محطات هامة في تاريخ التنمية المستدامة

مصطفى العبد الله الكفري
moustafa.alkafri@gmail.com

2022 / 4 / 19

كيف يمكننا تحسين معيشة الناس والمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية البيئة في عالم يشهد نمواً سكانياً كبيراً، يصاحبه طلب متزايد على الغذاء والماء والمأوى والطاقة والخدمات الصحية والأمن والاستقرار الاقتصادي؟ يجب أن تعيد بلدان العالم النظر في أنماط استهلاكها وإنتاجها، وأن تلتزم بالتنمية الاقتصادية المسؤولة والسليمة بيئيا، وأن تعمل معاً على توسيع نطاق التعاون عبر الحدود من أجل تبادل الخبرات والتكنولوجيا والموارد. وهذه التغييرات يمكن، بل ويجب، تحقيقها من أجل ازدهار العالم ورخاء سكانه.
التنمية القادرة على الاستمرار (التنمية المستدامة):
يجب أن تكون التنمية قابلة وقادرة على الاستمرارية (التنمية المستدامة) وقد أخذ هذا المفهوم الجديد للتنمية بالانتشار وبخاصة منذ نشر تقرير اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية في عام 1987. والتنمية المستدامة هي التي تؤمن احتياجات الجيل الحالي دون أن تحد من الإمكانيات التي تلبي حاجات الأجيال القادمة. ولكي تكون التنمية قادرة على الاستمرار يجب أن تتوفر فيها الشروط الثلاثة التالية كحد أدنى:
• أن تكون ممكنة ومفيدة اقتصادياً وناجعة.
• ألا تلحق أضراراً بالبيئة ومنسجمة مع الأهداف البيئية.
• أن تصل نتائجها الإيجابية إلى كافة أفراد المجتمع.
• أن تحظى بدعم شعبي واسع.
يستخدم مصطلح (التنمية القابلة للاستدامة) للتعبير عن السعي لتحقيق نوع من العدل والمساواة بين الأجيال الحالية والأجيال المقبلة. وهذا يعني ألا تعرض العمليات التي يتم بوساطتها تلبية حاجات الناس وإشباعها للخطر قدره الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها وإشباعها، وهو يعني في نفس الوقت، السعي لتحسين مستوى المعيشة وحياة أفضل لمعظم الناس، يقاس عادة بمستوى الدخل واستخدام الموارد ومستوى التقدم التقني. وبذلك نجد أن للتنمية المستديمة أهداف اقتصادية واجتماعية وبيئية.
اكتسب مصطلح التنمية المستدامة اهتماماً عالمياً كبيراً بعد ظهور تقرير مستقبلنا المشترك الذي أعدته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية في عام 1987 (WCED,1987). ولقد تم صياغة أول تعريف للتنمية المستدامة في هذا التقرير على أنها: (التنمية التي تلبى حاجات الجيل الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم. وبشكل عام فإن هذا التعريف يحدد فقط الإطار العام للتنمية المستدامة التي تطالب بالتساوي بين الأجيال من حيث تحقيق الحاجات الرئيسية، وهذا ما دعا الكثير من الكتاب والباحثين إلى محاولة تقديم تعريفات وتفسيرات للتنمية المستدامة مثل:
(Sustainable growth - Sustainable income - Sustainable Economy- Carrying capacity -Ecologically sustainable economic development- Sustainable resource use - Regional sustainable development - Sustainable society. (
لدراسة وفهم دينامية النسق السكاني للتعرف على كافة القضايا المرتبطة بتنمية البشر وضمان استدامتها فهناك حاجة إلى تطوير مؤشرات كمية لقياس التطور عبر الزمن، وهذا في الواقع يستلزم تطوير نموذج متكامل (يتعدى مجرد التركيز على الإسقاط السكاني. ولكن أيضاً يتسع إلى تضمين كافة العوامل الاقتصادية - الاجتماعية - البيئية المؤثرة على البعد السكاني). هناك العديد من المحاولات لتحديد مؤشرات قياس (وشروط تحقيق) التنمية المستدامة. وبشكل عام فإن مفهوم التنمية المستدامة يطالب بضرورة التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية والعدالة بين الأجيال المتعاقبة في تحقيق الحاجات الرئيسية.
حددت الأمم المتحدة محطات رئيسة لتطور مفهوم التنمية المستدامة أهمها:
1972 - مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة في ستوكهولم:
عقد في ستوكهولم في عام 1972، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة حيث اجتمعت الدول الصناعية والدول النامية معاً لرسم "الحقوق" الأسرة الدولية في بيئة صحية ومنتجة وسليمة. وتبع ذلك سلسلة من الاجتماعات، على سبيل المثال حول حقوق الناس في الغذاء الكافي، وتأمين السكن والمياه الصالحة للشرب، وصولاً إلى وسائل تنظيم الأسرة. تنشيط التواصل في حماية الطبيعة، الأمر الذي أدى إلى إنشاء مؤسسات عالمية داخل منظومة الأمم المتحدة مهمتها الحفاظ على البيئة.
1980 - الإستراتيجية العالمية لحماية الطبيعة:
نشر الاتحاد الدولي للمحافظة على الموارد الطبيعية (IUCN) في عام 1980 الإستراتيجية العالمية لحماية الطبيعة (WCS)، حددت مفهوم التنمية المستدامة. وأكدت الإستراتيجية أنه لا يمكن الحفاظ على البيئة دون التنمية وتخفيف حدة الفقر والبؤس لمئات الملايين من الناس، وشددت على الترابط بين التنمية والحفاظ على البيئة ورعاية الأرض. وسيظل مستقبل البشرية في خطر ما لم يتم الحفاظ على خصوبة وإنتاجية كوكب الأرض.
1982 - صدور الميثاق العالمي للطبيعة:
بعد عشر سنوات، في عام 1982 صدر الميثاق العالمي للطبيعة، حيث وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الجلسة 48 على مبادرة جمعية حماية الحياة البرية. وذكر الميثاق ان "الجنس البشري هو جزء من الطبيعة والحياة يعتمد على الأداء دون انقطاع من الأنظمة الطبيعية".
1983 - تأسيس اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية:
في عام 1983، تأسست اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية (WCED)، وبحلول عام 1984، تحولت إلى هيئة مستقلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وطلب من اللجنة WCED صياغة "جدول أعمال عالمي من أجل التغيير".
1987 - مستقبلنا المشترك، الترابط العالمي، والعلاقة بين الاقتصاد والبيئة:
أكدت اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية WCED في عام 1987، بتقريرها مستقبلنا المشترك، الترابط العالمي، والعلاقة بين الاقتصاد والبيئة الذي قدم سابقاً من قبل جمعية حماية الحياة البرية. وصدر تقرير حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية والحلول العالمية. كما أكد التقرير مجدداً أن " لا وجود لبيئة كمجال منفصل عن تصرفات البشر، وطموحاتهم، واحتياجاتهم، وبالتالي لا ينبغي أن ينظر إليها بمعزل عن هموم الإنسان، حيث أن البيئة هي التي نعيش فيها جميعاً؛ والتنمية هو ما نقوم به جميعاً أيضاً في محاولة لتحسين مستوى المعيشة وحياة أفضل، السكن والغذاء والتعليم والخدمات الصحية وغير ذلك. والبيئة والتنمية لا ينفصلان ".


1992 - المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية:
انعقد المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (UNCED) في يونيو/ حزيران 1992، في ريو دي جانيرو، واعتمدت خطة للبيئة والتنمية للقرن الواحد والعشرين، (جدول أعمال القرن 21) وهو عبارة عن برنامج عمل من أجل التنمية المستدامة. ويتضمن إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية: الاعتراف بحق كل دولة لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي، أسناد مسؤولية تبني نموذج للتنمية المستدامة في كل دولة، كما تم التوصل إلى اتفاقيات عديدة منها: اتفاقية التنوع البيولوجي والاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ. وحشد مؤتمر البيئة والتنمية للمرة الأولى المجموعات الرئيسية وحقها في المشاركة بعملية التنمية المستدامة. وظلت هذه المشاركة ثابتة حتى اليوم.
للمرة الأولى أيضا، أكد المبدأ الثامن من إعلان ريو ضرورة تغيير نمط الحياة في الحضارة الراهنة. والضرورة الملحة لإحداث تغيير عميق في أنماط الاستهلاك والإنتاج، وتم الاعتراف صراحة على نطاق واسع من قبل قادة الدولة. كما أكد جدول أعمال القرن 21 مجددا أن التنمية المستدامة كانت محددة بواسطة التكامل بين الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. حيث إن "البشر هم في صميم الاهتمامات المتعلقة بالتنمية المستدامة ويحق لهم الحياة صحية ومنتجة في وئام مع الطبيعة ".
1993 - متابعة تنفيذ جدول أعمال القرن 21:
أوكل مؤتمر البيئة والتنمية لجنة التنمية المستدامة (CSD) في عام 1993، متابعة تنفيذ جدول أعمال القرن 21.
1997 - وضع "برنامج لمواصلة تنفيذ جدول أعمال القرن 21":
في يونيو/ حزيران 1997، قررت الجمعية العامة أن تخصص جلستها الخاصة 19 (دورة الجمعية العامة الاستثنائية-19) لوضع "برنامج لمواصلة تنفيذ جدول أعمال القرن 21".
2002 - خطة جوهانسبرغ لتنفيذ التنمية المستدامة:
في عام 2002، بعد عشر سنوات من إعلان ريو، ومؤتمر المتابعة، وعقد مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ وأكد تجديد الالتزام العالمي بالتنمية المستدامة. حيث وافق المؤتمر على خطة جوهانسبرغ للتنفيذ (خطة جوهانسبرغ للتنفيذ)، وكلفت لجنة التنمية المستدامة بمزيد من المتابعة لتنفيذ التنمية المستدامة.
2009 - مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة "ريو 20 :
في 24 ديسمبر 2009 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (A/RES/64/236) بالموافقة على عقد مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (UNCSD) في عام 2012 - التي يشار إليها أيضا باسم "ريو 20 أو" ريو+20 “.
يسعى المؤتمر لتحقيق ثلاثة أهداف:
1 - تأمين تجديد الالتزام السياسي لتحقيق التنمية المستدامة،
2 - تقييم التقدم المحرز والثغرات في التنفيذ في الاجتماع المتفق عليها بالفعل التزامات،
3 - التصدي للتحديات الجديدة والناشئة.
اتفقت الدول الأعضاء أن يناقش المؤتمر الموضوعين التاليين: الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والإطار المؤسسي للتنمية المستدامة منذ انعقاد المؤتمر، وقد أصبحت التنمية المستدامة جزءاً من المعجم الدولي. وقد أدرج هذا المفهوم في العديد من إعلانات الأمم المتحدة وبرامجها، ومنظماتها العاملة في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن