هل يشكل اليسار الشيوعي حالة تغييرية في لبنان؟

فؤاد سلامة
drfsalameh@gmail.com

2022 / 7 / 26

أن يقول المرء إنه لم يعد هناك داع للكثير من الجدال حول الشيوعية ودورها في لبنان فليس بسبب التعالي على النقاش، وإنما لأن الموضوع لم يعد راهناً ولا مفيداً للنقاش في لبنان. فالشيوعية لم تعد تمثل شيئاً اليوم كحالة تغييرية في المجتمعات المتقدمة، رغم أنه في لبنان لا زال الحزب الشيوعي أكبر المجموعات التغييرية من دون أن يكون الحزب التغييري الفعال والقادر على لعب دور مهم. السبب هو أن الحزب الشيوعي لم يستطع أن يتكيف مع الواقع اللبناني وخسر فرصاً كبيرة سنحت في الماضي لكي يصبح أهم حزب تغييري في لبنان.

لا ننسى كيف أن حزباً كاليسار الديمقراطي امتص أثناء انتفاضة ١٤ آذار ٢٠٠٥ كل ما كان تبقى من حيوية في الحزب الشيوعي، إضافة لاجتذاب الكثير من كوادر الحزب الشيوعي، الذي أخذ موقف المتفرج من تلك الانتفاضة.
إختفاء اليسار الديمقراطي عن الساحة بعد اغتيال أمينه العام سمير قصير يفسر لماذا صمد الحزب الشيوعي بعد غياب منافسه، بل واستعاد شيئاً من حيويته المفقودة مع انتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩ التي لم يبق الحزب خارجها منذ البداية مستفيداً من دروس انتفاضة ١٤ آذار.

في جنوب لبنان استمر الحزب الشيوعي بعد وضع حد لدوره في المقاومة الوطنية على وتيرة منخفضة من النمو والتراجع. حركة تخمد وتعود لتقوى في مناسبات معينة، مستفيداً من تراثه المقاوم رغم فقده للعديد من أعضائه ومناصريه في بلدات الجنوب التي انتقل يسارها في وقت سابق نحو الحركة الشعبية بقيادة النائب السابق حبيب صادق. ونذكر هنا أن تلك الحركة انتهت نفس نهاية اليسار الديمقراطي رغم لعب قائدها دوراً مهماً في انتفاضة ١٤ آذار من خلال المنبر الديمقراطي.

في انتخابات ١٥ أيار ٢٠٢٢، إتفق التغييريون على خوض معركة انتخابات نيابية مشتركة بكل أطيافهم في جنوب لبنان.
بعد مؤتمرهم الأخير اتخذ الشيوعيون اللبنانيون قراراً بخوض معركة مشتركة في جنوب لبنان وتذليل كل العقبات التي تحول دون ذلك رافضين تكرار تجارب الفشل الناتجة عن تفردهم في خوض الانتخابات السابقة تحت يافطة اليسار. سمح ذلك الموقف والقرار بأن يلعب الحزب الشيوعي دور قاطرة لقوى التغيير في معقل الثنائي الشيعي.

هل ما سبق يعني أن الشيوعية تصلح كفكر ومنهج تغييري اليوم في لبنان؟
ما يجمع التغييريين اليوم مع الشيوعيين هو شعار مواجهة المنظومة الحاكمة المسؤولة عن الانهيار وإفلاس البلد وليس أجندة الشيوعيين الخاصة بهم ولا أفكارهم السياسية أو برامجهم الاقتصادية.
الشيوعيون هم القوة المعارضة المنظمة الرئيسية في لبنان اليوم من خارج النظام والسلطة ولذلك فكل تحالف للمعارضة لا يكتمل من دونهم. تماماً كالكتائب التي أصبحت منذ سنوات خارج السلطة وإن لم تكتمل قطيعتها مع النظام القائم.

ما لا يمكن الاتفاق مع الشيوعيين حوله هو:
١ مقولة الممانعة التي يمكن اختصارها بالعداء للغرب والأمبريالية الأمريكية.
لا خلاف على العداء مع الصهيونية وإسرائيل. الخلاف هو على توصيف الأمبريالية وعلى العداء للغرب وعلى رؤية الشيوعيين للصراع والتحالفات ومفهومهم للديمقراطية.
٢ مقولة الصراع الطبقي وأولوية التغيير الاقتصادي. لا خلاف على مفهوم صراع الطبقات، ولكن على مضمون ذلك المفهوم، فالشيوعيون يعطون الأولوية للصراع الطبقي: عمال وفلاحون وو.. ضد برجوازية رأسمالية. بينما الاولوية اليوم لقيام دولة وطنية مدنية ديمقراطية حديثة وعادلة بغض النظرعن باقي التفاصيل.
٣ إسقاط النظام الطائفي: لا يكفي اليوم تكرار شعار غامض ومطاط ومتقادم، بل ينبغي اعتماد شعار واضح مثل تطبيق قانون الإثراء غير المشروع على أعلى المستويات، ورفع الحصانات عن المسؤولين فيما يخص المحاسبة والمساءلة عن التقصير والإهمال، وتبني هدف ينال أوسع تأييد من قوى التغيير وهو تداول السلطة ضمن نظام ديمقراطي برلماني لا طائفي بالتعريف الدستوري.

الشيوعية كأيديولوجيا هي بالطبع غير الماركسية كما يعرف الجميع. هي بالتحديد أيديولوجيا سلطة الحزب الواحد التي حكمت الاتحاد السوڤياتي بالقبضة الحديدية والمسؤولة عن عدة مجازر عبر التاريخ، مجازر ستالين ضد شعبه وضد شعوب أخرى، ومجازر ماوتسي تونغ ضد شعبه وبالأخص إبان الثورة الثقافية، ومجازر بول بوت ضد الشعب الكمبودي.. عدا عن جرائم أقل اتساعاً ارتكبت وترتكب في العديد من البلدان التي حكمتها أحزاب شيوعية.

هل الشيوعية بريئة من تلك الجرائم وهل شيوعيو اليوم هم غير شيوعيي الأمس المؤيدين لستالين وماو وكاسترو وأنظمتهم الدكتاتورية؟
ماذا يمنع الشيوعيين من قول رأيهم بوضوح والتخلي عن تاريخ الحركة الشيوعية الحافل بالجرائم في الدول التي حكمتها أحزاب شيوعية، من دون التخلي بالطبع عن نضالات اليساريين لتحسين أوضاع الطبقات الشعبية عبر العالم ونضالاتهم ضمن حركات المقاومة.
بما أن الشيوعية تحمل وزر آثام كبيرة ووزر دعم الدكتاتوريات "الوطنية" التي عممت الخراب في البلدان العربية فسيكون من الأفضل التخلي عن كل تسمية تنتسب لذلك الماضي الدموي، وهذا ما تجرأت على فعله منظمة العمل الشيوعي في لبنان التي حولت اسمها إلى منظمة العمل اليساري…

لا مصلحة البتة لليساريين اليوم بالانتساب إلى الشيوعية بسبب انتهاء صلاحية الأيديولوجيات الشمولية، ولتعارض مفاهيم وأساليب عمل الأحزاب الشيوعية مع مفاهيم وتطلعات العصر حيث تسود أفكار الديمقراطية والحرية والتشاركية واللامركزية.
الشيوعية أيديولوجيا ماتت ولم تعد تلهم حركات التحرر والتغيير.
هذا لا يعني أنه لا دور للشيوعيين في لبنان اليوم، بل أن دورهم مفيد ومطلوب طالما هم يساهمون في دفع قوى التغيير لتمتين أواصر التعاون ولا يضعون العقبات أمام تشكيل جبهة موحدة للمعارضة، وطالما يقبلون بدور غير بارز جداً في قيادة أي تحالف وطني وديمقراطي.

PS:
الحزب الشيوعي الفرنسي من ٢٠٪ في الانتخابات الفرنسية في أواخر ستينات القرن المنصرم إلى ١٪ حاضراً.. اليسار الفرنسي انتقل إلى حزب ميلانشون الذي لا ينتسب للشيوعية واستعاد ال٢٠٪ التي كان يحصل عليها الشيوعيون في الماضي البعيد.
العبرة: الانتساب للأيديولوجيا الشيوعية هو ضمانة للتراجع التدريجي وصولاً إلى الاضمحلال..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن