روسيا تشن حربا استعمارية في أوكرانيا تحت الحماية النووية

بوياسمين خولى
homkabla@gmail.com

2022 / 8 / 7

يبدو أن الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا فرضت على الغربيين إعادة تحديد أهداف الحرب الواقعية لإحباط عدوانية موسكو بشكل دائم وإيجاد شروط مقبولة للتعايش.

هذه هي الخلاصة المركزية لكتاب مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ، المؤرخ "توماس جومارت"(1) - Thomas Gomart – " الحروب الخفية" (2) ، والذي يحلل فيه الوضع الاستراتيجي الجديد في العالم ليخرج بتقييم أولي للتصدعات الناجمة عن العدوان الروسي في أوكرانيا.
---------------------------------------
(1) - "توماس جومارت" ، المولود في عام 1973 ، هو مؤرخ فرنسي للعلاقات الدولية ، ومدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI) منذ أبريل 2015. يركز عمله الحالي على الحوكمة الرقمية، السياسة الخارجية الفرنسية، مخاطر الدول ، روسيا ومراكز الفكر.
(2) « Guerres invisibles - Nos prochains défis géopolitiques Nos prochains défis géopolitique »
-----------------------------------

فماذا قام هذا الصراع بتغييره في النظام العالمي؟
يرى "توماس جومارت" أن هناك نسيان أن المسألة الأوكرانية كانت إحدى القضايا الحاسمة للحرب العالمية الأولى في الشرق. وتم تجاهل إلى أي مدى أصبح انتصار الاتحاد السوفياتي على النازية "دين الدولة" لفلاديمير بوتين. فمنذ ما يقرب من عشرين سنة ، انخرطت روسيا والغرب في مواجهة "معرفية" لفرض نموذجهما. في غضون ثلاثة أشهر ظهر شرخ مفتوح مزدوج: بين أوكرانيا وروسيا من جهة، وبين روسيا والغرب من جهة أخرى. مع عودة الحروب الشديدة الكثافة ، تفقد القارة الأوروبية إحدى ميزاتها النسبية في العولمة ، ألا وهي الاستقرار الاستراتيجي. فيما يتعلق بالقضايا العالمية ، تبدو هذه الحرب عفا عليها الزمن بالنسبة لأولئك الذين جعلوا العولمة ونزع السلاح لازمة تتكرر منذ عام 1991 - أي الأوروبيون بشكل أساسي. وليس الأمر كذلك بالنسبة لأولئك الذين يرون العالم من خلال ميزان القوة العسكري، أي الروس والصينيين والأمريكيين.

فهل هذه نقطة تحول استراتيجية؟
يبدو أن الأمر كذلك بدون شك. فروسيا تشن حربا استعمارية تحت الحماية النووية. فقد رافق إطلاق "العملية العسكرية الخاصة" – العدوان على أوكرانيا- خطاب نووي صريح لا غبار عليه. واتخذ فلاديمير بوتين إجراءات لإخضاع أوكرانيا وتثبيط الغربيين. إن نقطة التحول الاستراتيجية، ليست هي العدوان الروسي بالأساس - الذي استمر من عام 2014 – وإنما هي قدرة أوكرانيا على الصمود في وجه الدب الروسي. إنه أيضًا تنفيذ موقف عدواني بفضل الطاقة النووية، وهو ما يقطع مع موقف الحذر في هذا المجال الذي سارت عليه موسكو وواشنطن منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962. وأيضا هذه آليات تحالف تنتج آثارا عسكرية و اقتصادية واسعة النطاق.

طبعا، كل حرب لها تكلفة بشرية واقتصادية. وهذا يساهم في عودة التضخم وتصاعده ويؤثر سلبا على الأمن الغذائي. ولكن التحول المتحدث عنه يؤدي إلى طفرة جديدة في العولمة يُنظر إليها على أنها تشابك الترابط الاقتصادي ، ومنافسة النماذج على خلفية الفصل. أدت الرأسمالية السياسية ، أي تشابك أهداف النمو الاقتصادي وضرورات الأمن القومي ، منذ عام 2016 ، إلى الفصل التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة. ويضاف إلى ذلك الآن فصل الطاقة بين روسيا وأوروبا. ويشير الأخير إلى شروط التعاون المهيمن على النفط الذي أقامته الولايات المتحدة بعد عام 1945.

إن المحاولات الأوروبية المختلفة لتنويع إمداداتهم ، عن طريق البر ، من خلال اللجوء إلى الاتحاد السوفيتي ، تسببت دائمًا في توترات مع واشنطن ، وظلت تعود إلى الظهور في وقت الأزمات الاستراتيجية الحادة. فخلال الأزمة الكوبية ، طلبت إدارة "كينيدي" من الأوروبيين عدم تصدير التقنيات التي تسمح ببناء خط "أنابيب الصداقة". وبعد عشرين عامًا ، أثناء أزمة "الرؤوس النووية الأوروبية" - Euromissiles - شجبت إدارة "ريغان" أول خط أنابيب للغاز يربط سيبيريا بالأسواق الأوروبية.

على الرغم من الضغوط الشديدة ، طورت العواصم الأوروبية الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة بين أوروبا وروسيا ، مما أدى إلى نتيجة غير مباشرة لتقليل جهودهم البحرية. بعد أربعين عامًا ، أدت الحرب في أوكرانيا إلى كسرها ، وأعلنت عن زيادة واردات الغاز الطبيعي الأمريكي المسال ، وأعادت الأوروبيين إلى المشاكل الكلاسيكية المتمثلة في تأمين إمدادات الطاقة في وقت اعتقدوا فيه أن انتقال الطاقة من شأنه أن يقلل من المخاطر الجيوسياسية. وعلى العكس من ذلك ، فهو يبرزها أكثر. إذا كان هناك توافق بين هذا التمزق وهدف "التخلص من الكربون" – décarbonation - بحلول عام 2050 ، تظل الحقيقة القائمة هي أن الأوروبيين مجبرون على إعادة هيكلة أنظمة الطاقة الخاصة بهم على وجه السرعة.

في زمن الحروب الهجينة (3) - hybrid wars، قد تؤدي الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا - من خلال عنفها إلى مذابح حروب القرن العشرين.
-----------------------------
(3) - الحرب الهجينة هي استراتيجية عسكرية تجمع بين الحرب التقليدية والحرب غير المتكافئة (وتسمى أيضًا الحرب غير النظامية) والحرب الإلكترونية وغيرها من الأدوات غير التقليدية مثل المعلومات المضللة.
-----------------------------

لكن يبقى من الضروري التمييز بين المرحلة التي أجرت فيها روسيا عمليات هجينة ، مما سمح لها بممارسة ضغط مباشر على أوكرانيا والضغط غير المباشر على الغرب، وعرفت كيف تعمل في مستوى أدنى من الحرب. ومرحلة تجاوز هذه العتبة ، آنذاك انجرفت روسيا مع ثقلها العسكري ، جيوش متباينة ، سيئة القيادة ، وغير قادر على الفوز بالقرار بسرعة ، وهذا لأنها راهنت بكل شيء لبلوغ سقوط "زيلينسكي" بسرعة. هكذا سقطت روسيا – ومن حيث لا تدري أو لا تحتسب - في حرب استنزاف ودمار ، أدت إلى انتهاكات سافرة عديدة.

وزاد الطين بلة بالنسبة لموسكو مع صمود مقاومة الشعب الأوكراني
أوكرانيا الآن في وضعية أمة تحمل السلاح ضد المحتل. ورغم أن قواتها المسلحة عرفت تصاعدا ملحوظا بين عامي 2014 و 2022 ، إلا هذا الأمر لا يفسر الجوهري في القضية. فقد استجاب الأوكرانيون للتعبئة العامة ، وتشكل ثالوث مكون من الشعب والسلطة العسكرية والحكومة ضد المحتل. وقد كانت الصور ملفتة للنظر، تظهر مواطنين أوكرانيين يرافقون عائلاتهم وذويهم إلى الحدود قبل الانضمام إلى وحداتهم ، والتدخلات المنتظمة للرئيس "زيلينسكي" بلباس عسكري ، وأيضا المقابر الجماعية ومشاهد الدمار الشامل. ويبدو أن كييف تقنت اتصالاتها الاستراتيجية. وبعد أن تمكن الأوكرانيون من المقاومة ، باتوا مقتنعين بأنهم قادرون على الفوز ومواجهة المعتدي.

وقد يدل هذا على أهمية المشاعر والعواطف في هذه الحرب العدوانية. إن هذا البعد كان مهم وضروري. وفوجئ الكثيرون بقرار فلاديمير بوتين ، لأنه يتعارض رأسا مع مصالحه. وتفسر هذه المفاجأة من خلال مفهوم السياسة الدولية الذي تم اختزاله بشكل أساسي إلى مسألة حسابات ومصالح متقاطعة. ومع ذلك، في مرحلة طويلة من التوتر ، تكون العواطف - مثل الكراهية أو الازدراء أو الأمل أو الإيمان بقضية - أكثر أهمية من المصالح. من الصعب للغاية توقع الترجمة العملية للعواطف ، لكن من الخطأ عدم السعي لتحديدها بدقة بخصوص الفاعلين في الميدان ، وفي مقدمتهم فلاديمير بوتين، لذا قد تكون هذه الحرب هي نتيجة متوقعة لانحلاله الأيديولوجي.

لكن، هل من دور للولايات المتحدة في هذا الصدد؟
الأكيد هو أن بعض الخبراء الروس اعترفوا بأنهم أخطأوا بخصوص نقطة أساسية: لقد اعتقدوا أن الولايات المتحدة ستفقد الاهتمام بأوروبا للتركيز حصريًا على الصين وراهنوا على هذا. لقد أقنعوا أنفسهم بانحسار غربي لا يرحم بعد الهزيمة الأمريكية في أفغانستان. فمن خلال نشر معلوماتها الاستخباراتية علنًا ، لم تمنع الولايات المتحدة العدوان ، لكنها أظهرت لحلفائها درجة اختراقها للنظام الروسي. وأصبح شاغلهم هو استغلال خطأ فلاديمير بوتين الاستراتيجي قدر الإمكان من خلال استراتيجية غير مباشرة ، والتي تتمثل في تجنب امتداد الصراع إلى ما وراء الأراضي الأوكرانية والبحر الأسود. إنهم يقدمون دعما سياسيا ومساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا، ومن خلال القيام بذلك ، يقومون بتوطيد العلاقات عبر الأطلسي ، مع إظهار الحدود العسكرية لحلفائهم. بالإضافة إلى ذلك ، فإن العقوبات التي تم اتخاذها جعلت الدولار هو حجر الزاوية لها . نعم هناك عواقب اقتصادية، لكنها عواقب على الاقتصادات الأوروبية أكثر بكثير من عواقبها على اقتصاداتها. بعد أقل من رحيلها عن أفغانستان ، يؤكد الأمريكيون على "مركزيتهم" الاستراتيجية ، و يرسلون رسالة واضحة إلى الصين.

وبخصوص دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون، برزت ضرورة إعادة تسليحها عسكريًا ، والتصرف دبلوماسيًا ، والتعافي اقتصاديًا ، وإلا فسينالهم التهميش على نطاق عالمي وعدم قدرتهم على تحقيق الاستقرار في القارة. والقتال الأوكراني والدعم الأمريكي يقدمان لهم فرصة ثمينة، شريطة حسن استخدامها للاستعداد للصدمات المستقبلية، لاسيما مع دخول فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. وهذا وضع استثنائي، إذ كان سيكون محرجا لو لم تتدخل واشنطن.

إن تعزيز الرابط عبر الأطلسي على خلفية الحرب في أوكرانيا ساهم في تغيير الوضع في القارة الأوروبية.
طالب الرئيس الفرنسي تجنب "إذلال" روسيا. لكن روسيا هي التي أذلت نفسها في أوكرانيا. إنه إذلال المغتصب أمام ضحيته بعد الفعل. ومع ذلك، من الضروري إعادة إدخال الاهتمام والحساب في المرحلة الحالية على وجه التحديد لمنع العواطف من التغلب على حكم مختلف الفاعلين في هذا الصراع. فلا يمكن توقع ندم استراتيجي من فلاديمير بوتين. فهذه الحرب هي أولا وقبل كل شيء حربه. لكن السؤال هو: هل بوتين قادر على حشد الشعب الروسي رغم خطئه الاستراتيجي ووقوع عكس ما كان يرمي إليه من عدوانه على أوكرانيا؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن