الحائط المسدود ، الدولة اللاوطنية (2)

خليل قانصوه
khalilkansou@hotmail.fr

2022 / 6 / 10

أعود في هذا الفصل إلى مداورة موضوع المتغيرات و المتبدلات التي طرأت على دور الدولة استنادا إلى ملحوظات و لقطات عن بعد ، تبقى ضمن حدود تجربة الإنسان العادي "الوطنية" . اقصد هنا تجربة الهجرة و الإنتقال بين بلدان تديرها دول مختلفة بمقياس الدور " الوطني " الذي تضطلع به ، إذا جاز التعبير .
من البديهي اني لست بصدد تقديم دراسة عن الدولة ، الأمر الذي يتطلب إلماما لا أدعيه لنفسي ، فما يهمني في الواقع هو تلمُّس السيرورة التي جعلت الدولة بالمطلق ، و في البلدان المتأخرة على وجه الخصوص ، في مواجهة تكاد أن تكون دائمة ، مع الإرهاب الذي يتمظهر بأعمال عنف تبادر إليه جماعات أحيانا و أفرادأحيانا أخرى . تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الإرهاب ذو دلالة متغيرة بحسب المكان و الزمان و الأهداف ، أضف إلى أن الفرق كبير بين "الارهاب" المحلي و " الرُّحّل " ، المتجوِّل .
ما يسترعي الإنتباه هنا ، أن الدولة الوطنية كانت كما مو معروف ، في مواجهة معارضة سياسية ـ اجتماعية ، ذات طبيعة غير " ارهابية " ، على عكس ما توحي به ضمنيا ،و سائل إعلام الدولة في الراهن من توصيفها للحركات الإحتجاجية الشعبية ، يكفي لكي يقتنع المرء بحقيقة موقف الدولة خاصة تلك التي ننعتها عادة بالديمقراطية و المتطورة ، أن ينظر إلى تشدد هذه الأخيرة ، المتزايد في إحكام قبضتها البوليسية على الشارع و مبادراتها السريعة إلى خنق التظاهرات بواسطة احزمة أمنية لا تترك مساحة للتسامح و الرأفة .
لا نجازف بالكلام أن الأحزاب السياسة التقليدية و النقابات العمالية تكاد أن تكون غائبة عن المشهد السياسي ـ الإجتماعي في الدول الغربية ، كما لو أنها ذابت و تحللت ، علما أنها لم تصل إلى السلطة ، فعليا ، و بالتالي لا يمكننا أن نرد إختفاءها إلى فشلها . مهما يكن فمن المعروف أن بعض خبراء العلوم السياسية و الإجتماعية يرجعون هذا الضمور إلى انحرافين ، أو بتعبير أدق ، إلى " إغوائين " ، إغواء انتهازيين تكمنوا من الوصول إلى مواقع المسؤولية في أحزاب المعارضة و النقابات هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فنجد أن القواعد الشعبية لهذه الأحزاب و النقابات تفرقت لاسباب كثيرة منها الإغواء الرئيسي ، تحت تأثير الإعلام الرسمي الكاذب و المضلل .
مجمل القول أن الدولة الغربية ، القوية و الغنية ، استطاعت إغواء القوى التقدمية التي كان مفترضا أنها تحمل مشروعا سياسيا اجتماعيا جديدا و جرها إلى أمام حائط مسدود . لن أدخل هنا في تفاصيل الهزيمة التي لحقت بهذه القوى فأدت إلى تلاشيها و ذوبانها ، فهذا موضوع واسع ، لأنتقل إلى نظم الحكم الوطنية في البلدان العربية ، و هي كما نعلم قليلة جدا ، لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة .
لا جدال في أن الهزيمة الماحقة في حزيران 1967 و الإفلاس الذي تبدى من خلال الحرب في تشرين 1973 ، مثلا من وجهة نظري ، الحائط المسدود الذي و صلت إليه الدولة الوطنية العربية . فمن نافلة القول أن هذه الأخيرة كانت عاجزة عن ابتكار خطة خلاص لشعوبها ، لذا اختارت طريق الرجوع ، فراحت تمهد لها بازالة العوائق ،مدعومة من دول الغرب و دول النفط التي قدمت لها الوعود و الإغراءات .
تمثل ذلك كما هو معروف ،بالحروب الأهلية، و ظهور الجماعات الإرهابية التي بدأ تشكيلها واعدادها في أفغانستان ، مما حدا بسلطات الحكم إلى اتباع سياسات قمعية و دموية متشددة . نجم عنه نزوح اعداد كبيرة من عناصر النخب الوطنية خوفا من السجن و التعذيب والقتل ،توازيا من ارتهان هذه السلطات أكثر فأكثر للدول النفطية و للدول الغربية ، فكان الذي كان ، تقلص دور الدولة الغربية الديمقراطية فاقتصر على منع احتجاجات شعوبها من جهة و على إنزال قوات عسكرية لتأديب احتجاجات الشعوب الأجنبية من جهة ثانية و تحطمت الدولة العربية الوطنية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن