توبة ابليس... وفلسفة الصفر والكربون !!

محمد السيد السّكي
med.nile4@gmail.com

2022 / 8 / 31

توبة ابليس.. وفلسفة الصفر والكربون !!

سيظل طائف أشكال توبة ابليس الباغي يطرق عقول كثر لكنه سيرجم بسهولة ويغادر مدحوراً.
ولكنه يتخذ متسع الادراك بوابة ومن ميوعة الالتباس عنواناً ومن منطَقة التفكير السفسطائي ريحاً ونيراناً فالمدخل السفسطائي معصوب العينين يطلي الحديد الصدئ بفرشاة منطق عقيم ليجعله مطلياً بهياً وهو هش ويعلن البراءة من جزيئات خيبته وهشاشته من الهيدروكسيد.
لقد وصف توفيق الحكيم ابليس بأنه الشهيد جاعلاً من فرضية توبته أشكالاً فلسفياً حيث كتب في مجموعته القصصية التي كانت تحمل عنوان " أرني الله" قصة الشهيد وهي تتحدث عن الشيطان الذي أراد أن يتوب. فيذهب الي رموز الديانات الثلاث المتمثلة في بابا الفاتيكان والحاخام اليهودي وشيخ الأزهر والذين جميعهم يقولوا له بانك ملعون وليس لك توبة.
ويأخذنا توفيق الحكيم في حيثيات معضلة توبة ابليس والتي بها ستنتهي فكرة الصراع بين البشر وابليس بل وستكون لا فائدة من امتحان الحياة.
ورغم جمال الحكي الأدبي في تلك القصة الذي ابهرنا به المبدع الكبير توفيق الحكيم الا انه وصف ذلك الطريد بأنه شهيد إذ أنه لا يجد حلاً ينهي مأساته ويخرجه من دائرة الغضب الإلهي.
لم يكن توفيق الحكيم الوحيد الذي وقع في فخ أشكال توبة ابليس بل ان الكثير في الماضي والحاضر يطرق ذهنهم طائف ذلك الأشكال.
يعتقد الناس ان وجود ابليس ركيزة اساسية لاستمرار تجربة الحياة وهو الذي به يتحقق وجود النعيم ووجود العذاب باعتبار انه هو الشرير الذي يغوي وبدونه تنتهي الغواية و ينزل الستار. بل وأنهم يستدعوا الميثيولوجيا اليونانية القائمة على فكرة صراع آلهة الخير والشر معتبرين ان هناك صراعاً بين الله والشيطان ورهانهم هو الانسان.
تلك المغالطة التي صاحبت العقل الديني لاصحاب الديانات السماوية المعتبرة واصبغت صبغة وجودية لابليس لا وجود لها في الحقيقة.
ستظل النفس البشرية تعصي حتى لو انسحب ابليس من مسرح الأحداث لانه بوسوسته يستدعي شروراً وطغياناً ويحفز الشهوات ولقد نبهنا الله ان دور ابليس الخفي هناك دور لا يقل عنه في الذين وصفهم بانهم شياطين الإنس.
لقد خلق الله الانسان ونفخ فيه من روحه لتكن مقوّماً لاعوجاج نفسه ووسيلة تبقيه على الوصال بالله منبع الروح الأول. وفي رحلة الانسان الارضية سيعصي ويتوب ويستكبر ويطغى فيتعرف على الله الغفور التواب والمنتقم سريع الحساب ويصير للنار دوراً لتنقية مفسدة من طغت غيوم دخان نفسه على نور روحه وتصير الجنة منة وجزاءً وعوضاً لمن حزن وعنت في الدنيا.
ومن صفات الله انه عليم وانه قادر ان يأتي كل نفس هداها "ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها". ولكن التجربة الحياتية الكاشفة عن الله هنا ستنتهي لتدخل الله الصارخ في الهداية بتأييد من الروح او بترك النفس لشططها ومفسدتها في الأرض. كما كان ذلك واضحاً في الخلق الطيني الذي كان في الأرض قبل الانسان والذي سفك الدماء والذي اعتقد ابليس والملائكة ان آدم البشري سيكون مثلهم لعنصره الطيني. الا انهم غفلوا عن المنحة الربانية التي حباها الله لآدم بالنفخ فيه من روحه.
الرمزية في القرآن وعدم الوضوح التام لهي هدف من الله ليكشف لنا به عن فضله على بعض خلقه الذين وهبهم الحكمة ليحققوا وصال الروح مع الله الحكيم.
أن الله عليم لا يخضع للزمان والمكان و بيده مقاليد كل شئ و يحول بين المرء وقلبه الذي يستقر فيه ادراكه ووعيه . ولذا فإنه لعن ابليس لانه يعلم انه لن يتوب وانه لم يعص عصيانا كعصيان آدم الذي كان مبعثه الشهوة ولكن عصي عصيان القطيعة مع صفات الله وتكبره عليه. فقطع نور وريد الله العليم واجتث جمال ملمس الله الحكيم القدير. لقد كان الفيلسوف إيمانويل كانت يقول : ان المسائل الفلسفية القائمة على فكرة الزمان والمكان هي عديمة النفع ومستحيل الاجابه عليها لان العقل مجبول على المزامنة. ولكني اقول هنا أن مسألة توبة ابليس هي في ذاتها عديمة النفع او صفرية النفع ولكن يخرج منها نفع كثير مثل الصفر والكربون.
الصفر في ذاته عديم القيمة ولكنه يضاف لغيره فتصير له فائدة والكربون اذا انتظمت بلوراته في شكل متوازي مستطيلات كان الناتج فحماً واذا انتظم في شكل بلورات مكعبه كان الناتج ماسأ .
ومن نتائج مسألة توبة ابليس النافعة انها بها تلميح جميل يدل على أن الله هو الذي بيده كل شئ وهو يعلم أن ابليس مكابر و لن يتوب ولن يتخلى عن كبره.
لقد قال الله عن أبي لهب انه سيصلى ناراً ذات لهب موضحا لنا أن ابا لهب سيموت ولن يؤمن ليلفت انتباهنا عن ذات الله وصفاته.
يامن تتشدق بمأساة ابليس انظر لمأساتك ولا تتحدث عن لسان احد وتكن له وكيلاً. كان الأحري بتوفيق الحكيم ان يكن الرواي لقصة بطلها سيقوم بها ولكن ابليس لن يقوم بها مطلقاً. واني أتساءل هل ابليس تجسّد لهؤلاء وطلب منهم المساعدة والوساطة مع الله علما بأن ابليس كان يشهد الملأ الأعلى ويعرف وصاله مع الله بسهولة عن هؤلاء.
فأبليس ليس بشهيد تتجلى فيه مأساة المشيئة والارادة بل هو صفر يجعل للفلسفة الصفرية قيمة ليست فيه وإنما للكشف عن مكنون الله الذى اتضح من خلال هؤلاء المتكبرين كابليس او شياطين الإنس.
قد يبدو مصطلح الفلسفة الصفرية غريباً مستحدثأ بل انه يذكرنا أيضاً بجماعة الصفرية بضم الصاد او كسره باختلاف الروايات والتي هي طائفة من الخوارج الذين خرجوا عن عباءة جماعة الازارقة الخوارج و اختلفوا معهم.
لم يكن الله ليعذب احداً الا بعدما يعطيه القدرة على الاختيار بل ويمد له بيد القدرة حبال النجاة كهداية معونة. فالله القيوم العدل هو قيوم على نفسه لا يظلم ولا يرضى لعباده الكفر وهو العزيز الحكيم..
ابليس المتكبر فضحته سجدة آدم فقد كان يريد دائما أن يكون هو المتصدر في المشهد لا حباً في الله ولكن حبأ في زيغ نفسه التي ترفض الحق وتغمط الناس و يغيب عنها بلثام الكبر ان الله هو المعطي وهو الوهاب والمحيط والذي يعلم وغيره لايعلم وهو الغفور الرحيم.

بقلم د. محمد السيد السِّكي استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري
#محمد_السيد_السكي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن