تأمل سريع للمساهمة في النقاش لتطوير الماركسية، كأداة لقراءة الواقع وتغييره/ الطبقة العاملة، هل هي موجودة أم لا ؟

أحمد زوبدي
ahmedzoubdi@gmail.com

2022 / 8 / 8

تأمل سريع للمساهمة في النقاش لتطوير الماركسية، كأداة لقراءة الواقع وتغييره/

الطبقة العاملة، هل هي موجودة أم لا ؟

أعتقد أن الرأسمالية دخلت مرحلة الانحطاط " décadence"، من خلال تفكيك البنيات التي على أساسها كانت ولادتها وعلى أساسها أيضا وصلت مرحلة النضج. الطبقات الإجتماعية بنية أساسية في النظام الرأسمالي، وبالتالي فالطبقات نفسها عرفت تحولا في هياكلها ومنها الطبقة العاملة التي أخذت زيا آخر يجب التنقيب عنه. الطبقة العاملة انغمست في حركة أو تحول اقتصادي مستمر.
انحطاط الرأسمالية سيطول كثيرا، كما عرف ذلك ميلاد هذا النظام، وبالتالي سيتغير شكل الطبقات، كما قلت. انحطاط الرأسمالية سيأخذ وقته على مدى لا يقل عن قرن من الزمن و سترى النور تدريجيا أشكال أخرى من الديموغرافية التي ستعطينا شكلا آخر من الطبقات. علاقات هذه الطبقات، أو قل هذه الأشكال الديموغرافية، هي التي ستحدد شكل نمط الإنتاج التي لا محالة سيتطور إلى الأحسن على المستوى المعيشي وعلى مستوى التواصل( ليس بمعنى هبرماس الذي لا أتبنى فكره, وهو الماركسي السابق الذي يسوق لدوخة التواصل المبتور في زيه الرأسمالي الفاشستي ).
في اعتقادي، الطبقة العاملة اليوم تم تفكيكها من خلال تطوير أدوات الإنتاج ( التكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيا الربوهات ) وتحول الكثير منها في المعامل الكبرى والشركات العابرة للقارات إلى طبقة عمالية قارئة، ذات دخل متميز ومستوى معيشي أدى بشريحة منها إلى التبرجز، كما نرى في التواجد الكبير لأصحاب اللياقات البيضاء والزرقاء والحمراء والرمادية..
هذا الوضع أثر أساسا على حجم الطبقة العاملة، مما جعل صوتها يغدو باهتا، خاصة مع تفكيك النقابات الذي تولد عنه التفرد "individualisation" في العمل الذي جعل العامل يصبح في مواجهة مع مالك وسائل الإنتاج عوض الإطار النقابي الذي كان يمثل قوة ضغط في وجه صاحب المعمل.
في هذه البطاقة السريعة جدا ذات الهدف النضالي بامتياز، أقول أن مفهوم الطبقة العاملة يحتاج إلى صيغة أو صياغة جديدة تتجاوز الماركسية التقليدية أو الماركسية التي تبنت مفاهيم مبتورة من قبيل نهاية العمل، كمقولة نهاية التاريخ، في ضوء الرأسمالية المعرفية "capitalisme cognitif" وتكنولوجيا الربوهات" robotisation "، وهي ردة في مجال تجديد الماركسية، خلافا للأسئلة التي تطرحها روح العصر. سأحاول ربما كتابتها قريبا إذا سنحت ظروف التفكير في ذلك. لكن لا بد من القول بعجالة، من نافذة أخرى ، أن وضع الطبقة العاملة اليوم تغير ظهرا على عقب حتى في الدول الغربية بحكم التحولات العميقة والمفاجئة للرأسمالية الناتجة عن الثورة التكنولوجية والرقمية، من جهة، والتحولات الديموغرافية والسوسيولوجية، من جهة أخرى، كما قلت أعلاه. الثورة الرقمية خلقت ثورة غير مسبوقة في أنماط الإنتاج ومنها العمل، منه العمل عن بعد " travail à distance ", لكن للأسف الشديد لم يكن ذلك في اتجاه تحسين وضع الطبقة العاملة بشكل خاص وكل الطبقات المتضررة ومنها الطبقة الوسطى. كان الهجوم الجشع لرأسمال الإمبريالي على ثروات الشعوب عبر عابرات القارات والبنوك الأوليغارشية والدكتاتوريات هو القاعدة. هذا التطور الكبير (المعكوس أي المتناقض مع مصالح الأغلبية الساحقة من البشر ) الذي عرفته الرأسمالية أدى إلى تفكيك الطبقة العاملة والحركات العمالية حتى في الغرب من خلال تفكيك إطاراتها النقابية. في دول الجنوب، الطبقة إياها أصبحت اليوم غير موجودة تنظيميا ولو أنها حاضرة على مستوى الكم. علاقات العمل تغيرت كثيرا بحكم تحول أشكال وسيرورة الإنتاج "Processus de production" . تعقد وضع الطبقة العاملة مع تفكيك منظومة العمل حيث أصبح العمال غير مرتبطين مع بعضهم البعض في المصالح. مصالح العمال أصبحت غير مشتركة بحكم الصيغ التفكيكية الدخيلة التي عرفتها منظومة الإنتاج منها العمل بالعقدة والعمل الموسمي وغير ذلك من الآليات من خلال مسلسل مرونة العمل" Fléxibilisation du travail"، أو مفهوم الأمن الوظيفي المرن" flexicurité du travail "، فضلا عن تسريح العمال وتفشي البطالة وانعدام التغطية الإجتماعية، مما أدى بالطبقة العاملة ليتحول أكثر من نصفها إلى طبقة رثة "Lumpen-prolétariat ".
أعتقد اليوم أن المهمة الأولى للمناضل والمثقف هو العمل على إعادة بناء الطبقة العاملة، أخذا في الحسبان العوامل التي أشرت لها كالعوامل الديموغرافية والمعرفية والوضع الإجتماعي وطبيعة الوعي السياسي والنقابي، في إطار العمل الجماعي من خلال تأسيس إطارات متحدة تفرض على الباطرونا أجندة تأخذ في الاعتبار حقوق الشغيلة خاصة أن العمال عرفوا تحولا كبيرا على المستوى المعرفي، وهي قفزة نوعية تساعدهم على الدفاع عن حقوقهم في إطار نقابي وحدوي قوي.
جوابا على السؤال أعلاه، أزعم أن الطبقة العاملة موجودة كميا، لكن نوعيا، أي على مستوى الوعي والتنظيم، فهي غائبة وخصوصا بالنسبة لفئاتها المكونة من العاملين في قطاعات التشغيل الهش، والتي تسيطر على النصيب الأكبر من الطبقة العاملة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن