-الكولونيالية الخضراء- والتهديدات الحكومية تثير الفنانين الساميين في شمال اسكندنافيا

محمود الصباغ

2022 / 4 / 28

ترجمة : محمود الصباغ
أجلس، الآن، في مطعم بيتزا منزلي في "يوكموك" Jokkmokk ، وهي بلدة سويدية تقع شمال الدائرة القطبية الشمالية مباشرة ، أتحدث مع الفنان :أندِش سونّا: Anders Sunna ، وهو فنان سامي Sámi يقع مشغله الصغير على بعد مبنيين من هنا. الساميون هم السكان الأصليون في أقصى شمال شبه الجزيرة الاسكندنافية ، والذين يمتد وجودهم أيضاً إلى الأجزاء الشمالية الغربية من روسيا. الزمن الآن منتصف شباط- فبراير والجو بارد. ورغم تأخر طعامنا، فها هو قد أتى أخيراً بكل ترحاب في هذه الظروف القاسية. سألت :سونّا"، الذي يبدو أنه غير مرتاح على الإطلاق، ما أبرد فصل شتاء مرّ عليك يمكنك أن تتذكره. فأجابني: نعم، كان ذلك في التسعينيات "عندما وصلت درجة الحرارة إلى نحو 48 درجة مئوية تحت الصفر"، يعترض سائق الحافلة الذي كان يأكل معنا ويقول " لا، بل كانت، في الواقع، ناقص 51".فيستذكر "سونّا" ويقول " أه نعم، أجل لقد كانت ناقص 51 فعلا.. مازلت أذكر أن مقياس الحرارة الخاص بي لم يصل إلى هذا الحد " من المستحيل ، في ظل الغياب التام لأي نغمة درامية في صوته ، معرفة ما إذا كان يقول الحقيقة أم أنه يمزح، فسألته ما هو شعورك وأنت تتجول في البلدة وقد بلغت حواف الخمسين من عمرك،ـ فيجيب، بصراحة كما يبدو: " من الصعب عليك أن ترمش، إنه يؤثر على عينيك". من الصعب مقاومة اكتشاف بعض الظلال المجازية في إجابته. "أندِش سونّا" هو واحد من مجموعة تتكون من ثلاثة فنانين ينتمون للشعب السامي الاسكندنافي الذين يعملون في ربيع وصيف هذا العام لإبقاء أنظارنا ثابتة تتجه نحو هذا الجزء من العالم الذي يعيشون فيه. أما الفنانين الآخرين اللذان يعملان معه فهما، الفنانة "ماريت آن سارا" Máret Ánne Sara من الجزء النرويجي من أرض الساميين والفنانة "باولينا فيودوروف" Pauliina Feodoroff من الجزء الفنلندي، حيث يُشار إلى أراضيهم الآن بالمصطلح الاستعماري "لابلاند" Lapland . وقد تم اختيار هؤلاء الفنانين الثلاثة لعرض أعمالهم في الجناح النوردي Nordic Pavilion في بينالي فينيسيا هذا العام. تلقى أعمال الفنانين الثلاثة نظرة ثابتة على التهديدات التي يواجهها شعبهم. وتمتاز أعمالهم بالقوة، والوضوح، والمباشرة من الناحية السياسية: أي شخص يتوقع سحر فولكلوري في مثل هذه الأعمال سوف يصاب بالذهول من لسعة النقد اللاذع والجدل الذي يلف أعمالهم. تصف كاتيا غارسيا أنطون Katya García-Antón ، قيّمة ومديرة مكتب الفن المعاصر بالنرويج، الفنانين الثلاثة بأنهم "قادة جيلهم"، الذين "يسعون جاهدين للدفاع عن أسلوب حياة شعب السامي والنظر إلى العالم والترويج له". وليس بجديد القول أن شعب السامي على خلاف مع حكومات البلدان التي تقع فيها أراضيهم، وربما يقول البعض، هم أيضاً على خلاف مع الحداثة نفسها. يبلغ تعداد الشعب السامي (الذين كانوا يعيشون في السابق حياة البدو الرحل) ما بين 50000 و 100000 (لا يوجد سجل رسمي)، يكسبون عيشهم، عبر تاريخهم، من صيد الأسماك والطرائد وجمع النباتات، والعديد منهم يعيش من تربية حيوان الرنة. تعرض الشعب السامي للتجاهل، إلى حد كبير، من قبل الاسكندنافيين الذين استقروا في جنوب شبه الجزيرة، حتى القرن التاسع عشر ، عندما تعرضوا لسياسات الاستيعاب القسري. وقد تسبب ذلك في حدوث صدامات دينية وثقافية، وظهرت في الآونة الأخيرة صراعات أخرى مستجدة من طبيعة اقتصادية. تركز معتقدات الفرد السامي الشاملة على الحاجة إلى احترام الموارد الطبيعية في المنطقة والعيش في وئام معها. لكن هذه الأمور تعرضت للهجوم في السنوات الأخيرة بسبب التطور السريع لمشاريع التعدين وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. وقد وُصِفت هذه المبادرات على أنها نوع من "الاستعمار الأخضر"، ذات نتائج مدمرة، ولكن للأسف لا يذكر منها سوى القليل المتعلق بالتغير المناخي.
يحتفظ الشعب السامي بتاريخ حافل من المقاومة النشطة ضد جهود جميع أنواع "الاستيطان" التي تؤدي إلى تدمير طرق عيش الشعب السامي، وآخر مثال على ذلك كان "حركة أولتا" Áltá Action ، وهي عبارة عن احتجاج ضد بناء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أقصى شمال النرويج. بيد أن تلك الحرمة فشلت، رغم نشاطها المتواصل من السبعينيات حتى ثمانينيات القرن الماضي، في ثني الحكومة النرويجية عن تنفيذ مشاريعها. لكن تشاطها دفع الحكومة إلى إصدار قانون جديد يحمي لغة وثقافة الشعب السامي في العام 1987ـ، وإقرار إنشاء برلمان سامي بعد ذلك بعامين. وهنا تكمن المفارقة حيث يتم إيلاء اهتمام في الوقت الحالي، أكثر من أي وقت مضى، لقضية الشعب السامي، فبتنا ترى لجان الحقيقة والمصالحة تتعامل مع الاستعمار الاسكندنافي Nordic colonialism قيد التنفيذ أو المخطط له في البلدان الثلاثة، ومن المقرر أن تفتتح ملكة النرويج سونيا الجناح في البندقية. لكن كل ذلك لأن التهديد الذي يتهدد الشعب السامي أصبح تهديداً وجودياً. يريني "سونّا" داخل مشغله لوحة مازالت في اللمسات الأخيرة، ويقول أنه سوف يعرضها في بينالي البندقية. وهو يظهر مواجهة بين رعاة الرنة الساميين والسلطات السويدية. ويقول إن عائلته تعتبر "خارجة على القانون" لدفاعها ضد سياسات الإخلاء وضد منع ممارسات الرعي الموروثة. لقد دار الصراع في قاعات المحاكم وكذلك في الغابات. يقول "سونّا" إن عائلته تعرضت لتهديدات جسدية. " تعرض عمي للتهديد في الغابة، وتوقفت أمامه سيارة ومصابيحها الأمامية مضاءة وتقدم نحوه رجل يحمل بيده سكين". فأقول له يبدو هذا مثلما نقرأ عن الغرب المتوحش، فيجيبني على الفور" أجل إنه الغرب المتوحش".. "إنها حرب. أي نعم لم يقتل أحد حتى الآن، لكنها حرب ". اللوحة، التي تجمع بين صور هزلية للمشرعين الساخرين مع رسم خطي مروّع للجمجمة – أعتقد أنه مزج بين جورج جروس وجان ميشيل باسكيا- ستشكل جزءً من جناح البندقية، والذي سيعيد صدى قاعات المحاكم التي حوكمت فيها عائلة "سونّا" والتي فلت/ رغم محاولتها، في الدفاع عن حقوقها. سيتم تشغيل مقتطفات صوتية من التجارب في الخلفية ، "تقريباً مثل الريح"، كما يقول "أندِش سونّا"، والذي يعتقد أن الاعتداء على حقوق الرعي للشعب السامي هو محاولة، بحكم الأمر الواقع، للقضاء ببطء على أسلوب حياتهم. "إنهم يريدوننا أن نصنع سيارات فولفو خارج مدينة يوتيبوري Gothenburg ". ويخطر لي أن أسأله عما إذا كان يشعر، بعد كل هذه السنوات من النضال، بالاستسلام. فيجيب بحدة: " كلا! مستحيل. نحن لن نتخلى عن حقوقنا قط. لقد نشأنا مع هذا الصراع. لا نعرف أي شيء آخر ".
تقع قرية "كاوتوكينو" Kautokeino النرويجية على بعد حوالي 450 كيلومتراً شمال "يوكموك" Jokkmokk ، وتعتبر بلدة كاوتوكينو مركزاً ثقافياً للشعب السامي، ويقع فيها أيضاً مشغل الفنانة "ماريت آن سارا" والتي تُعد من بين الفنانين الأكثر شهرة بين جميع فناني الشعب السامي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عملها الرائع "Pile o’Sápmi" (2016-20) الذي لفت الأنظار في معرض كاسيل في ألمانيا في العام 2017. والعمل عبارة عن 400 جمجمة لحيوانات الرنة معلقة جميعها تحتوي على ثقب في وسطها بمساحة رصاصة، يمثل العمل رداً آخراً على معاملة السلطات الحكومية للرعاة وتسجيلاً إضافياً لمعركة مديدة أخرى للدفاع عن حقوق الساميين. كانت سارة تفصد من عملها لفت الانتباه إلى محنة شقيقها الأصغر، "يوفست أونتي" Jovsset Ánte ، الذي تعرض للإفلاس عندما أُجبر على إعدام نصف قطيعه لتحرير الأرض من أجل مبادرات اقتصادية "خضراء". وكانت المحكمة النرويجية العليا نظرت في قضيته في العام 2017 ـ بعد جلستي استماع لصالحه، لتصدر المحكمة في النهاية قرارها ضده ويخسر الدعوى. فما كان من "سارا"، بعد صدور الحكم، إلا القيام بوضع عملها "Pile o’Sápmi" في الهواء الطلق خارج البرلمان النرويجي في أوسلو. تقول "سارا" إن الهزيمة الأخيرة في المحكمة تركت الأسرة "محطمة". "لقد كان مرسوماً سياسياً أكثر منه حكماً قضائياً:" وكـأنهم يقولون لنا " الحكومة تعرف ما هو الجيد لك أكثر منك ، ونحن نفعل ذلك لمصلحتك الخاصة".. "لكننا أمضينا خمس سنوات في هذه القضية، واستثمرنا الكثير من أنفسنا فيها، مالياً وعاطفياً وروحياً ". لكن تأثير "Pile o’Sápmi" لم يمر مرور الكرام، فق اشترى المتحف الوطني الجديد في النرويج العمل، حيث سيتم عرضه بشكل بارز في قاعة المدخل عند افتتاح المتحف في حزيران-يونيو. تضمنت شروط سارة الخاصة لبيع عملها أن تكتب نصاً خاصاً بها برفق مع العمل وأن القطعة يجب أن تعود إلى شعب السابمي ما لم تكن معروضة. سيكون عمل سارة في البندقية بمثابة رمز للأحداث التي ألهمت عملها "Pile o’Sápmi". إنها لا تريد التخلي عن الكثير بخصوص هذا الموضوع، لكن وجود حفنة من جثث عجول الرنة في مشغلها لا يشير إلى أنه ستكون هناك نهاية سعيدة واضحة. يدرك كل من "سونّا" و"سارا" أهمية ظهور عملهما في البينالي كأعمال سياسية، وأسلوب لمواجهة التهديدات التي تواجهها الثقافة السامية. يقول "سونّا": "من الصعب التحدث عن هذه الأمور بطريقة سياسية. سوف يتراجع الفن في هذه الحالة إلى الوراء"، وهو يشير بيده لترسم شكل خط متعرج ثم يردف "عليك أن تخرج هذه المشاعر التي بداخلك."، أما "سارا"، الصحفية والمؤلفة السابقة، سوف تجد أيضاً إمكانات أكبر في القوة التواصلية لفنها أكثر من الأشكال الأخرى. حيث تقول، في حديثها في حفل إطلاق الجناح في معهد الفنون المعاصرة بلندن الشهر الماضي، إن رد فعلها عندما طُلب منها عرض عملها في البندقية "لم أشعر بالسعادة مباشرةً" نعم! "لماذا يجب أن نصرخ بصوت عالٍ، ونمزق أرواحنا بسبب العرض؟ كان علي أن أجري محادثة عميقة مع نفسي". لكنها تقول أيضاً إن القيم التقليدية لشعب السامي، التي تضع اهتمامات الإنسان على قدم المساواة مع اهتمامات الحيوانات والطبيعة، والتي أصبحت مهددة الآن أكثر من أي وقت مضى، يمكن أن تساعد العالم بأسره. "تلقيت الكثير من الأسئلة من المتاحف المصابة بخيبة أمل كبيرة بسبب الوضع الصعب للغاية الذي بات عليه العالم. تفشل الاستراتيجيات، ونسعى نحن لمعرفة هو أعمق كنز يمكننا تقديمه لهذه الأزمة" ". رسالتها لجمهورها في البندقية واضحة، وتفي بأهم متطلبات الفن: توقع التفكير في العالم بطريقة جديدة ، ولا تحيد نظرك بعيداً.
المصدر: https://www.ft.com/content/481d0534-4155-48f4-bb92-996da968deaf?utm_source=FB&utm_medium=arts&utm_content=paid&fbclid=IwAR3FxDNm5oYu4O57wRaxKyDYwtdc_Oe7MUfKqsoGJNNB277y7Mv6nQSZmMw
‘Green colonialism’ and government threats provoke Sámi artists
The Scandinavian indigenous people are fighting back with their wor



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن