انحدار المنحنيات

يحيى نوح مجذاب
pragphyl_arist@yahoo.com

2022 / 8 / 19

لن تلمّه الجدران الأربع، ولن يستكين لأقداره الطائشة.
حوصلته أضيق من حوصلة عصفور.
يخرج من داره التي لم تعد تكتنفه قبل أن تعلو شمس الصبح وتتكئ فوق هامات النخيل الممتدة كقطار الشوق.
يخرج مُتحفِّز الخطوِ يدفع قدميه نحو مجهول غائب الملامح بكل ما يعتلج في شِعاب قفصه الصدري المنحني وهو ينشد وأد الوقت الطافح من خيشومه.
تكتكات القلب ووجيبه وخارطة الألم لجسد خائر العزم هي كل ما خلص من تاريخه الغابر والحادث.
يستقل سيارته المركونة على قارعة الطريق فلا وقت لديه ليكبلها في المرآب كفرس جامح.
قسوة القيظ لم تطفئه موجات التكييف الهادرة من فتحات التهوية.
وسيل أفكاره ومشاريع مؤجلة ومستحدثة لن تفتح أمام ناظريه بوابة الأمل المرتجى.
الأيام تلوك نفسها بندم التائبين، وشذرات من متع مخطوفة ينثرها الزمن، يتوجس فيها أشياء غير محسوبة بمنطق العالم المستأسد.
نسي أهدافه القديمة كما عتم حاضره عن مرأى ناظريه.
نسي كيف كانت تنصهر روحه في الذات الكلية للعشق السرمدي.
نسي ملمس الجسد الناعم وتداخل الأحراش في خيال ليله البهيم.
لم يعد في بقايا الجسد وفُتات الروح غير الانحدار نحو الأسفل والانصهار في بودقة الوجود الأثيري.
عَركَ أذن المذياع ليلتقط صوت المذيعة الخافت وهي تبث أكاذيب الدنيا لنخب الأرض بأبراجهم العاجية العالية وهم يسوقون الكوكب ومن عليه من نعاج البشر وأكباشه إلى حتفهم الأخير في لعبة قالوا عنها إنها السياسة في أساطينها الغاوية، لم يستسغ نبرة صوتها المتهالك وهي تنفثُ سيل الأنباء القاتمة.
استل من بين محطات المذياع المزدحمة أغنية قديمة دغدغت بواطن شعوره فأيقظته لبرهة زمن لم تدم غير ثوانِ.
كان زجاج السيارة الامامي يعكس اشعة الشمس المنبعثة من الأفق القصي بخيوطها الأرجوانية منسدلة على كفيه القابضتين على المقود.
مضى في طريقه على غير هدى أو كتاب مبين، وقبل أن يغطس قرص الشمس في العين الحمئة لفّ سيارته إلى الوراء وعاد من حيث أتى في دوّامة يومية مكرّرة يحرق فيها ما بقي من أيامه الخاوية وهو ينتظر اللّامنتظر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن