رأي الإسلام في الكتاب المقدس العبري

جدو جبريل
jadoujibril2021@gmail.com

2022 / 7 / 21

نظرة غير إسلامية

غالبا ما يرى غير المسلمين، أن الإسلام حركة سياسية دينية ، مبنية بالكامل – بالأساس - على كتاب مقدس - القرآن - كتاب له أهمية قصوى محورية وجوهرية بالنسبة للمؤمنين. إنه مصدر كل شيء، مصدر العقيدة والعبادات والمعاملات، وأساس كل الطقوس ، ومنبع القانون الشرعي ، والسلطة العليا الواجب الرجوع إليها في حالة الخلاف . كما يرى المسلم من خلال القرآن تاريخ العالم ومستقبله ومآله. وارتكازا عليه تمت بلورة قواعد السلوك والفكر وكذلك المبادئ والقواعد النحوية والبلاغة.
في القرآن ، يُشار إلى الكتاب المقدس العبري بطريقتين مختلفتين: الكتاب ، التوراة. لا تحدد التوراة أسفار موسى الخمسة فقط ولكن أيضًا باقي الكتاب المقدس العبري (1) ومصادر ما بعد الكتاب المقدس مثل التلمود(2) والمدراش(3).
--------------------------------------------------------
(1) "الكتاب العبري" يطلق علي مجموعة الأسفار المكتوبة بالعبرية والآرامية ، والتي قبلها اليهود كنصوص مقدسة. ويسمى أيضا "التناخ" . و"التناخ" بالعبرية هو اختصار (ت - ن -خ) ويشير إلى (ت) أي "توراة"- و(ن) أي "نبيئيم" الأنبياء – (خ) أي "كتوبيم" الكتب ) وهي التي تمثل الكتاب المقدس اليهودي، وهو أكثر أسماء الكتاب المقدس العبري شيوعاً في الأوساط العلمية. ويسمى كذلك "مِقرا".
(2) التَّلْمُودُ هو النص المركزي لليهودية الحاخامية والمصدر الأوّل للشريعة الدينية اليهودية (الهلاخة) واللاهوت اليهودي. قبل حلول الحداثة، كان التلمود هو الكتاب المحوري للحياة الثقافية في كل المجتمعات اليهودية، وكان مؤسّسًا "لكل الفكر والأمل اليهودي، وهاديًا في الحياة اليومية" لليهود. ويشير مصطلح "التلمود" إلى مجموعة من الكتابات تسمّى "التلمود البابلي"، ولكن هناك مجموعة أقدم منها كانت تعرف باسم "التلمود المقدسي أو الأورشليمي". والتلمود مكوّن من: "المشناة" (كُتبت نحو عام 200 للميلاد)، وهي خلاصة للتوراة الشفهية عند اليهودية الحاخامية، و"الجمارة" (كُتبت نحو عام 500 للميلاد)، وهي توضيح للمشناة وتناقش مواضيع أخرى وتفسّر الكتاب العبري تفسيرًا واسعًا.
(3) "المدراش" هي مجموعة من التعليقات القديمة على كل أجزاء "التناخ" بتنظيم وتقسيم مختلفين من مجموعة إلى أخرى فكل جزء من كتاب في المدراش يمكن أن يكون قصيرا جدا وبعضه يصل في القصر إلى كلمات قليلة أو جملة واحدة ويوجد بعض من اجزاء من "المدراش" في التلمود.
----------------------------------------------------------
إذا كان انعكاس الكتاب المقدس العبري في القرآن جزئيًا تمامًا ، فإنه يتضمن مع ذلك العديد من الإشارات ويذكر عددًا من القصص والشخصيات التوراتية. والكتاب المقدس العبري مهم أيضًا للإسلام لأن علماء القرآن يفسرون العديد من مقاطعه على أنها نبوءات عن مجيء محمد وانتصار الإسلام. علاوة على ذلك، يشكك العديد من المعلقين المسلمين في سلامة نصوص الكتاب المقدس العبري في نسختها المسيحية واليهودية والتي كان من الممكن تزويرها – وهذا اعتبارا، في نظرهم، أن الوحي يجب أن يحتوي فقط على كلام الله لا غير.
إن "التناخ" ذات أهمية خاصة للإسلام لأن مساهمتها ، خاصة غير المباشرة ، حاسمة. ويعتبرها الإسلام من النصوص المقدسة التي أنزلها الله قبل القرآن، كما هي من الشواهد على "إثبات" صحته –أي القرآن.

نادرًا ما يقتبس القرآن آيات كتابية حرفيا من الكتاب المقدس العبري ولكنه يعطي صيغا منقحة أو مُعلَّق عليها، علما أن القرآن اهتم بمضمون ما أخذه منه وليس بصياغته. يبدو الأمر كما لو كان من المفترض أن يعرف المتلقي قصة الكتاب المقدس التي نقلها التقليد الشفهي الشعبي. وفي القرآن تتداخل العديد من عناصر "ما بعد الكتاب المقدس" - بما في ذلك العديد من "المدراشيم" (جمع مدراش) - مع الروايات التوراتية كما لو كانت جزءًا من الكتاب المقدس العبري ، في حين أن العديد من عناصر هذا الأخير ليست كذلك. وسيتم سد هذه الفجوات بعد ذلك بفضل الأدبيات التفسيرية ومجموعات الأحاديث وخاصة قصص الأنبياء لابن كثير (4) التي تعطي صورة أكثر ثراءً للكتاب المقدس العبري.
---------------------------------------------
(4) قصص الأنبياء للحافظ ابن كثير : كتاب موسوعي ومرتب في ذكر أخبار الأنبياء، عمل على جمع الآيات المتعلقة بقصة كل نبي في باب واحد، والربط بينها من خلال تفسيرها وذكر الأحاديث والآثار المتعلقة بها.
---------------------------------------------------------------

وفقًا للقرآن والسردية الإسلامية، كان آدم مسلمًا، أي خاضعا لله، وكذلك الأمر بالنسبة لإبراهيم وجميع الأنبياء. ويؤكد حديث نبوي مشهور أن كل مولود جديد يولد ميالًا للخضوع لله، أي يولد مسلمًا ، وأن والديه هما اللذين يجعلانه يهوديًا أو نصرانيًا أو مزديًا أو مجوسيا أو غير ذلك (5).
---------------------------------------
(5) جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي محمد قال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"" (...) فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. وطبعا لم يرد في الحديث "أو يسلمانه" لأنه يولد مسلماً. وهذا كما لو أن ليس هناك من يخضع لله إلا أمة محمد.
-------------------------------------------------

هناك العديد من الذكريات لشخصيات العهد القديم، مثل آدم ونوح ولوط ويعقوب ... وقصص مثل قصص دفن هابيل على يد أخيه قابيل ، وقصة إبراهيم ، محارب الأيقونات والأصنام ، الذي نجا من لهيب النيران ، وقصص عن رفض يوسف لرغبات زوجة سيده "فوطيفار"، أو سرد حياة موسى ، أحد الشخصيات المركزية في القرآن.
كما حوى القرآن مفاهيم كتابية مثل جنة (عدن) أو القيامة وغيرها. تأخذ أخلاق القرآن ، من جهتها ، بيانات الوصايا العشر مع توسع أكثر في بعضها.
بالإضافة إلى المصطلحين الكتاب والتوراة 2 ، استخدم النص القرآني مصطلح "الزبور" - وهي تسمية قرآنية لـ "المزامير" (6) - والتي تشير إلى كتاب مقدس أنزل بشكل مستقل على داود. كما يذكر القرآن بشكل غامض عبارة الصحف والكتب، (أو صحف) إبراهيم وموسى أو ببساطة الأسفار الأولى دون معرفة أي كتابات هي بالضبط. تتحدث الكتابات القرآنية أيضًا عن أهل الكتاب، لتعيين اليهود والمسيحيين (النصارى).
--------------------------------------------------
(6) الكتاب المقدس - العهد القديم - سفر المزامير، معظم المزامير أُوحى بها إلى داود الراعي والجندي، الملك والنبي؛ وقد نظم داود خدمة التسبيح في "المقدسة" (الخيمة المقدسة). 73مزمورًا فقط من 150 مزمورًا هي التي تنسب صراحة إلى داود. ويرى كثير من العلماء أن سفر المزامير قد أخذ شكله النهائي على يد القائمين على الهيكل الثاني، لكن معظمها تعكس العبادة الرسمية لعصر ما قبل السبي.
----------------------------------------------------------------

محمد والمسيح في الكتاب المقدس العبري
إعلان مجيء محمد.
وفقًا للسردية الإسلامية ، تنبأت آيات عديدة من الكتاب المقدس العبري بقدوم النبي محمد وانتصار الإسلام. وهي ذاتها ، على سبيل المثال ، مقاطع من الكتاب المقدس حيث يرى فيها المفسرون اليهود أو المسيحيون استحضارًا لمجيء المسيح ، كما هو الحال في آية من "سفر إشعياء 9" تذكر طفلًا مولودًا (...) علامة سيادته في كتفه (7) ، ونظر علماء المسلمين فيها "خاتم" النبوءة الذي يظهر ، وفقًا للاعتقاد الإسلامي ، على كتف محمد بالضبط (8).
------------------------------------------------------------
(7) سفر إشعياء 9
(( 6 لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7 لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا.))
(8) خاتم النبوة هو من علامات ودلائل نبوّة محمد، وهو عبارة عن غُدّة حمراء مثل بيضة الحمامة، فيها شعرات مجتمعات كانت بين كتفي النبي محمد ناحية كتفه الأيسر. بل ذهب البعض إلى القول في وصفها أمها كانت كأثر محجم، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها "محمد رسول الله" أو "سر فأنت المنصور" أو نحو ذلك، إلا أنه لم يثبت منها شيء.
----------------------------------------------------------------------------------

إن السردية الإسلامية فسرت ما ورد ) "سفر إشعياء 9" على أن إعلان مسبق لمجيء النبي محمد الحامل بكتفه خاتم النبوءة ، فكيف فسره المسيحيون ؟ كادت التفاسير تجمع على ما يلي :
تكلم إشعياء عن ولادة المسيح، وعبارة "يولد لنا ولد" في العبرية تعني يولد بيننا ولأجلنا. "الرياسة علي كتفه" أي أن المسيح بصليبه الذي حمله علي كتفه ملك علي قلوب كل من آمنوا به.

في الإسلام ، يُنسب مصطلح المسيح (المسيح) حصريًا إلى عيسى (يسوع الناصري) - وكذلك إلى شخصية شيطانية تنذر بنهاية الأزمنة على شكل "مسيح الدجال" وفقًا للإسلام 14 - ولكن لا ذكر لفكرة المنقذ، والتي كانت موجودة سابقًا بين المسيحيين العرب ، كما في الآرامية أو السريانية.
فبالنسبة للطبري، فإن المسيح عيسى هو "الذي تطهر من عيوب الإنسان وضعفه". يقتبس أبو عبد الله القرطبي 23 رأيًا بخصوص أصل كلمة المسيح في التذكرة ، وقد أرسلها آخرون إلى خمسين رأيًا .
ومع ذلك ، فإن العديد من السرديات الإسلامية تضفي على "محمد" بُعدًا "مسيانيًا"( نسبة للمسيح - messianic ) معينًا. وهكذا فإن "إنجيل برنابا" (9) - the Gospel of Barnabas - وهي مخطوطة ألفها مسلم إسباني في القرن السادس عشر باللغة الإيطالية - احتفظ بلقب المسيح لمحمد وحده وجعل "الموريسكيون" من نبي الإسلام المسيح العالمي بينما كان عيسى فقط مسيح بني إسرائيل. وبالمثل ، تعتبر الطائفة الأحمدية أن "ميرزا غلام أحمد" هو المسيح والمهدي ، ولكن هذا أيضًا نهج هامشي جدا في العالم الإسلامي.
-----------------------------------------------
(9) "إنجيل برنابا" مؤلف مجهول، يصف حياة يسوع الناصري. ويرجع تاريخ أقدم مخطوطتين ، باللغتين الإيطالية والإسبانية ، إلى نهاية القرن السادس عشر ، ولكن من النص الإسباني لم يتبق منه سوى نسخة من القرن الثامن عشر. تتكون المخطوطة الإيطالية من 222 فصلاً ، يصف معظمها خدمة يسوع. من عدة نواحٍ ، لا سيما الإعلان الصريح عن مجيء محمد ، يتوافق مع الفكرة السائدة لدى المسلمين عن العهد الجديد. يعتبر الباحثون عمومًا هذا الإنجيل 1 "احتيالًا تقويًا" – أي لنصرة عقيدة - ومتأخرًا وكاذبًا. والكثير من المسلمون لا يعتبرونها أكثر أو أقل أصالة من الأناجيل الأخرى ، وتستشهد بها بعض المنظمات الإسلامية لدعم المفهوم الإسلامي عن يسوع .
لقد أثبت "جاك جوميي" - Jacques Jomier - أنه من عمل أحد المزورين أو راهب مغاربي اعتنق الإسلام ، ووفقًا لـ "هنري كوربين" - Henri Corbin - كان لديه معرفة كبيرة باللاهوت اليهودي والمسيحي والإسلامي. إن "إنجيل برنابا" ، يمكن أن يكون تذكيرًا بتأثير "الإبيونيين"- ébionite ، وطور موضوع الوجود المسبق لمحمد الذي سيكون رائجًا أولاً بين الصوفيين ذوي النزعة الفلسفية الغنوصية قبل اختراق الدوائر الأكثر أرثوذكسية . للمزيد راجع :
Geneviève Gobillot, articles « Évangiles et Pacte prééternel » , in Mohammed Ali Amir-Moezzi (-dir-.), Dictionaire du Coran, éd. Robert Laffont, 2007, pp. 290-291 et 628
----------------------------------------------------------


ترجمة عربية للكتاب المقدس العبري
إذا كانت بعض مراجع السردية الإسلامية يقر أن هناك حججا أدبية على وجود ترجمات عربية للكتاب المقدس العبري تعود إلى القرن التاسع الميلادي ، إلا أن وجود الأدلة غير مؤكد بالمرة. فأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (10) اقتبس مقاطع من سفر التكوين وعرضها بالعربية. ووفقًا لابن النديم (11) ، فإن المؤرخ أحمد بن عبد الله بن سلام قد ترجم الكتاب المقدس العبري بأكمله إلى العربية، ولكن ضاع عمله ولم يبق منه شيء. كما أن كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل " لابن حزم الأندلسي (12) يتضمن مقتطفات عديدة من النص العبري.
----------------------------------------------------------------
(10) يُعرَف بابن قتيبة (213 هـ /828 م - 276 هـ / 888 م) ، وهو أحد أعلام القرن الثالث الهجريّ / التاسع الميلادي، عالم، وفقيه، وناقد، وأديب لغويّ عباسي له العديد من المصنفات أشهرها عيون الأخبار، وأدب الكاتب وغيرها. وكان يعد خطيب أهل السنة والجماعة. فقد سخر قلمه، لإعلاء منزلة السنّة، وتفنيد الحجج التي ظهر بها خصومها.
(11) ابن النديم محمد بن إسحاق ( متوفى في 994 م أو 995 م أو 998 م) مؤرخ وكاتب سيرة ومصنف وجامع فهارس ولد في بغداد . وهو صاحب الكتاب المعروف كتاب الفهرست. الذي نشره عام 938م والذي قال عنه في مقدمته أنه جامع لكل ما صدر من الكتب العربية وغير العربية. كان ابن النديم أول المصنفين في العالم الإسلامي حيث لم يكن قبله الا كتب تصنف الشعر والشعراء تسمى "الطبقات". و أول من استعمل كلمة "الفهرست" الفارسية ونقلها إلى العربية. و"الفهرست" كتاب جمع فيه كل ما صدر من الكتب والمقالات العربية في زمنه وكتب الأديان والفقه والقانون وعن مشاهير الملوك والشعراء والعلماء والمفكرين. وصرح أنه كان يعمل في تأليفه عام 377هـ وتوفي عام 385هـ وترك فيه بياضات كثيرة، أتمها الوزير المغربي عام (418هـ) إلا أن تتمة الوزير لم تصلنا . في الواقع، إن "الفهرست" يعتبر حصيلة الثقافة العربية في عصره. وقد أحصى ابن النديم 8360 كتابًا لـ 2238 مؤلفًا، منهم 22 امرأة و65 مترجمًا. ومن المجالات التي اهتم بها "الفهرست"، اللغات والكتب المقدسة وعلوم القرآن و الاعتقادات.
(12) ابن حزم الأندلسي القرطبي (384 هـ / 994م - 456 هـ / 1064م)، يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري. "الفصل في الملل والأهواء والنِحل" هو كتاب في دراسة الأديان والفرق والمقارنة بينها، والعقائد غير الإسلامية ، وآراء الفرق الإسلامية ومذاهبها كالمعتزلة والجهمية والقدرية والشيعة وغيرها. وتميز هذا الكتاب بجرأة تامة في النقد وحصافة في الفكر ومناقشة أفكار الفرق ونقضها. وقد مكث ابن حزم في تأليفه مدة تصل إلى عشرين عاماً.
------------------------------------------------------------------------------------


تُنسب الإصدارات – المتعلقة الكتاب المقدس العبري غير المكتملة - إلى عالم اللاهوت النسطوري "حنين بن إسحاق" (13) في القرن التاسع الميلادي و "يافيت بن علي"- Yaphet ben Ali - من القرن العاشر ( المتوفى في 101 م). لكن الترجمة الأكثر اكتمالاً إلى العربية ، المصحوبة بتعليقات ، أنتجها عالم يهودي في القرن العاشر الميلادي ، "سعدية غاوون" (14) ، إلا أنه من غير المعروف ما إذا كان المسلمون كانوا على علم بهذه الترجمات أم لا وهل اطلعوا عليها ؟.
--------------------------------------------------------
(13) حنين بن إسحاق من مواليد الحيرة ج. عام 808 هـ 1405 م وتوفي في بغداد عام 873 هـ 1468 م ، كان طبيبًا ومترجمًا ومعلمًا عربيًا من بغداد ، من الديانة النسطورية المسيحية ، خدم تسعة خلفاء. معروف في الغرب تحت الاسم اللاتيني "يوهانيتيوس" – Johannitius - والعربية لغته الأم ، ولُقّب "سيد المترجمين". حوالي عام 830 هـ 1426 م ، كان المشرف على مترجمي "بيت الحكمة" للخليفة المأمون. ثم شارك على وجه الخصوص في مجادلات العلماء التي نظمها الخليفة الواثق (842هـ - 847 هـ). ظل معروفا بأخلاقه كطبيب. وكان الخليفة جعفر المتوكل قد طلب ، منه مقابل مبلغ كبير من المال، لتحضير له السم حتى يتمكن من التخلص من أحد أعدائه. وكان رده أن معارفه وعلمه يتعلقان بما هو مفيدة فقط ، وأناه لم يدرس غير هذا أي. وهناك أمران يمنعانه من تحضير السم القاتل: دينه ومهنته. واعتبر الخليفة ذلك استفزازاً ، فسجنه وهدده بالإعدام إذا استمر في رفض الانصياع للأمر. لكنه ظل على موقفه ، فطلق الخليفة سراحه وكافأه بمبلغ كبير من المال مقابل نزاهته الأخلاقية والمهنية. يُنسب إليه حوالي مائة مؤلف ، بلغنا نصفها ، بشكل عام في المخطوطات ، نظرًا لأن القليل جدًا منها تم طبعه. والكثير منها كتب باللغة السريانية ، ولكن تم حفظ كل شيء تقريبًا باللغة العربية فقط. ووصلنا رده على العالم المسلم "ابن المنجم" الذي كتب نصًا بعنوان الدليل "البهران" حيث ادعى أنه يثبت بالمنطق حقيقة نبوة محمد.
(14) سعيد بن يوسف أبو يعقوب الفيومي المشهور بـ "سَعْدِيا غاؤون - Saadia Gaon - (268 هـ / 882 م - 330هـ / 942م ) حاخام وفيلسوف يهودي مصري. تأثر بالمدرسة الكلامية ومذهب المعتزلة. ودافع عن شرعية النبوة ووحدانية الله، كما رفض الإيمان بالسحرة والمنجمين. وهو أول شخصية عبرية مهمة تكتب على نطاق واسع بالعربية.
---------------------------------------------------------------------------


سلامة النصوص وتحريفها
يجب اعتبار القرآن كنسخة مكتوبة من الوحي (كلام الله – ويضيف بعض العلماء المسلمين "الحرفي" - verbatim) والذي يقر بأن الله فريد ؛ ليس لديه رفيق ولا شريك ولا منافس ، فهو واحد. وهكذا ، في هذا المنظور التوحيدي الصارم ، يفهم المسلمون القرآن على أنه "الوحي النهائي" – الوحي الأخير المنزل – الذي جاء ليصحح التحريفات اليهودية والمسيحية التي طالت الوحي الأصلي الأول المتعلق بآدم . وعلى الرغم من أنه – أي القرآن - يستعير العديد من المراجع من النصوص اليهودية ، إلا أن الإسلام ينازع منذ نشأته سلامة الكتاب المقدس العبري. ويلوم القرآن اليهود بشده، إذ يعتبر أنهم حوفوا (15)) كتابهم وعدلوا – أي بدلوا (16) بعض المقاطع التي تعلن عن مجيء نبي الإسلام.
---------------------------------------------------------------
(15) سورة المائدة (5) الآية 13 : (( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)).
(16) سورة الأعراف – الآية 162 : ((فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ )).
---------------------------------------------------------------

من المعروف القرآن مكي ( "نزل" بمكة) ومدني ( نزل بالمدينة). هناك مرحلتان، واحدة تحمل الكثير من اللهجات والصيغ الكتابية، وهي المقابلة لفترة مكة (612 م- 622 م)، والأخرى المقابلة لفترة المدينة (622 م-632م) والتي خلالها حدثت القطيعة بين المسلمين و كل من المسيحيين واليهود 25. ولا تشير الآيات التي تثير الفساد والتبديل والتحريف مباشرة وصراحةً أبدًا إلى أن نص التوراة (أو الإنجيل) مزور، بل إنها تتوافق أكثر مع تأكيد صحة التوراة والإنجيل. إن التفسيرات هي التي أكدت على ذلك، ورغم هذا ظل الغموض قائما، وظلت الصيغ عامة ومبهمة إذ لم يتم تعيين بالضبط أين وقع الفساد والتحريف والتبديل.
يؤكد "كريستوف لوكسنبرغ" (17) ، من جانبه ، أن القرآن ( "المصحف القانوني" ) ، يختار النصوص اليهودية-المسيحية ، رافضًا بعض المخطوطات - scrolls - على أنها مزورة بيد كتبة. كما يريد أن يقرر بين القراءات المختلفة للنصوص باللغتين الآرامية والعبرية مما أفضى إلى تشويه معنى الآيات أثناء قراءتها.
------------------------------------------------------
(17) "كريستوف لوكسنبرغ" - Christoph Luxenberg - هو الاسم المستعار لمؤلف كتاب "القراءة السريانية الآرامية للقرآن: مساهمة في فك شفرة لغة القرآن" (الطبعة الألمانية 2000 ، الترجمة الإنجليزية 2007). أكد كتابه هذا، أن لغة المؤلفات المبكرة للقرآن لم تكن عربية حصرية ، كما افترض المعلقون الكلاسيكيون ، بل كانت متجذرة في اللغة السريانية من قبيلة قريش المكية في القرن السابع الميلادي الذي ارتبط في العصور القديمة بتأسيس دين الإسلام . تقول فرضية "لوكسنبرغ" إن اللغة السريانية التي كانت سائدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط خلال الفترة المبكرة للإسلام ، كانت لغة الثقافة، والمسيحية (الليتورجيا) ، كان لها تأثير عميق على التكوين الكتابي ومعنى محتويات القرآن.
-------------------------------------------------------------------------------------
في الواقع ، في وقت كتابة "الماسوريين" (18) الكتاب المقدس العبري ، وحدوا مجموعة النصوص في الكلمات والجمل ، وفرضوا تلاوة معيارية تخالف التلاوة المرتبطة بما استقاه القرآن من الكتاب المقدس العبري. على أية حال ، بالنسبة للقرآن ، فإن اليهود يغيرون معنى الكلمات المنزلة، وقد نسوا جزءًا مما أنزل لهم والذي يذكره القرآن جزئيًا ، بينما نسي المسيحيون أيضًا جزءًا مما تم تذكيرهم به. فتقول الآية 15 من سورة المائدة:
((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ )).
--------------------------------------------------------------
(18) الماسوريون" أو "الماسوريت" - The Masoretes - هم الذين حافظوا على "الماسوراه" – " hamassora أو Massorah " بالعبرية - إنهم "سادة التقاليد" - , "masters of the tradition" - تقليد النقل الأمين للشكل النصي للكتاب المقدس العبري ، بالإضافة إلى الفروق الدقيقة في النطق ، في الوقت الذي أصبحت فيه اللغات التي كُتب بها الكتاب المقدس لغات ميتة منذ زمن طويل. تشكل "الماسوراه" قوائم ومخطوطات "الماسوريت". وقد أعطت العديد من المدارس نسخًا مختلفة منها ، ولكن في القرن التاسع الميلادي أصبح نظام "أهارون بن آشر" من "طبريا" هو المعيار.
"المسورة" – Massorah - هي عملية تقنية ، تتكون من نظام من الملاحظات النقدية على الشكل الخارجي للنص التوراتي ، بهدف الحفاظ عليها بدقة ، ليس فقط في تهجئة الكلمات ، ولكن أيضًا في نطقها وإبرازها. ويُطلق على نسخة النص المعترف بها - أي أنها موثوقة داخل اليهودية- اسم النص "الماسوري". كما أنها تستخدم على نطاق واسع كأساس لترجمة العهد القديم للأناجيل البروتستانتية وبعد ذلك الكاثوليكية.
----------------------------------------------------------------------------


يستنتج "كريستوف لوكسنبرغ"، أن حجة تزوير الكتاب المقدس سبقت النص القرآني، ومن الممكن أن يكون محمد قد استعارها من المسيحيين الذين سبق لهم استخدامها ضد اليهود كما يتضح من الشجار بين "اليعاقبة" و"النساطرة" (19) حول هذا الموضوع. وتنسب السردية الإسلامي التقليدية هذه التعديلات أساسًا إلى "عزير" ، وهو شخصية غامضة في القرآن ، والذي يتعرف عليه العديد من المؤلفين المسلمين على أنه "عزرا الكاتب" - Ezra the Scribe - المذكور في الكتاب المقدس (20) ، والذي يظن الذي قام بمحو كل الشهادات المتعلقة بقدوم محمد ونبوءته ، وأوصافه و وصفاته وانتصار الدين الجديد الذي سيدعو إليه البشرية.
------------------------------------------------------------------
(19) يعاقبة أو يعقوبية - نسبه للمطران السرياني يعقوب البرادعى - أصحاب المذهب القائل إن المسيح هو الرب ذو طبيعة واحدة من جوهرين، واحد الهي (لاهوت) و الثاني إنساني (ناسوت) ، لكن متحدين. و كان يعقوب البرادعي، الذي عاش في القرن السادس الميلادي من اكثر الأساقفة نشاطا في الدفاع عن مذهب الطبيعة الواحدة. وكانوا منتشرين في مصر والنوبة والحبشة.
النسطورية نسبة إلى نسطور بطريرك القسطنطينية ، الذي عارض تعليم مجمع أفسس (سنة 431 م) حول لاهوت أمومة العذراء مريم، واستنكر تلقيبها بـ"أم الله" وفضل دعوتها بـ "أم المسيح". وكانت منتشرة في الموصل والعراق وفارس.
فاليعاقبة كانوا يرون أن المسيح هو الله، وأن الله والإنسان اتحدا في طبيعة واحدة هي المسيح؛ والنساطرة قالوا: إن للمسيح طبيعتين متميزتين: الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية، وإن اختلفت الطائفتان فيما عدا ذلك من التفاصيل.
(20) "عزرا" (480-440 قبل الميلاد) ، يُدعى أيضًا "عزرا الكاتب" ، ويُطلق على عزرا اسم Esdras عند اليونان. وفقًا للكتاب المقدس العبري ، كان من نسل "شريا" ، آخر رئيس كهنة خدم في الهيكل الأول ، وأحد أقرباء "يشوع" ، رئيس الكهنة الأول في الهيكل الثاني. عاد من المنفى البابلي وأعاد تقديم التوراة إلى القدس.
يرى بعض المؤلفين أنه تشويه لاسم "عزازيل" الذي يتوافق مع كلمة شيطان أو الإله المصري "أوزوريس". مؤرخ الإسلام المبكر "جوردون نيوباي" - Gordon Newby - يقترح التطابق مع شخصية "أخنوخ" (إدريس). راجع "مئير بار آشر" :
Meir Bar-Asher, article ’Uzayr, in in Dictionnaire du Coran, éd. Robert Laffont, 2007, pp.892-894
--------------------------------------------------------------------------------------------
في الإسلام ، يصبح إبراهيم الشخصية الأصلية للمؤمن الموحِّد الخالص ، قبل انحرافات اليهود والمسيحيين الذين لا تعكس كتبهم المقدسة ، بحسب القرآن ، نقاء الرسالة القرآنية. لذلك ، بالنسبة للمسلمين ، لا يمكن اعتبار الكتاب المقدس كتابا أصيلًا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن