نظرية الكوميديا في الأدب والمسرح والسينما

عطا درغام
atta_dorgham@yahoo.com

2022 / 6 / 17

تأليف: ن. ج.أ.نلسن..ترجمة: ماري إدوارد نصيف..مراجعة: د. أمين حسين الرباط
وينقلنا فيها "نلسن" عبر فصوله الأربعة عشرعن نظرية الكوميديا في حالاتها المختلفة في الأدب والمسرح والسينما.
ففي فصله الأول ( الضحك):ا ختلف النقاد والكتاب فيما بينهم بالنسبة لأهمية الضحك.فهناك جماعة رأت أهمية الضحك وضرورته للإنسان وجماعة أخري رأت الضحك نوعًا من العدوانية،ولذلك رفضته تمامًا واعترضت عليه.يظهر هذا الاختلاف بوضوح عند مناقشة فكاهات متعلقة بموضوعات مثيرة للجدال، كالمرأة أو الدين.
وهناك تساؤل ، لماذا نحتاج إلي نظريات للضحك والكوميديا؟ وثانيًا: هل يخضع كل من الضحك والكوميديا لنظريات، أم أنهما متعددي الأنواع ومقاومين للنظريات؟ في هذا السياق، يقول الناقد الشكسبيري"ل. ك. نايتس":"غن ترابط وشمول ورسوخ الإنتاج الأدبي هو الذي يحدد قيمة وجودة أي ملهاة،
وفي الفصل الثاني: ) الكوميديا وما شابهها من أشكال فنية)، حيث يري الناقد "م.ه..لإيرامز" أن لفظ الكوميديا لفظ لا يُطلق إلا علي المسرحيات ؛ ذلك بالرغم من ظهور أشكالًا كوميدية في الشعر والنثر.
ويركز المؤلف علي الكوميديا في مجال الدراما بصفتها المجال الأول الذي بدأت فيه كتابة الأدب الملهوي .كتب "أريستوفانس" في القرن الخامس قبل الميلاد ملهاوات درامية في أثينا أُطلق عليها الكوميديا القديمة منافسًا غيره من المؤلفين الدراميين الذي خبا بريق أعمالهم سريعًا، ذلك في مقابل مجموعة من أعمال ملهاوية أخري هامة ،هي "الكوميديا الحديثة"،وأبرز ما يميزها كتابات"ميناندر" الذي ولد حوالي منتصف القرن الرابع قبل الميلاد.
وفي هذا الفصل يتناول المؤلف نوع آخر من الكوميديا يسمي (الفارس) وللفارس وجهان ، أحدهما جاد والآخر رقيق،ولكل أمثلة تبرزه وتصوره ، وانتشر أيضًا نوع آخر من الفارس عُرف ب (الفارس السياسي) الصريح أو (فارس الأفكار).
ولم يحظ الفارس في باديء الأمر بمكانة مرموقة في مجال النقد الأدبي،كما حدث مع جميع أنواع الكوميديا التي أدرجت في مقام أقل من التراجيديا.
وفي الفصل الثالث: ( الزواج ) ،حيث تنبثق كوميديا العصور الوسطي الإنجليزية من الخلافات الزوجية ، وليس من انتشار السلام، وتسيده علي الحياة الأسرية،ومن أمثلة ذلك تشاجر زوجة نوح مع زوجها ،وتعرض العائلة بأكملها للخطر.
ويذكر العديد من نماذج الملهاة التي ازدهرت في إيطاليا في القرن السادس عشر مثل" ماندراجورا" لميكيافيلي كأفضل الأمثلة المعروفة في هذا النوع من الملهاة، ونموذج الزوج المخدوع كما في "أمفيتريون للكاتب الفرنسي"جان جيرودو"، مما يدل علي علي أن ملهاة الزوج المخدوع تشبه الملهاوات الغرامية التي تصور قصة شاب يحب شابة غير متزوجة وينجح في الزواج منها.
وتُعد ملهاوات الزوج المخدوع مستودعًا للفكاهات التي تُقال ضد الزواج ،أما الملهاوات الغرامية- والتي دائمًا تنتهي بالزواج- فتعالج موضوع الزواج بنوع من الاحترام والوقار.
وفي الفصل الرابع : (الإنجاب)، فتقول "جاردنيير" عن إيجابية الملهاة في تناولها لموضوع الإنجاب : " تُعد الملهاة التي تستنبط نهاية لم تكن مفهومة ضمنًا في البداية..صورة لما يحدث في حياة الإنسان،ذلك .فالصغير يتزوج حتي ما يصبح بدوره جيلًا أكبر ينجب أولادًا يتزوجون ثم ينجبون وهلم جرًا ، إلي أن ينتهي العالم".
ووجه الكاتب الروماني" ميناندر" اهتمامه إلي تناول فكرة التخلي عن الأطفال وتركهم في العراء في كثير من أعماله،فهي فكرة سادت في عصره.
وانتشرت في العصور الرومانسية وعلي الأخص عصر وردثورث كثير من الكتابات التي تناولت الحديث عن الأطفال ،ومن أهم سمات العصور الرومانسية في هذا الصدد كونها تشترك مع الملهاة في كونهما مقتصرين علي شيء يعينه.
وكذا تبرز أعمال ديكنز التي تنم عن الصراع بين الدوافع المختلفة ، وتُعد "أوراق بيكويك" أكثر رواياته إضحاكًا ورواية "نيكلوس نيكبي".
وتتناول روايات العصر الفيكتوري جميعها كما أشار" بارش هوشمان"- تيمة الصراع بين ما تتسم به حياة الآباء من استقرار وما تتسم به مرحلة الطفولة من ناحية أخري من تغير وتطلع إلي الاكتشاف؛ أي أن هناك جوًا من التوتر نابعًا عن التضارب في الميول والتطلعات والأمزجة بين الآباء وأبنائهم..
ولقد ظلت قضية الإنجاب ورد فعل الآباء تجاه الاطفال قضية مثيرة للخلاف ، من وجهة نظر الكوميديا،وقد وجه الاهتمام فيها إلي المتعة وعدم تحمل المسئولية،ولم يوجه إلي التحديد البيولوچي.
وقد رأينا في الملهاة العديد من الأطفال يُتركون علي جانبي الجبال أو في سلة المهملات أو علي عتبة أحد الأبواب أو حتي في الغرفة التي توضع فيها الحقائب في محطة القطار، علي أنه من المتوقع بعد ذلك أن ينمو هؤلاء الأطفال المتروكون فيصبحون بذلك سبب إمتاع لآبائهم.
وفي الفصل الخامس : ( الموت) فتستنكر الملهاة حق الموت في القضاء علي الجنس البشري، ففي مسرحية "الرهينة" ينهض الضابط" ليبردن بيهن" بعد أن قتل من الصندوق الذي يرقد فيه ليقود سائر شخصيات المسرحية في أغنية تُعد محاكاة تهكمية لأنشودة"لا تهدروني وهي أنشودة تشير إلي فناء الإنسان وعدم نفعه.
وتنتشر فكرة البعث بعد الموت انتشارًا واسعًا في الملهاة، ومن ثم ترتبط شخصية الممثل بالخلود..ففي مسرحية "روزينكرنز وجيلدنستريرن قد ماتا" من تأليف" توم ستوبارد" يسأل كبير الممثلين السؤال المحيِّر: ماذا يحدث للمثلين المتقدمين في السن؟! وتكون الإجابة : لا شيء فهم لا يزالون يمثلون.
وأنه من الممكن التعامل مع موضوع الموت بطريقة كوميدية مضحكة في حالتين؛الأولي: عندما يكون رد فعل الشخصية تجاه موقف رد فعل طفولي ؛ والثانية : عندما يكون الميت شخصية لا تهم القاريء أو الشخصية الرئيسية كثيرًا.
ويتضح من خلال معظم الملهاوات التي تناولها الكتاب ، أن الجثث التي تُعامل بلا أدني احترام بغير احترام تكون جثث متشردين أو أشخاص تافهين أو خياليين أو غرباء..علي أن كثير من الأعمال الأدبية الحديثة لا تخلو م عدم مبالاة البطل بجثة أقاربه المقربي أو حتي بجثته هو.
وتظهر فكرة أن الموت يجلب السعادة للإنسان كما في فيلم "الحيلة الأخيرة" ل"جريس كيلي" الذي عرض عام 1985،ويهدف إلي التأكيد علي فكرة الحرية؛ حرية إنهاء المرء لحياته أو مساعدة غيره علي إنهاء حياته.
وفي الفصل الساس :( المتشرد والمحتال) ، ويتحقق الأثر الملهوي هنا في رأي- إيمبرتكو إيكو)- عند خروج إحدي الشخصيات الثانوية أو الوضيعة أو البغيضة ( الشبيهة بالحيوان) عن القانون أو كسرها له، فنحن نشعر بالسمو علي تصرف هذه الشخصية الخاطيء، كما تشعر بالسمو أيضًا علي أسف هذه الشخصية وحزنها الناتج عن خروجها عن القانون،ولكننا بالرغم من ذلك بطريق أو بأخري نرحب بهذا الخرق.
وتظهر شخصية المتشرد في الأعمال الأدبية الحديثة ليس بهدف تشويه ماعند الأرستقراطية من إسراف ،ولكن لتشويه صورة البرجوازية بما فيها من نظام واحترام، فقد نبه بريخت في مذكراته عن "أوبرا الشحاذين" إلي نزوع البرجوازية وولعها بأفراد العصاباتز
وتضاربت المشاعر تجاه المتشرد في الكثير من الأعمال التي ظهرت في فترة مبكرة،فقد ظهر هذا التضارب في كتيبات "روبرت جرين" أحد معاصري شكسبير.
وتبرز مسرحية فولبوني تردد كاتب الملهاة في تمجيد المتشرد ،ووضعه في مكانة تجعله يحظي عطف الجمهور، بل يحاول بالأحري أن يحول تعاطف الجمهور بعيدًا عن المتشرد المخادع في لحظة حاسمة،وينطبق هذا أيضًا علي الكثير من المسرحيات الأخري كمسرحية "هاكلبيري فين لتواين".
والفصل السابع ( الخداع والمخدوع)، ويركز فيها علي سذاجة المخدوع والمهرج الفظ، ولعل أنسب بداية لهذه النقطة هي مجموعة روايات" الديكاميرون" لبوكاسيو..
وتظهر عناصر الخداع والقسوة والخيانة التي تتخلل روايات "كالندرينو" في مسرحية " السيد بورسينك" أيضًا لموليير.
يبرز موضوع الاحتيال وشخصية المحتال في الملهاوات التي تقدم لجمهورها المبررات علي سخريتها من المخدوع، وفيها يصور المخدوع في صورة القاسي غير الأمين الغني بدرجة أكثر مما يستحق والذي يستغل ماله ومستواه الاجتماعي لإرغام فتاة للزواج منه رغمًا عنها.
وفي الفصل الثامن: (المهرج) يدرك المهرج عدم انتمائه إلي المجتمع؛الأمر الذي يجعله جديرًا بالاحترام،ومن الأدلة علي إدراك المهرج لهذه النقطة تعليق إحدي الشخصيات في كوميديا عصر النهضة الجنتلمان أشر ل"شابمان " عندما قالت : إنني المهرج الحقيقي من بينكم جميعًا ، والتي أعقبت بالإجابة إذن فإنك أجدرنا جميعًا، لأنك تعرف نفسك جيدًا.
ويُعد الفلاح الريفي نموذجًا للحماقة الممتزجة بالجكة، فهو ليس معتوهًا ولا يعاني من أي خلل عقلي ، ولكن نشأته البسيطة وخبرته المحدودة تجعله يبدو بسيطًا جدًا وساذجًا في أعين من هم أفضل منه ومن أمثلة ذلك شخصية "سانشو بانزا" في رواية"دون كيشوت"
ويتضرر المهرج الحكيم في بعض الأحيان من حصره في نطاق هذا الدور، فهو يرفض أن يبدو أحمق ،وهذا ما فعله فليست عندما أصر علي أنني لست احمق،وأكد أنه ليس كالمهرج العادي الذي تحدث عنه"مالفيو" في موضوع آخر، ذلك المهرج ليس لديه فطنة بالمرة،وعقله كالحجر.
والمهرج هو النقيض الآخر لشخصية المتشرد أو المحتال ؛علي أن الأدوار المتناقضة قد تتلاقي وتمتزج معًا في نقطة بعينها..
وكما هناك علاقة وطيدة بين المهرج وبين المحتال والشرير، هناك علاقة بينه وبين الكاهن؛ والعلاقة بينهما تنطوي علي المحاكاة الساخرة. اعتاد المهرج في أعياده واحتفالاته في العصور الوسطي أن يحاكي بسخرية رجال الدين والمواعظ والطقوس الدينية،وهناك تشابه مرئي بين قبعة المهرج وبين قلنسوة الراهب، علي أن قيام المهرج بدور الكاهن لم يقتصر فقط علي السخرية من الدين ،بل كان المهرج يظهر في كثير من الأحيان شفقة ورحمة بدلًا من أن يكون مبعوثًا من الشيطان ينصح الناس بان يحتفظوا لأنفسهم بالرحمة.
ويخلص الكاتب إلي أن دور المهرج لم يكن دور المخادع الخائن ، ولكنه كان دور الشافي والمخلص، كما أننا نشعر بالرغة في التعاطف مع المتشرد والمحتال القاسي، ومع العنصر الشيطاني في الملهاة، الذين يمثلون – بتعبير "بليك" – الطاقة التي هي المتعة الأبدية، علي أن التمثل بالمتشرد يتطلب منا أن نضفي علي أنفسنا بعض من صفاته الرديئة مثل كراهيته للتضحية وكراهيته بصفة عامة للعالم بما فيه من قوانين- علي ان المهرج- الذي يختلف عن المحتال السخيف- يساعدنا في تجنب الوقوع في هذا الخطأ إذ إنه بريدنا أن نتمثل به أيضًا.
وعن ( لغة الكوميديا) يتناولها الفصل التاسع ، إذ تُعد واحدة من أغني مصادر الكوميديا، وعليها تعتمد معزم الفكاهات، وربما أول سمة نتوقع أن نجدها في الحوار المسرحي أو السرد هي اقترابهما إلي ما يُسميه دارسي اللغة لغة الحياة اليومية. فبينما ينتظر من التراجيديا أن ترقي بأسلوبهما ولغتها، تكتب الكوميديا.
ويتناول علامات وسيموطيقا الكوميديا ، فنجاح الكوميديا لا يتحقق فقط من خلال التلاعب بالألفاظ، ولكن يتحقق أيضًا من خلال لغة الجسد، ومن خلال أنواع أخري من التواصل غير اللفظي.
ووظيفة اللغة الأساسية هي إعطاء وتوصيل المعني، وبالرغم من إدراك الملهاة لهذه الوظيفة، فهي تطور هذه الوظيفة علي أنها وظيفة تكميلية إضافية وليست أساسية، وتعتبر اللغة الغثة التي تعد أكثر أنواع اللغة الملهاوية فسادًا، النقيض الآخر للمنطق والمعني علي أن إليزابيث سيويل أشارت إلي أن اللغة الغثة لا معني لها تلجأ إلي استخدام علم النحو.
وغالبًا ما يُعلن كتاب الكوميديا وشخصياتها عن ولائهم للأنماط العملية وغير المصطنعة في الحديث وفي الكتابة علي حد سواء.( ذلك كما أشارت إحدي الشخصيات في المتحذلقات لموليير عند ما قالت:إنني أحيا علي استخدامي للغة الواقع الدافئة الطيبة، وليس علي اللغة الخيالية).
علي أن الملهاوات التي تقتصر في استخداماتها للغة علي الاستخدامات البراجماتية فقط تحدث تناقضًا في المصطلحات حيث إن تركيبة الملهاة لا تعد استخداما براجماتيكيًا للغة.
فالكوميديا بطبيعتها احتفالية وإيداعية ومثيرة للضحك، ومن هنا فاللغة المنمقة تدعو إلي السخرية ،ولكنها في الوقت نفسه تمتع.اما اللغة المستخدمة في الأحاديث اليومية فمستحبة، ولكنها سامية ومليئة بالإهانات والإجابات البارعة ولكن تبعد عملية اختراع الألفاظ والتلاعب بها كل البعد عما نراه في الحياة اليومية.
وفي الفصل العاشر( الفانتزية والواقع) ، فتمثلت أقصي درجات الفانتزية قديمًا أو ربما حتي آونة قريبة في الوصول إلي كواكب أخري،ومن هنا كانت معظم الروايات التي ظهرت في الآونة الأولي والتي اشتملت علي الطيران في الفضاء ملهاوية أو هجائية، ظهر بوضوح في أعكمل أرستوفانس( القرن الخامس ق.م) ولوسيان( القرن الثني ق.م9 حيث أرسلا شخصياتهما الهزلية إلي الفضاء وإلي القمر وإلي مسكن الآلهة.
وفي عصور أحدث جاء "إتالو كافينو" الذي أمدنا بروايته "ملهاوات كونية" ويعتمد كل فصل فيها علي افتراض علمي عن مرحلة ما في خلق الكون وتطوره..وتمتليء الفانتزية الهزلية "قوس قزح" ل"توماس باينشون" بالكثير من الإشارات التي تدل علي أن كثيرًا من العلماء تجاوزوا الحقيقة العلمية وخرجوا عن نطاقها إلي نطاق الحدس والبديهة.
وينتهي الكاتب في الفصل من خلال الأمثلة التي تناولها والتي تضمنت أعمال (جونسون ، وسينج، ) وأن كثيرًا من كُتاب الملهاة المشهورين- بما فيهم هؤلاء الذين يعتقدون أن أعمالهم الفنية تصور الواقع الذي نعيشه اليوم- يعترفون بوجود عناصر الفانتزية واللاواقعية في أعمالهم، ويوضح مثال كالفينو أكثر من غيره من الأمثلة أن الملهاة قد تتحول في بعض الأحيان كلية إلي فانتازية.
فالفانتازية كما يبدو لنا تعد طريقا جانبيا لتطور الملهاة، علي أنه في أغلب الملهاوات تمتزج الفانتازية والواقعية مع دون سيادة واحدة أو تفوقها علي الأخري.
وفي الفصل الحادي عشر( الملهاة التأملية)، وينتقل فيه الكاتب إلي تناول الشكل وأسلوب العرض في الملهاة، ويذكر أن بعض الطرق التي تؤدي بها قصة أو مسرحية أو فيلم تكمن في أفكار بسيطة آمنة متعلقة بطبيعة الواقع و يتجلي هذا في العبارات الافتتاحية لرواية" إيما " ل"جين اوستن"
ويبرز فيلم" ذكريات كالحلم الجميل" القالبلية للسخرية من الذات، والتي تُعد السمات الرئيسية للملهاة التأملية ويضاف سمة اخري يصعب توضيحها وإبرازها من خلال عرض وتحليل عمل أدبي واحد ، ألا وهو :ان ماوراء القصص الخيالي كنوع من أنواع الملهاة فقد أثبت تنوعه وقابليته للتعديل والتغيير.
وينتهي بوضوح إلي العلاقة الوثيقة بين التقنيات التأملية وتقنيات ما وراء القصص الخيالي وبين الأدب الحديث، وقد رأي "روبرت سكولس" وغيره من النقاد أن ضعف حركات كالواقعية والوضعية والنفعية في العالم والفكر الحديثين قد أدي إلي انتشار هذه التقنيات وازدهارها في الآونة الأخيرة، ويساعدنا إدراكنا لصعوبة الوصول إلي الموضوعية الكاملة علي تقبل التقنيات التي يستخدمها الكتاب المبدعين.
وفي الفصل الثاني عشر( العبث والكوميديا الوجودية)، ويطرح الكاتب إشكالية الجدال حول إمكانية اعتبار مثل دراما العبث ملهاة ، فقد وصفها "مورتين جيرويتش" بأنها هزل المهرجين الماجن حيث تنحرف الملهاة في مواجهة الفراغ الذي يرفض بألم أن يتحول إلي شيء كوني إلي حافة خرابها ودمارها.
وهو وصف يدل علي محاولة متحفظة لإدراج الدراما العبثية تحت عنوان الملهاة،وإذا تاملنا مثلًا أعمال كاتب مسرحي له صلة طفيفة جدًا بالعبث ك"هارولد بنتر"نسنجد أن الأعمال التي تكثر فيها عناصر العبث هي أقل الأعمال إضحاكًا وأقلها انتماء إلي الملهاة.
وامتلأت مسرحيات "يونسكو" بكثير من الإشارات والتلميحات التي ترمي إلي إبراز أن العقل واللغة اللذين يميزان الإنسان عن الحيوان لا يجعلانه أسمي من الحيوان، بل الأحري يزيدان من سوء حالته ، ويجعلانه أكثر بؤسًا وتعاسة ذلك لاكتشافه بأن الحياة ما هي إلا دائرة متكررة تبدأ بالميلاد ثم الإنجاب؛اتنتهي أخيرً بالموت.
وتُشير "روزيت لامون" بأنه بينما تنبع كل من العبثية والوجودية من الاقتناع بعقم وعدم نفع الإنسان والإنسانية في الوقت الحديث، لا يقدم العبثيون بخلاف سارتر وأتباعه حلًا لليأس الذي يُعاني منه الإنسان علي أنه من المضلل أن نصف وجودية سارتر بأنها وجودية تفاؤلية ، ذلك فكثير من أعماله الفلسفية، وكذلك كثير من مسرحياته تمتليء بحقائق مؤلمة عن حالة الإنسان وعن العلاقات الإنسانية، علي أن سارتر لا يتخلي بالرغم منذ لك عن الأمل علي عكس ما يفعل كل من يونسكو وبيكيت.
وظهرت في كثير من الأعمال المسرحية ، وخاصة في كثير من الملهاوات الحديثة قضية إمكانية تحقيق الحرية الكاملة في تمثيل الأحداث المسرحية، والتحرر الفعلي في الأدوار المفروضة علي الممثلين، وضمن هذه الأعمال المسرحية مسرحية "روزيمكرنز وجيلدنستيرن قد ماتا " ل"ستوبارد" ففيها يتجلي غباء الشخصيتين الرئيسيتين بصفة رئيسية في عدم قدرتهما أو ربما عدم رغبتهما في الخروج عن أدوارهما المرسومة لهما؛ ولذلك لا يشعران بالسمو بل بالأحري يشعران من البداية أن مصيرًا مبهمًا قادمًا ينتظرهما.
وفي الفصل الثالث عشر(الاحتفالية) ويبرز رأي النقاد حول الملهاة في القرن العشرين ، الذين يري كثير منهم أنها أصبحت في هذا القرن مظهرًا من مظاهر الاحتفالية والكرنڤالات،ومن هؤلاء النقاد الأدبييين الذين تبنوا هذا الرأي"ف.م. كورنفرد" في دراسته للملهاة اليونانية القديمة، و"ك.ل. بابير" في كتابه الذي خصصه عن ملهاوات شكسبير، وكذلك اعتبرها المؤرخ "بيتر بروك"(في تسميته لأداء مسرحية تكون هزلية في العادة).
ويتناول الكاتب في هذا الفصل العلاقة بين الملهاة والاحتفالية ومدلول هذه العلاقة، ويبرز رفض "إيكو" للفكرة التي تقول بأن الكوميديا والاحتفالات يقودان إلي التحرر الفعلي، ورأي "كونراد" الذي يُشير إلي أن الحكومة الديكتاتورية تستغل الضحك والاحتفالات لتحقيق أغراضها الخاصة.
ويري "إيكو" وهو بصدد الحديث عن نظرية الملهاة و الكرنڤالات كتجاوز إبداعي إلي أن هناك الكثير من الفرص التي تتيح اليوم الفرصة لنظرية التجاوز أن تنتشر وتشتهر تلك النظرية التي تبدو نظرية أرستوقراطية ، علي أن ما يهبط من عزيمتنا وحماسنا ، هو كون النظرية للأسف الشديد نظرية خاطئة.
ويختم الكاتب دراسته بالفصل الرابع عشر( الضحك أم التناغم) ويُشير إلي اهتمامه الأكبر للحديث عن الصراع القائم بين الضحك والتناغم من خلال تحليل مسرحية "تاجر البندقية" ل"شكسبير" وكذلك من خلال دراسة مقالة ب"برجسون"
ففي الفصل الأخير من "تاجر البندقية" وغيرها من الملهاوات الأخري تستحوذ المشاعر وتسيطر سيطرة كاملة علي جميع الشخصيات، ولكن برجسون أكد في عبارته الشهيرة علي أن المشاعر هي العدو اللدود للضحك، وأكمل قائلًا: أنا لا أعني أننا لا يمكن أن نضحك علي شخص يثير شفقتنا بل وعطفنا ،ولكننا في هذه الحالة لا بد أن ننحي للحظة مشاعرنا جانبًا ونفرض السكون علي شفقتنا..
ويري برجسون أن الضحك لا يحدث إلا في وجود جماعة من الناس، ويؤمن أيضًا بدورالضحك الإيجابي بالرغم من إدراكه التام لاحتواء الضحك علي عنصر القسوة.
وقد سلَّم "برجسون" في نهاية مقالته بأن الضحك الساخر قد يُصيب في بعض الأحيان هؤلاء الذين لا ينبغي أن نسخر منهمن كبطل التراجيديا أو الشاعر الفذّ في الشعر، ذلك بالرغم من إصرار برجسون طوال المقالة علي إصابة الشخص الذي يسخر منه بنوع من الصلابة، يمكن ان تُعالَج بالضحك



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن