مناقشة رواية العناب المر لأسامة مغربي بتاريخ 7/5/2022

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2022 / 5 / 11

بعد انقطاع دام أكثر من عامين عقدت اللجنة الثقافية في دار الفاروق للثقافة والنشر جلسة لمناقشة رواية العناب المر، وقد افتتح الجلسة مدير دار الفاروق السيد رفعت سماعنة الذي رحب الحضور، وأكد على أن دار الفاروق ستستمر على النهج الذي وضعه الروائي محمد عبد الله البيتاوي.
ثم فتح باب النقاش وتحدث الأستاذ "نضال دروزة" قائلاً: الرواية تتناول البعد الوطني الفلسطيني، والمعناة التي يتعرض لها المناضل/ة، فهناك ظلم شديد وقع على أبطال الرواية، خاصة النساء، حيث تعرضت بطلة الرواية إلى عملية إسقاط على يد العملاء، لكنها وقفت صلبة أمام التهديد، وقررت أن تكشف لعبتهم القذرة، رغم ما ستتعرض له من أذية من الأهل ومن المجتمع، وهنا أتى دور ابراهيم المناضل الذي استوعب ما جرى وقرر أن يقوم بعمل متمرد بزواجه منها، وهذا ما جعل الرواية متميزة، فهي لم تقدم صورة الانكسار/المنكسر، بل صورة المواجهة والتحدي.
ثم تحدثت الروائية عفاف خلف قائلة: "اللافت في الرواية أن الشخصيات النسائية في الرواية لم تكن متماثلة مع واقع المرأة في زمن الانتفاضة الأولى، حيث كان دورها أكبر بكثير مما قُدم في الرواية، كما أن تركيز السارد على المكان الريفي والمرور السريع على المدينة يحسب على الرواية وليس لها.
وتحدثت الروائية "فاطمة عبد الله" قائلة: تعتبر الرواية من أهم الأجناس الأدبية القادرة على التقاط الذات والواقع واستقراء المجتمع والتاريخ بصدق موضوعي وتخيل فني يوهم بالواقع محققا المتعة والإدهاش. جاءت هذه الرواية لتلتقط فترة زمنية مفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني (الانتفاضة الأولى).
يحيلنا عنوان الرواية إلى شجرة العناب الشاملة الشائكة المعروفة منذ القدم في فلسطين، وقد استخدمت هذه الشجرة في معسكرات الجند الروماني كسياج للحماية، تتحمل شجرة العناب الظروف البيئية الصعبة وتنتج ثمارا هشة حلوة المذاق، لكن هنا كلمة المرّ الواصفة لهذا العناب لا تدل فقط على المذاق المزعج، فحين حفر أبطال الرواية الثلاث أسماءهم على جذع الشجرة وتعاهدوا تمثلوا بالمرارة وجلب الألم لعدو محتل وأعوانه. ولا زالت تتشارك الحواس في قراءة عنوان الرواية وغلافها.
صورة لثلاثة من الشباب في زي عسكري، مبتسمين رغم ضبابية وتداخل كل ما يحيط بهم في غلاف رمادي وشريط ملون يحمل اسم الرواية، فيحمل الغلاف كاملاً صوت ورؤية أيديولوجية معينة سيقيم الكاتب عليها عمله.
بعد الإهداء في مقدمة وجيزة يتحدث الكاتب عن العمل الأدبي وظروف إنجازه، وبعض الرؤى لترسيخها في وعي المتلقي. الحميدية أرض الرواية وعنوان الفصل الأول لفصول ثلاث ضمتها الرواية، الحميدية قرية فلسطينية من صنع خيال الكاتب لكنها كل قرى فلسطين آنذاك، بأهلها وناسها وظروف معيشتها وموروثها الثقافي والشعبي والديني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وكل ما يحيط بالحميدية من قرى وشوارع وجبال موجود واقعاً. في الصفحات الأولى مفتاح لكل واحد من الشخصيات التي اختارها الروائي، ليقيم بها الحدث و تأزمه لاحقاً، وقد حدد السمات الأساسية لكل شخصية ومكوناتها ودوافعها الخفية وعمق تفكيرها، مع هذه الشخصيات تتوالد الأحداث وتنمو ويتوالد غيرها من الشخصيات الأخرى على طول صفحات الرواية. يلمع دور كل شخصية كممثل لتجربة إنسانية مختلفة عن الأخرى ولا ينتهي أثرها في نفس المتلقي بعد الانتهاء من الرواية، ابراهيم الشخصية الرئيسية المحورية التي لا يعمد الكاتب إلى عملقتها استثناء عن الشخصيات الأخرى وخاصة أصدقاءه في العمل الثوري، يبدأ آمنا في بيته وحضن أمه مستقراً في عمله تسعى والدته لتزويجه، لنجده بعد 303 من الصفحات وحيداً مطارداً مطلوباً ومتلائماً مع إيقاع القدر والطبيعة يتحرك وفق حركتها المضبوطة بالولادة والموت.
يقدم الكاتب وصفاً تصويرياً مشهدياً للقرية وبيوتها وعائلاتها وحاراتها وأفراحها وأحزانها، مستعرضاً من خلال الشخصيات في صورتها الأولى أحوالها الاقتصادية والاجتماعية وصراعها الاجتماعي والأخلاقي، يتعرض للاحتلال وأعوانه وأدواته وممارساته والقهر والاستغلال والفتنة التي يبثها.
ص69 من الرواية وتحت الجزء 12 من الفصل الأول تأتي الانتفاضة الشعبية الأولى، على إثر استشهاد أربعة شبان في رفح، كانت هذه الانتفاضة بمثابة المنقذ الفلسطيني الذي بدأ يلبس ثوب الهزيمة ويجر أذياله، ويعيش كبت الاحتلال وممارساته العنصرية واللاأخلاقية، وكذلك جاءت منقذاً لمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من مخططات الوصاية والاحتواء بعد سنوات عجاف مثخنة بالجراح، كتابة على الجدران، رجم الدوريات بالحجارة، دواليب مشتعلة، جرحى، مداهمات اعتقالات، تحقيق زنازين، غرف العصافير وتعذيب. أحمد يبقى مطاردا يعمل في إدارة التنظيمات والتواصل مع قيادة الانتفاضة، صور كثيرة من النضال الشعبي وتكاثف الناس وتعاونهم، ومساعدة المطاردين وإيواءهم وتهريبهم في الوقت المناسب، الوقوف بجانب أهالي الأسرى والشهداء، اقتياد العملاء والتحقيق معهم، وانتزاع اعترافاتهم ومشاهد تصفيتهم.
سحر الضحية التي تم اغتصابها في محاولة لإسقاطها تكون بطلة الرواية على العديد من صفحاتها تحدث بما حصل معها لنشر الوعي للأخريات وفضح من وراء هذه الأعمال، يتم تصفية مغتصبها (سامر جبران) بعد أن تحاول الانتحار، يتدخل ابراهيم ويخطبها لنفسه ويتزوجان في مراسم وطنية وسط القرية رغم أنه مطارد ويتخفى دائماً عن الاحتلال وعيونه، يتم تصفية المختار وابنه بعد سيرة طويلة من استعراض أعماله القذرة وعلاقته في جهاز المخابرات، أحداث كثيرة شيّقة يجد بها المتلقي تاريخاً مضى ويقرأ الحاضر القائم في مقارنات ومطابقات ذهنية لا يمكن أن يتجاوزها.
الانتفاضة من أكثر المفاصل التاريخية تأثيراً في حياة الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير ولكنها كانت في أغلب الأوقات عبارة عن ردات فعل وارتجال واجتهاد، فلم يترافق كفاح الجماهير وطاقتهم الثورية برؤية وعمل وآليات تجعله أكثر نجاحاً، اعتاد أحمد مراراً على الاعتراض على القرارات والأوامر الإدارية التي تعيق الأعمال الفدائية والبطولية ص94، بتضافر معه إبراهيم ص101, ص102, وبعد فترة من المطاردة يمل حسان ويبدأ بالمطالبة بأعمال ضد المحتل وجنوده مباشرة وفي النهاية ينفذ ما طالب به بشكل فردي ويستشهد.
جاءت الرواية كما ظهر فيها في فترة بدأ التدين يحتل مساحة لا بأس بها على حساب القضايا الوطنية حيث كان مجتمعنا يسير بخطى حثيثة نحو الانغلاق والحجاب، ومنع الاختلاط، وضعف حرية التفكير، وحصار المرأة وعدم السماح لها بالخروج من البيت لإتمام دراستها كما هي الحال مع مي وسحر، ومع كل هذه القيود يرى ابراهيم أن نساءهم لا ينقصهن شيء ص28، حين رد على داشا بعد أن سخرت من لباس نساء أهل القرية، فقال بجدية: إن نساءنا لا ينقصهم أي شيء من حقوقهن، ولكننا لا نعرض نساءنا سلعاً للعيون والشوارع والذباب. وفي صفحات لاحقة ومن خلال حوار بين سحر ومي تتحسر كلاهما على ضياع فرص التعليم، واستحالة توفر فرصة اختيار شريك حياتها، وكانت تحسد إخوتها الشباب لأن لهم دور في الانتفاضة وتتمنى لو كانت شاباً.
أكثر الروائي من ذكر ندماء المسجد وجلساتهم وفي أكثر من مكان في الرواية وذلك تعبيراً عن مكانتهم ودورهم البارز وتأثيرهم في المجتمع.
أبرزت الرواية دور المرأة الفلسطينية وصمودها كأم شهيد وجريح وأسير، فكانت أماً وأختاً وعوناً وسنداً لكل المناضلين ولا تتوانى عن تقديم العون والمداواة والرعاية والاستقبال .
كانت الأم لأرملة (أم محمود) والأم في غياب الزوج (أم حسان)، وتحملت مسؤوليتها وتربية أبناءها على خير وجه، كانت الأم البائسة لرجل متسلط تتحمل الإهانة والضرب والتعنيف (أم فؤاد) زوجه جابر أبو العينين، كانت الضحية (سحر) وكانت المرأة التي من السهل الإيقاع بها وانقادت خلف المختار وضابط الاحتلال مثل صبحية وفتحية وأحلام، وأم الفريد.
لغة الرواية الفصحى ذات المعجمية البسيطة البعيدة عن المفردات الصعبة.
تسير الرواية في تتابع زمني منظم وفي أجزاء متتابعة في كل فصل، حيث يجد المتلقي نفسه متصلاً بالحدث نفسه مع مجموعة شخصيات الرواية أو مع الشخصية الفاعلة، وعمد الروائي إلى أسلوب التذكير والعودة إلى الماضي وتوارد الخاطر بما يستدعي استكمال الصورة الحاضرة. وحسب تصنيف العالم اللغوي (فنسنت) كانت الرواية تحتوي على الخطاب والقصة، فالقصة هي التي تحدث دون تدخل الراوي في مجرى السرد، بينما الخطاب هو فعل كلامي يفترض وجود راو ومستمع، يكون في نية الراوي التأثير عليه، وكذلك تنوع السرد بين لغة تقريرية، وحوارية، ومن الملفت أيضاً تهجين لغة السرد بلغة الشعر وخاصة في تجليات القرية وما يخص طرقاتها وحاراتها وطوابينها ورائحتها، وشروق شمسها وغروبها، وحين يتطرق لسحر وألم معاناتها.
ضمن الروائي روايته بتداخلات أدبية مثل.. الجريمة والعقاب، أنشودة السياب (هو لن يعود) محمود درويش.
وتداخلات دينية بورود آيات من القرآن الكريم، وتداخلات تراثية بعض الأمثال الشعبية، ظريف الطول وأبو الزلف، والحداية والمواويل، وقد جاءت تداخلات واضحة صريحة أحياناً وضبابية أحياناً أخرى كما سألت سحر مي في أي واد تهيمين؟ وجاءت كمتنفس للتعبير عن حالة سحر النفسية حين قالت: (هو لن يعود... أو ما علمت بأنه أسرته آلهة البحار).
أما الفنان "سمير عودة" فقال: رواية جميلة على أكثر من صعيد، فالمكان تناوله الكاتب بطريقة لافتة، إن كان في القرية أو المدينة، كما تم الحديث على الشخصيات بصورة متناسقة وسلسة، وأعتقد أن قدرة أبطال الرواية على المواجهة وتحدي الاحتلال والعملاء جعل القارئ ينحاز لها، وخاصة عندما تناولت الرواية المرأة وكيف استطاعت أن تواجه عملية الإسقاط وتتحدى العملاء وتتخذ موقفاً ثورياً بكشف ما جرى معها لابراهيم الشخصية المركزية في الرواية.
وإذا أخذنا أن هناك (المختار) التقليدي ودوره السلبي، وهناك الشباب ودورهم المقاوم، يمكننا القول أن الرواية تطرح فكرة الشباب ودورهم في تجاوز القيادة التقليدية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.
وقال الأستاذ "سامي مروح": الرواية تتحدث عن حقبه تاريخية تتحدث عن النضال الفلسطيني أيام الانتفاضة الأولى وما جرى خلالها من أحداث، حيث كانت المرتكز لكل ما جرى من أحداث على الساحة الفلسطينية التي أثّرت على مجريات الأمور في العالم والتي جعلت العالم ينظر إلى الشعب الفلسطيني كصاحب قضية يجب على العالم حلّها وأن يضع حد لاحتلال اسرائيل لأرض فلسطين، وللأسف الشديد لم يحسن العرب والقيادة الفلسطينية استغلال الثورة الشعبية حتى أسفرت عن اتفاق أوسلو البغيض والجحف في حق الشعب الفلسطيني، أراد الكاتب أن يضيئ بعض القضايا من خلال أحداث روايته كقضية استغلال الشعب الفلسطيني في العمل داخل الخط الأخضر عند اليهود، وممارسات المخابرات الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا، وكذلك توجيه رساله للعالم أننا لسنا مخربين بل نحن بشر لدينا مشروع إنساني من خلال توظيف حادثة إنقاذ الطفل لتبرهن على إنسانية الفلسطيني وأن العداء ليس عرقي ولا ديني في الأصل لكننا نتعامل مع من اغتصب أرضنا واحتلها. أما عن الفنيات فقد أبدع الكاتب في رسم الشخوص حتى أن القارئ يظن أنه يعرفهم من قبل مثل المختار وأعوانه كذلك شخوص الانتفاضة، ظهرت شخصية عفيف المجنون التي لم يوظفها كما يجب كما كانت هذه الشخصية في روايات نجيب محفوظ. إن هذا العمل يصنف ضمن الأدب الاشتراكي ودليل على ذلك تعدد الأبطال والشخوص داخل الرواية، كما أن أسلوب كتابة الرواية سردي عادي تقليدي سهل خالي من التعقيد
أما الكاتب "همام الطوباسي" فقال: الرواية تقدم المرأة المستهدفة من مخابرات الاحتلال وأعوانه، وكيف استطاعت أن تتحدى وتواجه عملية الإسقاط بطريقة صحيحة وسليمة، كما أنه جعل أبطال الرواية من الشباب تحديداً يحمل بين ثناياه دعوة غير مباشرة إلى أهمية الشباب في الثورة والمواجهة.
أما الشاعر "عمار خليل دويكات" فقال: يعتبر العنوان هو العتبة الأولى للنص، والجزء الأهم في النص المحيط للعمل الأدبي، وقد يخضع عنوان العمل الفني إلى صراعات وتجاذبات عند صاحب العمل الأدبي، وهذا يعتبر من أهم علامات النضوج الفكري لدى الكاتب، على ألا يستحوذ العنوان على مساحات فارغة في المضمون، بمعنى ألا يكون العنوان أكبر من النص ذاته، وهذا يعتبر انزلاق وبناء وهمي ينقص من قيمة العمل الفني. فعندما يحمل العنوان علامات توصل القارئ إلى المعنى في المضمون، فهذا يعتبر نجاحاً وتألقاً يحسب لصاحب العمل الفني. هنا في رواية (العناب المر) يلوح السؤال من بداية الرواية، منذ متى أصبح العناب مراً؟ ولماذا أصبح مراً؟ إذن هي العلامة التي تحمل المعنى، والمضمون المنبعث من بدايات الرواية، فتتشكل حالة من السوداوية المرتقبة لدى القارئ، لمعرفة ما هو الشيء الذي أراد الكاتب أن يوصله للقارئ، من خلال هذا العنوان المتناقض. أشار الكاتب في تقديمه للرواية عن مضمون الرواية فكشف لنا النص، وأصبح وصياً على القارئ، وكم وددت لو أن الكاتب لم يضع هذه المقدمة. تعتبر هذه الرواية واقعية توثيقية، ومن خلال البناء الروائي نجد أن الكاتب كان مسيطراً على فصولها، وعلى شخوصها، يسير بهدوء دون انفعال، كذلك استخدم الكاتب اللغة الفصحى مع جميع الشخوص، دون وجود الفروقات في اللغة بين تلك الشخوص، وهذا جعل بعض الرتابة غير المقنعة في الحوارات، مما لا شك فيه أن استخدام اللغة المحكية يضيف على النص حالة من التغير والواقعية. يعتبر المكان في هذه الرواية بطلاً من أبطالها، وهذا له مدلول واضح على أهمية المكان، فأصل الصراع على المكان، فقد ذكر الكاتب أسماء الأماكن والتي تنتمي لمدينة نابلس وقراها ومخيماتها. الزمان: هو أيضاً يعتبر بطلاً ثنائياً مع المكان، وهو واضح تماماً، الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م، هذه الفترة الزمنية التي أدهشت العالم، وألهمت الكثيرين، لكن الكاتب كان واقعياً، غير عاطفي، أوضح بكل جرأة وعكس الحالة الحقيقية التي عاشتها تلك الانتفاضة، وهذا ليس تجنياً أو تقليلاً من تلك التضحيات، لكنه الواقع المؤلم، الذي لا يمكن أن نتلاشاه إلّا إذا عرّفناه جيداً، وكنا صريحين مع أنفسنا. العناب المر، رواية تسجيلية واقعية، لها زمنها المحدود ومكانها المحدد، لها شخوصها المكررون في كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، هي ذات الحكاية، وهم ذات الأبطال، وللأسف هي ذاتها النهايات المرة.
وتحدث الشاعر "خليل قطناني" قائلا: المكان في الرواية يستوقفنا لما فيه من أبعاد ولما له من أثر على شخصيات الرواية، فهناك المكان العام، الخاص، الغريب، الأليف، المستلب، وبما أن السارد لم يذكر الرقية المكان الأساسي في الرواية، فهذا أعطا المكانة مساحة أوسع، وبما أن هناك مجموعة قرى يمر بها أبطال الرواية، وهناك مدينة ومخيم، فإن هذا منح الرواية بعداً جغرافياً فلسطينياً، بحيث يجد فيه القارئ/أي قارئ المكان الذي يسكنه.
وفي نهاية اللقاء تحدث الروائي "أسامة المغربي" قائلاً:
فاتحة الكلام هو كلمة وفاء
لمن حرص أن يجعل من هذا المكان منصة تفاعلية أدبية وثقافية تفتخر بها نابلس المدينة والمشهد الثقافي الفلسطيني على وجه العموم، تجسيدا لدور النخب الثقافية وحضورها المميز.
ولعل هذا المكان كان مقصدا للعديد من الأقلام الناشئة والواعدة، وكان مصدر إلهام وتشجيع، لعله كان نقطة تحول عند البعض وكان نقطة البداية لأقلام ازدهرت وتزدهر.
لروح مؤسس هذه المنصة الأدبية التفاعلية الأديب الراحل أبو رأفت البيتاوي الرحمة والسلام، ولفعله العظيم الجليل كل التحية والإكبار.
يسعدني أن تتجدد هذه اللقاءات الفكرية والثقافية، وأن تحمل روح المكان استدامتها المميزة، وأن أكون ضيفاً على هذا المسرح الثقافي المتميز، برفقة زملائي من المثقفين والكتاب والمهتمين.
رواية العناب المر ..
من المهم الحديث عن الإطار التاريخي للرواية وهو السنة الأولى من الانتفاضة الأولى عام (1987)، على اعتباره نقطة تحول فارقة، فقد كانت بداية الوعي الشعبي الشمولي بعد هزيمة عام (1967)، وكان من أهم تجليات هذا الفعل (الانتفاضة) والتي عبّرت عن رفض الهزيمة والاستلاب وتجاوز العجز وتجاوز حالة الاستسلام للقدر الذي خلفته الحروب الخاسرة.
وأن ما يتم الآن إنتاجه من البطولة والسيرورة الوطنية والثورية ابتدأ من تلك اللحظات:
وقد تم بكل اقتدار نقل حالة الاشتباك من الخارج إلى الداخل ضمن حالة جماهيرية وإطار شامل يجمع الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
على هذه الجغرافيا عدو واحتلال عنصري لا يعرف الرحمة، وهنا المجتمع الفلسطيني/الشعب الفلسطيني، وهناك عالم يكيل بمكيالين.
عبرت هذه العناصر مجتمعة عن بيئة خصبة لإنتاج الثورات وبيئة محفزة لإنتاج الأبطال.
كانت تلك النقطة من بواكير التفتح الثوري الشعبي وإسقاط النظرية الصهيونية التي راهنت أن هذه الأرض ستصبح يهودا والسامرة ولن تملك خياراتها للمستقبل.
ونحن نعلم الآن أنه ستكون مراحل طويلة بعد ذلك وتجارب ويبقى الثابت في هذه المعادلة الاحتلال العنيد والمجتمع الفلسطيني الأكثر عناداً، ولن تُنسى البدايات.
كل تفاصيل الرواية حدثا يتشكل بتلقائية واتساق مع ردة فعل الشعوب المقهورة إزاء القوى الغاشمة، ولم تكن الانتفاضة مجرد أرشيف يضم بين ثناياه التفاصيل التي حدثت وانتهت إنما حملت في طياتها فعلاً تراكمياً سابقاً وشكّلت رافعة وطنية للمراحل التي ستأتي، وجزءاً من تاريخنا الشخصي والجمعي ووعياً متكاملاً للمستقبل ..
العناب المر هي جزء من ذاكرة الانتفاضة الأولى لأبطال حقيقيين، رحلة من تفاصيل مثيرة ابتدأت في تلك القرية المتخيلة والتي لا تختلف عن أي قرية أخرى في سناسلها وزيتونها وبيوتها ومئذنتها والمستوطنة التي يقيمها الأغراب على أطرافها..
عشرون عاماً من النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي، باستخدام الإسقاط والإغراء والاعتقال لم تفلح في تغيير المجتمع لمنع تلك النقطة التي يسترد فيها وجهته الحقيقية.
رصدت الرواية التغيرات الاجتماعية خلال تلك العشرين عاماً وما آلت إليه من تغيير لنظم القوة والزعامة في الريف والتحكم بأرزاق وأمن الناس، ورصدت تلك اللحظة بالتحديد التي اندلعت فيها الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
"رفرفت على الأشجار راية والمتاريس اكفهرت، وعلا الجو ضباب في وجوه الغاصبين، وامتدت الكف السمراء من بين السحاب، من كل الفصول لترجم الحقد الدفين، هذي بلادي وأعراس البيادر والليالي وهمس الموج تحت المركب الساري، يحث السير يبتلع الطريق، نحو المدائن والموانئ، ونموت في الساحات والرايات مشرعة، ولكن فلنمت من أجل أن يحيا الوطن".
الشكل والأسلوب ولغة الحوار كتبت في مرحلة سابقة، ما يحسب لها ويحسب عليها في ذمة القارئ والناقد، وتبقى الرواية مفتوحة على كل التفاصيل اللاحقة، لم توصد الباب أمام المراحل التي ستأتي فكانت جزءاً مهماً في تاريخ طويل سبقته ثورات وتبعته ثورات لأجيال حملت إرثاً ثقيلاً في مشروعها التحرري.
وهو ما يسمح بإعادة تأطير الرواية بعيداً عن إطارها التاريخي في الفضاء المفتوح للإجابة عن السؤال: ما هو مستقبل الفلسطينيين؟ السؤال الذي شغل ولا يزال يشغل السياسيين في العالم منذ سبعين عاماً، وهو الهم الوطني الذي يستيقظ عليه الفلسطينيون كل صباح، ولا تغمض أعينهم عنه ليلاً، وبنفس الدرجة من التيقظ يقف سدنة المشروع الصهيوني لحراسة ما أنجزوه، وبناء المزيد من الأسوار والجدران وأبراج المراقبة.
الإجابة عن هذا السؤال كانت تتعقد مع كل مرحلة تاريخية تقودها المتغيرات السياسية الكبيرة، والتي لا زالت تحمل سمة التعقيد مع مرور الوقت الذي يسرقه المشروع الصهيوني باتجاه ترسيخ الاستيطان ويهودية الدولة، وعزل الفلسطينيين في بانتستونات منفصلة.
لا أحد يستطيع أن يحسم المستقبل، وهي حقيقة تحمل بعض الأمل لمن لا يملك أن يحسم الواقع، هل ينتظر الفلسطينيون صدفة تغير اتجاه الأحداث، أو أن يتغير العالم الذي تغير سابقاً وأسقط جدار برلين ونظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا؟ وإلى ذلك الحين ماذا ينبغي على الفلسطينيين أن يفعلوا؟ لأن من يملك الفعل حقاً على الأرض هو المشروع الصهيوني المتنامي.
لقد أفرز الصراع (الصهيوني الفلسطيني) جملة من الثوابت والمتغيرات في سياقه الطويل، وشكل أنماطاً محددة يمكن الاستدلال عليها من التغيرات الحاصلة على الواقع الجيوسياسي، الذي ينقل الفلسطينيين كل يوم بعيداً عن الأمل.
ولعل الثابت الأساسي في هذا الصراع، هو طرفا الصراع ذاته، الصهيونية الممثلة بدولة متفوقة وحلفائها الاستراتيجيين في مواجهة الفلسطينيين الناجين من الحروب التي خسروها، حين تشكل لهم النجاة بحد ذاتها أملاً جديداً ليوم آخر يتسع للحلم.
الرواية الفلسطينية لن تبقى تردد وتدور حول محورها وستذهب أبعد من رصد المشهد وترسيخ الهوية.. إنها تفتح بصيرتها على المستقبل من فعل أبطالها الحقيقيين، فلن تذهب سدى كل التضحيات التي دفعت رخيصة من أجل الحلم الفلسطيني الذي يمثل كل الشعوب المقهورة في الأرض، وتمثل أيقونة للنضال ضد قوى البطش والاستعمار.
البيت الفلسطيني الكريم المضياف لم يتغير، الأم الفلسطينية التي تلد الأبطال، الأرض التي اغتالوها ولم تسقط هويتها، البوصلة تعيد ضبط الاتجاه كل فترة من الزمن، السياق التاريخي بين الحق والباطل، أيها الفلسطينيون ألا لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
وقد تقرر أن تكون الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 4/6/2022 لمناقشة رواية حرب وأشواق للروائية نزهة أبو غوش.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن