الاحتلال البريطاني للهند وشركة الهند الشرقية

حسين محمود التلاوي
hussein.talawy@yahoo.com

2022 / 6 / 26

يعود الوجود البريطاني في الهند إلى القرن السادس عشر؛ وهو الوجود الذي بدأ لأسباب تجارية؛ إذ بدأ الإنجليز في إقامة علاقات تجارية مع المناطق المختلفة في الهند. ولأجل هذا الغرض أسسوا شركة الهند الشرقية لتنظيم عملهم التجاري ومواجهة الهيمنة الهولندية على التجارة الداخلية في شبه القارة الهندية، وكذلك على تجارة تلك المنطقة مع أوروبا.

الراج البريطاني؟
وبعد أن تطور وجود بريطانيا في الهند من خلال شركة الهند الشرقية التي كانت تعد دولة مستقلة لها سلاحها وجيشها وقواعدها العسكرية، بدأ الإنجليز يجعلون وجودهم السياسي في الهند أكثر تنظيمًا ووضوحًا إلى أن وقعت ثورة 1857 ضد الوجود البريطاني في الهند وكانت إنجلترا وقتها تسيطر على ثلثي الهند إما عن طريق شركة الهند الشرقية أو عن طريق تعيين الحكام في المناطق المختلفة؛ فحلت إنجلترا شركة الهند الشرقية في العام نفسه، وأعلنت تبعية الهند السياسية لها، وعينت حاكمًا بريطانيًّا للهند سُمِّيَ "نائب الملك"، وبذلك تأسس ما يعرف بـ"الراج البريطاني"؛ أي الحكم الإنجليزي في الهند.
اشتعلت في الهند العديد من الثورات الرافضة للوجود البريطاني بأشكاله المختلفة سواءً الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، ومن بينها ثورة 1857 المشار إليها سابقًا، وكذلك ثورة 1905 إثر إعلان إنجلترا تقسيم إقليم البنغال قسمين؛ وهو الإقليم الذي كان يبلغ تعداده وقتها نحو 50 مليون نسمة، وكان من نتيجة تلك الثورة أن أعادت إنجلترا وحدة الإقليم بعد ست سنوات. ونالت الهند استقلالها عن بريطانيا في 15 أغسطس 1947.

شركة الهند الشرقية EEC
شركة بريطانية تأسست عام 1600 للتجارة بين بريطانيا والهند في إطار محاولة بريطانيا لتنظيم جهدها التجاري في الهند والأقاليم المحيطة لمواجهة هولندا التي كانت تسيطر تمامًا على التجارة بين تلك الأقاليم وبين أوروبا وبين تلك الأقاليم بعضها ببعض عن طريق شركة الهند الهولندية VOC. ومنذ تأسيس إنجلترا للشركة، سعت إلى تسليح سفنها، وتشييد قواعد خاصة بالوكالات التابعة لها، وأنشأت القاعدة الأولى في إقليم جاوة (بإندونيسيا حاليًّا)؛ حيث أجاز سلطان الإقليم للإنجليز إنشاء وكالة خاصة بهم. وأعقب ذلك تأسيس الشركة للمزيد من الوكالات في سلطنة المغول الهندية وعلى وجه الخصوص في سورات، وماسوليباتنام، المطلة على ساحل كورومانديل جنوب الهند. ونجحت الشركة كذلك في الحصول على حق تشييد حصن وقلعة في مدينة مدراس؛ وهي القلعة التي سوف تتطور فيما بعد إلى مرفأ آمن وقاعدة مهمة للمتاجرة مع جنوب الهند.
وعلى الرغم من أن بريطانيا حصلت على جزيرة بومباي (تغير الاسم بعد ذلك إلى مومباي) الهندية كمهر في زيجة ملكية بين بريطانيا وهولندا وعلى الرغم من أن الكثيرين قللوا من أهمية هذه الجزيرة ومينائها لدرجة أن أطلقوا عليها "الجزيرة الصغيرة البائسة"، فإن هذه الجزيرة وميناءها لعبا دورًا كبيرًا في وجود بريطانيا داخل الهند؛ حيث أصبحت بومباي قاعدة مستديمة لشركة الهند الشرقية فتحت الطريق أمام المزيد من التوسع. وفي المقابل زودت الشركة بومباي بهياكل إدارية ومؤسسات قضائية دعمت سلطان الشركة في تلك الجزيرة.
وفي القرن الثامن عشر، أصبحت شركة الهند الشرقية هي الآمر الناهي في البنغال. ومن ناحية أخرى كانت علاقاتها مع السكان المحليين والتجار الإنجليز العاملين لحسابهم الخاص قد أسهمت بشكل قوي في هامش الربح الذي تحققه الشركة، وكذلك احتكرت الشركة لنفسها حق المتاجرة مع أقاليم جنوب شرق آسيا.

آسام نموذجًا
آسام منطقة تاريخية تقع في الشمال الشرقي من الهند عند نهر البراهمابوترا أحد أهم أنهار الهند، وكذلك أحد أكبر الأنهار في وسط آسيا وجنوبها، ورأينا أن نوضح بعض المعلومات عنها وعن فترات تقدمها لتوضيح الصورة أمام القارئ.

آسام تاريخيًّا
كانت تلك المنطقة في فترات مبكرة للغاية من التاريخ الإنساني جزءًا من دولة كاماروبا، وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن تلك المنطقة عرفت — على الأقل بين القرنين السابع والثاني عشر — نهضة حضارية كبيرة. وبشكل عام تعاقب على حكم آسام العديد من الأسر والسلالات من بينها بالا وكوش وكاشاري وشوتيا؛ وهي السلالات والأسر التي كانت تدخل في حروب طاحنة سويًّا إلى أن جاءت أسرة أهوم التي أسست مملكة تحمل الاسم نفسه في الوادي الشرقي من نهر البراهمابوترا في مطلع القرن الثالث عشر الميلادي. وتعتبر فترة مملكة أهوم من أهم الفترات التي شهدتها آسام؛ حيث استطاعت أسرة أهوم بعد أن سيطرت على المنطقة أن تضفي نوعًا من الوحدة على القبائل المتناحرة. وبمرور الوقت أسست أسرة أهوم مملكتها في القسم الشرقي من وادي البراهمابوترا، وأصبحت تسيطر على الجزء العلوي من آسام، ولم يمر قرنان إلا وكانت قد سيطرت على الجزء السفلي كذلك لتنهض مملكة أهوم في كامل أراضي آسام.
كان نظام الحكومة الذي أقامته الأسرة ملكيًّا وراثيًّا، وقد استلهمت بعض عناصره السياسية من نظم الحكم في بعض الممالك المجاورة بخاصة مملكة التاي في الجنوب الغربي الصيني. وقد أحدثت تلك المملكة تطورًا تنمويًّا واسعًا؛ حيث اهتم الملوك فيها بالتجارة والنقل النهري باعتباره وسيلة الاتصال بين أرجاء المملكة إلى جانب كونه الوسيلة الأكثر فاعلية للتجارة. وبلغت تلك المملكة ذورة عظمتها في عهد الملك "رودرا سينج" الذي حكم بين عامي 1696 و1714. لكن الصراعات بين الأمراء أدت إلى إضعاف المملكة.

التدخل البريطاني
وبحلول عام 1786 بدا الإنجليز في التدخل في المملكة بعد أن طلب مساعدتهم أحد الأمراء ويُدعى "جوريناث سينج"؛ حيث طلب دعمًا من منطقة كلكوتا التي كانت عاصمة الهند البريطانية. أرسلت بريطانيا ضابطًا إنجليزيًّا استعاد الهدوء في المنطقة، ثم سحبته بعد انتهاء مهمته رغم اعتراض الأمير الهندي. بعد ذلك تجددت الاضطرابات في المنطقة، وتسببت في الأزمة تلو الأخرى الأمر الذي استدعى تدخل قوات من ميانمار المجاورة في الشرق بطلب من أحد الأمراء أيضًا وكذلك عام 1817؛ فردت إنجلترا عسكريًّا على ذلك التدخل؛ لأنه كان يهدد الوجود الإنجليزي السياسي والتجاري في المنطقة، واستطاعت أن تطرد القوات القادمة من ميانمار خارج آسام. وبعد العديد من التطورات السياسية والعسكرية أصبحت آسام في سلطة البريطانيين عام 1826 إثر معاهدة ياندابو التي وقعتها بريطانيا مع ميانمار. وبعد ذلك دخل وادي البراهمابوترا كله في سيطرة البريطانيين عام 1842.

لاستكمال الصورة..
والآن آسام إحدى الولايات الهندية من عام 1950، وقد فقدت بعض أراضيها مرتين؛ الأولى لمصلحة باكستان بعد انفصال باكستان عن الهند عام 1947، والثانية لمصلحة مجموعة من الولايات الجديدة التي نشأت في الهند الحديثة خلال الستينيات من القرن العشرين؛ أي بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1947. وعلى الرغم من دخول آسام في الدولة المركزية الهندية، استمرت المنطقة تعاني من الاضطرابات؛ حيث نشأت فيها حركة انفصالية باسم جبهة التحرير المتحدة في آسام شنت العديد من الهجمات ضد المؤسسات الرسمية؛ فشنت الدولة ضدها عمليات عسكرية، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاق سلام مبدئي بين الجانبين عام 2011.

لمزيد من التفاصيل، انظر:
1. مايكل نورث، اكتشاف بحار العالم من العصر الفينيقي إلى الزمن الحاضر، ترجمة: عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 475، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2019، ص 179 - ص 181.
2. سلامة موسى، غاندي والحركة الهندية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012، ص 11).
3. Kirode Kumar Barcoah, David Scott in North-East India, A study in British Paternalism, Munshiram Manoharlal, 1st Edition, 1970, p 112
4. The Rise and Fall of the Roman Empire, Student Handouts, Inc., pp. 2, 18.
5. H.G. Quaritch Wales, Ancient Siamese Government and Administration, London, 1934, p.3
6. Britannica Concise Encyclopedia, Assam
7. Encyclopedia Britannica, Assam



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن