على سبيل الفرض والافتراض ح4

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2022 / 7 / 30

هذه الصورة كانت الأكثر تشاؤمية مما يمكن أن يبتدعه عقل الخيال البشري إذا أراد أن يلبس النظارة السوداء، أما إذا كان متفائلا ومنسوب البياض في عقله مرتفع قليلا فيمكن أن يكون المشهد كالآتي، فقد ذاع صيت محمد الجميل بين القبائل في الصحارى والوديان والحواضر أن نبيا قد أرسله الله للناس، ينبع من بين أنامله ماء زلال وخير حلال، يضيء وجهه بالفرح نهارا وبالليل نورا، لا يظلم عنده أحد وتخدمه ملائكة السماء، مسدد في الأرض ينطق له الحجر وتلعب في زمانه الأفعى مع صغار أفراخ الطيور، وترعى الشاة مع الذئب الجسور، وكل للأخر حفيظ وصديق، فتسارعت وسارعت حشود المفتونين بهذا الحديث لنيل بركات النبي الجديد يستضيئون بنوره ويتباركون في قدومه، وكل له عاشق ومريد.
لقد عاشت قريش ومكة مكمنها عصر الذهب والفضة والخير يجبى لها ببركة العبد الصالح الذي ظهر فيها، لم يعد هناك عبيد ولا فقراء ولا مظهر من مظاهر الظلم والعنت، الجميع يشكر الله صباحا ومساء يعبدونه ولا خيار لهم غيره، حتى أن شوارع مكة وطرقاتها أضحت من الخير كأنها صروح ممردة من قوارير، حتى تلك الجبال الجرداء صارت جنات نعيم والواد الأجرد تحول إلى جنات وعيون ومقام كريم، من يدخل مكة حاجا أو تاجرا ليس له من خيار غير الجلوس فيها لولا العيال والأموال والولد لصارت ملجأ لكل الناس، وجوه يومئذ ناظره ناطره حاسره ومتحسره على ما فاتها من عصور الجاهلية يستغفرون لمن سبقهم من أباء وأجداد وأسلاف، الوفود القادمة من أصقاع الأرض تتوافد كالرتل المتبوع، يدعون الرسول والمؤمنين كي يحطوا رحالهم ولو لأيام في ديارهم، وما من مجيب فلا أحد يمكنه أن يفارق مكة ولو لساعة، ولا أحد يرغب بالهجرة والخروج ولو كان للدعوة والتبصير.
هكذا عاشت مكة حتى جاء زائر الحتم ورسول الله الذي لا بد منه ليخبر النبي، "أن الله أشتاق لرؤيته في الجنة ليمنحها بركة قوق البركة"، وأن نداء الله حق لا مراء فيه ولا أختيار، أستيقظت مكة مذهولة مشلولة خائرة القوى وقد أعلن أل محمد ألتحاق النبي بركب السماء، وقد ترك فيهم كتاب الله وعترته إن كانوا مع الله صادقين، فأهتزت أركان البيت وأضرب الناس عن الطعام والماء كأنهم في صيام عن الحياة، وكيف لا يفعلون وقد فقدت سماء الإيمان شمسها وقمرها المنير الذي أضاءت له السموات والأرض، فجاءت وفود المعزين من كل فج عميق والدموع مدرارا، والقلوب أرهقها الحزن والنصب يبايعون من أختاره النبي من بعده لتمضي مسيرة الله في أرض العروبة.
هذه الصورة قد اكون خيالية بمنتهى الرومانسية التاريخية ولكن ما وردنا من وقائع تاريخية لو جمعت ستكون قريبة منها، خاصة عندما يتعالى مخرج الصورة عن بعض الأحداث والوقائع السلبية ويبرز للقارئ البسيط الوجه الحميل من تاريخ غير جميل، المهم كانت هذه الصور والتي من قبلها والتي تعني في مضمونها العام أحتمالات ظنية تحت العنوان " ماذا لو لم يخرج الإسلام من مكة" وبقي محصورا فيها لا شرق ولا غرب، هل مثلا شهدنا الكثير من الأحداث المختلف عبيها من الغزوات مثلا أو ما سمي لاحقا بالغزوات، الهجرتين للحبشة والهجرة للطائف والهجرة للمدينة، صراع المهاجرين والأنصار، فتح مكة ودخول سادة قريش مرغمين في دين طردوه باكرا من ديارهم ظنوا أنه لو أغترب نجوا.
لقد كان خروج الدين من طرقات مكة سالكا الوديان والشعاب قاصدا أرض النخيل والماء في يثرب، بداية لتحولات كبرى ربما لو عاشرها وعاصرها المؤرخ الموثوق العلمي الأرشيفي، لقرأنا الكثير مما تم إخفاءه أو طمسه، لأسباب وعلات ودوافع وغايات جلها وأكثرها صراع بين أهل مكة من الأولين ومن الأخرين، من المحررين ومن الطلقاء على الزعامة والرياسة وبيت المال، لم تكن مكة بعمقها التاريخي والديني سوى لعنة المال والتجارة والسيادة، حين دخلت للإسلام مرغمة صاغرة منكسرة ذليلة، فأذلت بعد ذلها الدين وأهل الدين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن