التحليل النفسي في العمل الإبداعي

هدى توفيق
hudausef@gmail.com

2022 / 6 / 18

س: كيف انصهر علم النفس في الرواية ؟ وهل ذاب بأكمله ؟ ولماذا ؟
ج : إن السرد القصصي والروائي بلا شك يعتمد على مدى طرح ورسم أبطال الحكايات ، وما تفرزه هذه الشخصيات من تجليات محورية هامة في نمو وسير المتن السردي بوجه عام سواء القصصي أو الروائي ، وعندما نستخدم مصطلح علم النفس أي بمعنى تحليل الشخصيات داخل الوعاء السردي ، وعن قدرة تفعيل التوجه النفسي والتحليلي للشخصيات دون الإطار العلمي المباشر، وإن كان ضمنيًا يتعلق بنهج ذلك المصطلح ، وهو التحليل النفسي والعلمي لما يقوم به هؤلاء الأشخاص ، ولكنه يصب ويدور في إطار فني وإبداعي خالص ؛ لنشعر بطغيان الملكة الإبداعية عن مدى تفعيل استخدام التحليل السيكولوجي ، أو الميثولوجي ، أو الراديكالي.. إلخ. سواء لشخصية أو ظاهرة أو اعتقاد من خلال تفاعلات الحكي ، ومظاهر سلوكيات هؤلاء الأبطال ؛ الذين استحوذوا على الحس السردي برؤية ثقافية وجغرافية وتاريخية. يتجلى داخل العالم السردي بظهورالأبطال ، ومظاهر هذه الأفعال ، وما تستحضره هذه السلوكيات من أفعال أوحت لنا بغرابة أو تأطيرغير معتاد الحدوث عن باقي الأبطال داخل التناول الإبداعي. مما يطرح تأويلات نفسية أدت لإعتباره يقع تحت نير التحليل النفسي أمام هذا المضمار والسلوك. وهذا ينطبق على اتجاه محدد ، فليست كل القصص والحكايات تؤدي بنا إلى هذا الخطاب السردي ؛ لأن ملكة التحليل النفسي لا بد أن تأتي بأشكال غير مباشرة حتى يذوب الوهج الإبداعي داخل تداعيات عقول ومشاعر وأحاسيس هؤلاء الأبطال الورقية المستوحاه من بيئة جغرافية محددة ، بمصداقية فنية في الأول والأخير، ومن ثم نُطلق عليه عبارة الخطاب المعبرعن استخدام التحليل النفسي ، وتحديد النمط النفسي الذي قدمه العمل الفني ؛ لأنه قام بتفعيل هذا المفهوم النفسي حتى ينصهر داخل العمل الفني بكشف حضوري يتعلق بأمور الفن في الأساس.
لا شك أن المسألة تحتاج إلى موهبة ومهارة ودربة. تتعلق بقدرة التبصر والتأمل والخبرات الحياتية الثاقبة للمبدع. فالجميع لديهم خبرة بالحياة ، ولكن كيف يتم مزج تلك الخبرات الحياتية بالنسيج الفني والسردي ، مع رؤية نافذة داخل عوالم سردية متعددة ومختلفة وحاذقة ؟! هذا هو السؤال الأهم.
أرى وهذا من وجهة نظري بالطبع ؛ أن هذا الفاصل الحاسم لتمرير الطرق المتعددة والمتنوعة ، ليصل المبدع إلى توحد العالم الحكائي داخل مفهوم اصطلاحي معني بتفسير تلك النوازع البشرية المعقدة بكل فضفضة حرة ، واختيار يصدرعن هذا العقل الإنساني. ذلك المكمن المعقد بتداخلات نفسية بحتة ، وعندما نذكر مصطلح علم النفس نعود فورًا لأحد رواد هذا الاتجاه ، كنموذج مثالي وتعبيري شامل في السرد الروائي العالمي ، وهو الكاتب الروسي الشهير ( دوستويفسكي ) . الذي كان رائد هذا الاتجاه بإخلاص. بل وبمثابة الأب الروحي لهذا التوجه النفسي التحليلي ، وقد قام بتأسيس هذا المفهوم العلمي بصياغة إبداعية وملهمة كبيرة لكل من شغف بتحليل تلك النوازع النفسية ، أو حتى فقط لقراءتها ، وخلدت أعماله على مر السنوات. تلك الحكائية القائمة على التحليل النفسي بوحي سردي ، وتحليل واضح ومستكشف لباطن الأمور، وانتزاع الأقوال النفسية ، وتوضيحها داخل حدود المجتمع والواقع الذي كان يعيش فيه أبطال الحكايات ، والمرتبط بالمتعلقات المجتمعية التي دفعت هؤلاء الأشخاص لهذا الفعل أو ذاك كل على حسب مما يلائم الوضعية التاريخية والاجتماعية والثقافية ؛ التي تتخللها تأجج ملكة التخييل ، واستبطان الحس النفسي والشعوري بملكات التخييل الإبداعي الخلاق. الذي يستكشف اللحظات الحرجة والحاسمة في حياة هؤلاء الأبطال الورقية المقرونة مع استدعاءات العطاء الروائي والسردي في ذوبان تحليلات نفسية كاملة. كما ظهرهذا جليًا و تقريبًا في كل روايات وقصص هذا الكاتب الخالد بداية من رواية : ( الفقراء ، وقلب ضعيف ، في قبوي ، والجريمة والعقاب ، والابله ، والمقامر ، وحلم رجل يضحك.. إلخ ). حتى صار مسار وعنوان لكل ما أنتجه من الإبداع والتعبيرعن تلك الامتثالات النفسية ؛ التي أنتجتها بشر معذبون أشقياء وتعساء ، أو في أي تلك الحالات العكسية ما دامت الرؤية تأتي من نوازع نفسية متراكمة. ولقد انصهر علم النفس لحد الذوبان بشكل كبير أو كاملًا . كما جسدت روايات هذا الكاتب الكبير ( دوستويفسكي ).
لأن كل سلوك وفعل وطرح لا بد أن يأتي من عقل يفكر، ويخطط ، وبالتالي نزع لفعل آثم أو خير، أو كل ما يظهر بمختلف التشكيلات ؛ التي تصدر من تفكير بشري ، ويندفع من نزعة نفسية ما في كل مراحل عمر الإنسان التي تؤثرعليه منذ الطفولة ، وتنمو وتتطور فيه لتصل إلى هذا الشكل النهائي ؛ كنتيجة طبيعية أودت به لتلك السلوكيات ، والتصرفات بوجهيها الخير أو الشرير. فالحكم النهائي في نهاية الأمر صدر من نفوس بشرية خالصة التكوين بمؤشرات التحليل النفسي ؛ الذي امتزج وتشكل في ضرورات سردية وافرة مع التصورات النفسية ، والتعبيرية الداخلية عن مكنون تلك النوازع البشرية بوجه عام.
5/ 11/ 2020م



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن