حوار التحولات مع القاص جمال نوري / اجرى اللقاء الفنان : بديع الآلوسي

بديع الآلوسي
Badia.artiste@gmail.com

2022 / 5 / 11

ذا ما سمحت لنفسي ان اعطي حكما ً نقديا ً على كتابات القاص جمال نوري ، فيمكنني أن اصنفها ضمن ( الأدب الواقعي الوجودي )
فمن يتتبع مسيرة هذا الكاتب ، يجد انه من مواليد مدينة خانقين ، وانه عاش القسط الاكبر من حياته في مدينة تكريت ، وقد أثر وتأثر بهذا المكان ، فهو من بين قلة قليلة من الادباء في محافظة صلاح الدين ممن كتبوا القصة القصيرة والقصيرة جدا واخلص لهذا الجنس الادبي لسنوات طويلة ، لذا لا غرابة ان يعد من الشخصيات المتميزة بحكم ثقافته وابداعه القصصي ، ولإسهاماته الواضحة في تفعيل المشهد الثقافي ، انتخب لإدارة اتحاد الادباء و الكتاب في صلاح الدين لدورتين متتاليتين .
تعرفت عليه بعد سقوط النظام الشمولي ( 2003 ) فوجدت من خلال متابعتي لمنجزه الابداعي ان شخصيات قصصه تنتابهم اوجاع مختلفة تتمثل بالحيرة والقلق والتأزم ، مع ذلك فهي شخصيات جريئة وبعيدة عن الرؤية النمطية السائدة كونها تحمل شغف التمرد غير المصرح به على نحو مباشر . كما له بصمته الخاصة واسلوبه المتميز في انتقاء موضوعاته ، هذا بالإضافة الى اعتنائه بالشكل الفني الذي لطالما عول وراهن عليه في كل نتاجه القصصي .
هكذا عرفته .. مختلفا ً وحرا ً في سلوكه وكتاباته ، اصدر ثمان مجاميع قصصية ، وكتبت عنه الكثير من الدراسات والبحوث الأكاديمية التي تناولت واشادت بتجربته السردية ،
مع هذا كله يصف القاص جمال نوري الكتابة : ( انها عذاب واحتراق ومراوغة مع مرارة الحياة )
التقيت به ، وكان لنا هذا الحوار

سؤال 1 : هل لك ان تحدثنا عن أهم المفاصل و المتغيرات في حياتك .. وهل انت راض عن مسيرتك ؟
ج : بالتأكيد ثمة مفاصل ومنعطفات مهمة في حياة أي انسان وقد تكون على درجة من الخصوصية بحيث انها تترك آثارا واضحة على المسيرة الشخصية .. أول المفاصل المهمة التي أكدت لي انه ليس هناك ثمة استقرار في مصائر الناس هو ما حصل لنا في مدينة جلولاء مطلع السبعينيات حيث توقفت السيارات العسكرية بانتظار ترحيلنا قسرا الى مدن أخرى نائية لكي نبقى قلة خنوعة راضية بما قدر لها ، وهكذا كان الأمر بعد ان بعنا كل شيء ، البيت والأثاث وبأثمان بخسة ، وخرجنا كعائلة مشردة نحمل حقيبة واحدة الى ان وجدنا في مدينة تكريت مقاما ومستقرا ..هناك ادركت أننا مهددون على الدوام بالترحيل والتهجير ، ولم ننشغل ابدا بمباهج الحياة ولكننا انشغلنا بقلق دائم ومنعطفات جديدة لعل أهمها الحروب المتواترة التي عصفت بنا وعصفت بمشواري الأدبي وانا اتخطى مرحلة البدايات ..القلق السياسي والصراع المستعر هو من اوجد هذه الحياة المضطربة والتي انعكست في كتاباتي فكانت مجموعتي الأولى المشتركة ( الجدران) مع القاصة لمياء الآلوسي وكانت القصص تحمل عنفوان الشباب ونزق البدايات ..لم ولن ارضى عن ما انجزته لأن الحياة ببساطة لم تتح لي وقتا أستطيع فيه ان اقدم ما ينبغي تقديمه. كان الفقر والعوز والاضطراب والخوف المستوطن في اعماقنا مدعاة لبقائنا على شفير الموت والتأزم والمجاهدة من أجل لقمة العيش التي أذلنا بها النظام أيما مذلة.

سؤال 2 : .الى أي عوالم تنتمي قصصك ، هل الى المدينة أم القرية ؟
ج : لأنني ببساطة شديدة لم أعش في القرية فأنني انتمي الى المدينة بأجوائها ومناخاتها وصخبها ، ولأنني كائن غير اجتماعي لحد ما ، فأنني أؤثر الاماكن المغلقة ولهذا حسب تجد احداث اغلب قصصي تقع ضمن فضاء الغرف والصالات وقد اخرج عن هذا السياق مكانيا لانفتح على النهر والمقهى او ربما السجن والمدرسة والتجربة الحياتية بمدياتها المحدودة جعلتني اشتغل ضمن هذه الآفاق ولا اتعداها لأنها بالنتيجة تشكل عالمي الشخصي تحديدا وعوالم شخصياتي التي تناور ضمن هذه الاماكن المغلقة نوعا ما...

سؤال3 : ما دور الخيال في منجزك الحكائي او السردي ؟

ج : لا يكتمل أي عمل سردي من دون الخيال الذي يتماهى مع الحدث الواقعي ليضفي عليه او ليزينه او ليكسبه طاقة كبيرة لإثارة الدهشة وقد يتشكل الخيال فنيا ليتلبس لبوس الفانتازي او الغرائبي وان شئت فسمه العجائبي .. كل هذه المعطيات الفنية هي وليدة الخيال ونتاجه وبها يتمظهر العمل الفني بجماليته ومستوياته الابداعية ..

سؤال 4: هل تناولت قصصك فئات اجتماعية مظلومة ؟

ج : بالتأكيد ..اذا لم نكتب عن تلك الفئات التي خضعت لسطوة السلطات القمعية والاستلاب اليومي ومصادرة الحريات الشخصية فعن من سنكتب يا صديقي ..ابطالي اناس متأزمون وقلقون على الدوام لانهم نتاج واقع كارثي محكوم بسلطات قمعية متعاقبة . بطلاتي من النساء مكسورات ومتلبسات بخيبة دائمة مع انهن يتوهجن حبا وعشقا والجنود من ابطال قصصي هم من ساقتهم اقدار الساسة الى اتون حروب ضروس تحرق الأخضر واليابس من دون رحمة .. انتصر لكل قضية انسانية ولو كان ذلك عبر السرد فقط وادافع عن وجود ذوات عانت ما عانت وعصفت بها متقلبات الحياة اولها ذاتي المضاعة في متاهة الواقع وفضاءات الخيال والاحلام .

سؤال5 : .من هم الكتاب الأقرب الى نفسك ، ولماذا ؟

ج : تأثرت شأن غيري من القراء بالعديد من الكتاب العالميين والعرب والعراقيين ليس لشيء الا لانهم تعاملوا في ابداعاتهم بحساسية عالية مع الانسان وقضاياه وشجونه ومعاناته وكبواته وانكساراته وانتصاراته ، ومن هؤلاء الذين تركوا آثارا واضحة في تضاريس منجزي السردي أذكر ، تشيخوف و همنكواي ودوستويفسكي وابسن وفرج ياسين وجلال زنكابادي والتكرلي وعبد الملك نوري وعبد الرحمن منيف وحنا مينة .. ادين لكل هؤلاء بما تعلمته منهم من عمق ونبل ورؤية انسانية مذهلة في تصديهم ومواجهتهم لتجارب الحياة .

سؤال6 : .هل من رواية ما غيرت مسار حياتك ؟

ج : بالتأكيد ومن دون تردد أقول رواية الشيخ والبحر للكاتب الامريكي الكبير ارنست همنكواي الذي لخص في روايته هذه تجربته الفلسفية ورسالته التي اكد فيها بأن الانسان يمكن ان يتحطم ولكنه لن يهزم ابدا ، ولهذه الرواية تحديدا شفراتها التي بذرت في داخلي قوة الارادة .

سؤال 7 : ما رأيك بمدرسة تيار الوعي ؟

ج : لست ممن يدلي برأيه إزاء ما قدمته فرجينيا وولف وجويس وميلر الذين ابتكروا تقانة جديدة اضافت الكثير الى السرد وكأن ذلك يقترن بالفلسفة عندما انزلوها من فضاءها الميتافيزيقي الى فضاء الانسان وأزمة وجوده وهكذا أصبح دور تيار الوعي في تعامله مع الزمن وسحب السرد الى منطقة داخلية في وعي الانسان لكي يضيء السارد الجوانب الخفية في شخصياته ويتفاعل مع تطلعاتهم واحلامهم ولعل (المونولوك الداخلي) يعد واحدة من الوسائل المهمة في هذا المفهوم .. استفدت كثيرا من هذه التقانة لأضيء دواخل شخصياتي وأضيف نافذة أخرى تكشف حجم الضياء والعتمة في دواخل ابطالي .

سؤال 8 : ماهي مهمة الكاتب وهل له دور ؟

ج : بلا ادنى شك ثمة مهام جسيمة يتحملها الكاتب ويتبناها ليس لشيء الا لكونه يتميز بوعي مختلف ومقدرة هائلة في استقراء الواقع واستشراف المستقبل من خلال رؤية مختلفة تؤمن بالتغيير كقدر لابد منه للنهوض بقوة واصرار واذا كانت الكتابة حالة ذاتية بحته تلزم الكاتب ان يكتب في جنس ادبي محدد فانه بالتالي انعكاس لمرحلته وواقعة وقراءة جديدة لمعطياته وحتى لو لم يكن خطابه الجمالي يقصد طرفا ما فانه بالتالي يخاطب الجميع ..مهمة الكاتب والمثقف ان يتصدى ويتحدى لا ان ينكفئ ويتخاذل فمهمته لا تتوقف عند الكتابة والقراءة .. ثمة مضامير عديدة في الحياة بانتظار صولاته وجولاته لا ان يرفع رايته البيضاء ويصمت لأنه يخشى ان ينسحب كلام برتولد بريخت عليه حين قال ( لن يقولوا كانت الأزمنة رديئة بل سيقولون لماذا سكت الشعراء ) .


سؤال 9 : ما أهمية الوصف في بناء قصصك ؟

ج : يرى جينيت أن هنالك وظيفتين اساسيتين للوصف ( اولاهما ان يكون عملا تزيينيا والثانية ان يكون بمثابة توضيح وتفسير يمنح الوصف وظيفة رمزية دالة على معنى معين في اطار سياق الحكي) ولهذا حسب أتعامل مع الوصف ضمن هذا التوجه الذي يجد فيه ضرورة لكي اقدم صورة عيانية للشخصيات ومكانية وانفعالية تلاحق المتغيرات الشعورية التي ترافق الشخصية في تحولاتها، ويعد الوصف مكملا لمهمة السرد اذا لم نسهب فيه لنعطل مسار السرد والقارئ بحاجة لان يعرف دور الوصف لكي يتخيل المكان الذي تجري فيه الاحداث ويتصور اشكال الشخصيات ومواصفاتهم الشكلية فضلا على معرفة انفعالاتهم وتازماتهم النفسية التي يضطلع بها الوصف بكل دقة واذا اردت ان تستزيد فعليك بكتاب الكاتب علي حسن العزاوي ( جماليات الوصف في قصص جمال نوري ) والكتاب في الاصل رسالة ماجستير نوقشت قبل سنوات في جامعة تكريت .

سؤال 10: ماذا أضافت لك عائلتك ومهنتك كمدرس للغة الانكليزية في تطوير اشتغالك بالقص ؟

ج : في اكثر من لقاء صحفي وتلفزيوني كنت اؤكد على ولعي بالحكاية الذي ورثته من ثلاث حكواتيات تركن اثرا بالغا في تثوير شغفي بالسرد ، أمي وجدتي ووالدة جدتي اللواتي كن يسكنن في نفس البيت وكنت انتقل بينهن ابحث عن قصص تروي ظمأي الابدي للحكايات وكان ذلك مدعاة لتأجيج هذه النار المتوقدة في قلبي وعقلي ولعل اشتغالي في حقل التربية والتعليم أضاف لي الكثير من خلال تفاعلي مع طلبتي واكتشاف مواهبهم الادبية والفنية فضلا عل كون الوسط هو اقرب الى الثقافة والمعرفة من أي وسط آخر، ومعرفتي للغة الانكليزية أضافت لي الكثير من خلال قراءة النصوص السردية بلغتها الأصلية فضلا على ولعي بالترجمة فما أن يثيرني موضوع ما حتى اجدني اترجمه الى اللغة العربية وكذلك الامر للغة الكردية التي ترجمت العديد من القصص والقصائد منها الى العربية .

سؤال 11 : هل حاولت توظيف الاساطير والعادات الشعبية في ثتايا نصوصك ؟

ج : عندما تبدا رحلة الوعي والكتابة ينهل الكاتب من مشارب عدة وقد تكون الاسطورة والموروث الشفاهي احدى هذه المنابع الثرة التي تمنح نصك خصوصيته وفرادته ويختلف الساردون كل حسب اسلوبه ومنهجه في توظيف الاساطير ومعطيات الحضارة التي ينتمي اليها او يباهي بها وهكذا الامر مع العادات والموروث المحلي وقد تجد كل هذه الاشتغالات واضحة في رصيدي السردي عبر عشرات السنين ولعل افضل من كتب عن هذا الجانب في تجربتي السردية هو الكاتب محمود حريد الجبوري في كتابه ( جماليات التشكيل السردي في تجربة القاص جمال نوري).

سؤال 12 : ماذا أضافت تجربة الحرب لك ، على الصعيدين النفسي والاجتماعي .؟

ج : الحروب لا تضيف شيئا ، انها تقضم اعمارنا بقسوة ، وفي لجة الحرب ان اردت الكتابة فعليك ان تناصر جهة وتدين جهة ، عدا ذلك عليك ان تصمت حسب تعبير ميلر حين قال .. حين تتحدث المدافع تسكت الاقلام ، وعلى ضوء ذلك تكون الحياة غير منصفة حين يشترط على بقائك حيا ان تمتثل للصدفة التي قد تحالفك والرصاصة التي قد تخطأك .. الحرب نقيض الحياة ، وكلماتنا كانت تعبيرا صارخا وادانة سافرة للحروب التي خلفت ورائها جيوشا من الايتام والأرامل والمعاقين جسديا وعقليا .. لقد كتبت مثلما كتب غيري ولكنني تجنبت الادب التعبوي الذي يناصر جهة على حساب الأخرى وربما كنت اقرب في رؤيتي مما ذهب اليه فوكنر حين قال : ( ما من احد يخرج من حرب منتصراً ) .


سؤال 13 : هل تعتقد ان للأدب تأثير في عصرنا الحالي؟

ج : إذا كان للأدب تأثير على الناس والمجتمع في القرنين الماضيين فانه ما عاد كذلك الآن ، ليس لشيء الا لأن الخطاب الادبي قد تغير وانحسر دوره بعد ان ظهرت اشكال اخرى ازاحته على صعيد الاهتمام والمتابعة، فبعد ان كانت مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ اصبحت الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الأكثر جذبا للمتابع الذي تأسره الصور .. ما عاد لدينا قراء حقيقيون يتابعون الا ما ندر، فضلا عن توجه الكثير من الكتاب الى كتابة القصيدة القصيرة او القصة القصيرة جدا او النوفيلا استجابة للذائقة الجديدة التي تسأم بسرعة من فعل القراءة .. لا اعتقد ان الخطاب الادبي باستطاعته ان يغير شيئا من واقع قاس تسيره التفاهة كاستراتيجية هيمنت على كل مفاصل الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية .

سؤال14 : ما لا يعرفه القراء عن سيرتك الذاتية ؟

ج : لو كنت ممثلا او مهرجا او مغنيا او لاعب كرة قدم ، لأصبحت محط اهتمام المتابعين الذين يرغبون بمعرفة كل التفاصيل ولا سيما المسكوت عنها ، اما ان اكون قاصا مغمورا ومسالما فهذا لن يعني احدا بالتأكيد .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن