القرآن محاولة لقراءة مغايرة 64

ضياء الشكرجي
dia.al-shakarchi@gmx.info

2022 / 6 / 3

وَإِذا قيلَ لَهُمُ اتَّبِعوا ما أَنزَلَ اللهُ قالوا بَل نَتَّبِعُ ما أَلفَينا عَلَيهِ آباءَنا أَوَلَو كانَ آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شيئًا وَّلا يَهتَدونَ (170)
هذا حال معظم الذين يفتحون عيونهم على دين يتبعه آباؤهم وأمهاتهم وبيئتهم التي من حولهم؛ هو حال المشركين آنذاك، حال اليهود، حال المسيحيين، حال البوذيين، حال الزرادشتيين، حال الصابئة، حال الإيزيديين، حال السيك، حال الهندوس، وكذلك حال المسلمين، هذا إجمالا، كما هو في التفاصيل حال الشيعة، وحال السنة، حال الكاثوليك والپروتستانتيين والأرثوذكس، وغيرهم. فلم يكون اتباع الآباء عند غير المسلمين مدانا ومتوعدا أهله بالعذاب الأبدي الشديد، ويكون بالنسبة للمسلمين مقبولا ومرضيا من الله ومثابا عليه في جنات الخلد والنعيم الذي ما بعد من نعيم؟ فإذا كان بالنسبة لمتبعي الآباء من غير المسلمين ينطبق القول بأنهم يتبعون آباءهم «وَلَو كانَ آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شيئًا وَّلا يَهتَدونَ»، فهو منطبق في أغلب الأحيان على المسلمين، باتباعهم آباءهم «وَلَو كانَ آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شيئًا وَّلا يَهتَدونَ». لكن هنا نجد الوزن بمعيارين، حيث تكون القضية معكوسة، فلو لم يتبع المولودون من أبوين مسلمين آباءهم، يكونون عندئذ مرتدين عن الإسلام، يستحقوق الخلود في جهنم.
وَمَثَلُ الّذينَ كَفَروا كَمثَلِ الَّذي يَنعِقُ بِما لا يَسمَعُ إِلّا دُعاءً وَّنِداءً صُمٌّ بُكمٌ عًميٌ فَهُم لا يَعقِلونَ (171)
غريب موقف القرآن من غير المسلمين، الذي يسميهم بـ«الَّذينَ كَفَروا»، فهم هنا ينعقون كنعيق الحمير، «صُمٌّ» لا يريدون أن يسمعوا كلمة الحق، «بُكمٌ» لا ينطقون بالحقيقة حتى لو تبينت لهم، «عُميٌ» لا يهتدون إلى الصراط المستقيم، وهم فاقدون للعقل، «فَهُم لا يَعقِلونَ». إذن مازالوا فاقدين للعقل، ألا يجب أن يكونوا معذورين، فلا يستحقون العذاب الذي يكتظ القرآن بوعيدهم به؟
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُلوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقناكُم وَاشكُروا للهِ إِن كُنتُم إيّاهُ تَعبُدونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللهِ فَمَنِ اضطُرَّ غَيرَ باغٍ وَّلا عادٍ فَلا إِثمَ عَلَيهِ إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ (173)
هنا عودة أخرى إلى أحكام الطعام، لكن الخطاب هذه المرة موجه إلى المسلمين، وليس إلى عموم الناس، كما مر في الآية 168. وقد عدد القرآن محرمات الطعام على المسلمين هنا وفي آيتين أخريين، في إحداهما تفصيل، هي: «المَيتَةُ»، وفصل الميتة في مكان آخر بـ«المُنخَنِقَةُ»، «المَوقوذَةُ»، «المُتَرَدِّيَةُ»، «النَّطيحَةُ»، «ما أَكَلَ السَّبعُ إِلّا ما ذَكَّيتُم»، ثم «الدَّمُ»، «لَحمُ الخِنزيرِ»، «ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللهِ»، وعبر عنه في موقع آخر كمصداق لهذا المفهوم هو «ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ»، و«أَن تَستَقسِموا بِالأَزلامِ»، و«ما لَم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيهِ»، ومع ترك التفصيل، بعدّ أمثلة على ما أهل به لغير الله، وكذلك ما فيه تفصيل لأنواع الميتة، فالمحرمات إجمالا، خمس محرمات، هي 1) «المَيتَةُ»، 2) «الدَّمُ»، 3) «لَحمُ الخِنزيرِ»، 4) «ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللهِ»، 5) «ما لَم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيهِ»، وبالتالي فإن عظم الخنزير المستخرج منه الجلاتين غير مشمول بالمحرمات، وكذلك الذبيحة المخدرة، كما هو جار عليه في أورپا، لأن المخدر لا ينطبق عليه عنوان الميتة، بل ولا وجوب في القرآن بأن يكون ذكر اسم الله على الذبيحة أثناء الذبح، بل حسب الآيات يجزي ذلك عند تناول الطعام، ولكن فقهاء المسلمين يشددون غالبا على المسلمين في الواجبات والمحرمات أكثر مما يلزمهم به كتابهم، بل وأحيانا يشدد المسلمون على أنفسهم أكثر مما يلزمهم به الفقه المستنبط من مجتهديهم وفقهائهم. وفي كل الأحوال فإن محرمات الإسلام قريبة جدا، وأحيانا تكون مطابقة لمحرمات اليهودية. والغريب إن آيات عدَ الأطعمة المحرمة يجري في عدة آيات، وفي كل منها يجري استخدام أداة الحصر (إنما)، مما يعني أن ليس هناك مما حرمه الله على المسلمين غير ما تعدد تلك الآية، ثم تأتي آية أخرى تحصر المحرمات بـ(إنما) من جديد، لكنها تضيف إلى القائمة أشياء أخرى، وكأن الله قد تذكر ما كان قد نسيه في المرة السابقة.
إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللهُ مِنَ الكِتابِ وَيَشتَرونَ بِهِ ثَمَنًا قَليلًا أُلائِكَ ما يَأكُلونَ في بُطونِهِم إِلَّا النَارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ وَلا يُزَكّيهِم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ (174) أُلائِكَ الَّذينَ اشتَروُا الضَّلالَةَ بِالهُدى وَالعَذابَ بِالمَغفِرَةِ فَما أَصبَرَهُم عَلَى النّارِ (175) ذالِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الكِتابَ بِالحَقِّ وَإِنَّ الَّذينَ اختَلَفوا فِي الكِتابِ لَفي شِقاقٍ مبَعيدٍ (176)
دائما يعود القرآن ليؤكد إن أهل الكتاب، وبالأخص اليهود، يعلمون أن القرآن حق، ويعلمون أن تشريعات الإسلام، كأحكام الطعام التي مرت هي فعلا أحكام الله، لكنهم يكتمون الحقيقة التي أنزلها الله عليهم فأخفوها لتطابقها مع ما أنزل الله على المسلمين، والدافع لعملهم هذا أنهم «يَشتَرونَ بِهِ ثَمَنًا قَليلًا»، وعاقبة عملهم أنه ما «ما يَأكُلونَ في بُطونِهِم إِلَّا النَارَ»، ثم «لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ»، وكذلك «لا يُزَكّيهِم»، وفي النتيجة «لَهُم عَذابٌ أَليمٌ»، والسبب أنهم كانوا قد «اشتَروُا الضَّلالَةَ بِالهُدى وَالعَذابَ بِالمَغفِرَةِ»، إذن «فَما أَصبَرَهُم عَلَى النّارِ». كل ذنبهم أنهم ورثوا دينهم عن آبائهم، جيلا بعد جيل، كما يرث المسلمون دينهم عن آبائهم، جيلا بعد جيل، وهكذا هم أتباع كل الأديان. إذا كان الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - يعذب أتباع الأديان والمذاهب والعقائد التي يتبين أنها خطأ ولا تمثل الحقيقة، وإذا ما ثبت أن كل الأديان بلا استثناء عبارة عن صناعة بشرية وليست من الله، ومع التسليم بوجود الله سبحانه وتعالى، فيكون كل المسلمين والمسيحيين واليهود وأتباع سائر الأديان، وأتباع الفلسفات والآيديولوجيات الخطأ، والملحدين، واللاأدريين، سيكون مصيرهم أجمعين نار جهنم خالدين فيها أبدا، لا يقضى عليهم فيها، ولا يخفف عليهم ولا يفتر العذاب ولو بمقدار الجزء المليوني من الذرة، وكأن الله يريد أن يقول لنا «يا أَيُّهَا النّاس ما خَلَقتُكُم إِلّا لِأُعَذِّبَكُم جَمعيًا في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ أَبدًا، إِلّا واحِدًا مِن كُلِّ أَلفِ أَلفِ أَلفِ أَلفٍ مِّنكُم، وَإِنّي لَشَديدُ العَذابِ وَإِنّي لَأَرحَمُ الرّاحِمينَ»، ولو إن «أَرحَمُ الرّاحِمينَ»، صفة افتراضية لا تحقق لها، إذا حكمنا القرآن. هذه الكتب التي تنسب إلى الله - تعالى الله علوا كبيرا - من طبيعتها أن يختلف بها اختلافا بعيدا، فلم يتوعد الله الذين يختلفون فيها ويكونون بسبب ذلك «في شِقاقٍ بَعيدٍ» ويستحقون كل هذا العذاب؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن