لكن مقتدى لن يرحل..

نجاح محمد علي
najahmali@gmail.com

2022 / 6 / 17

تطرح استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان والتي جاءت بأمر من زعيمها جملة من السيناريوهات ، بما في ذلك انتخابات جديدة في العراق.

بعد قرابة ثمانية أشهر من فشل البرلمان المتكرر في تشكيل حكومة ، قرر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر- و الذي تم تصويره الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الأول (أكتوبر) - سحب نوابه من البرلمان وأمر الأحد ، كتلة التيار الصدري المكونة من 73 عضوا ، بتقديم استقالتها - وهو ما فعلته على النحو الواجب بالسمع والطاعة .

إذا تم الانتهاء من الاستقالات بعيداً عن أي حيل قانونية وشرعية ، فإنها ستسمح للفائز بالمركز الثاني في التصويت من انتخابات أكتوبر في كل منطقة تم إخلاؤها بالحصول على المقعد الفارغ.
السؤال الآن: لماذا اختار الصدر السير في هذا الطريق ، وماذا سيحدث بعد ذلك؟!

وبحسب محللين يدفعون باتجاه التصعيد بشكل سافر بين منافق متملق ومحرض ينفذ أجندة خارجية ، فإن الاستقالات لن تضع نهاية للأزمة السياسية . بدلاً من ذلك ، من المرجح - كما يروجون- أن تؤدي عملية إعادة ملء المقاعد الشاغرة إلى موجة جديدة من النقاش المكثف ، وربما احتجاجات (دموية) في الشوارع ربما أشد مما شهدته مظاهرات تشرين.هكذا يروجون في القنوات الفضائية المعروفة التوجه، ومع الأسف تساهم القنوات الملتزمة عن غير قصد في نشرها على نطاق واسع عبر استضافة أولئك النفر من المحللين .

كعادتها، كانت مراكز التفكير ومعاهد الأبحاث الغربية خاصة الأمريكية التي تدار من قبل المحافظين الجدد الموالين لاسرائيل من الأمريكان ، هي التي ترسم خطوط التحريض والضخ الاعلامي (الدموي). وقال مدير مبادرة العراق في المجلس الأطلسي عن ملء المقاعد الفارغة بعد الاستقالات : "سيعيد تشكيل ميزان القوى ، مما يعني تمديد فترة عدم اليقين بعد الانتخابات". "لا تتوقعوا تشكيل حكومة قريبا".

لأشهر ، حاول الصدر ، الذي يقدم نفسه على أنه منتقد لكل من النفوذ الإيراني والأمريكي في العراق على السواء ، تشكيل "حكومة أغلبية وطنية" لم تكن في الواقع سوى حكومة اقصاء أصرت عليها تركيا والامارات وقوى دولية معروفة أشرت عليها مقالة لافتة كتبها ديفيد شينكر ، وهو زميل أقدم ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب.
قال شينكر في تلك المقالة التي نشرتها أيضاً صحيفة ذي هيل الأمريكية،إنه " في غياب تغيير كردي في اللحظة الأخيرة ، من المرجح أن تضيع أفضل فرصة للعراق حتى الآن لصد التدخل الإيراني وفرض السيادة. لا شك أن سفير واشنطن في العراق، ماثيو تولر(قبل أن ينفك بعد تعيين سفيرة جديدة هي ألينا رومانوفسكي) ، نقل الضرورة الملحة إلى محاوريه الأكراد عندما سلم رسالة من الرئيس بايدن إلى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ، حسبما ورد ، يشجع على زيادة الوحدة الكردية في مواجهة تشكيل الحكومة. قد يكون الوقت قليلا جدا ، بعد فوات الأوان".

بتلك الذريعة التي أكد حلفاء الصدر في إتلاف " السيادة " من خلال تصريحات أقطابهم، واجتماعاتهم في حضرة السلطان التركي رجب طيب اردوغان، سعى التيار الصدري وحلفاؤه ،كأغلبية، الى اقصاء الجماعات السياسية التي تدعم الحشد الشعبي، وترفض الاحتلال وبقاء قوات أجنبية، ومنها بالطبع القوات التركية التي تواصل اعتداءاتها على المدنيين في سنجار مثلًا.

اذا نجحت حكومة الأغلبية الاقصائية، لكانت قد أحدثت انحرافًا غير مسبوق في العملية السياسية لكن بنفس ترتيب المحاصصة القائم على الحصص ، الذي يقوم على تقاسم السلطة بين بين جزء من الأكراد والسنة وجزء من الشيعة.
كان المطلوب كما بينت مقالة ديفيد شينكر ، أن يوجه التحالف المذكر (الثلاثي) ضربة كبيرة لما سماه النفوذ السياسي الإيراني في العراق ، حيث دعمت إيران إلى حد كبير الجماعات الشيعية التي تمكنت من القضاء على دولة داعش الخرافية ، وأيدت على الدوام التحالف بين التيار الصدري والاطار التنسيقي وتشكيل الأغلبية، على عكس الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والامارات
ومع ذلك ، على الرغم من تزوير الانتخابات و فوز الصدر ، والذي ساعد ذلك التزوير كتلته على الحصول على 73 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا ، فإن القانون يتطلب أغلبية ساحقة ، أي ثلثي الأصوات ، لانتخاب رئيس.
وقد فشلت جهود الصدر في إقامة تحالفات عن تجاوز تلك العتبة.

ربما يكون التيار الصدري خاصة بعد تأييد المحكمة الاتحادية العليا للانتخابات ، قد فاز بأكبر عدد من المقاعد في اكتوبر تشرين أول عام 2021 ، لكن هذا ليس أقصى ما حصل في الماضي ، وقد كافح أولئك الذين لديهم مقاعد في نطاق التسعينيات لتشكيل حكومة، وفشلوا.

على السطح ، يشير انسحاب نوابه إلى أنه تخلى عن المشاركة في السياسة المتزايدة التعقيد ، كما هدد في الماضي. لكن الحقيقة هي أن الصدر سيبقى مؤثراً سياسياً ، سواء كان أنصاره داخل البرلمان أو خارجه. هكذا يجري تسويق المشهد إعلامياً في تحد صارخ للدستور وللقوانين التي تحاسب من يزعزع أمن البلاد، لكنها لم تفعل، مع الأسف، في مظاهرات تشرين و مارافقها من عنف وحرق وقتل وصلب وتخريب ، وتعطيل الحياة.

في حالة تأكيد الانسحاب البرلماني. ، ستكون الكرة في ملعب تحالف الإطار التنسيقي ، الفاعل الرئيس الذي منع تشكيل حكومة أغلبية الاقصاء ،خلال عملية تشكيل الحكومة.
ستشغل الأحزاب الشيعية في الاطار التنسيقي العديد من المقاعد التي أخلوها الصدريون ، مثل دولة القانون التابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتحالف الفتح ، الجناح السياسي المؤيد بقوة للحشد الشعبي .
ومع ذلك ، فإن مسارهم في السياسة لن يكون وردياً كما قد يبدو، إذا تحولت "التضحية" بالحصص من "كعكة" الحكم ، الى فوضى ودماء وبلطجة على قاعدة (لو ألعب لو أخرب الملعب).

من خلال الانسحاب من البرلمان في ذكرى تأسيس الحشد ، فإن أحد أهداف الصدر هو نزع الشرعية عن منافسيه الذين كانوا العمود الفقري في تأسيس الحشد وفي كسر شوكة الارهاب المتأهب هذه الأيام للعودة بقوة ، وفقًا لما قاله ثاناسيس كامبانيس ، مدير مركز مؤسسة القرن للأبحاث والسياسات الدولية ، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك.
وكتب على تويتر محرضاً : "مع عدم وجود صدري في البرلمان ، لا يستطيع المنافسون الادعاء [بأنهم] يمثلون البيت الشيعي بأكمله ... تزيد الشرعية تآكلًا [بسبب] بصريات أقلية خاسرة تتولى السلطة الساحقة" .

مع استمرار المواجهة السياسية ، يمكن للصدر استخدام هذه الجولة من الاستقالات لإظهار أنه ملتزم بالحكم الديمقراطي وحكم الأغلبية ، فالانسحابات جزء من عملية ديمقراطية يجب أن يؤكد سماحته التزامه بها عملياً بعدم إعاقته للأحزاب السياسية الأخرى ، لتشكيل الحكومة، مع حقه في المعارضة بعيدًا فوضى تشرين وأخواتها.

قد تؤدي حكومة محتملة بدون التيار الصدري الموجود في الحكومة وفي الدولة العميقة ، إلى بضعة سيناريوهات ، بما في ذلك جولة أخرى من الانتخابات إذا قرر البرلمان حل نفسه ، أو حكومة تسوية ستُكلف بإجراء انتخابات مبكرة. قال كامبانيس مدير مركز مؤسسة القرن للأبحاث والسياسات الدولية معترفاً بوجود جماعات تحركها الولايات المتحدة : "حتى الجماعات التي لا تثق في الصدر ستنضم ضد النظام الفاسد والمنهك". "من خلال الانشقاق عن النظام ، يفلت الصدر من المسؤولية بينما يحتفظ بشبكة من البيروقراطيين في الدولة".

عموما، هناك انتخابات جديدة مطروحة دائمًا على الطاولة ، سواء حدثت الآن من خلال عدم القدرة على تشكيل حكومة ، أو ... بعد تشكيل الحكومة بشكل نهائي.
قد تحدث احتجاجات مفتعلة أو ركوب الاحتجاجات الشعبية السلمية كما حصل في تشرين 2019 أيضًا بينما يسارع المشهد السياسي إلى فهم كامل لما يعنيه ذلك وكيفية التعامل بشكل صحيح مع انسحاب الصدر .

مع دخول البلاد صيفه الحار المؤذي ، يتفاقم الغضب من نقص الخدمات الحكومية رغم سيطرة الصدر على الحكومة الحالية ومشاركته في الحكومات السابقة ، و ما يصفه الكثيرون بدوره ودور حلفائه في الثلاثي في "اللعبة السياسية".
يمكن للصدر والمحرضون على الاستمرار في الانسداد السياسي، أو تعقيد الوضع أكثر بجر البلاد الى الفوضى ، لعب كل الألعاب التي يريدونها لكن الشعب لا يزال يعاني من الحر والعواصف الرملية ."
ويجب أن يٌظهر الجميع في هذه المرحلة، وخصوصاً الصدر ،أنهم يهتمون بمصالح الشعب ، وليسوا مهتمين فقط بمكاسبهم وخسائرهم السياسية.
ومقتدى الصدر لن يرحل ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن