الفتوى وثقافة الغباء الجمعي 2

ياسين المصري
yasiensm@gmail.com

2022 / 8 / 28

مجلة  Foreign policy الأمريكية نشرت بتاريخ 16.07.2007 مقالاً بعنوان : ” قائمة : أغبى الفتاوى في العالم “ ذكر فيه الكاتب بعضًا من تلك الفتاوى حتى تاريخه، وفي مقدمتها بالطبع فتوى الخميني بإهدار دم سلمان رشدي صاحب كتاب ” آيات شيطانية “ وفتاوى الأزهر القاتلة للمفكرين والأدباء في مصر، التي أشرنا إليها في المقال السابق. لم يفرق الكاتب بين نوعين من الفتاوى، هما: ”الفتاوى الغبيَّة“ في مضمونها، والتي قد تبدو عبثية وغير هادفة، ولا تتسبب في ارتكاب أحداث غبية، وتظهر كما لو كانت مجرد هذيان وهلوسات، و”فتاوى الغباء“، التي تعمل على ارتكاب أعمال إجرامية غبية، مهما طال أمدها. بيد أن كلتاهما ترمي إلى هدف معين، خاصة وأن الغباء الجمعي لا يسقط من السماء، ولا أحد في العالم يستيقظ من نومه في الصباح، ثم يقول لنفسه: اعتبارًا من هذا اليوم، سأكون غبيا، فصناعته تتطلب استعمال النوعين من الفتاوى بأي حال من الأحوال.
الفتاوى الغبية قد تبدو وكأنها لا تهدف إلى شيء، ولا يلتزم بها المتأسلم، طالما لا تحقق استفادة شخصية له، لن يستفيد مثلًا من كون بول النبي طاهرًا وتم التبرك به، ويستوي لديه ما إذا كانت ”أم أيمن“ قد شربته أم لم تشربه، وما الفائدة له، إذا كان النبي يتبوَّل واقفًا أو جالسًا، ويمسح مؤخرته بعدد فردي (3 أو 5 أو 7) من الحجارة بعد قضاء حاجته في الصحراء، ولا يهمه أبدًا إن كان الصحابة قد مسحوا وجوههم وأجسادهم بمخاطه أو ببعض ما يخرج من فمِه، ولا يأبه بما إذا كان ريقه النبوي فيه دواء، أو أنه مفتاح الجنة، فلا يمكنه أن يبتلع هذا الريق كيلا يدخل جهنم حتى وإن كان من المستحيل أن يعذب الله الجراثيم النبوية في نار جهنم، وأن عرَقه النبوي كان كالعنبر والمسك، ودمه فيه شفاء من جميع الأمراض فشرب منه ومصَّه ”مالك بن سنان“ في معركة أحد، وأنه لم يكن له ضراط كبقية البشر لأن أمعاءه كانت خالية من الغازات كلها، لا يهتم المتأسلم بما إذا كان الغائط النبوي له شأن آخر غير غائط البشر جميعًا أم لا. (هذا وغيره الكثير مذكور في كتب التراث والسيرة النبوية)!
يعرف رجال الدين أن هذه جميعها هلوسات، ولكنها تحقق هدفين، الأول ترسيخ فكرة أن النبي كان شخصًا فوق البشر جميعًا، كي يتم تعزيزه وتكريمه وتقديسه من قبل المتأسلم، فيهب للدفاع عنه بكل ما يملك عندما يسيء إليه أحد، والثاني تعزيزهم هم وتكريمهم وتقديسهم بصفتهم ”علماء وورثة الأنبياء“، ويتقمصون شخصية النبي الكريم، ومن ثم يمتثل المتأسلم لأوامرهم ونواهيهم دون تردد أو اعتراض، وهم في ذلك لا يأبهون بما يقولونه، طالما أن مهنتهم الكلام، وأن المستمع لا يملك حق الاعتراض!، كل همُّهم هو المحافظة على مكانتهم الاجتماعية ونفوذهم وثرواتهم التي لا يستحقونها.
من الفتاوى الغبية الحديثة والتي تدخل ضمن هذا النمط المهلوِس ما قاله الدكتور ”علي جمعة“ المفتي السابق لدار الإفتاء المصرية وعضو كبار المشايخ بالأزهر في سلسلة حواراته مع برنامج “الله أعلم” على قناة “cbc”، عن أن: « جدُّ الملكة كان من آل هاشم وكان هاشميًا، ولكنه ترك الإسلام بناء على الضغط والقهر والضرب»، مؤكدًا: « ملكة بريطانيا غير مسلمة لأن جدها أعلن أنه نصراني، وأن إنجلترا قديمًا كانت لا توافق على وجود المسلمين، وتم أسره وهو يدعى الهاشمي من أهل النبي صلعم، وأرغموه على أن يترك الإسلام».
وزعم أيضًا أن المطرب عبد الحليم حافظ كان يغني للنبي، فقد صرح في إحدى الحلقات، باستحلال الغناء والموسيقى، وقال: « الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، غنى ”أبو عيون جريئة“؛ لمدح الرسول محمد صلعم، مضيفًا أن عبدالحليم حافظ كان مؤمنًا وبيحب النبي أوي».
وخلال كلمة له في فعاليات المؤتمر الدولي السنوي الثلاثين لكلية الطب بجامعة عين شمس، في مارس 2007، وهو مؤتمر من المفترض أن يتناول الشؤون الطبية، وليست الدينية، قال عن ارتداء المرأة المتأسلمة للنقاب في بلد أجنبي، إنه لا يصح؛ لأنه من غير عادة أهل البلد، الأمر الذي قد يُسبب مشكلة سياسية. واستطرد قائلًا،: «.عادة أهل البلد هي التي ينبغي أن نستند إليها»، مستشهدًا بقول مالك النيسابوري: « ولا تعتقدن المنتقبة في بلد لا نقاب فيه أنها تفعل أدين من قرينتها».
ومن فتاويه العبثية للربط بين الدين والطب، قال عن مجالس الذِّكْر التي تنتشر في مصر: « إن الذِّكْر يشعل القلب، ولذا فمن المحبب عدم شرب الماء فورًا بعد الذكر لمدة ثلت ساعة حتى تنعقد حرارة الذكر فى القلب بالماء». وأضاف جمعة فى لقائه على فضائية “صدى البلد”: « إنه يستند في فتواه إلى أن تجربه قام بها أثبتت أن مرددي الذِّكْر كثيرًا إذا شربوا الماء بعد جلسة الذكر تنطفئ حرارة الذكر والإيمان في قلوبهم»، مبينًا أن التجربة تعد أحد مصادر الفتوى لأنها مستقاة من الوجود الذي هو أحد مصادر المعرفة.
***
كذلك توجد فتاوى أخرى يمكن إدراجها ضمن الفتاوى الغبية التي لا ضرر من ورائها، مثل تحريم البوكيمون وهي من ألعاب الفيديو اليابانية، أو وجوب قتل ميكي ماوس، وفتاوى الأنواع المستحدثة للزواج، كزواج ”المسيار“ وزواج ”الفريند“ وزواج ”الويك اند“ وزواج "المصياف“. هذه الزيجات وغيرها مباحة بفتاوى من رجال الدين ويتم تنفيذها، وقد يظهر غيرها في المستقبل نتيجة لحركة المجتمع. وهي فتاوى للاستمتاع بما يشبه المُستملحات المضحكات من أخبار الحمقى والمغفلين التي أوردها الإمام ابن الجوزي (1114 - 1201م) في كتابه.
***
أما فتاوى الغباء، فهي الأهم في كل هذا الهراء والهذيان، لأنها تمثل ألغامًا موقوتة، تسفر في وقت ما عن تصرفات غبية أقصاها القتل. إن خطورتها تكمن في أنها صادرة عن أشخاص يتمتعون بوزن كبير وشأن عظيم ونفوذ لا يضاها وثروة طائلة ومكانة ليسوا أهلا لها في مجتمعاتهم، فكون أن تأتي من الدواعش والصبيان الحمقى والسفهاء والجهلة المتطرّفين شيء، وأن تأتي من شيوخ يقولون عن أنفسهم إنهم علماء ودكاترة وأساتذة، فهو شيءٌ آخر
***
هذه الفتاوى الهادفة إلى ترسيخ الغباء الجمعي، والإضرار بالديانة وأتباعها على حد سواء، تصدر من الشيعة كما تصدر من السنة، وتصدر من الدواعش خارج الأزهر كما تصدر منهم بداخله، تصدر من رجال الدين المحترفين كما تصدر من الهواة الذين يتاجرون بالدين، وجميعهم يوظفونها لتحقيق مآربهم الشخصية، وضررها لا يطال الجسد فحسب، بل يطال أيضًا النفس والروح الإنسانية، وتُحوِّل البشر إلى قوالب من طوب، فمثلًا فتوى تتعفف النفس الإنسانية والحيوانية عن فعلها وهي فتوى الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، عن الجواز للزوج معاشرة زوجته الميتة جنسيا فيما يعرف بـ"مضاجعة الوداع"، وأخرى عن الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أيضًا، بجواز معاشرة البهائم. وفتوى يستحيي أي إنسان عاقل من ذكرها نُسبت إلى الدكتور رشاد حسن خليل، عميد كلية الشريعة الأسبق بجامعة الأزهر، وإلى الدكتور رشاد حسن خليل، أستاذ الفقه المقارن، ببطلان عقد الزواج إذا تعرّى الزوجان من لباسهما عند الجماع!، المضحك في هذه المعضلة، ان الشيخ عبدالله مجاور - مستشار شيخ الأزهر للإفتاء، قد خفف من حدة الفتوى واعتبر ان النظر الى المرأة وهي عارية مكروه ويفضل ان تمارس المعاشرة تحت غطاء.
الدكتور عزت عطية، رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر، هو صاحب فتوى رضاعة الكبير، وقد رجع عن الفتوى بعد اربعة أيَّام بسبب استهجان الناس لها، رغم ثبوتها في كتب التراث والسيرة النبوية. وتأكيدها فيما بعد من المفتي السابق الدكتور على جمعة وآخرين.
العجيب أنهم يتراجعون ويعتذرون عن فتاواهم، مع أنها باقية في كتبهم على أساس المعلوم من الدين بالضرورة، مما يأتي أحد غيرهم في وقت ما ويؤكد عليها من جديد!
من أغرب فتاوى الغباء هذه: الفتوى التي أصدرتها عام 2011م، أكبر جهة تشريعية في باكستان بتعزيز جهود الحكومة لتحصين الأطفال ضد شلل الأطفال.. وكان العاملون بالصحة يحملون معهم صورة من الفتوى لجواز تطعيمات شلل الأطفال.. إلا أن الشيوخ المحليين في قري باكستان أصدروا فتوى علي طريقتهم، يحرمون فيها هذه التطعيمات لأنها مؤامرة من الغرب لإصابة أطفال المتأسلمين بالعقم. وعلي الرغم من أن باكستان تجاوزت تلك الأزمة، إلا أن فتوي مماثلة صدرت في أفغانستان ونيجيريا في عام 2016م.. وكانت سبباً في أن يمتد مرض شلل الأطفال إلي 12 دولة إسلاموية في أقل من عام ونصف العام.
الدكتور ”علي جمعة“ من المشايخ الذين لا يفوتهم أبدًا تغذية هذا النمط الضار من الفتاوى بمزيد منها، يقول حرفيا في حواراته المشار إليها آنفًا: «.من أطاع الرئيس عبدالفتاح السيسي فقد أطاع الرسول، ومن عصاه فقد عصى النبي». وأضاف: «.الرسول قال من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني، والأمير هو رأس الدولة، اللي هو اسمه دلوقتي الرئيس السيسي»، معتمدًا بالطبع على أحاديث نبوية بهذا الشأن. ويرى أمكانية أن يمارس الأولياء والمشايخ الزنا، مستشهدًا بـ“المرسي أبو العباس”، وأشار إلى أنه من أولياء الله الصالحين وكان يزني ويمشي على المياه، مضيفًا أن « من بين الأولياء والمشايخ من يدخنون ويشربون الشيشة». وفي فتوى أخرى، أكد جمعة أن السجائر والحشيش طاهرين ولا ينقضان الوضوء، ولكنهما حرام، وكذلك الأفيون، موضحًا أنه يفضل “المضمضة” بالماء وكفى للتخلص منهم. وقال: « إن حرمانية التدخين ليس لها علاقة بنقض الوضوء»، مستطردًا: « الإنسان الذي يكذب ويغتاب الناس، إذا صلى، فصلاته صحيحة، لا أمر فيها، والذي يشرب السجائر صلاته صحيحة لا مشكلة فيها أيضًا». وأضاف: « الافيون والحشيش؛ كل هذه الأشياء طاهرة، ولا تنقض الوضوء، ويفضل المضمضة، لكن في حال الخمر يجب أن يتمضمض الإنسان بالماء لأن الخمرة شيء نجس». واستطرد قائلاً: « اللى يصلي وفي جيبه أفيون أو حشيش، صلاته صحيحة، أما إذا كان في جيبه خمرة فصلاته باطلة، والحرمة شيء والطهارة شيء آخر».
ومن أغرب فتاويه تلك التي قالها في سلسلة دروسه الدينية بعنوان (الإتيكيت الإسلامي)، والتي تحرض صراحة على الزنا (يجد القاري فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي)، يقول: « إنه على الرجل الاتصال بزوجته قبل الرجوع إلى المنزل لعل أن يكون معها أحد الرجال فيعطيه فرصة للانصراف»، وأضاف: « اتصل بيها يا أخويا افرض معاها واحد خليه يمشي». وردَّ “جمعة” على الهجوم الحادّ عليه بعد انتشار المقطع في بيان إعلامي قال فيه: « إن الفيديو المتداول “هو جزء من درس كان يلقيه في مسجد السلطان حسن منذ أكثر من عشر سنوات، ليعلِّمَ الناس أمور دينهم ويفقّههم فيه، وهناك من استغلَّ رواية داخل هذا الدرس ووضع لها عنوانًا يخدم هدفه المريض وروَّج لها بشكل يوحي بالدياثة».
وقد أثارت فتواه فيما يخص النظر للمرأة المتبرجة جدلاً واسعًا؛ حيث قال: « لا يأثم الرجل عند النظر إلى المرأة المتبرجة لأنها أسقطت الرخصة التي منحتها الشريعة الإسلامية لها»، وأضاف: « إن المرأة المُحجبة لها رخصة، ولا يجوز النظر إليها إلا بإذنها».
وبخصوص ترقع غشاء البكارة قال جمعة : « الدين الإسلامي يدعو إلى الستر، وإذا كان إجراء الفتاة، التي فقدت عذريتها لأي سبب كان لعملية ترقيع غشاء البكارة سيؤدي إلى سترها، فإن الإسلام يبيح ذلك». وأضاف: «.على تلك الفتاة ألا تخبر خطيبها بأنها فقدت عذريتها، كما أن الأمر ينطبق كذلك على المرأة الزانية؛ حيث لا يجوز لها أن تخبر زوجها بأنها ارتكبت جريمة الزنا»، موضحًا أن ذلك الأمر يأتي في إطار السعي للحفاظ على وحدة الأسرة، وبهدف مساعدة الفتيات المخطئات على التوبة والزواج، ولا يعد من قبيل الغش والخداع. وتكلم عن الزواج العرفي قال: « إنه حلال، وإن الزواج يقع بتوافر أركانه من غير ورقة رسمية أو مأذون، ويستمر 3 أيام دون شهود لحين الإشهار، وإلا بطل بعد ذلك»، معتبرًا أن « الإشهار في الزواج يقع باثنين شهود فقط».
كما أنه أفتى بجواز استخدام المرأة المتزوجة لما يسمى بـ”التاتو” والرموش الحواجب المؤقتة التى تزول بعد مدة من الوقت؛ حيث قال في حوار له بنفس البرنامج: « التاتو ما دام بإذن الزوج فهو حلال».
كما أطلق جمعة، فتوى بجواز إفطار المسافر في المصايف والرحلات، على أن يتوب إلى الله بعدها، موضحا أن المعصية المرتبطة بالسفر للمصايف لا تؤثر على حقهم في رخصة الإفطار للمسافر، لأن الرخص لا تناط بالمعصية على حسب القاعدة الشرعية.
أما عن قضية إرضاع الكبير التي أثارها منذ سنوات الدكتور عرت عطية، فقد أكد جمعة، أن حديث “إرضاع الكبير” في البخاري هو حديث صحيح وثابت، لافتًا إلى أن الناس أخطأوا فهم الحديث وتعاملوا معه بطريقة ساخرة، وشرح كيفية “إرضاع الكبير”، وهو وصول لبن المرأة إلى هذا الشخص بأي وسيلة، وليس أن يرضع الشاب الكبير من ثدي المرأة، مؤكدا أنه لم يشترط عن طريق الرضاعة، ومن الممكن أن يتم إيصاله إلى الشخص عن طريق الفنجان أو الكوب، على حد قوله وفقا لما نقله موقع المرصد عن جريرة الدستور المصرية. وقال: إنه من الممكن أن تشرب المرأة هرمونات معينة تساعدها على إنزال اللبن من ثديها وتضعه في فنجان ويشربه الشاب، زاعماً أن الله شرع “إرضاع الكبير” لأنه يترتب عليه أحكام شرعية معينة، ترتبط بالعلاقات الإنسانية بين البشر.
أما الدكتور ”أحمد كريمة“ أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلاموية بجامعة الأزهر، فيقول: « يجوز لبس الشورت للرجال لأنه من المعروف أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وهذا من رحمة الله تعالى»، بالطبع لم يتطرَّق لرحمة الله تعالى التي فاقت كل حدود ظل الإجرام! وعن إن تحليل البصمة الوراثية DNA، المعمول به دوليا لإثبات النسب، قال: « إنه يعد قرينة وليس دليلا على إثبات النسب»، مؤكدا أنه إذا مات الزوج وانتهت العدة، ولم يستبين حمل أثناء العدة، لا يلحق به نسب وإلا فتح الباب للأدعياء، محذرا: «هنفتح باب الزنى والفحشاء». متجاهلا نسب نبيه الكريم الذي ولد بعد موت والده بـ4 سنوات، ومع ذلك نُسِب إليه!
هذا غيض من فيض هذا الهذيان الذي لا ينتهي!
***
من الواضح أن الفتاوى كثيرة جدا وتتكاثر وتتكاثف كل يوم، وتتناقض مع بعضها البعض، وقد يمر البعض منها مر الكرام دون الالتفات إليه، ولكن الكثير منها يسبب الحيرة والبلادة واللامبالاة لدي جمهور عريض من المتأسلمين، وتبقي الهادفة منها إلى الغباء كما هي، صالحة لكل مكان وزمان، من أجل الاستمرار في صناعة وترسيخ الغباء الجمعي بين الشعوب المتأسلمة، وخاصة في مصر نظرا لوجود الأزهر وهذا العدد الهائل من خِرِّيجيه. وذلك لأن عملهم وتعاملهم مع الاغبياء او محدودي الذكاء والفهم من السهولة بحيث يرفع من مكانتهم الاجتماعية في أجواء تسودها منذ عقود التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعرقية والعقائدية. وتأتي الفتوى لتدعم هذه التوترات وتؤججها، من خلال الإطاحة بكل القيم الاخلاقية، وترسيخ الغباء الناجم عن الجهل وتفضيل الخرافات والأوهام والخزعبلات، وتعميم الغباء المصلحي الذي يتم بشكل وضيع وانتهازي، على أساس أنَّ الغايات الحقيرة تبرر الوسائل الحقيرة، وتعمق الغباء السياسي العام الذي يتسم بالنفاق للحكام، والتحريض على الحماقات والتفاهات، حتى لا يرى أحد معانات الشعوب المتأسلمة، ولا يَسمع أنَّاتهم. ولذلك سوف يبقى الأزهر في مصر، هو الباب الخلفي للإرهاب والطائفية والعنصرية وباقي الأعراض الرئيسية للغباء الجمعي!
الفتاوى تعمل على تسطيح الأمور، ما دام رجال الدين يزعمون معرفة الطريق إلى الله، فينظر المتأسلم لكل ما يحدث حوله بنظرة اللامبلاه والاتكالية، والاستهانة بقيمته كإنسان، مما يؤدي إلى تشويه وعيه بذاته، لأن الله قد كتب له قدره وأحواله وتخلفه وجهله ومصيره وهو في بطن أمه!
الفتاوى تؤدي إلى تمجيد الجهل والفوضى والعجز والانحطاط، والنفور من النظام والنظافة والعمل، وعدم تقبل أن يكون المرء على خطأ، وبقائه مؤمنًا بأفكاره الغبية ويورثها لأبنائه لمجرد أنه لا يمكنه مناقشتها أو الاعتراض عليها، فالغباء، أنفع له من الفِطنة.. وأنّ عيشَ البهائم أحسنُ موقعاً في نفسه، من عيشِ العُقلاء، بحسب قول (الجاحظ) في كتاب البُخلاء.
والأدهى والأمر أن يصل الغباء إلى التعليم بكل مراحله، فيصبح غبيا ومؤدلجا دينيا وسياسيا ولا يؤهل الدارس للتفكير السّليم، ولا يجعله صالحًا لمُمارسةِ الحياةِ بسلوكيّات إنسانيّة مُهذّبة ومنطقية. يقولُ الفيلسوفُ (برتراند راسل): «لا يُولَد البشرُ أغبياء، بل جهلة، ثمّ يجعلهم التعليمُ أغبياء».
يقول المفكر الراحل الدكتور سيد القمني: «يكون لنا ديمقراطية ....
يوم ينتهي عصر الفتاوى وتحكم المشايخ في عقول المسلمين
يوم يسأل المسلم؛ الطبيب والكميائي وأهل العلم ولا يسأل رجال الدين، يوم يتوقف التحكم في عقول الناس وملابسهم وخصوصياتهم، يوم تصبح المدرسة عندنا مدارس للعلم وليست للمفروضات الدينية».



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن