هل أنا أكره الماركسيين كما يصفني أحد أصدقائي الحلقة الأخيرة

كامل عباس
fared5@gmail.com

2022 / 7 / 28



حقا أنا اكره الماركسيين امثال هؤلاء المذكورين في مواقفهم تجاه كتاباتي وهذه أدلتي
مقدمة :
لعب كتاب اصول الفلسفة الماركسية الذي قرأته بالصدفة بعد تخرجي من الجامعة الدور الأساسي في تغيير مجرى حياتي, لكنها صدفة تندرج ضمن قانون , لقد أحالني الكتاب الى عاشق ولهان مثل أي مراهق تعّرف على فتاة جميلة وزكية سلبت لبه . قادني ذلك العشق الى الحلقات الماركسية ومنها الى رابطة العمل الشيوعي وما تفرع عنها من ملاحقة وسجون لتنتهي مراهقتي السياسية عبر تلك التجربة المريرة وما فيها من مطاردة وسجون , ولتواتيني الشجاعة والمعرفة لأصبح لبراليا مكروها من أغلب رفاقي السابقين الذين لم يتعلموا من الفكر الماركسي سوى الغرور غير المحدود وعدم احترامهم للرأي الآخر .
سأحاول في هذه الحلقة استعراض بعض من مواقف هؤلاء الماركسيين المغرورين من خلال مواقفهم تجاه أربعة محاولات لي في الكتابة .
...................................................
1- رواية نصف سنة من حياة ايوب
كتبت الرواية في سجن صدنايا بين عامي 1988و 1990 لقد تحرّكت في مخيلتي- بعد مطالعات عديدة لروايات عالمية - شخوص كانت تقودني احيانا واحيانا اخرى أقودها , راقت لي اللعبة فهي تفسح لي في الانتقال على الورق خارج جدران السجن وتنسيني همومي فيه رغما عنهم .
موضوع الرواية انساني بامتياز يطرح مسألة شائكة في عصرنا هي العلاقة بين الحب الجنسي والقانون الذي ينظم تلك العلاقة بين الجنسين فيعصرنا . الأمر لم يكن محسوما لديّ فأردت أن اثيره كعمل أدبي . وزّعت النسخة الأولى المكتوبة بخط يدي على كل رفاق السجن ماركسيين وغير ماركسيين واستقبلت كل ملاحظاتهم وصغتها ثانية . الطريف في الأمر ان كثيرا من رفاقي رفض قراءتها كونها تصدر عن شخص تساقط على درب النضال وترك الحزب لكن بعضهم قرأها ولم تعجبه لأنها لا تأخذ بوجهة نظر الشيوعيين في الادب الملتزمة والمعروفة بمسحتها التفاؤلية وواقعيتها الاشتراكية مثل رواية الام , اما من كان له صلة منهم في الأدب فقد عّبر عن رايه بكلمتين عالماشي : رواية فيها موضوع ما فيها صنعة : قدّمتها الى مدير السجن وطلبني في اليوم التالي ليعلن لي انه لم ينم حتى قرأها كلها وهو سيسمح بإخراجها كما طلبت في اول زيارة لتتم طباعتها . بعد خروجي من السجن قدّمتها بشكل نظامي الى الرقابة وسمحت لي بطبعها دون اعتراض وساعدني على تدقيقها ونشرها الأستاذ الفاضل الكبير- والماركسي ايضا ولكنه يحترم الرأي الآخر- عبد الحفيظ حافظ , نفدت النسخة الأولى ولم يقرؤها احد الا واعجبته و لكن لم يصدر أي تعليق عليها من رفاقي الماركسيين بل تجاهلوها كليا كما تجاهلوا اكل اعمالي لأنني خنت الحزب من وجهة نظرهم , في حين تناولوا عشرات الأعمال الأدبية الملتزمة لرفاق لهم بالتهليل والاشادة .
لقد تناهى الى سمعي ان الأستاذ عبد الحفيظ لديه كرتونة مملوءة نسخ ,اكون شاكرا له لو أرسلها لي عبر شركة القدموس وعنواني معروف ورقم هاتفي هو 0412236947 واعتقد انه سيتحّملني ويعرف وضعي وشكرا له سلفا سواء ارسلها م لم يرسلها .
2- كتاب الناصرية نهضة ام سقوط ؟
كان الكتاب عبارة عن نقد لمقالة منشورة في جريدة التجمع الوطني الديمقراطي أوائل هذا القرن رفضوا نشرها فتحّولت الى كتاب حملته الى لجنة الرقابة كي تعطيني موافقة على طباعته وفعلا سمحت لي بطباعته شرط حذف بعض الفقرات . لم يعجبني الحذف لكنني رأيت ان الرمد افضل من العمى. لم يكن لديّ أي امكانية لطباعته على نفقتي فانا مجرد مدنيا واعمل حارس في احدى المطاعم بأجر ضئيل, حملته الى الصديق الذي كنت واياه في حلقة ماركسية واحدة هو محمد كامل الخطيب وهو رئيس لجنة في الوزارة معنية بالموافقة او عدم الموافقة على الطباعة , دخلت الى مكتبه .عرفني فهو يمتلك ذاكرة قوية , شرحت له الغرض من الزيارة فأردف حرفيا انا لا أطبع كتب حتى للبعثيين في الوزارة فهل تطمح أن اساعدك في نشر كتاب عن الناصرية ؟ لايزال بنفس الغرور وهو لم يرسل وردة طوال فترة سجني ان لم يكن يتهمني بانني اشوش على نظامه الديمقراطي الشعبي الذي كان وما يزال يعمل لخدمته - على طريقة نجاح العطار وحنا مينة - أكثر من البعثيين .
قرأ الكتاب واحد من اصدقائي هو مسؤول الحزب القومي السوري في اللاذقية وأعجبه فقال سأساعدك على طباعته بدون ان تدفع مليم وهكذا تمّت طباعته من قبل دارا لتكوين للنشر والتوزيع الكائنة في الحلبوني وصدرت اول طبعة منه عام 2005 ولكن بكل اسف اكتشفت ان عقلهم شمولي اكثر من الماركسيين فقد ارادوا تسديد ضربة لعبد الناصر الذي لايروق لهم فاختاروا اسوأ ما قاله في حياته ليبرزوه على الغلاف ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا التدخل وتغيير الكثير من الفقرات لتأتي على مقاسهم على ىسبيل المثال:
الاهداء : الى كل مقهور عربي يحلم بنهضة امته على طريقة نفي النفي : الجديد ينبثق من أحشاء القديم ويأخذ زبدة ما فيه . بدلا من ذلك طبعوا الاهداء كما يلي : الى كل مقهور عربي يحلم بنهضة امته عن طريق السلب لا الايجاب , فالجديد ينبثق من أحشاء القديم ويأخذ زبدة ما فيه . عندما قرأت اول نسخة مطبوعة نطقت بعبارة عفوية : لعنة الله على الفقر , كيف سمح هؤلاء لأنفسهم تصميم الغلاف بهذا الشكل لشخص احبه من كل قلبي هو عبد الناصر وكيف تدخلوا لتغير بعض العبارات دون اذن مني !!عاتبت مدير الدار على ذلك التدخل من دون استشارتي ووعدني بمساعدتي لطبع طبعة ثانية تأتي كما يحب واعتذر عما فعله في الطبعة الأولى .
ومع ان الطبعة الأولى نفدت الا انني رفضت طباعتها ثانية من قبل دارهم .
3- شجعتني موافقة الوزارة على السماح لي بنشر كتابي عن الناصرية فاشتغلت ثلاثة سنوات على كتاب حول الاصلاح الديني بلغت عدد كلماته حوالي الأربعين ألف كلمة وهو ثمانية فصول مع مقدمة وخاتمة والفصول هي التالية
الفصل الأول: الدين في التاريخ والمجتمع وليس فوقهما :
الفصل الثاني : الاصلاح الديني بين القل والضمير .
الفصل الثالث : الاصلاح الديني المسيحي تاريخيا .
الفصل الرابع : الاسلام والثورة .
الفصل الخامس : الاصلاح الديني الاسلامي تاريخيا .
الفصل السادس : الاسلام والاستبداد
الفصل السابع : الاسلام وأصول الحكم
الفصل الثامن : الاصلاح الديني والواقع الحالي في البلدان الاسلامية
عنونت الكتاب على الشكل التالي :الاصلاح الديني وضرورته الحالية في البلدان ذات الحضارة العربية الاسلامية وحملته الى الطابق السابع في المزة من اجل الموافقة عليه في اوائل عام2008 و جاءني الرد بعد ستة اشهر - مع عدم الموافقة - وقد فهمت اسباب عدم موافقتهم من خربشاتهم على النسخة التي اعادوها لي مع كليشتهم . لسوء حظي كلهم ماركسيون لم تعجبهم كتاباتي التي لاتوافقهم للديمقراطية الشعبية
مازال الكتاب موجود عندي واي دار تساعدني على نشره سأكون شاكرا لها شريطة عدم الزامي بدفع مبلغ نقدي مقدما لأنني غير قادر على اطعام عائلتي حاليا بكل اسف وهذا يعني ضمنا عدم دفع مليم واحد مقدما من اجل طباعة الكتاب .
4- الكتاب الرابع حول البيئة
تشاء الصدف ان التقي بأحد اصدقائي القدامى في الشارع , تحدثنا بحرارة مع بعضنا حكيت له ماجرى معي في المزة فقال لي الحق عليك , لماذا لاتكتب كتابا عن البيئة وانت لك اهتمام بها عندئذ سيطبعوا الكتاب بعد الموافقة ويطوك مكافاة مالية محرزة ذلك لاتقل عن سبعين الف ل س , فعلا عملت بنصيحة صديقي واشتغلت على كتاب عن البيئة وحملته الى لجنة الرقابة واعطتني الموافقة ومن ثم توجهت الى الهيئة العامة للكتاب وقد كان مديرها شيوعي كلاسيكي هو محمود عبد الواحد ومساعده الأيمن في الترجمة رفيقنا ثائر ديب من حزب العمل الشيوعي وفعلا نشر الكتاب من قبلهما تحت عنوان - البيئة والانسان تفاضل ام تكامل , ككتاب شهري عام 2010رقمه الخامس والعشرون وهو ملحق لجريدة البعث .
كيف سمحوا لأنفسهم في طباعته كملحق لجرية البعث دون استشارتي ؟
كيف سمحوا لأنفسهم حذف فصول كاملة منه لأنها لا تتلاءم مع فهمهم للنظم الديمقراطي الشعبي ؟
كيف غيرّوا اسلوبي الخاص ليستبدلوه بأسلوب عام يخدم الثورة كما يتوهمون ؟؟
لايستحق هذا الفهم الشولي الماركسي مني سوى الاحتقار
ساعيد بدءا من الأسبوع القادم نشر كتابي كما هو والتي وافقت عليه لجنة الطباعة من دون ان تعترض على أي فقرة مكتوبة كما حصل مع كتاب الناصرية نهضة أم سقوط؟
ذاد في الطنبور نغما ان مكافاتي كانت خمس وعشرون الف ل س على ك ذلك الجهد !!
لم يعلق على الكتاب احد ومر على الجميع وهم ينكشون أنوفهم باستثناء الصديق وائل السواح الذي اعجبه الكتاب فكتب حوله هذه الكلمات
...............................................

كتاب جديد لكل الأعمار .. البيئة والانسان : تفاضل ام تكامل
لست من هواة الكتب العلمية بسبب قصور في ذائقتي , وليس بسبب خلل في الكتب نفسها . ومع ذلك قرأت في حياتي بضعة عشر كتابا في هذا المجال , كان أمتعها بالنسبة لي كتاب ( الإنسان ذلك المجهول) لأكسيس كاريل أحد أقطاب العلم في التاريخ والحاصل على جائزة نوبل في العلوم . وقد استمتعت بالكتاب لأنه كتب بلغة مبسطة وأمثلة تفيد القارئ غير المتخصص مثلي . ومنذ قراءتي لكاريل لم أشعر بالمتعة ذاتها الا عندما قرأت كتاب الباحث السوري كامل عباس الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة لكتاب في سوريا" البيئة والانسان تفاضل ام تكامل " . عندما رأيت الكتاب الذي وزعته صحيفة البعث مجاناً هذا الشهر قلت لنفسي هو ذا كتاب علمي ممل آخر يحتوي نصائح مملة وغير مفهومة عن قضايا البيئة والمجتمع."على أن ذلك الرأي لم يستمر سوى دقائق معدودة، فما إن بدأت بقراءة السطور الأولى حتى غرقت فيه كلية ووجدت نفسي أقرأ بمتعة لم أعهدها في قراءة المواضيع العلمية.
البيئة والإنسان تفاضل أم تكامل" بحث مبسط ولكنه ليس سطحياً في قضايا البيئة والجديد في الكتاب أن عرضه لمشاكل البيئة" جاء ضمن عرضٍ شامل لمبحث الطبيعة التي تشكل الإطار الأم لقضايا البيئة. ولا يُدخِل القارئ في مبحثه مباشرةً بل يهيئ للقارئ مدخلاً يساعده بليونة على الولوج إلى عالم البيئة وعلاقتها بالإنسان ويدخل من حيث يجد القارئ نفسه راغباً في الاستزادة فيبدأ ببحث عن الطبيعة ما قبل الإنسان ومكانة الأرض في المجموعة الشمسية والمجرة والكون مستعرضاً بيسر وتلخيص مكثف تاريخ هذا الكون وعلاقة عناصره واحدها مع الآخر. ولئن كان أحياناً يعيد ما هو معروف للقارئ إلا أن الأخير لا يحس بأنه يقرأ مكروراً بل يشعر أنه يعمق ما يعرفه في بعض المجالات ويستزيد في مجالات أخرى معرفته فيها أقل ويربط الباحث الميكرو كوزم بالماكرو كوزم مبيناً العلاقة بين العالمين الذين على اختلافهما البيّن يشكلان معاً وحدة هذا الكون فيبحث في الذرة وخصائصها ،والعلاقة التي تربط بين جزيئاتها ،لتشكل العناصر التي تشكل فيما بعد المادة المشكلة للكون الشاسع. وينتقل الباحث ليعرف بعد ذلك بالحياة والنظام البيئي ومكوناتها الحية منها وغير الحية مؤكداً على الدور التي تلعبه الطاقة في هذا النظام المتشابك .
وتذهلك أحيانا الأشياء البسيطة أكثر ما تفعل المعقدات من الأمور . لنأخذ على سبيل المثال التمثيل الضوئي الذي تعلمناه جميعا في الصفوف الأولى من مدرستنا الابتدائية . نعرف جميعا ان التمثيل الضوئي عملية طبيعية تحقق التوازن في الحياة الطبيعية بين استهلاك الأوكسجين وإنتاجه . دور الكتاب الذي بين ايدينا هو ان يجعلنا نتمثل هذه العملية ونتصورها كأننا نراها بأعيننا , فتتحول بذلك من درس مقيت في علم الأحياء الى حكاية ملون ومبهجة . وهي ليست الحالة الفريدة في الكتاب , بل ان فكرة الكتاب تقوم على هذه النقطة : تحويل الفكرة الى صورة حية في الذهن , لترسخ وتبهج وليس لتعلم وتضجر .
الى ذلك ثمة إضافة أخرى يحققها المؤلف في كتابه وهي تعريفنا بجوانب في الاساءة الى البيئة لم نكن نعيها . فنحن جميعا نعرف الأثر المدمر للمعامل والسيارات والآلات العملاقة على البيئة . ولكن قلة منا فقط ينتبهون الى ان في إقامة بعض الحدائق اعتداء على البيئة أيضا , بما تضمه من نباتات مستوردة , وما تخططه من ممرات وأحواض وتشكيلات تفرض مفاهيم وتطورات على تلك البقعة المحددة من الأرض , لا تناسبها , وتشكل بالتالي اعتداء على خصوصيتها الطبيعية . وقلة أيضا هم الذين يعون ان صناعة العطور تترك أثرا مدمرا للبيئة , فبعض العطور يتألف من مواد كيميائية قد تكون مسرطنة او مثبطة للجهاز العصبي , ويحرم القانون دفنها في الأرض بجانب بيتك ولكنه لا يفعل شيئا اذا جاءتك في زجاجة ملفوفة بورق السيلوفان كزجاجة عطر . ومن إضافات الكتاب أيضا تحليله للعلاقة بين الانسان والطبيعة , حيث نظر الانسان الى الطبيعة كأنها جزء من حديقة بيته يرتبها كما يشاء غير عابئ بالتوازن البيئي . وبالطبع يمر الكاتب بتوازن على القضايا البيئية الأخرى كالاحتباس الحراري وثقب الأزون , ويعرج على البيئة ومستقبل الكون , فيستعرض الجهود البشرية لتخفيض التلوث وحماية البيئة واستخراج طاقة بديلة تكون صديقة للبيئة . كل ذلك في سلاسة ولغة جملة آسرة , تأخذك من يدك حتى تكمل قراءة الكتاب . هو كتاب لكل الأعمار . ولقد كان من الحكمة توزيعه مجانا مع جريدة يومية , ولعل من الحكمة أيضا إعادة طباعته من جديد .
وائل السواح جريدة بلدنا عدد 26/1/2010



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن