الشرطة في عيون السينما المصرية

عطا درغام
atta_dorgham@yahoo.com

2022 / 5 / 16

يبرز تأثيررجال الشرطة علي الحياة الفنية في مصر من خلال الأفلام السينمائية علي وجه خاص؛فهناك جانب كبير لا يُستهان به من الأفلام يتعرض لرجال الشرطة، سواء فيما يتعلق بعملهم وأدائهم الوظيفي أو فيما يتصل بحياتهم الشخصية التي تتأثر عادة بطبيعة عملهم الشرطي.
وظهرت الشرطة من خلال الشاشة الفضية منذ أكثر ، سبعين عامًا ولا زالت تظهر بكل فئات رجالها، وبكل أنواع أنشطتها واختصاصاتها وبكل ماتُوصف به من حسنات ويُنسب إليها من أمجاد في مجال أمن هذا الوطن وحماية مواطنيه، وبكل ما يمكن أن يُنسب إليها من نقائص ومن سلبيات قد تصل إلي حد السيئات، ومن جهة أخري فإن الشرطة كانت ولا زالت تؤمن أنها في حماية عيون السينما المصرية الكاشفة عن جهودها إلي حد البذل والتضحية والناقدة لسلبياتها بأساليب يصل بعضًا إلي حد التجريح أحيانًا، ولكن في كل الحالات فإن الشرطة لا تبرح أحضان المقلات من عيون السينما المصرية ، باعتبار أن الفن السينمائي هو من أخطر وسائل الاتصال تأثيرًا في مجتمعا المصري حتي الآن.
وترجع العلاقة بين الشرطة والسينما إلي سنة 1928؛ أي بعد وقت قليل من بدء إنتاج الأفلام السينمائية الروائية الطويلة ، وعرضها عرضًا عامًا في مصر، وكان أول فيلم مصري يتصل بشخصية رجل الشرطة وعمله فيلم" البحر بيضحك" (إخراج استيفان روستي1928) الذي يدور في إطار فكاهي حول شخصية رجل شرطة مسن وما يواجهه في حياته المهنية من متاعب، وفي نفس العام عرض فيلم"فاجعة فوق الهرم" (إخراج إبراهيم لاما ،1928) ويتضمن اتهام شخص بريء بجريمة قتل، فيُسجن ثم يهرب من سجنه مع آخر إلي أن تثبت براءته، ويُعد هذا الفيلم أول الأفلام المصرية التي تعرض للسجون وللمسجونين.
إن رجل الشرطة بوصفه وجه السلطة التنفيذية وأداتها الظاهرة للعين من الناحية المرئية المادية، بسبب تميز ملبسه عن الآخرين بزيه الرسمي المعروف، ناهيك عن تميز اختصاصاته التنفيذية أيضًا ، وهو الأمر الذي يجعله ظاهرًا من الناحية المعنوية في فكر عامة أفراد المجتمع. كل ذلك كان دافعًا إلي أن تحتل شخصية رجل الشرطة مكانة ملحوظة في كم هائل من الأعمال الفنية بصفة عامة بدءًا من الأدب الروائي ومرورًا بالسينما.
وتتناسب المكانة التي تحظي بها شخصية رجل الشرطة في الأفلام المصري مع ما يمثله رجل الشرطة من أهمية حقيقة في واقعنا المصري علي وجه الخصوص. فالشرطة في مصر تتصف بأسلوب فريد بين دول العالم من حيث علاقتها بالمواطن المصري، فهي تتعامل معه علي مدار اليوم الكامل بساعاته لتتصل من خلال هذا التعامل بجميع شئون حياة المواطن المصري تقريبا.الشرطة من خلال كونها الجهاز الوحيد المكلف بتنفيذ كل القوانين تقريبا في مصر، يتعامل معها المواطن المصري في ظل واجبها المتمثل في مكافحة الجريمة بشتي صورها بالإضافة إلي بقية شئون حياته من مرور وانتقالات وكهرباء وطاقة ومياه وتسعيرة أوتموين ...الخ.
فأنت تقابل رجل الشرطة في الطريق دائمًا، كما أنه أول من يستقبلك أو آخر من يودعك في الميناء الجوي أو البحري أو في أي منفذ حدودي للبلاد، وكثيرا ما تلجأ إليه عند مواجهتك لبعض المشكلات التي قد تعترضك في حياتك الشخصية أو الاجتماعية، بل إن الكثير من إنجاز المعاملات الشخصية لا يتم إلا عن طريق الأجهزة المتخصصة في الشرطة مثل إثبات واقعات الميلاد والوفاة وإثبات الشخصية أو الهوية واستخراج جواز السفر والحصول علي بعض التراخيص لمزاولة الأنشطة المختلفة.. وغيرها.
وبالنظر إلي إنتاج السينما المصرية سنجد أنها تكاد تكون قد تناولت جميع المظاهر الشرطية في مصر سواء من حيث رتب ضباطها ودرجات أفرادها أو من رجال الشرطة من حيث تخصصاتها النوعية وأنشطتها.
وتتعدد الأفلام المصرية التي تقدم جميع رتب ضباط الشرطة، كما تتعدد مسئولياتهم واختصاصاتهم النوعية علي الشاشة المصرية، فهناك أفلام قدمت منصب الحكمدار(سابقا ويقابله حاليا منصب مدير الأمن) مثل فيلم "قلبي دليلي"(إخراج أنور وجدي ،1947) وفيلم"ريا وسكينة "(إخرج أحمد فؤاد، 1983) وشخصية مأمور شرطة القسم أو المركز في أفلام "يوميات نائب في الأرياف"(إخراج:توفيق صالح،1969 ) و"الأرض"،(إخراج:يوسف شاهين، 1970)و"شهد الملكة"،( إخراج :حسام الدين مصطفي ،1985) ومأمور السجن والليمانات أو مديريها في فيلم"ليل وقضبان "،(إخراج :اشرف فهمي ،1973) وفيلم" كلمة شرف" (إخراج:حسام الدين مصطفي،1972 )، بالإضافة إلي الشرطة النسائية في مصر في أفلام منها "حالة تلبس"( إخراج:هنري بركات،1988) و"البوليس النسائي"(إخراج: عبد العليم ،1988 ) و"شياطين الشرطة"( إخراج :سمير حافظ،1992).
أما التخصصات النوعية للشرطة وأنشطتها المختلفة فهي تكاد تكون قد ظهرت جميعا وبتكرار في كثير من حالاتها من خلال الشاشة السينمائية المصرية، مثل أعمال النوبتجيات في فيلم"إلحقونا وفيلم" أرض الأحلام" ، وشرطة النجدة في فيلم"حكاية حب " وفيلم"غريب في بيتي"، والدفاع المدني في فيلم " بين السماء والأرض"(إخراج: صلاح أبو سيف ،1959) وشرطة المرافق في فيلم"كراكون في الشارع " (إخراج:أحمديحيي،1986)،وحمايةالآثارفي فيلم" المومياء"(إخراج:شادي عبدالسلام،1975 ) وفيلم "وجهًا لوجه "،(إخراج :أحمد فؤاد،1976) ، وحراسة الشخصيات الهامة في فيلم"طيور الظلام "(إخراج :شريف عرفة،1995) وسجون الرجال في فيلم"الملاك الظالم"،(إخراج: حسن الإمام،1954)وفيلم "أنا الهارب"،(إخراج :نيازي مصطفي،1962) ،وفلم"ليل وقضبان" وغيرها.وشرطة التجارة والتموين في فيلم" الفرن"(إخراج:إبراهيم عفيفي،1984)، وتنفيذ أحكام الأحوال الشخصسة في فيلم"عصافير الجنة"(إخراج : سيف الدين شوكت ،1955) ،وفيلم"امرأة مطلقة"(إخراج:أشرف فهمي،1986)، والشرطة النهرية في فيلم"شارع محمدعلي"(إخراج:نيازي مصطفي،1944) ،والإنقاذ النهري في فيلم "استغاثة من العالم الآخر"(إخراج:محمد حسيب،1985)، كما قدمت السينما الشرطة الدولية في أفلامها، ومن ذلك فيلم"عودة أخطر رجل في العالم" (إخراج :محمود فريد،1972) ،و"المنتقمون"(إخراج : يس إسماعيل يس، 1985)،وفيلم " لصوص علي موعد" (إخراج : رأفت الميهي،1988).
وهنا تظهر الدراسة الرائعة التي قام بها الدكتور ناجي فوزي، التي حاول فيها أن يستجمع في نظرة فاحصة أهم الموضوعات التي تتصل بالعلاقة بين السينما المصرية وجهاز الأمن الداخلي متمثلا في رجال الشرطة بدءًا من بحث التواجد الشرطي في الأفلام المصرية وعلاقة السينمائيين المصريين بجهاز الشرطة،بل وعلاقة بعض رجال الشرطة ذاتهم بالسينما المصرية، والبحث في مدي مراعاة الأعمال السينمائية للشكلية في عمل الشرطة.
ويتجه المؤلف إلي التحقيق الموسع في موضوعات هامة يأتي في مقدمتها مدي واقعية التناول السينمائي لأسلوب عمل رجال الشرطة وحياتهم في الأفلام المصرية، وإبراز هذه الأفلام للوظيفة الاجتماعية لجهاز الشرطة، وكذا التركيز علي متاعب المهنة الشرطية وأخطارها.
كما يتعرض المؤلف لقضية علي جانب كبير من الأهمية يتناولها عدد ملحوظ من الأفلام المصرية ، وهي قضية الميل إلي تحقيق العدالة الفردية التي تظهر في السينما المصرية حين تقدم أفلامًا حين تقدم في صلب موضوعاتها علي تحول رجل الشرطة من أداء الواجب الوظيفي العام علي تحقيق القضية الشخصية الخاصة. ولا يفوت المؤلف أن يتعرض في هذا الكتاب لقضايا موضوعية أخري تتناولها الأفلام المصرية، مثل تكرار هذه الأفلام لاستغلال فكرة اختراق وكر الذئب وقضايا هروب المسجونين ، ومظاهر التعاون الخارجي من المواطنين مع أجهزة الأمن، كما لا يفوته أن يتعرض أيضا لقضية الشرطة النسائية كما تقدمها الأفلام السينمائية في مصر.
ويُنهي الكاتب كتابه بالحديث عن أعمال رجال الشرطة وأجهزة الأمن في السينما الفكاهية، والأفلام المصرية التي سلكت هذا النهج من خلال طريقين ،أولهما من خلال حدث أو عدة أحداث تشكل جزءًا من نسيج العمل الفيلمي الواحد، والآخرمن خلال أفلام تدور أحداثها أو معظم أحداثها حول شخصية رجل الشرطة من خلال الأسلوب الفكاهي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن