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻥ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﺠﺯﺍﺀ ﺒﺩﻴل ﻴﺤل ﻤﺤل ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻭﻴﻜﻭﻥ
ﻟﻪ ﻓﻌﺎﻟية ﻓﻲ ﺘﺤﻘيق ﺃﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻲ ﺍﻟﻤﺘﻨﻭﻋﺔ. ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻗﺒل
ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ ﺘُﻌﺘﺒﺭ ﺘﻤﻬﻴﺩﺍً ﻟﺘﻭﻗﻴﻊ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻱ ﺤﺘﻰ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﺴﺘﻌﺩﺍً، ﻹﺨﻀﺎﻋﻪ ﻟﻠﻌﻼﺝ
ﻓﺘﻭﻗﻴﻊ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻜﻤﺭﺤلة ﺴﺎﺒﻘﺔ ﺘﺸﻜل ﺘﻤﻬﻴﺩﺍً ﻟﻼﻨﺘﻘﺎل الى ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺜﺎﻨية ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ
ﺒﻤﻔﻬﻭﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺼﻼﺡ ﺍﻟﻤﺠﺭﻡ ﻭﺘﺄﻫﻴﻠﻪ ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ، ﻤﺤﺩﺩﺓ ﺍﻟﻤﺩﺓ
ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻴﺴﺘﻠﺯﻡ ﺍﻟﺒﺩﺀ ﺒﻬﺎ ﺃﻭﻻً ﺜﻡ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴر ﻷﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺭﺘﻴﺏ ﻟﻪ ﺩﻭﺭ ﻓﻌّﺎل ﻓﻲ ،
ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ ﻟﻠﺘﺩﺍﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻴﺔ ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻁﻭﺭﺓ
ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻴﺔ في المجتمع(1).




-------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-عبد الرحمن توفيق أحمد, شرح قانون الاجراءات الجزائية,كما ورد في قانون اصول
المحاكمات الجزائية والنيابة العامة,دار الثقافة للنشر والتوزيع,الطبعة
الاولى 1432هـ 2011م ,ص266.



المطلب الثاني
تطوّر الجزاء الجنائي
ﻋَﺭَﻑ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻲ ﻋﺒﺭ ﺍﻟﻌﺼﻭﺭ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﺭﺍﺤل ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺘﻁﻭﺭﺍً
ﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻨﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﺓ ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻴﺔ ﻭ ﺘﻨﻭﻋﻬﺎ ،ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺩﻓﻊ ﺭﺠﺎل ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﻭﺍﻟﻔﻼﺴﻔﺔ
للتوجه ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﺍﻵﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎﺴﺒﺔ ﻟﻠﺤﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﻭﻗﺎﻴﺔ ﻤﻨﻬﺎ ﻗﺩﺭ المستطاع ,
ﻓإﻤﺘﺎﺯﺕ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀﺍﺕ ﻓﻲ ﺒﺩﺍﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﻟﻘﺴﻭﺓ ﻭﺍﻻﻨﺘﻘﺎﻡ ، ﻤﻤﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺯﻴﺎﺩﺓ ﺍﻨﺘﺸﺎﺭ ، ﺍﻟﺠﺭﺍﺌﻡ
ﻭﻅﻬﻭﺭ ﺃﻨﻭﺍﻉ ﺃﺨﺭﻯ ﻤﻨﻬﺎ ﻭﺘﺤﺕ ﺘﺄﺜﻴﺭ ﺴﻠﺒﻴﺎﺕ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﺓ ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻴﺔ ﺒﺩﺕ ، ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﺓ
ﻟﻠﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﻨﻅﺎﻡ ﺃﺨﺭ ﻓﻌﺭﻓﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ ﺒﻌﺽ ﺍﻹﺠﺭﺍﺀﺍﺕ ﻤﻨﻬﺎ ﻤﺎ ﺘﻌﻠَّﻕ ،
ﺒﺎﻟﻤﻌﺎﻤﻠﺔ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻷﺤﺩﺍﺙ ﻜﻤﺎ ﻫﻭ ﺍﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﺭﻭﻤﺎﻨﻴﺔ.ومن مميزات العقوبة
انها يتم تطبيقها وفقاً للقانون ، فيتساوى في أثر تطبيقها جميع المواطنين وفقاً للنصوص
القانونية النافذة ، ويتم فرضها من قبل القضاء او الجهات المختصة تجسيداً لمبدأ
( لاجريمة ولاعقوبة الاّ بنص ) بعد ثبوت مسؤولية الفاعل أرتكابه الفعل ، وان
تكون العقوبة متناسبة مع جسامة الفعل المخالف للقانون ، وبالتالي فأنها تقع على حرية
الفاعل أو جسده أو ذمته المالية ، بقصد خلق حالة من الردع للجاني وللغير، وبالتالي
انعكاس رغبة المجتمع في أيقاع نوع من الفعل المعادل للفعل المخالف للقانون المُرتكب
من قبل الفاعل، وعلى ان تكون العقوبة المفروضة على الفاعل مستندة على نص قانوني
نافذ ، وأن تكون هذه العقوبة شخصية لاتطال غير الفاعل ، استنادً لمبدأ ( لاتزر
وازرة وزر أخرى) ، والإجراءات التحقيقية التي تقوم بها السلطات التحقيقية لاتكون
عقوبات وأن كان هناك ضرر مادي ومعنوي يصيب المتهمين جراء ما يصيبهم من
توقيفهم ومنعهم من أداء اعمالهم وممارسة أنشطتهم ، ودأبت الدول المتحضرة على منح من
يثبت برائته أو يتم الأفراج عنه منحه حق مطالبة السلطات بالتعويض المادي والمعنوي
عما لحقه من ضرر وما فاته من ربح.
وقد ساهم التطور التكنولوجي، والمتغيرات الاجتماعية المصاحبة للتطور الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي، إلى مضاعفة نسبة الإجرام وكذلك استحداث أنماط جديدة له،
كالجرائم الإلكترونية، والجرائم الاقتصادية والجرائم الناشئة عن مخالفة أوامر
القانون في مجالات التنظيم الإداري العمراني و الصحي"الجرائم المصطنعة".
التكييف عملية عقلية لا بد للقاضي فيها ان يستند على ادلة تُمكِّنَه اولاً من معرفة
عناصر النموذج القانوني للجريمة والعناصر المكونة للواقعة، كما تمكّنه من تحديد
التطابق والتماثل بينهما ويعتمد القاضي على نوعين من الادلة العقلية(1).
وتقوم هذه الادلة على مبدأ القناعة القضائية الذي يعني بنوع (من اليقين الخاص بالعمل
القضائي الجنائي بوجه عام وتقدير الادلة بوجه خاص فهي ليست مجرد رأي او اعتقاد
او بين الاعتقاد واليقين فخصائصها المميزة لا تعرف هذا التدرج في مراحل التقسيم
للأدلة، فهي واحدة في ثباتها لتقدير قيمة الدليل لانها تقوم على اسس عقلية منطقية
رصينة في تحديد النتائج من مقدماتها كتقدير قيمة الشهادة(2).
كما يتأكد هذا الاتجاه بقرار محكمة تمييز العراق المرقم 260/هيأة عامة/ 98
في 12/7/1999 بقولها ( ..... بما ان المتهم انكر الجريمة تحقيقاً ومحاكمة
والمشتكي وزوجته والشاهد قضيتهم انفَي الذكر والذين تراجعوا عنها
عند تدوين شهاداتهم ضده وحيث ان الجريمة عقوبتها الاعدام ولعدم كفاية الادلة ضد
------------------------------------------------------------------------------------------
(1)يؤيد هذا الاتجاه ما ذهبت اليه محكمة تمييز العراق بقرارها المرقم 239 والمؤرخ
في 31/1/2000 بقولها ( ..... فان ما تحصل ضد المتهم من ادلة كافية ومقنعة لتجريمه
والحكم عليه وفق المادة 406/1- ح من قانون العقوبات وبدلالة المواد 47و48و49 منه.....).
حيث تتلخص وقائع هذه الدعوى ان محكمة الجنايات اصدرت قراراً بالغاء التهمة الموحهة
الى المتهم (أ.ص) والافراج عنه لعدم كفاية الادلة ضده عن واقعة جريمة قتل المجني
عليه (ح.ع) بعد ان سرق مبلغا من المال ولعدم قناعة الهيأة العامة في محكمة التمييز
بقرار محكمة الجنايات قررت نقضه للاسباب الواردة في القرار اعلاه. قرار محكمة
تمييز العراق المرقم 239/هيأة عامة/ 99 المؤرخ في 31/1/2000 (غير منشور).
(2) د. فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الادلة، دراسة مقارنة،
رسالة دكتوراه، جامعة بغداد، 1987ن ص144.



المتهم قرر نقض كافة القرارات التي اصدرتها محكمة الجنايات والغاء التهمة المسندة
الى المتهم المذكور والافراج عنه واطلاق سراحه من السجن حالا عن هذه الدعوى ...)
وتتلخص وقائع هذه الدعوى بان محكمة جنيات نينوى جرمت المتهم (ش) وفق
احكام المادة 440/1-2-3-4 عقوبات المعدلة بالقرار المرقم 114 لسنة 1994 لقيامه
بالاشتراك مع متهمين اخرين مفرقة قضيتهم بسرقة دار المشتكي(ع) وحكمت عليه
استدلالاً بالقرار 86 لسنة 94 بالاعدام شنقا حتى الموت وبعد تمييز القرار صدر
القرار التمييزي اعلاه المنشور بالموسوعة العدلية، مكتبة شركة التامين
الوطنية، العدد 82 لسنة 2001،ص8-9.

المطلب الثالث
القانون يُوجِب فعل مادي لفرض العقوبة على المجرم
القانون بمعناه العام يراد به مجموعة القواعد المُنظّمة للعلاقات الاجتماعية التي
تتصف بالعمومية والتجريد وتقترن بجزاء مادي تفرضه السلطة العامة سواء أكانت
تلك القواعد مكتوبة بموجب نصوص قانونية از كانت عرفية درج الناس على إتباعها
او كانت مستمدة من مصادر أخرى,أما القانون بمعناه الخاص فيراد به التشريع؛أي
القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة.
وإذا كان القانون يوجب دائماً فعلاً مادياً في الجريمة فإنه لا يشترط أن يترك هذا
الفعل آثاراً مادية أو أنه يتسبب في نتائج ضارة حتى يكتسب صفة الواقعة الإجرامية، فحتى
إذا لم ينتج الفعل آثاره فإنه يُشكِّل ركناً مادياً للجريمة كما في حالتي الشروع والجريمة(1).
ومن المعلوم أن الجريمة تعبّر عن واقعة مخالفة للقانون بصفة عامة، وذلك
بمخالفة قانون العقوبات أو القوانين الخاصة والمكملة له.
ولا يكفي التأكد من مدى توافر الركنين المادي والمعنوي، على اعتبار أن بعض
الجرائم تستوجب توفّر ركن مفترض، ومثال ذلك ما نص عليه المشرع الجزائري من خلال
-----------------------------------------------------------------------------------------------
1-عقيل عزيز عودة، نظرية العلم بالتجريم، منشورات الحلبي الحقوقية
بيروت، لبنان، 1966 ،ص55.
أحكام المادة 976 من قانون العقوبات الجزائري المتعلقة بجريمة خيانة الأمانة، فلا يكفي توفّر
الركنيين المادي والمعنوي بل لا بد من توفر الركن المفترض المتمثل في هذه الحالة في
(1). وجود عقد من عقود الإئتمان الذي يتم بموجبه تسليم الشيء محل الجريمة
ويمكننا ملاحظة أن هناك علاقة وثيقة جداً بين السلطة التقديرية الممنوحة قانوناً للقاضي
وبين التكييف القانوني الذي هو من اختصاص القاضي، ذلك لان تقدير وتهيئة
القاضي لعناصر النزاع المطروح عليه من اجل إنزال حكم القانون عليها لغرض حسمها
هو الذي يعتمد عليه تكييف القاضي لذلك النزاع، ولما كانت أدوات الصياغة القانونية
ووقائع النزاع والقاعدة القانونية هي المادة التي تباشر من خلالها السلطة التقديرية وهي
كذلك عصب التكييف القانوني ولما كان من يقوم بالتقدير هو نفسه من يقوم بالتكييف، فان
ذلك يدل على قوة العلاقة بين التقدير والتكييف ، وعملية التكييف تأتي تالية للتقدير ذلك
لأنه وان كان التقدير والتكييف يردان على عناصر واحدة ويقوم بهما ذات العضو
بالصفة ذاتها عند إصدار العمل القضائي، إلاّ أن الفارق بينهما زمني، حيث إن التقدير
سابق للتكييف من حيث التمهيد له حتى يمكن إنزال حكم القانون عــلى الواقعة،
والتقــــدير أيضا لاحقــــا للتكييـف من حيث إعمال اثر القاعدة القانونية على
واقع النزاع، وهذا التعقيد لا يمكن أن يواجهه إلاّ القاضي المتمتع بالذكاء والفطنة
والقدرة القانونية والعلم والخبرة والذوق الرفيع ضمن سلطته التقديرية، وعلى ذلك
فالقاضي عندما يقوم بعملية التكييف يباشر سلسلة من عمليات التقدير ليصل إلى تطبيق
القاعدة القانونية التي يرى ملاءمتها لواقع النزاع المعروض عليه بقصد حسمــــــه(2).

----------------------------------------------------------------------------------------
1 -سمير عالية ،شرح قانون العقوبات، القسم العام، المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع، لبنان، 5005،ص185.
2- د. حاتم حسن موسى بكار، سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير
الاحترازية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 2002، ص 127 وما بعدها.


وبقيت الجريمة في جميع المجتمعات أفعال محرّمة أخلاقياً وقانونياً ، وتُعتبر من النّاحية
القانونيّة أعمال غير مشروعة ناتجة عن إرادة جنائيّة يُقرر لها القانون عقوبات
منصوص عليها بمقتضى النصوص الجنائية.
والسلوك الإجرامي والذي يتجلّى في صورتين وهما النشاط الإيجابي و السلوك السلبي أو
الامتناع عن فعل يفرضه الواجب , وللامتناع صورتان : الامتناع البسيط ,والامتناع
ذو النتيجة . الركن المادي والنتيجة التي تتمثل في الآثار المادية المترتبة على السلوك
الإجرامي والتي تُحدِث تغيّراً في العالم الخارجي وتمثّل اعتداءً على مصلحة يحميها
المشرّع , و لها مدلولان مدلول مادي نراه في آثارها المادية, والمدلول الشرعي أو
القانوني وهو الذي يحدده المشرِّع بمقتضى الآثار المادية اللازمة لتشكيل عناصر
الجريمة .أما العنصر الآخر من عناصر الركن المادي فهي العلاقة السببية التي تربط
بين السلوك الإجرامي والنتيجة. فلا يمكن أن تنشأ الجريمة بالتفكير المجرد عن أي مظهر
أو نشاط خارجي , لأن التفكير مهما بلغت درجة خطورته لا يمكن أن تقوم به الجريمة
طالما أنه بقي حبيس النفس لم يشق طريقه إلى العالم الخارجي على شكل أفعال آثمة ,
فالنوايا والأفكار لا يمكن أن تكون محلاً للتجريم(1).
ولم تأتِ أغلب القوانين الجزائية بتعريف للركن المادي للجريمة واكتفت بتحديد
عناصر كل جريمة بصورة مستقلة كما فعل قانون العقوبات السوري والمصري
والعراقي , ونرى ان هذا أفضل لأن الأصل أن القوانين تُحدد القواعد والأحكام بينما
تَترك التعريفات للفقهاء و شرّاح القانون. لكن في بعض الأوقات والأزمنة يقرر
لها القانون عقوبات أعلى من تلك التي تكون مقررة لها في الأوقات العادية. فالعقوبة
المحددة للجريمة الواحدة تختلف بين الزمن الصحي و زمن الكارثة، على اعتبار أن
الزمن الأخير تشكل فيه الجريمة فعلاً أكثر جسامة، لهذا رفع المشرّع من العقوبة – في
. مختلف الدول- عند إتيان الجرائم في زمن الكوارث
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) د. توفيق شمس الدين, أشرف : شرح قانون العقوبات القسم العام , النظرية العامة
للجريمة والعقوبة طبعة خاصة لطلاب التعليم المفتوح بكلية الحقوق بجامعة بنها 2009 . ص72.
وقد صدر الحكم الابتدائي عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة المغرب
بتاريخ 09 أبريل 2020 في الملف الجنحي عدد 495/2103/2020، الذي اعتبر
أن السرقة في زمن كورونا تُعتبر جناية ما دام أن هذه الجريمة ارتكبت في حالة
الطواريء الصحية التي تمر بها البلاد وهو ما يُعد في نظر القانون الجنائي كارثة
جاء في الحكم : ” ومن جهة ثانية قد ارتكبت السرقة أثناء حالة الطواريء الصحية
المعلن عنها من طرف حكومة المملكة بمقتضى المرسوم عدد 2.20.293 تطبيقاً
للمرسوم بقانون عدد 2.20.292، والناتجة عن التهديد العام لحياة الأشخاص وسلامتهم
جراء انتشار جائحة فيروس كورونا، وهو ما يُعد في نظر المحكمة كارثة بمفهوم
الفصل 510 أعلاه، وذلك بالنظر لما أحدثه انتشار هذا الفيروس في نفوس المواطنين
من هلع واضطراب يعجز معهما عليهم حماية ممتلكاتهم، خصوصاً أمام إلزامهم قانوناً،
وفق المادة الثانية من ذات المرسوم التطبيقي، بمنع مغادرة محل سكناهم إلا في
حالة الضرورة القصوى وبشروط ضيقة ومحصورة تحت طائلة العقاب الجنائي".
القانون الإجرائي هو مجموعة من القوانين التي تحدد الخطوات الواجب اتخاذها في إنفاذ
الحقوق القانونية أو التي يتم بموجبها إدارة القانون الموضوعي . وبعبارة أخرى، هي الآلية
أو المركبة التي يتم من خلالها إنفاذ الحقوق والواجبات الواردة في القانون الموضوعي.
وتشمل هذه المجموعة من القواعد, القواعد التي تنظم المحاكمات والدعاوى القضائية،
المدنية منها والجنائية على السواء. وبعبارة أخرى، فإنه يحدد كيف ينبغي للمحكمة أن
تسمع وتحدد القضايا المدنية أو الجنائية وكيف يجب اتخاذ مثل هذه الإجراءات. ويوجد
قانون إجرائي لضمان وجود الإجراءات القانونية الواجبة والعدالة الأساسية. ويعني ذلك
أن جميع الأشخاص المشاركين في الإجراءات القانونية أو المحاكمة يعاملون معاملة عادلة
وعلى قدم المساواة في جميع الأوقات. والعملية المعتمدة لإيداع دعوى في المحكمة،
والمهلة الزمنية لتقديم الطلبات إلى المحاكم، وإلقاء القبض على المشتبه فيهم جنائياً
واحتجازهم، وغير ذلك من الجوانب الإجرائية تخضع جميعها للقانون الإجرائي.
يختلف القانون الإجرائي من الاختصاص القضائي إلى الاختصاص التشريعي( ان مسالة
تنازع الاختصاص اللاحقة لنشوء العلاقة القانونية تتطلب قواعداً قانونية تحكمها وتحدد
الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية)، ويوجد عادة في مدونة مكتوبة. فعلى سبيل
المثال، ينص قانون الإجراءات الجنائية أو قانون الإجراءات المدنية على القواعد الإجرائية
المتعلقة بالقضايا الجنائية والمدنية على التوالي. فكر في القانون الإجرائي باعتباره
مجموعة القوانين التي توضح بالتفصيل الطريقة التي تعمل بها الإجراءات
القانونية أو كيفية ممارستها. ويتضمن أيضا قواعد الإثبات. وفي قاعة المحكمة،
ينظم قانون الإجراءات إجراء محاكمة وطريقة جميع المشاركين في المحاكمة.
ولا ينطبق القانون الإجرائي على الأطراف في الإجراءات فحسب، بل ينطبق
أيضا على المحامين والقضاة وغيرهم ممن يشاركون في الإجراءات القانونية.
اعتمدت بعض التشريعات في قانون العقوبات من حيث المبدأ نظرية تعادل الأسباب ومنهم
المشرع الجزائي السوري, حيث اعتبر الجاني مسؤولاً عن إحداث النتيجة الجرمية حتى لو ساهمت
معه أسباباً متعددة في إحداث تلك النتيجة سواءً كانت سابقة أو مقارنة أو لاحقة على فعله ,
وتبقى مسؤوليته قائمة حتى لو كان يجهل تلك الأسباب أو كانت مستقلة عن فعله وفقاً لما
نصت عليه المادة 203 فقرة 1 من قانون العقوبات السوري.
لكن الفقرة الثانية من المادة ذاتها جاءت باستثناء مستمد من نظرية السببية الملائمة يندرج في
نطاق السبب غير المألوف , حيث اعتبر أن الجاني لا يسأل عن النتيجة إذا كان السبب
اللاحق على فعله مستقلاً و قادراً على إحداث النتيجة الجرمية , و تطبيقاً لذلك فإن الجاني
لا يسأل عن وفاة المصاب الذي توفي أثر حريق اندلع بالمشفى الذي كان يرقد فيه , لأن
الحريق سبب غير مألوف و مستقل عن فعل الجاني و هو سبب كاف لإحداث الوفاة.
كما أن المشرع الجزائي السوري و في معرض حديثه عن الإيذاء المفضي إلى الموت خفض
العقوبة للفاعل , إذا ساهمت مع فعله في إحداث النتيجة أسبابٌ أخرى جهلها الفاعل
وكانت تلك الأسباب مستقلة عن فعله وفقاً لما نصت عليه المادة 554 من قانون العقوبات
السوري . و هذا يعني أن المشرع أخذ مجدّداً بمعيار السبب غير المألوف الذي جاءت
به نظرية السببية الملائمة , ذلك أن الأسباب التي جهلها الفاعل و كانت مستقلة عن فعله تعتبر
أنها أسباب غير مألوفة ولذلك لا يُسأل الجاني إلاّ عن النتيجة التي أحدثها فعله فقط وهذا
ما يفسر تخفيض العقوبة الذي جاءت به المادة 554 المشار إليها.



و قد أخذت محكمة النقض السورية في ذلك ضمن العديد من اجتهاداتها ومنها:
إن العلّة السببية بين الفعل الطاعن هو إطلاق النار من جهة والنتيجة الجرمية وهي ما آلت
إليه الإصابة من نتائج من جهة أخرى تعتبر قائمة بمقتضى أحكام المادة 203 عقوبات لو
اجتمعت مع الإصابة أسباب لاحقة شاركت في حدوث النتيجة كإهمال المصاب المداواة
لأنه لولا الفعل الذي ارتكبه المجرم لما حدثت مثل هذه النتيجة(1).

المطلب الرابع
الجريمة أفعالُ مُحرّمة أخلاقياً وقانونياً
وبقيت الجريمة في جميع المجتمعات أفعال محرّمة أخلاقياً وقانونياً، وتُعتبر من النّاحية
القانونيّة أعمال غير مشروعة ناتجة عن إرادة جنائيّة يُقرر لها القانون عقوبات
منصوص عليها بمقتضى النصوص الجنائية. لكن في بعض الأوقات والأزمنة يُقرر
لها القانون عقوبات أعلى من تلك التي تكون مقررة لها في الأوقات العادية, كما رأينا
في الحكم القضائي المذكور اعلاه عن محكمة القنيطرة.
ان نشوء مبدأ شرعية التجريم والعقاب كان لمواجهة تعسف القضاة فكان من بين اهم نتائجه
ان تقرر الجريمة والعقاب بموجب نص تشريعي، دور القاضي فيه لا يتعدى تطبيقه على ما
يعرض عليه من وقائع فالفعل او الامتناع لا يطلق عليه وصف الجريمة ما لم يكن
مطابقاً في أوصافه وعناصره للنموذج الذي حدده المشرع في النص ومن هنا ظهرت فكرة
بناء نظرية تهدف الى بيان العوامل التي تؤدي الى تحقيق المطابقة بين الواقعة والنص.
وقد اطلق على هذه النظرية (بالتكييف) فما هو التكييف؟ وما هي شروطه وما هي وسائل
------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) قرار محكمة النقض السورية ـ جناية 574 قرار 717 تاريخ 31 / 10 / 1968,
منشور في موقع محاماة نت.



تحقيقه والنتائج(1) المترتبة عليه؟ من خلال بحث هذا الموضوع سوف يتبين اثر مبدأ
شرعية التجريم والعقاب على سلطة القاضي في تحديد الجريمة.
الركن المادي للجريمة : كل ما يدخل في كيان الحرية وتكون له طبيعة مادية ويتكون من ثلاثة
عناصر اولها السلوك الاجرامي(2) وقد عرف المشرع العراقي السلوك الجرمي في
المادة (19/4) من قانون العقوبات العراقي النافذ بانه (كل تصرف جرّمه القانون ايجابياً كان
------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-دكتورة. آمال عبد الرحيم عثمان، شرح قانون الاجراءات الجنائية ، القاهرة : الهيئة المصرية
العامة للكتاب، 1991. ص3. ويؤيد هذا الاتجاه قرار محكمة تمييز العراق في الاضبارة
المرقمة 254/هيأة عامة/99 والمؤرخ في 31/5/2000 بقولها ( ..... ولدى عطف النظر على
اوراق الدعوى وجد ان المتهم المذكور كان قد ذكر في كافة ادوار التحقيق والمحاكمة انه
متخلف عن الخدمة العسكرية وان المحكمة لم تسأل دائرة تجنيده عن موقف المتهم من الخدمة
العسكرية وهل انه متخلف منها حسبما ادعى او انه هارب منها وحيث ان هذا الامر له
علاقة بالتكييف القانوني للجريمة وبالعقوبة المقررة لها مما أخَلَّ ذلك بصحة القرارات
الصادرة في الدعوى وعليه واستنادً للمادة (259/أ-/7) من قانون اصول المحاكمات
الجزائية قرر نقض القرارات المذكورة واعادة الاوراق الى محكمتها لاجراء المحاكمة
مجدداً بحق المتهم المذكور وفق ما تقدم وإصدار الحكم القانوني فيها.....).
وتتلخص وقائع هذه الدعوى ان محكمة جنايات صلاح الدين قررت بتاريخ 8/6/1999 تجريم
المتهم (ك.ع) وفق احكام قراري مجلس قيادة الثورة المرقمين 59 و 114 لسنة 1994 و
بدلالة المواد 47 و 48 و 49 من قانون العقوبات لسرقته سيارة المشتكي (أ.د) اثناء ايقافها
في الشارع العام بالاشتراك مع متهم آخر مفرقة اوراقه وحكمت عليه بالاعدام شنقا حتى
الموت واحتساب مدة موقوفيته. قرار لمحكمة تمييز العراق
برقم 254/هيأة عامة/1999 بتاريخ 31/5/2000 (غير منشور).
2-cross and Jones, Introduction to Criminal law, 8th ed., London,
Butterworth, 1976, p. 27.


او سلبيا كالترك والامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك). ولا يوجد مثل هذا التحديد
للسلوك الاجرامي في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ ولعل السبب في ذلك هو تركيز
المشرع اليمني على القسم الخاص دون العام عند تنظيمه لهذا القانون.
وهذا مثالاً آخراً:
لما كان المشرع لم يضع مدلولاً قانونياً محدداً لليل ، ولم يرد في القانون تعريف للمقصود
من الليل ، ولذلك اتجه القضاء إلي الحكم بأن لفظ الليل الوارد في المادة ٣١٧ رابعاً من
قانون العقوبات المصري التي تنص على أن “يعاقب بالحبس مع الشغل على السرقات التي
تحصل ليلاً” ، فإن المقصود من الليل في هذا الصدد هو الفترة التي يسود فيها الظلام فعلاً
إذ هي الفترة التي تتوافر فيها حكمة التشديد حيث يصعب علي الإنسان حماية نفسه أو ماله ،
كما يسهل على السارق أن يتخفي في الظلام وأن يستتر به في ارتكاب جريمته ، وبناءً
علي ذلك قضي بأن السرقة التي تتم بعد المغرب بعشر دقائق لا تعتبر قد وقعت ليلاً حيث
لم يبدأ الليل بعد ، كما أن السرقة التي تتم قبيل طلوع النهار بقليل لا تعد قد وقعت ليلاً ،
وقد سايرت محكمة النقض هذا المنطق في أحكامها القديمة وتركت لقاضي الموضوع
تقدير وقت ارتكاب الجريمة دون معّقِب وما إذا كان قد وقعت ليلاً أم نهاراً(1).
------------------------------------------------------------------------------------------------------
نقض جنائي – 4 نوفمبر سنة 1974 – جـ 7 رقم 407 – ص391. . 1-










المبحث الثاني
الاساس القانوني للتكييف
لم تتردد محكمة النقض فى مصر فى فرض رقابتها على التكييف الذى تجريه محاكم الموضوع
سواءُ فى مجال الوقائع الموضوعيه او الاجرائيه فقد راقبت محكمة النقض ما أُسنِدَ الى
المتهم من واقعة حصوله على مال بالتهديد وخلصت الى ان ملكيته لهذا المال تنفى عنه سلوك
المجرم كما راقبت محكمة الموضوع فى ما خلصت اليه من تقديم بلاغ فى حق وكيل النيابة
ينسب اليه فى حصوله على مبلغ مقابل حفظ جناية اختلاس يعد بلاغاً كاذباً كما راقبت تكييف
تقليد علامة تجارية وانتهت الى ان الجريمة تتحقق متى توافرت اوجه الشبه بين العلامة
الصحيحة وتلك المقلدة كما الغت حكماً لمحكمة الموضوع قضا ببراءة المتهم ورفض الدعوى
المدنية قِبَلِه في ما اسند اليه من واقعة تقليد العلامات التجارية واستندت الى انه متى اثبت
الحكم ان المتهم استعمل زجاجات فارغة تحمل علامة شركة الكوكاولا المسجلة فان ذلك
يوفر الجريمه المنصوص عليها فى القانون ايا كان لون المياه المعبئة فيها او نوعها كما قضت
ايضا بأنه متى ثبت لمحكمةالموضوع ان المتهم ضرب المجنى عليه بسكين عدة طعنات قاصداً
قتله فانه يكون قد ارتكب جريمة القتل العمد(1).
التكييف عملية يجريها الخصوم والمحقق والقاضى فى كل نزاع يُعرض لهما ويعبّر عنه
باصطلاح الوصف القانونى ويقصد به تحديد انتهاء ظاهرة الى فكرة قانونية معينة وهو
عصب العمل القضائي اذ يخرج عن نطاق الاعمال المادية التى يباشرها القاضى وتقع فى
مجال اعماله الفنية وينقسم التكيّف من حيث الموضوع الى التكييف للواقعة ووصفها بأنها عمد
او ضرب افضى الى الموت وتكييف للجريمة باعتبارها مخالفة او جنحة او جناية كما ينقسم
التكييف من حيث المضمون الى ايجابى وهو اعتبار واقعة ما جريمة وسلبى وهو
اخراج الواقعة من نطاق التجريم ويتم التكييف فى ضوء القانون الواجب التطبيق فما
دامت الواقعة تخضع للقانون الوطنى فأن تكييفها يتم فى ضوء نصوصه بعكس ما اذا
-------------------------------------------------------------------------------------------
1- السيد الأستاذ المستشار/ عبد الفتاح مراد , رئيس محكمة الأسكندرية .بحث أصول
التكييف في القضايا الجنائية الإمارات تاريخ النشر 21 يناير2019.

خضع للقانون الاجنبي فانه طبقاً له . ولا يتقيد القاضي فى تكييفه للواقعه برأي
الخصوم او اتفاقاتهم فهو صاحب السلطه فى صدده وكل ما تُقيّد به نصوص القانون
وقاعدة احترام قانون الدفاع وفى مباشرته لهذه السلطة قد يستبعد عنصراً قد تمسّك
به الخصوم او يضيف عنصراً لم يتمسكوا به ولكنه يقف عند تكييف الوقائع المطروحه
عليه سواءُ وردت فى محاضر الاستدلالات او التحقيق الابتدائي او النهائي او في
محاضر اعمال الخبراء المنتدبين فى الدعوى دون غير ذلك من الوقائع , والتكييف
ينصب على الوقائع الموضوعية كتكييف واقعه بأنها سرقة او تبديد كما يرد ايضا على
الوقائع الاجرائيه كما اذا انتهت المحكمة الى ان الواقعة قبض وليست مجرد استيقاف.
تكييف الدعوى يقوم به قاضيها وهو ليس إلا عمل قانوني وإلزام قـانوني علـى القاضـي
وبدون طلب من احد الخصوم بان يكيّف الطلبات والوقائع المعروضة عليه تكييفاً
صحيحاً يتفق مـع الوصف القانوني للجريمة من قبل المشرّع ، وبالتالي فان التكييف هو
عمل قـضائي ملـزم قانونـاً للقاضي ، وبما أن النص على هذه القاعدة الأصولية للقضاء
لن يُنشئها بل يكشف عنها لـذلك فـأن القاضي مُلزم بالتكييف حتى وان لم ينص
المشرّع عليه. وهذا ما دعا جانـب مـن الفقـه الفرنسي إلى القول بان تكييف
الواقعة يُعد عملاً أساسـياً وضـرورياً للقاضـي . حيـث إن التكييف ليس إلاّ من عمل
القاضي لأن الأخير عندما يكيّف واقعة ما وفقاً لوصـفها القـانوني فأنـه يوجد منطقة
قانونية وفنية يجذب إليها الواقعة إلى التكييف ، ثم يسحب إلى التكييف ، وبالتالي يعمل
القاضـي على التقاء الواقع بالقانون وحينئذ يسهل تطبيق القاعدة القانونية الواجبة
التطبيق على الواقعة. يجب أن يؤ سس القانون الجنائي سواءً في صياغته أو في تطبيقه
علـى الحقـائق العلمية، مع تجنب الوقوع تحت تأثير أفكار مجردة عن حرية الاختيار
لدى الإنـسان، أو عن الخطأ أو المسؤولية، وذلك دون إنكار القيم الأخلاقية
الراسخة في ضمير المجتمـع، والاعتماد على شعور كل إنسان لمسؤولياته الأخلاقية، كما
أن التدابير التي توقـع علـى مرتكبي الجرائم يجب أن يتم اختيارها على أساس أنها
الأنسب في كل حالة على إنفراد. وحتى يومنا هذا لا تزال الأبحاث والدراسات
تتوالى لإصلاح التشريعات القانونيـة خاصة التشريعات الجنائية، إذن مازال الفقه الجنائي
يحاول الوصول إلى ماهية الغـرض الحقيقي للعقاب، وما يجب أن تقوم عليه المسؤولية
الجنائية ودور الجزاء الجنائي ونطاقه الذي يجب أن يتقرر فيه، فالامر يتوقف على مدى
ما يتمتع به كل مجتمع من تطور فـي أوجه الحياة المختلفة.
ونقصد بالتكييف القانوني بيان حكم القانون على أنه واقعة معينة تُشكِّل جريمة محددة مع
تحديد نوع الجريمة. أما التكييف القضائي فيعني المطابقة بين الواقعة المرتكبة وتكييفها
القانوني من خلال ممارسة القاضي لوظيفته. ومن خلال إجراء عملية التكييف بمطابقة
الفعل (الواقع) مع نص القانون فإن النتيجة هي تجريم المتهم بجريمة تعاطي حرفة
مصنَّفة بدون رخصة بالتالي اعتبار الجريمة جنحة وفقاً للعقوبة المقررة في القانون(1).
لم يرد في القانون العقابي أو القانون الإجرائي المطبقان في فلسطين أي نص صريح يعطي
السلطة القضائية حق أو وجوب القيام بالتكييف القانوني وفقاً لمفهومه. ومع ذلك جاء
قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم3 لسنة2001 ينص بصورة ضمنية عن واجب
النيابة العامة في التكييف من خلال المادتينن(241،240)(2) ويمنح المحكمة
الجزائية هذا الحق بالمواد(281،270) الواردتان في القانون نفسه.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-نقض جزاء، رقم 19/2004. الصادر عن محكمة النقض الفلسطينية المنعقدة في رام الله. بتاريخ 19/6/2004. : http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc
2- نصت المادة 240 على أنه: " لا يقدم أي شخص إلى المحاكمة في الدعاوى الجزائية، إلا
إذا صدر بحقه قرار اتهام من النائب العام أو من يقوم مقامه".وأتت المادة 241 توضح بيانات
لائحة الإتهام و لها أهمية في تحديد حدود الدعوى الجزائية العينية (موضوع الدعوى)،
شخصية(المتهمين) تنص:" يجب أن تتضمن لائحة الاتهام اسم المتهم وتاريخ توقيفه ونوع
الجريمة المرتكبة ووصفها القانوني، وتاريخ ارتكابها وتفاصيل التهمة وظروفها، والمواد
القانونية التي تنطبق عليها واسم المجني عليه وأسماء الشهود.قانون الإجراءات الجزائية
الفلسطيني رقم 3 لسنة2001.




المطلب الاول
إهتمام المؤتمرات الدولية بمساعدة القضاء
لقد اهتمت المؤتمرات الدولية والحلقات العلمية بهذا الموضوع ، حيث أيدت التقارير
والأبحاث واوراق العمل المقدمة الى هذه المؤتمرات موضوع مساعدة القاضي في
التعرف على الاتجاهات المختلفة للمجرم واختيار التدابير الملائمة لشخصية المجرم
المعروضة عليه(1) . وقد أجمعت هذه المؤتمرات على أن هناك حاجة الى الخِبرة في
القضاء الجنائي مثلما تدعو اليها في القضاء المدني وضرورة اعداد خبراء في المسائل
الجنائية ، أمر يفرضه وينشده التطور (2) .
وعلى هذا الاساس ولأجل أن تتضح التصورات القضائية للخطورة يتعين على القاضي أن
يلم بدراسة الوسائل اللازمه لتقييم الحالات التي تشوبها الخطورة الإجرامية وينبغي أن
تعتمد سبل التقييم هذه على عدد من الوسائل منها التخصص النوعي وتتبع القاضي المستمر
واطلاعه على كل ما يستجد من الاراء الفقهية الحديثة في مجال تخصصه ورجوعه للقرارات
القضائية ، وكذلك يجب الوقوف على اراء الاخصائيين الاكفاء المساعدين للقاضي الجنائي
من الأطباء والنفسانين والباحثين الاجتماعيين وغيرهم من الفنيين الذين يقدمون المساعدة
له في مهمته والذين يعتبرون خبراء في هذا المجال(3).
وللتكييف القضائي مجال يعمل فيه سواءُ تعلَّقَ ذلك بالجانب الموضوعي أو بالجانب
الإجرائي، بحيث إذا خرج هذا التكييف عن إطار القانونية، فإن ذلك سيترتب عليه الخطأ في
----------------------------------------------------------------------------------------------
1 - د- سمير الجنزوري ، تقرير حول نظام القضاء الجنائي في الدول العربية ، مقدم
الى المؤتمر العربي الثامن للدفاع الأجتماعي ، الرباط 1977 ، المجلة العربية للدفاع
الأجتماعي ، العدد السابع ، مارس 1978 ، ص126.
2 - د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة
القاهرة، 1966، ص156.
3- د- محمد شلال حبيب ، الخطورة الإجرامية – دراسة مقارنة -، الطبعة الأولى
دار الرسالة، بغداد، 1980، ص186.

التطبيق القانوني على وقائع الدعوى، مما يُعرّض الحكم الصادر عن الجهة القضائية
المختصة للإلغاء.
لقد عملت الأمم المتحدة منذ نشأتها على رسم سياسة ناجعة في مجال منع الجريمة وتحقيق
العدالة الجنائية، عبر إقرار العديد من التوصيات وإنشاء اللجان المتخصصة ومن
بينها اللجنة الاستشارية لخبراء منع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عهد إليها مهمة
مكافحة الجريمة وتقديم المشورة للأمين العام، وإيجاد البرامج ووضع الخطط ورسم
سياسات لتدابير دولية في مجال منع الجريمة، ومعاملة المجرمين وتعقد مؤتمرات
دورية كل خمس سنوات وذلك تعزيز وتبادل المعارف والخبرات بين الأخصائيين من
مختلف الدول من أجل تدعيم التعاون الدولي والإقليمي في مجال مكافحة الجريمة، ويُعتبرمؤتمر
الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي تم انعقاده بمدينة ميلانو بإيطاليا في
سنة 1985 م والذي انبثق عن هذا المؤتمر مجموعة من القواعد التوجيهية والتي تُوِّجت بالمصادقة
على هذه المباديء في هافانا بكوبا عام 1990 م(1). فقد أكد هذا المؤتمر على وجوب تطبيق
التطورات الجديدة في مجال العلم والتكنولوجيا في كل
مكان لصالح الجمهور. وبالتالي لمنع الجريمة على نحو فعال كما أكد على أن
التكنولوجيا بما أنها قد تولِّد أشكالاً جديدة من الجريمة فإنه ينبغي اتخاذ تدابير ملائمة,
وبالتالي منع الجريمة على نحو فعال وأشاروا إلى مسألة الخصوصية التي يمكن أن تخترق
عن طريق الإطلاع على البيانات الشخصية المخزنة داخل نظم الحسابات الآلية والتي
تُشكِّل انتهاكاً لحقوق الإنسان واعتداء على حرمة الحياة الخاصة وأكد المؤتمر
على وجوب اعتماد ضمانات ملائمة لصون السرية كذلك أكد المؤتمر عبر قواعده
التوجيهية على ضرورة تشجيع التشريعات الحديثة التي تُجرِّم وتتناول جرائم الحاسب الآلي
باعتبارها نمطاً من أنماط الجريمة المنظمة كغسيل الأموال والاحتيال المنظم وفتح حسابات
-------------------------------------------------------------------------------------------------
1 -محمد الأمين ومحسن عبد الحميد أحمد معايير الأمم المتحدة في مجال العدالة الجنائية
ومنع الجريمة أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية الرياض، الطبعة الأولى 1998، ص19.


وتشغيلها بأسماء وهمية.
لعل أبرز ما يمكن أن يقال عن الجهود العربية المبذولة من أجل الحماية من جرائم الحاسب
الآلي اعتماد مجلس وزراء العدل العرب للقانون الجنائي العربي الموحد كقانون نموذجي
بموجب القرار رقم 339 لسنة 1996م، وهو خطوة جداً هامة على الصعيد العربي في مجال
محاربة القرصنة وجرائم معطيات الحاسوب، فقد عاقب في المادة. 464 منه على الدخول بطريق
الغش إلى كامل أو جزء من نظام المعالجة الآلية للمعلومات وعرقلة أو إفساد نظام التشغيل
عن أداء وظائفه المعتادة وتغيير المعلومات داخل النظام وتزوير الوثائق المعالجة آلياً
وسرقة المعلومات(1).
أما المادة 464 فقد نصت على عقاب من يقوم بفعل الدخول بطريق الغش إلى كامل أو جزء
من نظام المعالجة الآلية للمعلومات، وعرقلة أو إفساد نظام التشغيل عن أداء وظائفه
المعتادة، وتغيير المعلومات داخل النظام، وتزوير وثائق المعالجة الآلية،وسرقة المعلومات.
وتُعَد هذه المحاولة بالرغم من تواضعها، أبرز ما تم على صعيد تعزيز التعاون على مستوى
وطننا العربي من الناحية التشريعية وتكللت الجهود العربية المبذولة في إطار حماية
الملكية الفكرية، وحق المؤلف خصوصاً في إبرام الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف
عام 1981 التي أوصى مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية المنعقد ببغداد في
من الدول العربية بالمصادقة عليها، وجاء في ديباجة الاتفاقية أن الدول العربية
إذ تحدوها الرغبة على حدٍ سواء في حماية حقوق المؤلفين على المصنفات الأدبية
والفنية بطريقة فعالة وموحدة، وتجاوباً مع المادة الحادية والعشرين من ميثاق الوحدة الثقافية
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
-1-وبالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون وباستعراض الباب السابع الخاص بالجرائم
ضد الأشخاص, نجد أن هذا القانون قد احتوى على فصل خاص بالاعتداء على حقوق
الأشخاص الناتج عن الخروقات الالكترونية والمعالجات المعلوماتية وذلك في المواد 41-464،
حيث أشارت المواد 41-43 على وجوب حماية الحياة الخاصة وأسرار الأفراد من خطر المعالجة الآلية،
وكيفية جمع المعلومات الإسمية وكيفية الإطلاع عليها.


العربية الصادرة في سنة 1964م التي أهابت بالدول العربية وجوب وضع تشريعات
لحماية الملكية الأدبية والفنية والعملية، واقتناعاً منها بالمصلحة العربية في وضع نظام
عربي موحد لحماية حقوق المؤلف يلائم الدول العربية ويضاف إلى الاتفاقيات الدولية
النافذة كإتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف، فقد تم
إبرام هذه الاتفاقية. كذلك أبرمت نفس المنظمة (المنظمة العربية للتربية والثقافة والفنون)
الاتفاقية العربية لتسير انتقال الإنتاج الثقافي العربي في العام 1987م.

المطلب الثاني
هدف السياسة الجنائية هو حماية المجتمع وتأهيل الجاني
الدعوى الجنائية هي الوسيلة التي نص عليها القانون لضمان حق المجتمع في فرض
العقوبة، وذلك بالتحري عن الجرائم ومعرفة فاعلها، والتحقيق معه، ومحاكمته، وتنفيذ
الحكم عليه بوساطة السلطة المختصة بذلك ، فالدعوى الجنائية بموجب هذا التعريف
تبدأ من وقت وقوع الجريمة وتبقى قائمة الى حين إنتهاء تنفيذ الجزاء الذي صدر بشأنه
حكم بات من السلطة المختصة أو إنقضائها بإحدى الوسائل الاخرى التي نصّ عليها
القانون في حين يذهب بعض الفقهاء الى ان هذه الدعوى تنتهي بصدور حكم بات
فيها أو بأحد الأسباب الأخرى التي ينص عليها القانون مبررين رأيهم بوجود نص قانوني
يأمر بذلك. ولم يعد من المنطقي ان تقف الوظيفة القضائية عند النطق بالحكم، لأن ذلك
لا يحمل تحديدا للعقوبة او التدبير، وانما يتحقق أثناء التنفيذ وعقب تطور الحالة ً ، كما ان
الهدف المتوخى من الحكم يستبتع بالضرورة مراقبة السلطة القضائية لتوجيهه نحو تحقيق
نتائجه، وفي ذلك ربط بين النشاط القضائي في مرحلة المحاكمة والنشاط العقابي اثناء التنفيذ،
وهما من طبيعة واحدة حيث يكمل الثاني النشاط الاول النطق بالحكم لذا وجب
إخضاعه لنفس السلطة التي أصدرته ، وليس في ذلك إهدار لمبدأ الفصل بين السلطات لأن
القاضي بمشاركته في النشاط العقابي لازال يباشر عملاً قضائياً لا ينبغي ان يقف
عنده ، لذلك فالرقابة المستمرة على التنفيذ لازمة لمد الخصومة الجنائية الى نهاية مدة التنفيذ،
لأن الفكر الجنائي الحديث يجعل غاية الدعوى الجنائية إعادة البناء الاجتماعي للمحكوم
عليه خلافا لما كان عليه في ظل الفكر الجنائي الكلاسيكي.
هدف سياسة التجريم هو حماية المصالح الاجتماعية والتي تقتضي حماية المجتمع والإنسان من
الاعتداء عليه، وتتضمن سياسة التجريم أيضا بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية العقابية،
ومنع إلحاق الضرر بها بإهدارها وتدميرها كليا أو جزئيا أو التهديد بانتهاكها لأن الأضرار الجنائية
ماهي إلا نشاط مخل بالحياة الاجتماعية، وكل مجتمع يحتفظ بقواعده وأفكاره وقيمه التي
تضبط النظام الاجتماعي. فالقواعد الاجتماعية تنظم سلوك الأفراد والجماعات التي تمثلهم، وبعض
هذه القواعد تهتم بها سياسة التجريم فتنقلها إلى قانون العقوبات. وتباشر الدولة وظيفتها
الجزائية لحماية المصالح الاجتماعية التي تسود المجتمع فتختار الجزاء الأكثر صلاحية
والأقرب إلى التعبير عن مدى تقدير المجتمع لأهمية هذه المصالح. فإذا قدرت الدولة أن
المصلحة تستحق أقصى مراتب الحماية القانونية عبرت عن ذلك بالعقوبة. وتتحدد المصالح
الجديرة بالحماية الجنائية وفقا لظروف واحتياجات كل مجتمع وتتأثر بتقاليده ونظامه الاقتصادي
والاجتماعي والسياسي ويعتبر التجريم هو أقصى مراتب الحماية التي يخفيها التشريع على
نوع معين من المصالح التي تهم المجتمع.
لقد أدى تطور المجتمع البشري و التقدم الذي أحرزه في مجال علم الإجرام و علم العقاب
إلى بروز أسس جديدة ترمي في مجملها إلى التركيز على شخصية الجاني ، وأنسنة المنظومة
مما ادى إلى ظهور اتجاهات إنسانية وعلمية من مظاهرها نظام تفريد العقوبة العقابية . و بات
من الضروري تطوير أساليب الرقابة على مرحلة التنفيذ العقابي لتحقيق ذلك. والقضاء ركيزة
أساسية يقوم عليها أمن وسلامة وطمأنينة الإنسان والأمان الاجتماعي نتيجة لتحقيق العدالة ومتى
تحققت وجد الأمن والاستقرار والسكينة ومتى ساد الاستقرار تحققت الديمقراطية التي في ظلها
يتمكن المواطن من ممارسة حقوقه وحرياته وأداء واجباته والتزاماته تجاه الدولة والمجتمع في
العمل والإنتاج والفكر والإبداع والبناء والتنمية وتلك ثمرة العدالة ونظام يحكم الجميع. تسليط
العقوبة على الجاني لا يجب أن يحول دون عودته إلى حظيرة المجتمع ، و ما تدخل القاضي في
مرحلة تطبيق العقوبة إلا فرصة لمساعدة الجاني في العودة إلى وسطه الإجتماعي ، ويكشف
هذا التدخل في الوقت نفسه عن الدور الإجتماعي المسند للقاضي الجزائي في هذه المرحلة ،
و هو ما يوسع مجال تدخلاته ، و يتماشى ووظيفته الأساسية و هي حماية المجتمع ، من أجل
ضمان حسن سير عملياته و مع مرور الزمن تأكد هذا الإتجاه و تقرب عالم القضاء من عالم
السجون ، فأصبح القانـون والعدالة يهيمنان على مرحلة تطبيق العقوبات ، التي تتطلب هي
الأخرى توافر الإقتناع الذاتي لدى القاضي ، كما تتطلب إيجاد قواعد جديدة تشبه تلك
القواعد التي تحكم الخصومة الجزائية ، إحتراماً للحريات الفردية و مبدأ الشرعية ، و تحقيقاً
للهدف المرجو من وراء توقيع الجزاء الجنائي،وهو إعادة تأهيل الجاني إجتماعياً.
المطلب الثالث
سياسة التأهيل نتاج السياسة الجنائية
سياسة التأهيل والإصلاح هي في الواقع كانت وليدة السياسة الجنائية الوضعية التي اعتمدت
على التفكير العلمي التجريبي ونادت بوجوب حماية المجتمع من المجرم لا من الجريمة وذلك
عن طر يق فحص شخصية المجرم وتحديد درجة خطورته الإجرامية وأسبابها ثم اتخاذ
التدابير الكفيلة لمواجهة هذه الخطورة وعلاجها وهكذا نرى أن مركز الثقل في السياسة الجنائية
قد تحول من الجريمة إلى المجرم وكان طبيعياً أمام هذا التحول أن تسود أفكار جديدة إجرائية
و موضوعية لهذه السياسة كضرورة فحص شخصية المجرم لمعرفة درجة خطورته
الإجرامية وعلاجها باختيار التدبير الملائم لها. وتُعتبر مؤسسة ملف الشخصية من أهم المستجدات
التي وقع إدماجها صلب قوانين الإجراءات الجزائية الحديثة، بفضلها أصبح من بين
الإجراءات الموضوعة من قبل المشرع لضمان حقوق الفرد المذنب في محاكمة عادلة، ثم
خضوعه لعقوبة تتلائم وشخصيته وإجراء بحث شامل حول ظروفه العائلية والاجتماعية والنفسية ،
مما يستفاد منه أن شخصية الجاني تلعب دوراً هاماً في تحديد العقوبة ، فالتناسب عند الحكم
بالعقوبة لا يكون بين العقوبة والجريمة، وإنما بين العقوبة والعناصر التي يتوقف عليها تحقيق
أهدافها وهي الخطورة الإجرامية وجسامة الجريمة.
ومن الملاحظ أن المشرّع لا يترك القاضي يتمتع بحرية مطلقة في استعمال سلطته التقديرية ، بل
يمارس نوعاً من الرقابة القضائية عن طريق محكمة التمييز تكفل الحفاظ على الممارسة السليمة
لهذه السلطة عن طريق الزام القاضي بتسبيب أحكامه ، والاّ تَعرّض حكمه للنقض . ومن ثم
فأن السلطة التقديرية للقاضي تبقى تدور داخل تلك الحدود التي بيّنها المشرّع له ، من دون أن
يكون بأمكانه تخطيها.
العقوبة السالبة للحرية تستهدف أساساً إصلاح المحكوم عليهم و إعادة تربيتهم وتكييفهم
الإجتماعي “وأن التربية والتكوين ثم الأعمال النافعة هي من الوسائل الفعالة لإعادة التربية
بالإضافة إلى العامل الدائم لترقيتها,وترمي إلى تهذيب خاصية السجناء الفكرية والأخلاقية
بصفة دائمة مستهدفة بذلك حماية المجتمع.عكس ما كان عليه سلب الحرية وحده لا يعتبر
عقاباً رادعاً، ولا يُطفيء جذوة الانتقام التي تتقد في ضمير المجتمع، وكان ينبغي إيلام السجين
لتحقيق الهدف من العقاب الذي هو مجرد قصاص تطهيري؛ لذا كان السجن في تلك الفترة
مجرد فضاء يوضع فيه السجين رهن إشارة الجلاد لإيقاع العقاب الجسدي عليه . ونتيجة لتطور
الفكر البشري والثورات التي تمت بإسم حقوق الإنسان اقتنعت البشرية بان الحرية هي أثمن ما
يملكه الإنسان، وأنها مكسب يتطلب الحفاظ عليه ليعتبر الحرمان منها أي الحرية: عقابا شديد
القسوة وبالتالي باتت المجتمعات تعتقد أن العقاب الجسدي لم يعد له ما يبرره. و أكثر من ذلك ،
فاما أن تكون المرحلة السالبة للحرية إبتداءً لحياة أفضل و اما إبتداء حياة أشد إنحرافا ،
في المستقبل لما يمكن أن تزوَّد به المجرم من حقد على الإنسانية وعلى المجتمع ككل ،
وهنا يدور التساؤل حول المسؤولية المعنوية التي تتحملها المؤسسة الإجتماعية التي أنيط بها
واجب التصدي للإجرام والعمل على الوقاية و العلاج منه ، تماماً كما يسأل الطبيب المعالج
في المستشفى ، ليس فقط عن الدواء الذي يصفه لمريضه أو عن العملية الجراحية التي
نتائجها بقيت محدودة الشيء الذي تؤكده الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع نسبة الإجرام،
مما دفع بعض المهتمين إلى المناداة بضرورة الرجوع إلى السياسة العقابية التقليدية التي تعتمد
أسلوبي الزجر والردع. ونعتقد أن السياسة الجنائية بفروعها الثلاثة المتمثلة في التجريم
والعقاب والمنع لا يمكن أن تصل إلى القضاء على الظاهرة الإجرامية بالنظر إلى ارتباط
الجريمة وتطورها بتغير الظروف والبيئات واختلاف الزمان والمكان(1).



-------------------------------------------------------------------------------------------------
1- محمد الغياط "السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح بالمغرب" دراسة قانونية
تربوية اجتماعية –طوب بريس- الرباط، الطبعة الأولى 2006



السياسة الجنائية وفقاً لمفهومها العلمي الحديث و ما يحتويه من المفاهيم فإنه يتم التخطيط لها
على أساس أن الجريمة ظاهرة اجتماعية لها أسبابها الاجتماعية والبيئية(المحيطة بالجريمة والمجرم)
وعلى هذا فإن عملية مكافحة الجريمة لا تنحصر في وسائل مقيدة أو محدودة في إنزال العقوبة،
أو تنفيذها فقط (1).
إذا كانت العدالة الجنائية تهدف إلى الحد من الظاهرة الإجرامية، فإنها تعاني مشكلة الإخفاق
في مواجهة تلك الظاهرة التي تؤرق كافة المجتمعات؛ لأنها تؤثر تأثيراً مباشراً على
حياة الأفراد والمجتمعات، و تُعتبر عائقاً من عوائق التنمية والاستقرار، لذلك إنشغل الفكر
الجنائي على مدى التاريخ ببحث مشكلات العدالة الجنائية خاصة أن الإحصائيات
الجنائية تشير إلى تزايد أعداد الجرائم وتزايد حالات العَود إلى الإجرام، مما يدل على إفلاس
السياسة الجنائية في مكافحة الإجرام بكل صوره و أشكاله، و من ناحية ثانية فهناك تطور
مستمر في أساليب ارتكاب الجرائم، في ظل الاستفادة من معطيات التقدم العلمي و التكنولوجي،
وسرعة نقل المعلومات التي أحدثتها ثورة الاتصالات. من هنا بات الأمر يفرض على المهتمين
بشؤون العدالة الجنائية تطوير سياسات التجريم والعقاب، بما يجعلها قادرة على مواكبة
التطور السريع في أساليب و وسائل ارتكاب الجرائم على نحو اضطر المشرعون إلى إصدار
----------------------------------------------------------------------------------------------------
-1-يرى البعض أن تعبير السياسة الجنائية يرجع أساسا إلى الفقيه الألماني "فويرباخ" الذي كان
أول من استعمله في بداية القرن التاسع عشر، و قصـد بها مجموعة الوسائل التي يمكن اتخاذها
في وقت معين في بلد معين من أجل مكافحة الإجرام فيه إلاّ أن هذا الكلام غير صحيح لأن
الشريعة الإسـلامية عرفت السياسة الجنائية منذ قرون، وهذا ثابت فيما كتبه الفقهاء المسلمين
في دراستهم لخطة المشرع و منهجه للعقـاب، إلا أن الفقهـاء المسـلمين ركزوا اهتمامهم كله على
أحكام المواد المدنية و الأحوال الشخصية و لم يفي أغلب الباحثين من فقهاء القانون الوضعي
بدراسة أحكـام الجـرائم و العقوبات في الشريعة الإسلامية و مقارنتها لما هو عليه الحال في
القوانين الحديثة.
عثمانية لخميسي، عولمة التجريم و العقاب ، ط2006 ، دار هومة، الجزائر، ص 130


عدد لا يستهان به من القوانين لمواكبة الافرازات الجديدة(1).والامثله على ذلك في القوانين
كثيرة منها ما نصت عليه المادة (203) من قانون العقوبات الإيطالي، التي عرفت الشخص
ذا الخطورة الإجرامية بأنه (من ارتكب فعلاً يُعد جريمة إذا كان محتملاً أن يرتكب أفعالاً تالية ينص
عليها القانون كجرائم)، وقد أخذت المادة (133) من القانون نفسه على عاتقها بيان كيفية تمكن
القاضي من الحكم باحتمال أن يرتكب الشخص الجريمة، على انه قد لا تبدو مهمة القاضي بهذه
السهولة في بعض الحالات خاصة فيما يتعلق بتقييم وقياس درجة الخطورة المستقبلية، ومن اجل
أن يمارس قاضي الموضوع هذه المهمة على الوجه المطلوب ، فأن هذا يستدعي اعداد قاضي
متخصص ذي كفاءة تمكِّنه من القيام بهذه المهمة بحيث يستطيع أن يلجأ الى الخبراء في الحالات
التي تستدعي ذلك ،ثم يتفهم نتيجة اعمالهم ويُمَحِص التقارير القديمة من قبلهم ويزنها بميزان سليم ،
إلاّ أن هذه الصعوبات يجب أن لا تبلغ درجة الاستحالة ، حيث انه اذا كانت الخبرة العامة للقاضي
لا تكفي لتقييم خطورة المتهم فله أن يلجأ الى الخبراء الفنين ، ومن حقه أيضاً أن يرجع الى
البحوث الاجتماعية والنفسية لشخصية إجرامية قريبة التماثل من تلك الشخصية وبهذا يمكن
تحديد هذه الخطورة بشكل علمي دقيق يكفل ايضاح دقائق هذه الشخصية ومعالمها وعلى منوال
السياق السابق فقد اوضحت المادة (133) من قانون العقوبات الايطالي ، أن هناك امارات
ودلائل يمكن للقاضي أن يأخذها بعين الإعتبار عند تقدير
وجود الخطورة الإجرامية وقضت محكمة النقض الفلسطينية في
حكم لها أن " القاضي الجزائي لا يتولى النظر في الدعوى إلاّ إذا تمَّ الادعاء على المتهم ورفع
الدعوى إلى المحكمة من قبل النيابة العامة وتقديم ما لديها من أدلة ووثائق تؤيد نسبة الجريمة إلى
المتهم ويقع على عاتق القاضي دراسة ملف الدعوى وتمحيص الأدلة و تدقيقها من أجل كشف
الغموض وتحقيق العدل سواءً بإدانة المتهم أو ببراءته من التهمة المنسوبة إليه"(2). كذلك
---------------------------------------------------------------------------------------- .
-1-حامد عبد الحكيم، البدائل الجنائية وأغراض العقوبة الجنائية، مجلة الفكر الشرطي، د بلد
المجلد 22 ،العدد 84 ،2013 ،ص151.
-2-نقض جزاء. رقم 125/2011. الصادر عن محكمة النقض الفلسطينية بتاريخ 29/2/2012
متاح منhttp://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc

الحكم الذي يثبت أن المتهمين قد تسلقا سور مستودع ودلفا داخله وسرقا منه الأموال
أجهزة كهربائية(مسجلات) ثم لاذا بالفرار،
فإثبات الوقائع في هذا الحكم إنما هو إثبات لها ولخصائصها القانونية المشكلة لجريمتي
السطو بالإشتراك والسرقة خلافاً لأحكام المواد 294، 297، 23 عقوبات لسنة 36 المطبق
في غزة(1).
ومن خلال دراسة المراحل التي مرَّت بها السياسة الجنائية في معالجتها لظاهرة الجريمة يتَبيّن
ان الدولة وحدها لا تستطيع النهوض بهذه المسؤولية، وأن التصدي للظاهرة الإجرامية يقتضي
إشراك المجتمع بمختلف فعالياته.وهذه التصورات تجد أساسها في حركة الدفاع الاجتماعي
التي تركز على ضرورة تجاوز التصور التقليدي الذي يلقي عبء مكافحة الجريمة على الدولة
وحدها. ويبدو أنه رغم التطور الذي عرفته السياسة الجنائية في معالجتها للظاهرة الإجرامية
يجريها الطبيب، لكن عن الظروف التي تحيط بمريضه أثناء وجوده بالمستشفى ، لكي يأخذ الدواء
مجراه الطبيعي دون أن يشل مفعوله إهمال الممرضات أو الفنيين القائمين على المرحلة
العلاجية ، و كما لا يمكن للطبيب من الناحية المهنية و المعنوية ، أن يقول بأن وظيفته
تنتهي عند وصف العلاج و إتمام العملية الجراحية ، كذلك لا يمكن من الناحية المهنية
والمعنوية ، أن يقول القاضي أن وظيفته كقَيّم على المؤسسة المسؤولة عن التصدي للجريمة ،
ومعالجتها و الوقاية منها أن وظيفته تنتهي بإصدار حكمه. و الحكم النهائي لا يُعد آخر
مرحلة في مكافحة الظاهرة الإجرامية ، بل يعتبر إحدى مراحل عملية معقدة تستمر إلى ما
وراء النطق بالحكم ، و أن الحكم الجنائي و ما يمليه من إعتبارات خلال مرحلة التنفيذ لايمكن
تجاهله ، بحيث أن المباديء التي تحكمه يجب أن تبقى متجانسة من وقت النطق بالحكم إلى
غاية نهاية التنفيذ. وعلى ذلك فإن أي قرار قضائي يفرض على الجاني عقوبة أو تدبيراً
---------------------------------------------------------------------------------------------------
1-نقض جزاء. رقم (9/2005) الصادر عن المحكمة العلبا بصفتها محكمة النقض.
غزة. متاح من http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc
.aspx?ID=44447 آخر دخول للموقع بتاريخ 4-4-2017


ملائماً ومناسباً للخطورة الإجتماعية التي سببتها الجريمة التي إرتكبها ، أخذاً بعين الإعتبار
الظروف التي أحاطت به عند إرتكابها ، فإن هذا القرار يكون أقرب إلى العدالة وأكثر تحقيقاً
لهدف العقوبة من ذلك القرار الذي لا يعير أهمية لمثل هذه الظروف وتأثيرها وفعاليتها ، ذلك
أن الفرد هو نتاج لبيئته ومحيطه والعوامل الشخصية التي تحيط به ، فالعدالة الجنائية لا
تتحقق إلاّ إذا نظر القاضي إلى الجريمة والمجرم نظرة شمولية ثاقبة ودراسته القضية
المطروحة للوصول إلى جوهرها الإنساني. وينبغي أن لا يكون إيقاع العقاب من أجل العقاب ،
. بل أن تكون غايته ومبتغاه التصدي للجريمة والحد من تفاقمها بجميع الوسائل العلمية والعملية
ومن هنا ذهب دعاة المذهب الإجتماعي إلى ضرورة اللجوء إلى فرض التدابير الإصلاحية
بدلاً من العقوبة كلما كان ذلك ممكناً وملائماً للفعل.

المطلب الرابع
رقابة القاضي الاداري للتكييف لأجل حكم القانون
الدور الذي یلعبه القاضي الإداري في رقابة التكییف القانوني یكمن في إنزال حكم القانون
على الواقعة التي استند إلیها قرار الإدارة, بعد التأكد من ثبوتها، فیتناول تلك الواقعة بالتكییف
لمعرفة مدى تطابقها مع القانون، أو بتفسیر النص القانوني لإنزال حكمه على الوقائع لمعرفة
مدى انطباقه على الواقعة، وبالتالي یكون تطابق القانون مع الواقعة في الحالة الثانیة، كان القرار
مشوباً بعیب السبب ویتعین إلغاؤه والحكم بعدم صحته. وللقاضي سلوك إحدى الطریقین أو
سلوكهما معاً، فإذا ما ثبت عدم صحة التكییف في الحالة الأولى أو عدم تطابق القانون مع
الواقعة في الحالة الثانیة، كان القرار مشوباً بعیب السبب ویتعین إلغاؤه والحكم بعدم صحته.
وأحكام القضاء الإداري مستقرة على إعطاء القاضي سلطة رقابة التكییف القانوني
للوقائع، كدرجة من درجات الرقابة القضائیة على السبب في القرار الإداري، وهذا ما أكدت
علیه محكمة القضاء الإداري في نطاق الرقابة على التكییف القانوني الذي أسبغته الإدارة
على الواقعة التي كانت أساساً لقرارها، فذهبت إلى أنه:" وحیث إن الجهة الإداریة المستأنفة قد
أفصحت عن أسباب قرارها على النحو التي ذكرته أمام الدائرة الابتدائیة وبتقریر الاستئناف
الماثل، ومن ثم فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة محكمة القضاء الإداري، لیتأكد منها وعما إذا
كانت النتیجة التي انتهى إلیها القرار قد استمدت من أصول موجودة حقاً أو غیر موجودة
وما إذا كانت مستخلصة استخلاصاً منطقیاً وسائغاً من عدمه وما إذا كانت هذه الأسباب سواءً
مادیة أو قانونیة تؤدي حقاً إلى إصدار القرار الإداري من عدمه. وفي مجال الرقابة
القضائیة على صحة تكییف الإدارة للوقائع في سبب القرار التأدیبي ومدى التحقق من إعطاء
الوقائع الوصف القانوني السلیم التي تتوافر فیها صفة الخطأ الوظیفي أو التأدیبي والتي تسمح
بتوقیع الجزاء من عدمه، قضت المحكمة الإداریة العلیا بمجلس الدولة المصري على أنه:"
و من حیث أن سبب القرار التأدیبي بوجه عام هو أخلال العامل بواجبات وظیفته أو إتیانه
عملاً من الأعمال المحرَّمة علیه فكل عامل یخالف الواجبات التي تنص علیها القوانین أو
القواعد التنظیمیة العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو یخرج على
مقتضى الواجب في أعمال وظیفته المنوط به تأدیتها بنفسه بدقة وأمانة إنما یرتكب ذنباً إداریاً
هو سبب القرار أن یسوغ تأدیبه فتتجه إرادة الإدارة إلى إنشاء أثر قانوني في حقه هو توقیع
جزاء علیه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً و في حدود النصاب المقرر فإذا توافر لدى
الجهة الإداریة المختصة الاقتناع بأن العامل سلك سلو كاً معیباً ینطوي على تقصیر أو إهمال
في القیام بعمله أو أداء واجباته أو خروجه على مقتضیات وظیفته أو أخلال بكرامتها
أو بالثقة الواجب توافرها في مَن یقوم بأعبائها وكان اقتناعها هذا لوجه المصلحة العامة مجرداً
عن المیل والهوى فبنت علیه قرارها بإدانة سلوكه واستنبطت هذا من وقائع صحیحة ثابتة في
الأوراق مؤدیة إلى النتیجة التي خلصت إلیها فأن قرارها في هذا الشأن یكون قائماً على
سببه ومطابقاً للقانون وحصیناً من الإلغاء(1). فالرقابة القضائیة على التكییف القانوني
للوقائع في القرار التأدیبي تكمن في التحقق أولاً: من الوجود المادي للوقائع المنسوبة إلى
الموظف، و ثانیاً: یقوم القاضي الإداري في كل حالة بمراقبة تكییف الإدارة لهذه الوقائع،
ومدى توافره من الناحیة الفعلیة صفة الخطأ الوظیفي الذي یبرر توقیع الجزاء التأدیبي من
عدمه، فسلامة التكییف القانوني للوقائع تقتضي أن تلتزم سلطة التأدیب حكم القانون على
الوقائع عند تكییفها دون التقیّد بالألفاظ، بمعنى أنه یتعین علیها استجلاء الواقعة أو الوقائع
التي یستند إلیها تسبیب القرار وتقصّي مرامیها بما تراه أوفى بمقصود المدعي وأقرب إلیه
------------------------------------------------------------------------------------------------
1-مجموعة المبادئ القانونیة التي قررتھا المحكمة الإداریة العلیا بمجلس الدولة
المصري السنة 19 ،الطعن رقم 541 للسنة 17 قضائیة ، جلسة 8/12/1973م ، ص46.
الرقابـة القضـائیة علـى السـبب فـي القـرار الإداري تعتبـر مـن أهـم الضـمانات الأساسـیة
لإحتـرام الإدارة لمبـدأ المشـروعیة فـي قراراتهـا الإداریـة، لأن مـن الواجـب علـى الإدارة ألاّ
تصـدر قراراتهـا عـن هـوى وتَحكُّـم وإنمـا یجـب أن تسـتند إلـى أسـباب صـحیحة وواقعیـة تُبـرر
اتخاذهـا، إذ أن التـزام الإدارة ببنـاء قرارها علـى سـبب صـحیح یجد سنده في الدور الذي
قصده القضاء الإداري من استخدام فكرة السبب لتحقیقه، وهو ضمان توجیه القـرار إلـى
تحقیـق غـرض الصـالح العـام، وهـذا یُمثـّل أسـاس التـزام الإدارة بضـرورة الاسـتناد فـي
قرارهـا إلـى أسـباب صـحیحة تبرره. كمـا أن القاضـي الإداري ومـا یقـوم بـه مـن دور
إیجـابي فـي توجیـه الـدعوى الإداریـة والتحقیـق فیمـا یعرض علیه من وقائع وأدلة، فیخفف
من وطأة الأصل العام في الإثبات - البینة علـى مـن إدَّعـى -، وذلـك بـأن یلزم الإدارة
بتقدیم المستندات الضروریة في الدعوى والتي استند علیها القرار المطعون فیه، إذا ما تبین له
صـحة ما دفع به وقدّم من أدلة، وبالتالي تكون الجهة الإداریة أمام خیارین اما بتقدیم
المستندات أو الامتناع؛ فإن قدمت المستندات عاد الوضع إلى الأصـل وهـو قیـام المـدعي
بإثبـات دعـواه مـن خـلال تلـك المسـتندات، وأمـا إن امتنعـت الإدارة عن تقدیم المستندات فإن
ذلك دلیل على تسلیمها بما یطلبه المُدعي وصحة أسانید دعواه.

المطلب الخامس
عبء الإثبات يقع على المدعي
وفقاً للقواعد العامة یقع عبء الإثبات على المدّعي، فیجب على المدعي أن یثبـت مـا شـاب
سـبب القـرار الإداري من عیوب، ویكون سبیله في إثبات تلك العیوب أما بإثبـات عـدم صـحة
الوقـائع المادیـة أو القانونیـة التـي استندت إلیها الإدارة في إصدار القرار، أو لعدم انطباق
الوصف القانوني على الوقائع المرتكبة، وقد یكون العیب في عدم تناسب المخالفة مع الأثر
الذي رتبه القرار الإداري. ویحـق للمـدعي فـي سـبیل إثبـات حقـه الالتجـاء إلـى أي وسـیلة
یراهـا مناسـبة للوصـول إلـى الهـدف الـذي یرمـي إلیـه وهـو إثبـات عیـب القـرار الإداري،
ولكـن لا یخفـى علـى أحـد الصـعوبة البالغـة التـي تواجـه المـدعي فـي إثبـات عیـب السـبب
وخصوصـاً إذا مـا علمنـا أن الإدارة فـي الأصـل غیـر ملزمـة بتسـبیب قراراتهـا، ووجـود
قرینـة صـحة السـبب فـي القـرارات الإداریـة الغیـر مسـببه، إلا أنـه وإن كانـت هـذه الصـعوبة
تَخـَف حـدَّتها بالنسـبة للمـدعي فـي الحـالات التـي یلـزم المشـرع الإدارة بتسـبیب قراراتهـا
الإداریـة، أو عنـدما یصـدر القـرار الإداري مشـتملاً علـى أسبابه ففي هـذه الحالـة یسـتطیع
المـدعي إثبـات دعـواه مـن واقـع الأسـباب التـي ذكرتهـا الإدارة فـي القـرار المطعـون فیه،
فضلاً عن ذلك فللقاضي الإداري فحـص مشـروعیة الأسـباب التـي اسـتند إلیهـا القـرار
الإداري متـى مـا ذكـرت بالقرار المطعون فیه أو قدمتها الإدارة أثناء نظر الدعوى.
السند القانوني للقرار؛ هو القاعدة القانونية التي يستند عليها القرار، ويتحقق هـذا العيب حال
إنعدام هذه القاعدة أي حالة: عدم وجودها، أو عدم قابليتها للتطبيق؛ كون الـنص غيـر سـاري
المفعول بعد، أو لم يعد مطبّقاً، كأن تصدر الإدارة قراراً بوقف نشر أحد الصحف دون
استنادها إلى تشـريع يجيز ذلك، في حين يجب صدور تشريع يُنظّم إنذار الصحف، ووقفها،
وإلغائها بالطريق الإداري . أو كأن تصدر قراراً بمنع أحد الموظفين من السفر للخارج بناءً
على صدور حكم بإدانته في جريمة جلـب مواد مخذرة بينما صدر حكم برد اعتباره، أي محو
الإدانة بالنسبة للمستقبل، وحرمانه من الحقـوق والتـي منها السفر. هذا وقد اتجه بعض
الفقهاء إلى ضرورة تقنين المخالفات الإدارية حتى يضمن للموظف الطمأنينة والأمان، و حتى
لا تخضع لتحكم الإدارة و تعسفها، وهذا بتحديد الإطار العـام للمخالفـات، والعناصـر
المكونة لها ورسم خطوطها العريضة التي لا ينبغي تجاوزها، و هذا خاصة مع تعدد الجهـات
الإداريـة و تغير الظروف الإدارية و الاجتماعية.
و إذا كانت رقابة القاضي لقيام الوقائع بسيطة وسهلة في حالة السلطة المقيدة، فإنها تكون
صعبة وعسيرة في حالة السلطة التقديرية، ما جعل الدكتور سليمان محمد الطماوي يرى:
بأنه وفي الحالة الثانيـة يسـتحيل على القاضي رقابة أسباب القرار الإداري، و لا يمكن للطاعن
في هذه الحالة سوى الإدعاء بإساءة استعمال السلطة؛ لأن الإدارة لم تعترف بانعدام السبب،
وهي غير ملزمة قانوناً بالإفصاح عنه(1).
وقضت محكمـة القضـاء الإداري فـي موضـوع الاسـتقالة بأنـه:" ومـن حیـث إن المسـتقر
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
1 -سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري. دار الفكر العربي ، تاريخ
النشر: 01/01/2015.ص.793-794. )

علیـه أن الاسـتقالة وهي تصرف قانوني أوجب المشـرع أن تصـدر عـن إرادة صـحیحة
خالیـة مـن عیـوب الرضـا فـإذا شـابها عیـب مـن العیوب بطل الطلب ویبطل بالتالي قبول
الاستقالة التي تبنى علیه، كمـا یجـب أن تكـون الاسـتقالة مكتوبـة وخالیـة من أي قید أو شرط،
كما أنه یستلزم أن یصدر قبول الاستقالة وفقـاً لإرادة الطـرف الآخـر وهـي السـلطة
المختصـة قانونـاً وأن یصـدر البـت فـي طلـب الاسـتقالة خـلال ثلاثـین یومـاً مـن تـاریخ
تقـدیمها، ولا تنتهـي خدمـة الموظـف إلا بصـدور القـرار الإداري بقبـول
هـذه الاسـتقالة، ویجـوز قانونـاً الاتفـاق بـین الموظـف المسـتقیل والسـلطة المختصـة
قانوناً على مد فترة تاریخ انتهاء الاستقالة لمصلحة العمل"(1).
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-الحكم الصادر من الدائرة الاستئنافیة رقم 25 للسنة 8 قضائیة استئنافیة
بتاریخ 25/2/2008م حكم غیر منشور.
فالرقابة التي یمارسها القاضي الإداري في رقابة الوجود المادي للسبب في القرار الإداري
تكمن في حدود التحقق من أن للوقائع وجود تبرر صدور القرار وتحمل على الاقتناع به،
فالوقائع لابد لها من أصل ثابت في الأوراق ومحققة الوجود، ومن ثم رقابة النتیجة
المستخلصة من هذه الوقائع، فیحكم بعدم صحة القرار (الإلغاء) إذا كان القرار بني على
وقائع غیر صحیحة، أو ثار شكاً حول صحة الوقائع، لأن الشك في صحة الوقائع ینفي
صحتها. والرقابة القضائیة على عنصر السبب فـي القـرار الإداري تـدور حـول السـبب الـذي
ذكرتـه الإدارة لإصـدار قرارها للتأكد من صحته، دون أن یكون لهذه الرقابـة دور آخـر
فـي تغییـر سـبب القـرار أو إحـلال سـبب آخـر بـدیل محل السـبب الأصـلي للقـرار، كمـا أنهـا
رقابـة مزدوجـة تـتم علـى مـرحلتین: الأولـى یتحقـق فیهـا القضـاء مـن صـحة قیام الواقعة من
الناحیة المادیة، وفي الثانیة ینزل القـانون علـى الواقعـة الثابتـة لمعرفـة مطابقتهـا أو عـدم
مطابقتهـا للقانون، وتطوّر به الأمر إلى رقابة التناسب في إصدار القرار الإداري. وإن
كـان الأصـل فـي الرقابـة القضـائیة علـى عیـب السـبب فـي القـرار الإداري فـي دعـوى الإلغـاء
(دعـوى عــدم الصــحة) تكمــن فــي فــرض الرقابــة علــى الوجــود المــادي للوقــائع التــي
اتخــذتها الإدارة ســبباً لقرارهــا وصــحة تكییفها القانوني، وهذا وفقاً لدور القاضي الإداري
وقصر رقابته على فحص مشروعیة القرار الإداري وتطابقه مع القانون دون أن یمتد إلى أبعد
من ذلك، إلاّ أن تطور القضاء الإداري في رقابتـه علـى أعمـال الإدارة وخاصـة فـي نطاق
السلطة التقدیریة للإدارة جعله یدخل الملائمة التي تتمتع بها الإدارة في السلطة التقدیریة في
إصدار قرارها في نطاق الرقابة القضائیة على مشروعیة القرار الإداري، وهذا التطور كان
له الـدور المهـم فـي الحـد مـن السـلطة التقدیریـة لجهـة الإدارة فـي إصـدارها لقراراتهـا،
وأن تراعـي دائمـا الإدارة مبـدأ المشـروعیة وحسـن التصـرف القـانوني السلیم في إصدار
قراراتها. كما أن الرقابة التي یمارسها القاضي الإداري على صحة الوجود المادي
للوقائع تنصرف في مضمونها إلى التحقق مما یلي:
1-الوقائع المتخذة أساساً للقرار ثابتة الوجود المادي وقائمة من الناحیة الفعلیة إلى وقت
صدور القرار.
2-أن تكون الوقائع المكونة للقرار محددة، غیر مبهمة ولا غامضة، إذ أن القرار الذي
یرتكز على وقائع غیر محددة مرسلة أو عامة یُعد قراراً مجهولاً لا سبب له.
3-أن تكون الوقائع التي أرتكز علیها القرار وقائع جدیة غیر منتحلة ولا صوریة، وثابتة ثبوتاً
یقینیاً لا ظنیاً وعلى هذه الركائز الثلاث یتحقق القاضي الإداري من صحة الوجود المادي
لسبب القرار الإداري، وإذا ما انتهى من التحقق من الوجود المادي وصحة وجودها مادیاً،
انتقل قدماً إلى الدرجة الثانیة من درجات الرقابة القضائیة على السبب في القرار الإداري وهو
بسط رقابة القاضي الإداري على سلامة التكییف القانوني الذي أسبغته الإدارة على
تلك الوقائع، للتحقق من انطباق هذا التكییف القانوني من عدمه.
وكذلك الحال لو تحقق سبب القرار الإداري بعد صدور القرار، أو تم تعدیل سبب القرار بعد
صـدوره ففـي كـلا الحـالتین یكـون القـرار معیبـاً بعیـب السـبب، وهـذا مـا أكـدت علیـه
محكمـة القضـاء الإداري فـي مجلـس الدولـة المصري في أحد أحكامها بقولها:" أنه متى ما بني
القرار الإداري على سبب معین قـام علیـه واسـتمد كیانـه مـن سـند قانوني أفصح عنه وكان
هو علّة صدوره، فإن من شأن عدم صحة هذا السبب أو عـدم انطبـاق السـند أن یصـبح القرار
معیباً في ذاته غیر سلیم بحالته ولیس یجدي في تصحیحه بعد ذلك تغییر سـببه أو تعـدیل سـنده



فـي تـاریخ لاحق وإن جاز أن یكون هذا مبرراً لصدور قرار جدید على الوجه الصحیح(1).
حتى يتسنى للمستأنف عليه من الإطلاع على اوراق الدعوى و إبداء ملاحظاته بشأنها...كان
عليه أن يُسـبب قـراره حتـى يتمكن المعنيون من الإطلاع المسبق على الأسباب المؤدية لتوقيع هذا
الجزاء....". وعلى نفس المنوال سار القضاء التونسي أيضا في الرقابة على الوجود المادي
والقانوني للوقائع، كما لـو ثبت تقديم شخص لاستقالته، و لكنه كان مكرها من طرف الإدارة،
لأن الإكراه يـؤثر علـى صـحة هـذه الاستقالة. إذ يشترط فيها أن تكون صادرة برضا الموظف،
وخالية من كل عيوب الرضا ، علـى أن يكـون هـذا الإكراه حقيقياً وجدياً ومنتجاً نتيجة
ضغوطات حقيقية، و ليست ضنية أو تصورية(2) لأن الخوف والمهابة والظن الخاطيء
لا يشكل إكراه معنوي، واحترام القانون يعلو على الشعور بالمهابة ,هذا وعلى فرض
تحقق هذه الوقائع ، وتأكد القاضي الإداري من قيامها، و صحتها، باعتبارهـا أولـى مراحل
الرقابة على عيب السبب، فإنه ورغم ذلك لا يحكم بصحة القرار الإداري ، لتعلقـه بعنصـر
آخـر يجب عليه التأكد من صحته، وسلامته، وهو التكييف القانوني السليم للوقائع. بعد رقابة
الوجود المادي للوقائع، وكيف أن القاضي الإداري وبعدما كان يعتبره مجـالاً محضوراً عليه
تمكَّن فيما بعد من مد رقابته عليه، بل واعتبره وكما أطلق عليه الفقه رقابة الحد الأدنـى ، إذ
كانت هذه الرقابة ضرورية وجوهرية لفعالية عملية الرقابة، و لتحقيق الضمانات الكافية
لحقوق الأفراد. لكن هذا لم يكن كافياً لتحقيق هذا الهدف فطالب الأفراد، والفقه من القضاء
فرض نوع آخر من الرقابـة هي: رقابة صحة التكييف القانوني الذي تجريه الإدارة، و الذي
رفض إعماله في البداية ثـم تراجـع عـن موقفه مع الإبقاء على بعض الإستثناءات .
----------------------------------------------------------------------------------------------------
1 -مجموعة المبادئ القانونیة التي قررتھا محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري
السنة 9 ، الطعن رقم 8806 للسنة 8 قضائیة ، جلسة 18/1/1955م ، ص246.
2 - محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري, منشورات الحلبي الحقوقية ، تاريخ
النشر: 01/01/2005, ص.206 وأنظر: أحمد محيو، المنازعات الادارية, ديوان
المطبوعات الجامعية, 1993 -.


المطلب السادس
القضاء الإداري يقف عند حدود الشرعية لإتخاذ القرار
قد يبدو للوهلة الأولى أن عملية التكييف القانوني هي مجرد تطبيق نص عام على
واقعة أو وقائع جزئية؛ أي انها تقتصر على ما يسمى بالقياس السيلوجستي(1) في علم المنطق.
نشاط القضاء الإداري في وزنه للقرارات الإدارية. وجـوب أن يقـف عنـد حـد المـشروعية
أو عدمها في نطاق الرقابة القانونية وله بحث الوقائع التي بني عليهـا القـرار تحققـاً مـن
مطابقتـه للقانون باعتبارها من عناصر قيـام القـرار الإداري. عـدم تجـاوز ذلـك إلـى وزن
مناسـبات القرار أو ما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية للإدارة. – العبرة في تكييف القرار
الإداري. بفحواه ومعناه لا بصفته ومبناه.
أهمية التكييف بالنسبة لتحديد القانون الواجب التطبيق: يختلف التكييف في القانون الداخلي
عن التكييف في القانون الدولي الخاص من حيث إن التكييف في القانون الداخلي يهدف إلى
تحديد القاعدة القانونية التي تطبق في النزاع المعروض على القاضي لإيجاد حل نهائي
له، في حين أن التكييف في القانون الدولي الخاص يهدف إلى ربط النزاع بإحدى
مجموعات الإسناد، وذلك لتحديد قاعدة الإسناد واجبة التطبيق، والتي تبين القانون الواجب
التطبيق على النزاع. وبمعنى آخر، إن التكييف في القانون الدولي الخاص لا يهدف إلى تحديد
الأحكام القانونية التي تطبق على النزاع لحله بصورة نهائية، وإنما يهدف إلى بيان قاعدة
الإسناد الصحيحة التي تدل القاضي على القانون الواجب التطبيق. فلو تشاجر زوج فرنسي
الجنسية وزوجته إيطالية الجنسية في سورية، ما هو القانون الواجب التطبيق على هذه العلاقة
القانونية؟ يتوقف تحديد هذا القانون على تكييف العلاقة القانونية موضوع النزاع. وهنا
يتنازع تكييفان حول هذه المشاجرة: فاما أن تُعد أثراً من آثار الزواج، واما أن تعدّ فعلاً
ضاراً. وبناءً على التكييف القانوني السليم تتحدد قاعدة الإسناد التي ترشد القاضي إلى
-------------------------------------------------------------------------------------------------
1-علم السيكولوجي أو ما يسمى بعلم النفس هو علم يهتم بدراسة سلوك البشر وتفكيرهم، كما
يُعنى بدراسة عمليات الإدراك الحسي، والتفكير، والتعلم، والانفعالات، والدوافع،


القانون الواجب التطبيق. فإذا عُدّت المشاجرة أثراً من آثار الزواج، يجب على القاضي
تطبيق قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج (بموجب أحكام المادة 14/1 من
القانون المدني السوري). أما إذا تم تكييف المشاجرة على أنها تشكل فعلاً ضاراً، فيجب
إخضاعها لقانون الدولة التي وقعت فيها المشاجرة (تطبيقاً لأحكام المادة 22/1 من القانون
المدني السوري).
ولاشك أن المحامي صاحب الخبرة يولي أهمية كبيرة لعملية التكييف لما يترتب عليها من
نتائج لموكله؛ اخذاً بعين الاعتبار أهمية الدقة والحجة في المطابقة بين نصوص التوصيف
والوقائع، وذلك لان الفيصل في الربط بين الواقعة والنص القانوني يبقى في يد القضاء الفَطِن .
يمكن الوقوف على موقف القضاء الاداري العراقي من خلال عرض وتحليل الاحكام
القضائية الصادرة من محكمة القضاء الاداري او الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة او
المحكمة الاتحادية العليا ، وذلك بغية الوقوف على ممارسة القضاء الاداري العراقي
لرقابته على التكييف القانوني للوقائع في قرارات الضبط الاداري. وتطبيقاً لرقابة القضاء
الاداري العراقي للتكييف القانوني للوقائع ، ما قضت به محكمة القضاء الاداري من ان
(.. الثابت في هذه الدعوى ان المدعية هي التي قبضت ثمن بيع دار زوجها الذي
تحققت عنه الضربية واحتفظت به لنفسها دون ان تراجع دائرة رعاية القاصرين باعتبارها
الجهة المسؤولة عن المحافظة على اموال القاصرين وان تودع الثمن لديها رغم كون البيع
والتعهد بنقل ملكية عقار زوجها قد حصل خلاف احكام قانون رعاية القاصرين مما يستنتج
منه ان الدار التي اشترتها لنفسها وهي الدار التي حجزها المدعي عليه كانت من مال زوجها
المحجور والمثقل بدين الضريبة وبالتالي تكون هي المسؤولة عن دفع هذا الدين مباشرة
عليه يكون القرار الاداري المطعون فيه بحجز دار المدعية لتامين تسديد الضريبة موافقاً للقانون...)(1).
واذا كانت احكام القضاء الاداري الفرنسي والمصري قد اوردت بعض الاستثناءات من
----------------------------------------------------------------------------------------------
قرارها المرقم 21/قضاء اداري /2002 في 3/4/2002 ، منشور في مجلة العدالة -1 -
ع3( تموز، اب، ايلول)2002 ،ص91.

اخضاع قرارات الضبط الاداري لرقابة التكييف القانوني للوقائع، فان محكمة القضاء الاداري
في العراق قد استثنت القرارات الادارية الخاصة بالمسائل الفنية والعلمية من الرقابة المذكورة،
اذ قضت بهذا الصدد من الحكم برد الدعوى المقامة على الجهة الادارية بغية الغاء القرار
الاداري المتضمن رفض منح اجازة بناء للمدعي باعتبار ان ذلك الرفض انما يستند
لاسباب فنية وغير خاضعة لاحكام القضاء الاداري،(1) الاّ ان المحكمة الاتحادية العليا لم
تعتد بالاستثناء المذكور وعمدت الى نقض الحكم الصادر بهذا الخصوص باعتبار (.. ان
محكمة الموضوع عند نظرها الدعوى اسرعت بردها للاسباب المبنية في حيثيات الحكم دون
ان تقوم باجراء التحقيقات اللازمة للتاكد من وجود المشروع المشار اليه فعلاً والمساحة التي
يتطلبها وموقعها وذلك بالاستفسار من مديرية التخطيط العمراني وهي الجهة المختصة بهذا
المجال ، فيما اذا كان منح اجازة البناء للقطعتين يخالف التصميم الاساس من عدمه هذا من
جهة، ومن جهة اخرى فان قيام المدعى عليه اضافة لوظيفته برفض منح اجازة البناء
وبالكيفية المبينة اعلاه دون الاستناد الى اسباب قانونية معتبرة بذلك يكون قد تعسف في
استعمال سلطته وان قراره خاضع لرقابة القضاء الاداري..)(2).




---------------------------------------------------------------------------------------------
1- قرارها المرقم 43/قضاء اداري /2006 في 10/5/2006 غير منشور
2- قرارها المرقم 18/ اتحادية/تمييز /2006 في 19/7/2006 غيرمنشور






المبحث الثالث
الجريمة المستحيلة
تتميز بعض حالات الجريمة المستحيلة بإنعدام محل الجريمة سواءً إنعداماً مطلقاً أي عدم وجود محل
الجريمة نهائيا ولو تغيرت الظروف الراهنة وقد يكون انعدام محل الجريمة نسبيا أي تخلفه أو غيابه المؤقت
بحيث لو تغيرت الظروف القائمة لوجد محل الجريمة، ولا تتميز الجريمة المستحيلة بانعدام محلها مطلقاً أو
نسبياً محدداً على النحو السابق إنما تتحقق أيضاً إذا فَقد هذا المحل صفة أساسية فيه كما لو تواجد محل
الجريمة في السرقة، بيد أنه انعدمت صفة أساسية فيه كما لو كان المال الموجود مملوكاً للجاني والواقع أن
(1). محل الجريمة يعد عنصراً في ركنها المادي
ينبغي ان تتوافر جميع الأركان التي اشترطها المشرع في النموذج القانوني للجريمة، ولا بدّ من
تحقق الركن المادي والمعنوي في الجريمة التامة في الشروع. فالركن المعنوي هو القصد
الجنائي الذي يتوافر لدى الفاعل في الجريمة المستحيلة حيث تتجه نية الفاعل الى الشروع في
الجريمة. أما الركن المادي فينحصر في مدى كمية الأفعال المادية التي يقوم بها الجاني لتنفيذ
جريمته ولكي تصبح الواقعة شروعاً معاقباً عليها يجب ان تتطابق في عناصرها وأركانها
مع النموذج القانوني بإستثناء عدم تحقق النتيجة الجرمية لسبب يجهله الفاعل.
لم تتطرق مختلف التشريعات إلى تعريف الجريمة المستحيلة وتركت ذلك للقضاء والفقه وبالرجوع إلى بعض
النصوص القانونية في مختلف التشريعات نجد أن هناك من التشريعات مَن نصَّ عليها بنص صريح ولم
يُعرِّفها، فقد ذكرت فيها العقوبات المقررة لها فقط ومن أمثلة التشريعات التي نصت على الجريمة المستحيلة
ولم تعرّفها، التشريع النمساوي والإيطالي الصادر سنة 1930 الذي قرر بعدم العقاب على الإستحالة سواءً
كانت تلك الإستحالة بسبب موضوع الجريمة أو راجعة لإستحالة الوسيلة، كما توجد تشريعات أخرى أكثر


-------------------------------------------------------------------------------------------- -1- محمد سمير: الجريمة المستحيلة، دراسة مقارنة، ط1 ،دار القضاء، الإمارات
العربية المتحدة 2014 ،ص79.


تعقيداً التي لم تنص على الجريمة المستحيلة لا من حيث التعريف ولا من حيث العقوبات حيث أدمجتها في
السلوك الإجرامي في الجريمة المستحيلة(1). "ونقصد بالسلوك الاجرامي ذلك السلوك المادي الصادر عن
إنسان ,والذي يتعارض مع القانون فالجريمة في المقام الأول،فعل آدمي أي سلوك صادر عن
إنسان فالفعل هو جوهر الجريمة ولهذا قيل "لا جريمة دون فعل". نص الشروع ومثال
ذلك التشريع الفرنسي والتشريع النرويجي"(2).
وهذه الجريمة ذكرها القرآن الكريم في سورة هود ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ
بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(77), وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ
السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ
رَجُلٌ رَشِيدٌ (78),(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ
أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80).

المطلب الاول
قانون العقوبات لا يُعاقب على النوايا
في جميع الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات يجب أن يتوافر ركن مهم ألاّ وهو
الركن المادي إذ لا يُعاقب على الجريمة التي تكون في ذهن الجاني بل يجب أن تبرز في العالم
الخارجي وذلك بالإعتداء على النصوص القانونية سواءً بالإمتناع أو بالإيجاب وهذا ما يُعرف
بالسلوك المُجَرَّم. وكذلك يُعرف السلوك الإجرامي على أنه تلك المجهودات العضلية التي يقوم
بها الجاني بغية الإعتداء على حق أو مصلحة محمية من طرف القانون(3).
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
1 -جندي عبد المالك: الموسوعة الجنائية، الجزء الرابع، ط2 ،دار العلم للجميع، لبنان دون
سنة، ص-425-451.
2 -عبد الله سليمان: شرح قانون العقوبات الجزائري "القسم العام"، د ط، ديوان
المطبوعات الجامعية الجزائر 1995 ،ص147.
3 -رمزي رياض عوض: الأحكام العامة في القانون الجنائي الأنجلو أمريكي، د ط، دار
النهضة العربية، مصر 2007, ص42.

وبالإضافة إلى السلوك المُجرّم يشترط القانون في بعض الجرائم أن تكون هناك نتيجة تابعة لهذا
السلوك مثل جريمة القتل فلا يكفي فعل الإعتداء وحده لتحقيق الجريمة بل يجب توفير النتيجة
وهي الوفاة(1).
لكننا نجد في بعض النصوص القانونية أن المشرع لم يشترط أن تتحقق النتيجة في
الركن المادي حيث يكتفي بالسلوك المُجرّم إذ توجد بعض الجرائم لا يمكن تحقق النتيجة
فيها حيث يكتفي صدور النشاط الإجرامي من الجاني فقط ومن أمثلتها حمل سلاح دون
ترخيص ومن أمثلتها أيضا من يطلق النار على غريمه فيستحيل قتله. ومعيار السلوك في
الجريمة المستحيلة يتحدد بالوسيلة المستخدمة فإذا كانت الوسيلة صالحة لبلوغ النتيجة
فتكون سلوك إجرامي وتختلف إذا لم تكن الوسيلة صالحة لتحقيق النتيجة فإنها تصلح لتكون
السلوك الإجرامي المحدد في القانون.
ان الصعوبة والغموض يعتريان الجريمة المستحيلة، حيث يختلف الفعل الذي يقوم به الجاني
بأختلاف زاوية النظر اليه. فاذا نظرنا اليه من ناحية استحالة نتيجته دون الاخذ بنظر الاعتبار
نفس الفعل الذي وقع فلا يعتبر جريمة وبالتالي لا يمكن اعتباره من صور الشروع التام
المعاقب عليه، والسبب هو ان تَحقق النتيجة في الشروع التام ممكن في ظل ظروف النشاط
الاجرامي للفاعل وهو بذلك يختلف اختلافا كليا عن تحقق النتيجة في الجريمة المستحيلة حيث
ان تحققها غير ممكن اصلاً في ظل ظروف النشاط الذي قام به الجاني او في ظروف
اخرى ومهما بذل الجاني من جهد في سبيل ذلك . اما اذا نظر اليها - الجريمة المستحيلة- من
حيث الفعل الواقع بغض النظر عن النتيجة سواءً أكانت ممكنة او مستحيلة ، ففي هذه الحالة
تعتبر من صور الشروع التام والمعاقب عليه. لأن الشروع يبدأ حيث تبدأ الجريمة
التامة ولا ينتهي حيث تنتهي ، كما ان مناط التجريم هو البدء بالتنفيذ والذي بدأه الجاني
فعلاً في الجريمة المستحيلة.وينبغي ان تتوافر في الواقعة الخارجية جميع الاركان والعناصر
التي اشترطها المشرع في النموذج القانوني للجريمة. وهنا لابد من تحقق ركني الجريمة المادي
والمعنوي في الجريمة التامة وفي الشروع. فهل تحقق ركنا الجريمة في صورة الجريمة المستحيلة.
----------------------------------------------------------------------------------------------------
1-سليمان عبد المنعم-عوض محمد عوض: النظرية العامة للقانون الجزائي اللبناني، د ط،
دار النشر: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان دون سنة، ص113
الجريمة المستحيلة تكون سبب من إثنين أما بسبب محل الجريمة أو بسبب وسيلة تنفيذ هذه
الجريمة، بالنسبة لمحل الجريمة وهي الاستحالة القانونية وتكون الجريمة مستحيلة استحالة
قانونية في حالة ما اذا انعدم محل الجريمة او فقد صفة اساسية من صفاته، مثلاً في جريمة
القتل محلها هو الانسان الحي فلو حاول شخص قتل اخر ثم اتضح انه كان قد توفى قبل
محاولة قتله(1). أو كان موجوداً في غير المكان الذي تصور الجاني انه موجود فيه مما يؤدي
الى عدم توافر جريمة القتل او قيام المتهم بإدخال يده في جيب المجني عليه بنية سرقته لكن
لم يكن يوجد اية نقود في الجيب، أو مثلاً في حال أراد شخص اجهاض امرأة ظنَ انها حامل
لكن هي لم تكن حاملاً فهو قام بإجهاض امرأة غير حامل اذاً جريمة الإجهاض غير موجودة،
ففي المثال الأول نكون امام جريمة مستحيلة بسبب عدم وجود محل الجريمة وهو الانسان
الحي(2). وفي المثال الثاني نكون أيضاً أمام جريمة مستحيلة لأن محل الجريمة وهو النقود
غير متوافر وفي المثال الثالث نكون امام جريمة مستحيلة أيضاً لعدم توافر المحل وهو الجنين،
ونقصد أن محل الجريمة هو الذي غير موجود وهو ما يسمى بالإستحالة القانونية
للجريمة، وان قانون العقوبات الاردني النافذ رقم (16) لسنة 1960 لم يُجرّم هذا الفعل الذي
قام به المتهم بالأمثلة أعلاه الاّ اذا اقترن فعل المتهم بجريمة أخرى يعاقب عليها القانون المذكور.
استقر قضاء محكمة التمييز الفرنسية على التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية
والقول بالعقاب على الثانية دون الأولى. ولذلك قضت بان محاولة اجهاض امرأة على
اعتبار انها حامل ويظهر انها ليس كذلك لا تعد شروعا في حين ان القضاء الألماني يأخذ
بالمذهب الشخصي، فقد قضت المحكمة العليا الالمانية بمعاقبة من حاول قتل شخص كان
ميتاً بعقوبة الشروع وكذلك من حاول إجهاض امرأة غير حامل. اما في مصر فقد استقر
(3). قضاء محكمة النقض على التفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية والعقاب في الثانية دون الأولى
-----------------------------------------------------------------------------------------------
1-السراج، عبود. قانون العقوبات القسم العام. دمشق: دار المستقبل للطباعة.1982
السعيد، كامل. الاحكام العامة للجريمة في قانون العقوبات الاردني. عمان. د.ن. 1981.2-
-3- د. علي حسين الخلف ، الوسيط في شرح قانون العقوبات – القسم العام ج 1 بغداد 1968
ص535 والمرجع المشار اليها فيه.

قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 العراقي نص على عقاب الجريمة المستحيلة في
المادة (30) منه قائلا (.... ويعتبر شروعا في ارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد
ارتكاب جناية او جنحة مستحيلة التنفيذ اما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة او بالوسيلة
التي استعملت في ارتكابها ما لم يكن اعتقاد الفاعل صلاحية عمله لاحداث النتيجة مبنياً
على وهم او جهل مطبق...).
ومن دراسة نص هذه المادة يظهر لنا ان قانون العقوبات العراقي قد تبنى في العقاب على
الجريمة المستحيلة المذهب القائل بالعقاب على الجريمة المستحيلة بصورة مطلقة، عدا بعض
الحالات، بعقاب الشروع. وهذا هو الراي الذي تبناه أصحاب المذهب الشخصي.
ان الجريمة المستحيلة تحتمل البدء بالتنفيذ وان كان مقدر له الخيبة وعدم تحقق النتيجة الاّ
ان سلوك الفاعل يكشف عن ارادته ونيته في التوجه للوصول الى النتيجة التي يريدها .
وبذلك يكشف فعل الفاعل العقيم عن مدى خطورة هذا الفاعل . وهذا يكفي لفرض عقاب
على فعله قياساً على الشروع الذي لم تتحقق فيه النتيجة ولكن اتجهت ارادة الفاعل الى
اتمام الجريمة التي توخاها الفاعل. والاستحالة ينعدم معها تحقق النتيجة مهما بذل من جهد في
سبيلها وبالتالي فالفعل لا يشكل خطراً ولا يترتب عليه ضررعلى المصلحة التي يحميها القانون.
وهذا الرأي ركَّز على الخطر الذي يتعرض له الحق الذي يحميه القانون دون الالتفات الى
خطورة الجاني التي يأخذها عادةً المشرع في فرض العقوبة . وهي لاشك متحققه في
الجريمة المستحيلة ويكشف عنها فعل الفاعل الذي يعتبر قرينة عليها .
الاستحالة القانونية : وتعني تخلف ركن او عنصر من عناصر الجريمة والتي لا تقع الجريمة
بدونها الى جانب تخلف النتيجة كمن يطلق النار على شخص يعتقد انه نائم على سريره فاذا به
فارق الحياة قبل اطلاق النار عليه او كمن يريد اجهاض امرأة وهي ليست حامل . هذا
النوع من الاستحالة القانونية تتعلق بمحل او موضوع الجريمة . اما ما تعلق منها بالوسيلة
فكمن يحاول قتل خصمه بمادة غير سامة معتقدا انها سامة.
القانون لا يعاقب الشخص الذي يفكر في القيام بجريمة ما إلا إذا صدرت منه أفعال
خارجية عبّرت عن نيته الإجرامية, وهذا يعني أنه لا عقاب على الأفكار والنوايا السيئة ما لم
تخرج في شكلها المادي. والجرائم قد تتم وتتحقق النتائج المرجوة منها كما يمكن ألاّ تتحقق
لظروف خارجة عن إرادة الجاني وهذه الأخيرة تعرف بالشروع الناقص.
الذي يقوم فيه الجاني بالبدأ في تنفيذ ومباشرة أفعال تهدف إلى إرتكاب جريمة ولكن لا تتحقق لتدخل ظرف
خارج عن إرادة الجاني، والشروع الناقص له عدة أنواع كالشروع الخائب الذي يخيب أثره، لسبب خارج عن
إرادة الجاني رغم إمكانية تحقق النتيجة وكذلك الشروع الموقوف.
إلاّ أنه يوجد نوع آخر من أنواع الشروع ألا وهو الشروع المستحيل أو ما يعرف بالجريمة المستحيلة الذي لا
يمكن للجاني فيه تحقيق نتيجة لتدخل ظروف خارجية سواءً كانت مادية او موضوعية لا دخل لإرادة الجاني
فيها ومثال هذه الجريمة: الشخص الذي يقبل على قتل شخص ميت.
هذا النوع من الاستحالة يمنع تحقق الشروع ولا يعاقب عليه القانون لعدم تحقق عناصره
القانونيه. حيث ان عناصر الشروع هي نفس عناصر الجريمة التامة وما يتصف فيه الشروع
من نقصان هو يتمثل فقط في الركن المادي وفي النتيجة. فالركن المادي في الشروع هو
بعض الركن المادي في الجريمة التامة ومن طبيعة الشروع عدم تحقق النتيجة ايضا.
اما العناصر الاخرى التي يتوجب توافرها في الجريمة التامة هي نفسها في الشروع، فاذا
ما تخلف احدها فلا شروع ولا عقاب على الفعل اذا لم يشكل شروعا. ففي السرقة مثلاً
اشترطت المادة 439 من قانون العقوبات العراقي ان يكون المال المراد سرقته مملوكا للغير.
فاذا تخلف الشرط المذكور وقام الشخص بسرقة مال مملوك له فلا يتحقق هنا الشروع
في السرقة لتخلف عنصر مملوكية المال للغير.

المطلب الثاني
موقف القضاء وقانون العقوبات المصري من الجريمة المستحيلة
تأرجح القضاء المصري بين النظرية التي اخذت بها المحكمة العليا في المانيا اي
المعاقبة على الجريمة المستحيلة اياً كانت فروض الاستحالة. ويظهر ذلك في قرار محكمة
النقض المصرية الصادر في 12 ديسمبر 1913 حيث اعتبرت فيه ان تقديم شخص جواهر
غير مضرة معتقدا بتسببها الموت لخصمه لجهله بالمقدار الكافي الذي يحدث الوفاة شروعاً في
جريمة القتل لأن النتيجة لم تتحقق بسبب لا ارادي فقد جاء في حيثيات الحكم ( ان الشروع
في القتل بواسطة السم يتكون بمجرد اعطاء شخص عمداً مادة في امكانها احداث الموت ، او
يظن الفاعل انها تحدث الوفاة وذلك توصلاً لقتل المجني عليه ، واما اذا اعطى السم بكمية خفيفة
جداً واذا كانت الجواهر المستعملة غير مضرة وذلك بدون علم الفاعل ولكنها اعطيت بقصد
قتل المجني عليه فان هذه الوقائع لا تكون جريمة مستحيلة بل شروعا في القتل عمداً وقد خاب
اثره لأسباب خارجة عن ارادة الفاعل . وفي الواقع فان جريمة الشروع في القتل عمدا
بواسطة السم توجد قانوناً متى اظهر الفاعل نية ارتكابها بأفعال مقاربة للجناية ومع جميع
الظروف المكونة لها ، اما كون السم قد اعطي بكمية خفيفة جدا او ان المادة المستعملة كانت
بدون علم الفاعل غير مضرة بدلاً من ان تكون قاتله فان هذه ظروف قهرية تجعل الفعل
شروعاً بدلاً من قتل تام ) . بينما في حكم آخر لنفس المحكمة المذكورة صدر ونشر في
المجموعة الرسمية سنة 1915 رقم 19 تبنت فكرة تقسيم الاستحالة الى استحالة مطلقة
واخرى نسبية مقتفية اثر محكمة النقض الفرنسية ,(وحيث انه لا يصح القول هنا بوجود (جنحة
مستحيلة ) لأن مسألة هذه الاستحالة لا يمكن التمسك بها الاّ في حالة وجود مانع مادي ومطلق
لا بسبب وجود مانع نسبي ناشيء عن قوة ادراك المجني عليه وبالفعل فان هذا الاخير قد
جعل المتهم يخيب عن عمله بسبب ظرف قهري لا دخل فيه لنفس الواقعة ولولا وجود هذا
الظرف لكان من الممكن ان الجريمة يتم ارتكابها فعلاً)(1).
وهناك غموض يعتري الجريمة المستحيلة، فاذا نظرنا اليها من ناحية استحالة نتيجتها دون الأخذ
بالفعل الجرمي فلا تعتبر جريمة حيث ان تحقق النتيجة غير ممكن أصلاً في ظل ظروف
النشاط الاجرامي للفاعل و مهما بذل من جهد في سبيل ذلك. وإذا نظرنا إليها من حيث
الفعل الواقع بغض النظر عن النتيجة، ففي هذه الحالة تعتبر صور من صور الشروع التام و
يعاقب عليها، لأن الشروع يبدأ حيث تبدأ الجريمة التامة و لا ينتهي حيث تنتهي.
وإﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﻭﻗﻮﻉ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻡ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻜﺎﺑﻬﺎ ﺍﻳﺎً ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻼﺣﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ .
ﻭﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﺧﺮﻯ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠﺔ ﺍﺫﺍ ﺍﺳﺘﺤﺎﻝ ﺗﺤﻘﻖ ﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ ﺍﻻﺟﺮﺍﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻭﺿﺎﻉ ﺍﻭ
ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﻲ جاء ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﺍﻻﺟﺮﺍﻣﻲ، ﻟﺴﺒﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﺴﺒﺎﻧﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﻻﺭﺍﺩﺗﻪ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻪ .
ﺃﻱ ﺍﻥ ﺍﻟﺠﺎﻧﻲ أﻓﺮﻍ ﻛﻞ ﻧﺸﺎﻃﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻭﻣﺆﻣﻼً ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻟﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺧﺎﺏ ﺍﺛﺮﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ.
--------------------------------------------------------------------------------------------------
-1-محمد صبري ابو علم ، بحث في الجريمة المستحيلة مجلة المحاماة عدد
الخامس ، السنة العاشرة.


وهناك مرحلتين من مراحل الجريمة لا عقاب عليهما، وهما مرحلتي التفكير وعقد العزم،
والتحضير لارتكاب الجريمة، وهناك مرحلتين يقرر لهما المشرّع عقوبة، مرحلة تحقق
النتيجة- الجريمة التامة- أما مرحلة البدء في التنفيذ فيعاقب عليها في أحوال معينة، ويُستبعد
العقاب في حالة العدول الاختياري.
لم تنص المادة (45) من قانون العقوبات المصري على الجريمة المستحيلة كصورة من صور
الشروع، ولكن هذه الصورة نادى بها الفقه، وفى هذه الصورة، يبدأ الجانيّ نشاطه الإجراميّ
فعلاً ولكن لا يستطيع تحقيق النتيجة لقيام ظروف خاصة تجعل من غير الممكن تحقيق هذه
النتيجة، ومن أمثلة الجريمة المستحيلة الجاني الذي يستخدم في القتل سلاح ناريّ غير صالح
للاستخدام أو خاليّ من الذخيرة، أو أن يطلق النار على شخص تبين أنه فارق الحياة، أو
أن يقوم الجاني بالسرقة من جيب خالي، وهذه هي صور الشروع، وتبين من العرض لها أن
النتيجة لا تتحقق نتيجة توافر سبب اضطراري خارج عن إرادة الفاعل؛ أي أنه كان يبغى
تحقيق النتيجة، ولكنها لم تحدث، ولكن السؤال هل يتوافر الشروع في حالة عدول الجاني
عن استكمال مشروعه الإجراميّ بإرادته.
والقضاء في انجلترا فقد حكم بداية بأن اعطاء امرأة حامل مادة ضارة لإجهاضها ثم تبين
انها غير حامل يعتبر شروعا في الاجهاض وصدر قانون الجرائم الواقعة على الاشخاص
لعام 1861 والذي عاقب على الجريمة المستحيلة حتى لو كانت مطلقة بعقوبة الشروع الا انه
فيما بعد قضا ببراءة من قدّم حبوب لسيدة حامل زعم انها تحدث الاجهاض وتعاطتها السيدة
فعلاً الا انه قد تبين فيما بعد انها حبوب غير مؤذية لا صلاحية لها بإحداث الاجهاض(1).
والقضاء في فرنسا قد اتبع نظرية تقسيم الجريمة المستحيلة إلى مطلقة ونسبية، فقد قضى بأن
لا عقاب على من يشرع في إسقاط امرأة ليست بحامل (النقض 6 يناير سنة 1859) ولا في
حالة التسميم إذا استعمل الجاني جوهرًا غير سام.
وقد يظهر هذا التقسيم بأنواعه في حكم النقض الصادر بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1876 الذي قضا
----------------------------------------------------------------------------------------------------
1- رمسيس بهنام. الجريمة والمجرم والجزاء.الاسكندرية: منشأة المعارف.1973. 471


بعقوبة الشروع في سرقة صندوق الصدقات وكان خاليًا، وجاء بإحدى الحيثيات أن هذا الفعل
لا يمكن اعتباره من قبيل الاستحالة المطلقة، وقد قضا بالعقوبة على شخص أطلق عيارًا
في حجرة شخص كان يعتقد وجوده فيها قاصدًا قتله ولم يوجد بها صدفة
(نقض 12 إبريل سنة 1879)، وبنيَ الحكم على نفس الأسباب في القضية السابقة.
والاستحالة المطلقة لا عقوبة عليها لتعذر تحقق النتيجة أو الضرر، أما الاستحالة
النسبية فلا تحول دون عقاب. غير ان هناك بعض الاحكام القضائية التي توجهت الى العقاب
في حال الاستحالة المطلقة حيث قررت محكمة النقض الفرنسية قيام جريمة الشروع في
القتل في مواجهة الفاعل الذي اعتدى على شخص كان يظنه حياً بينما كان قد فارق الحياة قبل الاعتداء.
أحكام المحاكم المصرية في الجريمة المستحيلة
فقد أشار حكم النقض الصادر بتاريخ 12 ديسمبر سنة 1913 إلى تقسيم الجريمة المستحيلة
إلى استحالة مطلقة واستحالة نسبية وهذا نص إحدى الحيثيات:
(وحيث إنه لا يصح القول هنا بوجود (جنحة مستحيلة) لأن مسألة هذه الاستحالة لا يمكن
التمسك بها إلاّ في حالة وجود مانع مادي ومطلق لا بسبب وجود مانع نسبي ناشيء عن قوة
إدراك المجني عليه وبالفعل فإن هذا الأخير قد جعل المتهم يخيب عن عمله بسبب ظرف
قهري لا دخل فيه لنفس الواقعة ولولا وجود هذا الظرف لكان من الممكن أن الجريمة
يتم ارتكابها فعلاً) (المجموعة الرسمية سنة 1915 رقم 19).









الخاتمة
لقد ظهر لنا من خلال البحث ان التكييف هو عمل أو تصرف قضائي أو نشاط ذهني
قانوني يقوم به القاضي ومن خلاله يستبين بأن الواقعة المعروضة
عليه تنطبق مع النموذج القانوني أو الاسـم القانوني ( الوصف القانوني ) الذي حدده
المشرِّع مسبقاً فيعلن عن حالة التطابق هذه في صورة حكم قضائي ، وبناءً" على
ذلك ننتقد كل الاتجاهات الفقهية التي خلطت ودمجت بـين معنـى الوصـف
القانوني ومعنى التكييف القانوني ورأينا هذا لم يأتِ اعتباطاً بـل بالاسـتناد
إلـى حجـج قانونية وأخرى فقهية وثالثة قضائية تدعم رأينا.
من خلال هذا البحث تم الوقوف على كل من مفهوم الجريمة المستحيلة وموقف كل من الفقه
والقضاء والقانون من هذه الجريمة، فـالجريمة المستحيلة هي الجريمة التي يستحيل فيها تحقق
النتيجة الجرمية التي اتجهت اليها ارادة الفاعل على الرغم من بذله لكل نشاط يستطيع
القيام يه لتحقيق هذه النتيجة وبهذا هي تشابه الشروع التام في ناحيتين انه الجاني يستنفذ
اي نشاط ممكن له وتخلف النتيجة الجرمية.
وقد تبنى الفقه نظريات عديدة في تنظيمه لهذه الجريمة منها النظرية المادية بشقيها المادية
المطلقة التي لا تضع أي عقاب على الجريمة المستحيلة والنظرية المادية النسبية التي يتم
العقاب عليها وبين الاستحالة القانونية التي لا يتم العقاب عليها، أضافةً إلى النظرية الشخصية
التي ترى العقاب على الاستحالة بكافة صورها لكون المشرّع قد قرر العقاب على خطورة
الجاني، والنظرية الشخصية التي تقسّم الاستحالة الى نوعين استحالة مطلقة واخرى
نسبية وتُعاقب على الاخيرة بعكس الاولى.
أما عن تنظيم هذه الجريمة قانوناً فبعض القوانين قد نصت على العقاب عليها صراحةً بعقوبة
الشروع كما هو حال قانون العقوبات السوري ومشروع قانون العقوبات الفلسطيني وقانون
العقوبات العراقي، والبعض الاخر من القوانين لم ينص على الجريمة المستحيلة ولم يضع
لها تنظيماً ضمن أحكامه.



الاستنتاجات
-ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﺒﻤﻔﻬﻭﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺼﻼﺡ ﺍﻟﻤﺠﺭﻡ ﻭﺘﺄﻫﻴﻠﻪ ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ، ﻤﺤﺩﺩﺓ
ﺍﻟﻤﺩﺓ ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻴﺴﺘﻠﺯﻡ ﺍﻟﺒﺩﺀ ﺒﻬﺎ ﺃﻭﻻً ﺜﻡ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴر ﻷﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺭﺘﻴﺏ ﻟﻪ ﺩﻭﺭ ﻓﻌﺎل ﻓﻲ ، ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ
ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ ﻟﻠﺘﺩﺍﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻴﺔ ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻁﻭﺭﺓ ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻴﺔ في المجتمع.
-قانون العقوبات العراقي نص على إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة
أو تخفيفها سرت آثارها على كـل مـن ساهم في ارتكابها فاعلاً كان أو شريكاً علم بها أو لم يعلم.
- المادة 52 مـن قانون العقوبات العراقي نصت بأنه إذا توافرت أعذار شخصية مُعفية من
العقاب أو مخففة له في حـق احـد المساهمين – فاعلاً أو شريكاً – في ارتكاب الجريمة
فلا يتعدى أثرها إلى غير من تعلّقت به. أمـا الأعذار المادية المٌعفية من العقاب
أو المخففة له فأنها تسري في حق كل من سـاهم فـي ارتكـاب الجريمة.
-التكييف القانوني للجرائم ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للإلتزام بمباديء قانونَي
العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، كما يسهم في تأمين حقوق الإنسان المتهم في ارتكاب
واقعة إجرامية معينة، ويؤدي دوره في إعطاء صورة حقيقية عن حالة الإجرام وديناميته.
-تكييف الجرائم عبارة عن عملية معقدة ، وذلك بالنظر الى انها تتطلب دراسة السمات المكونة
للنموذج القانوني من جهة، ومطابقتها بالسمات الواصفة لأركان الواقعة الإجرامية المرتكبة من
جهة ثانية. -ان كل عنصر من عناصر أركان الجريمة يضم مجموعة معينة من سمات
أركان الجريمة،ينظر اليها باعتبارها السمات الضرورية والكافية لإجراء عملية تكييف الجرائم.
-لئن كان العمل القضائي في المحاكم الابتدائية قد جعل من إعادة التكييف عرفاً لا محيدص
منه، لأن محكمة النقض قد أجازت ذلك في العديد من المناسبات على الرغم من غموض
موقفها في مناسبات أخرى.
- قاعدة تقيّد المحكمة بحدود الدعوى المرفوعة أمامها سواءُ بالنسبة للأشخاص المتهمين فيها أو
بالنسبة للوقائع المسندة إليهم، من القواعد الاجرائية المتعلقة بالنظام العام.
-تكييف الواقعة الإجرامية عمل إجرائي ينصب على أساس الدعوى الجنائية، لذا فإنه لا يتم
اعتماده والقبول به وإنتاج آثاره إلاّ بوجود أركانه الأساسية ، ومقوماته التي يقوم عليها
والقبول به بالإضافة إلى تحقق الشروط والضوابط المتعلقة بتلك الأركان والمقومات، وبدونها ،
لا يتحقق البناء الموضوعي والإجرائي للفصل في الدعوى سواءُ بالإدانة أو بالبراءة.
-أننا نرى الإشكالية في الجريمة المستحيلة بأنه في الواقع العملي والمهني عند عدم قدرة المحامي
أو القاضي على التفريق بين الشروع في الجريمة والجريمة المستحيلة يؤدي الى وجود لغط كبير
وخطأ في تكييف الجرائم مما يؤدي إلى سجن أشخاص من دون الإستناد إلى نص قانوني يجرّم
ويعاقب على الفعل وبذلك يؤثر على تحقيق العدالة وزعزعة الثقة في المحامين والقانون من
قبل المواطنين.
- ينبغي التفرقة بين الجريمة المستحيلة والشروع في الجريمة وأركان كل منهما وكيفية تكييف
الجرائم لأن أهم عنصر في القانون الجنائي هو التكييف السليم للواقعة الإجرامية، لأنه عند
وجود التحليل الصحيح للنص القانوني يؤدي إلى خلق محامين قادرين على تكييف الواقعة بشكل
سليم وقانوني وليس العكس لأن عدم المعرفة الصحيحة بنصوص القانون والتكييف يؤدي
الى عدم تحقيق رسالة المحاماة و وجود فئة لا يعلمون ما هي الأسباب القانونية التي أدت إلى
إستحالة الجريمة وعدم خضوعها إلى نص قانوني هو أمر يؤدي الى الظلم.
-تشابه الجريمة المستحيلة مع الشروع في أن الجاني قد قام بسلوكه الجرمي لكن لم تتحقق النتيجة
الجرمية وأسباب عدم تحقق النتيجة تختلف ما بين كل من الشروع والجريمة المستحيلة حيث
ان اسباب عدم التحقق تتوافر في الجريمة المستحيلة وقت ارتكاب الفعل ولا تكون عارضة
او طارئة بعكس ما هو الحال عليه في الجريمة الخائبة او الشروع حيث يكون عدم التحقق
راجع لأسباب عرضية وطارئة وليست مقدَّرة وأكيدة كما في الجريمة المستحيلة بل انه في
الشروع يكون عدم التحقق محتمل ولكنه غير أكيد ولا يعاصر الفعل منذ بدايته على عكس
الجريمة المستحيلة.

التوصيات
-ضرورة منح القاضي الجزائي الحرية الكاملة في تقدير الأدلة دون أي استثناءات ترد عليها.
-ضرورة تخصص القاضي الجزائي في مجال عمله لِما يحققه من مزايا الدقة والإلمام والإحاطة
بحدود اختصاصه، مع تأهيله علمياً للإحاطة بطرق التكييف.
-ضرورة أن يكون الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي مُسَبب، ذلك أنه إذا كانت المحكمة
العليا لا تراقب القاضي في تكوين اقتناعه، فمما لا شك فيه أنها لا تقره على
رأي يجافي المنطق أو يخل بالأصول المُسلَّم بها في الاستدلال القضائي.
-ضرورة تدريس مادة التكييف في كليات الحقوق
-ضرورة تدخل المشرع بنص صريح يحسم إجراءات تعديل الوصف الجزائي
- حث القضاة على تسبيب أحكامهم تسبيبا كافيا وافيا لتمكين المحكمة العليا من
مراقبة مدى صحة و سلامة التكييف الذي انتهوا إليه.
- الجريمة المستحيلة لم يتطرق أي تشريع لتعريفها فكل التشريعات سواءً نصت على
حالات العقاب عليها أو نصت على الشروع بصفة عامة لذا نرى ضرورة تعريفها.
-رغم الإختلافات الفقهية حول الجريمة المستحيلة إلاّ ان معظم هذه الآراء تتفق في نقطة
واحدة هي أن الجاني الذي يقوم بالجريمة المستحيلة يحمل في داخله ضرراً بالمجتمع يمكن
أن يلحق ضرراً بالمصالح والحقوق التي يحميها القانون لذلك وجب توقيع بعض العقوبات عليه.
-الجريمة المستحيلة تتشابه على حد كبير مع أنواع الشروع الأخرى ولكنها تختلف
معها في جزئية صغيرة ألا وهي ان الجريمة المستحيلة لا يتحقق أثرها بسبب إستحالة في
الوسيلة أو في الموضوع لأن نتيجتها لا يمكن أن تتحقق ابداً.
-من المناسب أن تنص مختلف التشريعات على تعريف الجريمة المستحيلة وذلك لكي
لا يكون العامة على-دراية بمعنى الجريمة المستحيلة وكذلك صور تحققها.
-ينبغي النص على العقاب للجريمة المستحيلة بنص خاص بها وتفريدها بعقوبات مستقلة، وذلك تطبيقاً
لقاعدة الشرعية العقابية لأن معظم الدفاعات تدفع بأن الجريمة المستحيلة لا وجود لها في القانون وأي
عقاب عليها يخالف مبدأ الشرعية العقابية، أي نص مقابل للعقوبة.









القوانين والمؤتمرات الدولية
قـانون أصـول المحاكمــات الجزائیـة العراقـي رقم (23)
قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969
قانون العقوبات الفلسطيني
قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001
قانون الاجراءات الجزائية المصري
قانون العقوبات المصري
قانون اصول المحاكمات اللبناني
قانون العقوبات اللبناني
قانون الاجراءات الجزائية الجزائري
قانون العقوبات الجزائري
قانون العقوبات السوري
قانون الاجراءات الجنائية السوري
القانون المدني السوري
قانون العقوبات الاردني النافذ رقم (16) لسنة 1960
قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني
قانون العقوبات النمساوي
وقانون العقوبات الإيطالي الصادر سنة 1930.

المؤتمرات الدولي
المؤتمر العربي الثامن للدفاع الأجتماعي
لجان الامم المتحدة ومؤتمراتها
مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي تم انعقاده بمدينة ميلانو
بإيطاليا سنة 1985 م والذي انبثق عن هذا المؤتمر مجموعة من القواعد التوجيهية والتي
تُوِّجت بالمصادقة على هذه المباديء في هافانا بكوبا عام 1990 م.
اعتماد مجلس وزراء العدل العرب للقانون الجنائي العربي الموحد كقانون نموذجي
. بموجب القرار رقم 339 لسنة 1996م
الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف عام 1981 المنعقد ببغداد
ميثاق الوحدة الثقافية العربية الصادرة في سنة 1964م
الاتفاقية العربية لتسير انتقال الإنتاج الثقافي العربي في العام 1987م


البحوث
هجيج، حسون عبيد و كاظم، منتظر فيصل: سلطة المحكمة الجزائية في التكييف القانوني
"دراسة تأصيلية تاريخية"(منشورة). مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية
العدد الأول/ السنة السادسة. بلا سنة. ص246
السيد الأستاذ المستشار/ عبد الفتاح مراد , رئيس محكمة الأسكندرية .بحث أصول
التكييف في القضايا الجنائية الإمارات تاريخ النشر 21 يناير2019
محمد صبري ابو علم ، بحث في الجريمة المستحيلة مجلة المحاماة عدد
الخامس ، السنة العاشرة.
د- سمير الجنزوري ، تقرير حول نظام القضاء الجنائي في الدول العربية ، مقدم
الى المؤتمر العربي الثامن للدفاع الأجتماعي ، الرباط 1977 ، المجلة العربية للدفاع
الأجتماعي ، العدد السابع ، مارس 1978 .
حامد عبد الحكيم، البدائل الجنائية وأغراض العقوبة الجنائية، مجلة الفكر الشرطي، د بلد
المجلد 22 ،العدد 84 ،2013

احكام المحاكم
حكم محكمة تمييز العراق المرقم 271/هيأة
عامة/98 في 12/7/99 المنشور في الموسوعة العدلية، مكتبة شركة
التامين الوطنية، عدد 82،السنة 2001 -
حكم محكمة التمييز العراق المرقم 239/هيأة عامة/ 99 المؤرخ في 31/1/2000 (غير منشور)

--نقض جزاء. رقم 125/2011. الصادر عن محكمة النقض الفلسطينية بتاريخ 29/2/2012.
متاح منhttp://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc
.aspx?ID=88555 آخر دخول للموقع في 26-10-2016
-نقض جزاء. رقم (9/2005) الصادر عن المحكمة العلبا بصفتها محكمة النقض.
غزة. متاح منhttp://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc
.aspx?ID=44447 آخر دخول للموقع بتاريخ 4-4-2017
مجموعة المبادئ القانونیة التي قررتھا المحكمة الإداریة العلیا بمجلس الدولة
المصري السنة 19 ،الطعن رقم 541 للسنة 17 قضائیة ، جلسة 8/12/1973م ،
مجموعة المبادئ القانونیة التي قررتھا محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري
السنة 9 ، الطعن رقم 8806 للسنة 8 قضائیة ، جلسة 18/1/1955م ،
حكمها المرقم 21/قضاء اداري /2002 في 3/4/2002 ، منشور في مجلة العدالة ،-
ع3( تموز ، اب، ايلول)2002 ،.
- حكمها المرقم 43/قضاء اداري /2006 في 10/5/2006 وغير منشور
- حكمها المرقم 18/ اتحادية/تمييز /2006 في 19/7/2006 غيرمنشور


الحكم الصادر من الدائرة الاستئنافیة رقم 25 للسنة 8 قضائیة استئنافیة
بتاریخ 25/2/2008م حكم غیر منشور.

حكم محكمة تمييز العراق في الاضبارة
المرقمة 254/هيأة عامة/99 والمؤرخ في 31/5/2000

حكم لمحكمة تمييز العراق برقم 254/هيأة عامة/1999 بتاريخ 31/5/2000 (غير منشور).
نقض جنائي مصري– 4 نوفمبر سنة 1974 – جـ 7 رقم 407 –
حكم محكمة النقض السورية ـ جناية 574 قرار 717 تاريخ 31 / 10 / 1968
منشور في موقع محاماة نت.
الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة المغرب
بتاريخ 09 أبريل 2020 في الملف الجنحي عدد 495/2103/2020

نقض جزاء، رقم 19/2004. الصادر عن محكمة النقض الفلسطينية المنعقدة في رام الله.
بتاريخ 19/6/2004. متاح من موقع المقتفيhttp://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc
.aspx?ID=34-282 آخر دخول للموقع بتاريخ 3-5- 2017
حكم النقض الصادر بتاريخ 12 ديسمبر سنة1913 (المجموعة الرسمية
سنة 1915 نمرة 19).


المراجع الكتب
د. عبـــد الفتـــاح مـــراد: التصـــرف فـــي التحقیـــق الجنـــائي و طـــرق -
الطعـــن بـــه مطبعـــة أطلـــس ، القـــاهرة، .١٦ص١٩٨٩
د. فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية
المخففة للعقوبة،دارسة مقارنة، جامعة بغداد 1979
د. محمود عبد ربه محمد القبلاوي ، التكييف في المواد الجنائية ،
الإسكندرية ، دار الفكر
قادري اعمر، التعامل مع الأفعال في القانون الجزائي العام، الطبعة الثانية،
دار هومة، الجزائر، 2014،
إ.راروغ، ف.إ. باريسوف، قانون العقوبات لجمهورية اليمن
الديمقراطية الشعبية القسم العام،
عبد الرحمن توفيق أحمد, شرح قانون الاجراءات الجزائية , كما ورد في قانون اصول
المحاكمات الجزائية والنيابة العامة , دار الثقافة للنشر والتوزيع , الطبعة
الاولى 1432هـ 2011م ,
عقيل عزيز عودة، نظرية العلم بالتجريم، منشورات الحلبي الحقوقية
بيروت، لبنان، 1966 ،
سمير عالية ،شرح قانون العقوبات، القسم العام، المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع، لبنان، 5005،
- د. حاتم حسن موسى بكار، سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير
الاحترازية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 2002،
د. توفيق شمس الدين, أشرف : شرح قانون العقوبات القسم العام , النظرية العامة
للجريمة و العقوبة طبعة خاصة لطلاب التعليم المفتوح بكلية الحقوق بجامعة بنها 2009 ,
دكتورة. آمال عبد الرحيم عثمان، شرح قانون الاجراءات الجنائية ، القاهرة : الهيئة المصرية
العامة للكتاب، 1991.
د- محمد شلال حبيب ، الخطورة الإجرامية – دراسة مقارنة -، الطبعة الأولى
دار الرسالة، بغداد، 1980،
محمد الأمين ومحسن عبد الحميد أحمد معايير الأمم المتحدة في مجال العدالة الجنائية
ومنع الجريمة أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية الرياض، الطبعة الأولى 1998،

محمد الغياط "السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح بالمغرب" دراسة قانونية
,الرباط، الطبعة الأولى 2006 . -تربوية اجتماعية –طوب بريس

عثمانية لخميسي، عولمة التجريم و العقاب ، ط2006 ، دار هومة، الجزائر،

سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري. دار الفكر العربي ، تاريخ
النشر: 01/01/2015.
محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري, منشورات الحلبي الحقوقية ، تاريخ
النشر: 01/01/2005,.
أحمد محيو، المنازعات الادارية, ديوان المطبوعات الجامعية, 1993.
محمد سمير: الجريمة المستحيلة، دراسة مقارنة، ط1 ،دار القضاء، الإمارات
العربية المتحدة 2014 ،.
عبد الله سليمان: شرح قانون العقوبات الجزائري "القسم العام"، د ط، ديوان
المطبوعات الجامعية الجزائر 1995 ،
جندي عبد المالك: الموسوعة الجنائية، الجزء الرابع، ط2 ،دار العلم للجميع، لبنان دون
سنة نشر ،
سليمان عبد المنعم-عوض محمد عوض: النظرية العامة للقانون الجزائي اللبناني، د ط،
دار النشر: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان دون سنة،
-السراج، عبود. قانون العقوبات القسم العام. دمشق: دار المستقبل للطباعة.1982.
السعيد، كامل. الاحكام العامة للجريمة في قانون العقوبات الاردني. عمان. د.ن. 1981. -
--انظر د. علي حسين الخلف ، الوسيط في شرح قانون العقوبات – القسم العام ج 1 بغداد 1968
. - رمسيس بهنام. الجريمة والمجرم والجزاء.الاسكندرية: منشأة المعارف.1973.


الرسائل والاطاريح
د. فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الادلة، دراسة مقارنة،
رسالة دكتوراه، جامعة بغداد، 1987
د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة
القاهرة، 1966،

المراجع الاجنبية
-cross and Jones, Introduction to Criminal law, 8th ed., London,
Butterworth, 1976, p. 27.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن