الأسئلة الأولى قبل الفلسفة

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2022 / 4 / 11

لماذا وكيف ومتى وإلى أين ؟.
لم يجر هذا التفكير خارجا عن منظومة أخرى وطرق أخرى نوعية تجري بذات النسق ولكنها تأخذ منحنى أكثر واقعية وبمزيد من الجدية خاصة أن دوافعه أشد إلحاحا وأقوى تأثيرا من النمط الأول وهي محاولة رسم عالم حولي عالم لابد أن ينبسط به مع واقعه المعاش بمستوى أفقي مع الغير العاقل ومع الغير اللا متعقل، حتى يمكنه أن ينظم لنفسه مجالا حيويا قادرا على الاستجابة لمجريات الحدث ولمجريات الصراع البيني وقوانين العالم الذي وجد نفسه مرغما أن يعيش فيه إنها نفس فكرة رؤية العالم لكنها محاولة مبكرة جاءت في أوانها.
أما المستوى الأخر هو المستوى الطولي بعلاقته مع عالم أخر أقوى وأعظم وأشد وطأة عليه من عالمه الخاص عالم السماء عالم الإرادة التي أنزلته مرغما، على أقل تقدير مع عالم آدم الذي كان يعي هذه المعادلة والحال والتي لا بد أنها انتقلت إلى بنيه من بعده بصورتها أو لربما بآثارها (الخلاص من أثر الخطيئة الأولى) كي لا نجزم أنه عرف قوانين هذه العلاقة من قبل كما يرى ماكس فيبر أن سعي الفرد نحو الخلاص يعتمد بشكل أساسي على رؤيته للكون أو صورة العالم التي لديه ، فالخلاص يكون له معنى فقط عندما يعبر عن صورة متعلقة ومتسقة عن العالم " وعنده يمثل " وقفة في مواجهة العالم ". .
تشكلت من هذه العلاقات الطولية والعرضية أولى ملامح فهم الدين أو فهم أولي لتفسير مبسط لعلاقة ثلاثية الأبعاد بعدها الأول الأرض والسماء وبعدها الثاني السماء الأرض والبعد الثالث الأرض _ الأرض _ السماء، أي أنها تناولت أولا كيفية فهم الإنسان لعالم السماء وتصوره المتخيل عنه عن عناصره قوته وقوانينه ومراداته وكيفية التماهي معها، أما البعد الثاني هي فهم أو محاولة تصور لفهم السماء لما تريد أن يجري على الأرض وكيفية تنفيذ إرادتها وملامح للصورة التي تتمناه له ، أما البعد الثالث فهو محاولة فهم كيفية أن ينقل الإنسان هذه الأبعاد التي أنشأها عقلا وصورها ذهنا وجسدها سلوكا للآخر بمعنى كلمة أخر التي تشمل كل الحولية العاقلة واللا مدركة بعقل .
على العكس من المنهج الأنثروبولوجي الذي قاده روبرت ردفيلد Ropert Redfield والذي يعود له الفضل في تثبيت و بلورة تصور أو مفهوم "رؤية العالم " وتحديد معناه وخصائصه ، وهو يضع الإطار النظري العام لمكونات أو عناصر رؤى العالم وهي :
• الذات self وهي تعتبر محور رؤى العالم التي من خلالها يمكن ملاحظة العالم أو الكون.
• غير الذات ويشمل هذا العنصر :.
1. سائر البشر أو الآخرين من الناس.
2. غير البشر ، ويشمل ذلك الطبيعة والله.
• المكان .
• الزمان.
أرى أن النظرية لا بد أن تنقسم ليس من خلال عاملها الخارجي أبدا بل لا بد أن تنقسم حسب الدافع الذي حفز العقل الإنساني أن يقدم هذا التصور أو الحلول التي يسميها علماء الأنثروبولوجيا بالرؤية الكلية أو رؤية العالم فهي أما تنحصر بمفهوم الخلاص كما عند ماكس فيبر أو تتراوح بين الضرورة والخوف أو ما يسمى بروح الثقافة الاجتماعية التوافقية بين الإنسان والعالم الخفي عالم الغيب عالم مقهور لقوى غيبية، هذه الثقافة التي تشمل الدين والأخلاق والعرف الذي تطور معهما ليتحول إلى قانون ،هذه الرؤية محلها العلاقات الثلاثية الأنفة الذكر وهي نحور الأرض والسماء وهو الأهم وبعده النسق النازل السماء الأرض والمحور المنتج وهو الأرض _الأرض _السماء.
في المحور الأول أصبح التدين الفطري له والبعد الثاني صار الدين وأما المحور الثالث هي العلاقات الأخلاقية في بعدها الإنساني والسلوكيات الدينية في أرتباطها مع البعدين التدين والدين ، من هنا أنشأ لنفسه نظام تقريبي يحاول به أن يفسر ويعيش عالمه بموجب خلاصات عقلية تتحول مع مرور الزمن إلى نمط واحد هو الدين الطبيعي والأخلاق الطبيعية التي ليس لها ارتباط وثيق بمسألة الإيحاء والوحي إنها معرفة العقل البشري ،أو لنقل الدين البشري الطبيعي بصورته الأولى وهو بالتأكيد عالم كبير وواسع من العقائد والقيم التي قد تتناقض أحيانا بين مفرداتها وقد تكون منه أجزاء وتتعاظم منه أجزاء حسب ما يثبت ويتجذر بالممارسة الحسية والتجربة المادية ليتشكل بعد حين كمجموعة تتميز بما يشبه الوحدة والارتباط بين أجزاءها ولربما أيضا تخفيف التناقضات فيما بينها.
يحسب البعض أن هذه التصورات هي مجرد تأمل خالي من الدليل العقلي أو على الأقل المنطق العقلي خاصة وأم مسألة معرفة الإنسان بالدين مسألة في غاية التعقيد وفقدان لخيوطها الأولى لعدم وجود دلائل على الإرهاصات الأولى في سير تحول الإنسان من كائن شبيه بالعجماء إلى كائن يتعقل ويعقل الأشياء ثم يتطور بعدها إلى طور التفكير وأخذ زمام المبادرة لتحويل التفكير إلى منتج معرفي وفي هذا الطريق قد ينتكس أو يتراجع لنفس الأسباب التي قادت للتطور وأهمها البيئة والحاجات ومقدار الخزين إضافة للموضوع الأهم هو التركيبة الذاتية للإنسان التي تقوده للتطور أو ترجع به القهقري .
لا شك أن البحث في الإنسان ككائن مركب ومعقد وذو أبعاد أحيانا تتصل بذات الباحث كونه يبحث عن نفسه أصلا ويحاول أن يجيب من خلال إثارة نفس الأسئلة التي هي محور الدراسة برؤيته هو كباحث وكمادة للبحث تجعل الأمر فيه شيء من الغرابة والتفرد، عليه كباحث أن يمنح نفسه حرية أكبر في توجيه وإثارة الأسئلة وأيضا أن يتمتع بقدر عالي من الوثوق في منهجه البحثي ومن نتائجها المتحصلة ،إضافة إلى أنه كمادة مختبريه يجري عليها الدراسة أن يفصل ويضع حدود بين الكونيتين حتى لا تتداخل الإجابات مع الأسئلة ولا الأسئلة مع المقدمات ،الإنسان العملي لا يمكن أن يكون حادا وجادا وتلقائيا في نفس الوقت هذه طبيعة والطبيعة الإنسانية تتخلل من خلال الحروف ومن خلال المعرفة الناتجة عنه لا انفصال بين الإنسان منتج معرفي والإنسان معرفة ،هنا يكمن سر التطور عندما يكتشف الإنسان أن منتجه غير مقنع في الإجابات ويمارس النقد ليصنع معرفة أخرى تطيح بجزء منها وتبني جزء جديد ،لذا فإن عمارة المعرفة أخذه بالتجديد مع النقد ومع تطور وسائله النقدية وتشعب مناهج النقد والفحص والتقرير.
في العودة لذات السؤال كيف يتحقق الإنسان عن ما يطرحه من نتائج كان هو جزء من البحث وجزء من المعرفة ذاتها ،هل يستعين بنفس الأدوات الأولى أم عليه أن يبحث عن أدوات قياسية مجردة يعاير بها ويقيس الدقة ، أظن هنا أن القول بخلق مقاسات ومعيارية مجردة وخارجه عن نفس المنهجية قول فيه شيء من الخداع أو لنقل واقيه هشة لا يمكن تحققها، الإنسان في إيمانه بما أنتج وأيضا عندما يشرع بنقد هذا الإيمان فهو يستخدم النظام العقلي الخاص به في كل مرة وبذات الطريقة العملية لكنه ومن المؤكد أنه لا يستخدم نفس المحددات ونفس المنطلقات في كل مرة لأنه سوف يصل لنفس النتائج لكنه يستخدم المكتسب والمتطور منها، هي التي تمنحه أفق أوسع أو تضيق عليه مدى الرؤية فيتراجع ،الإنسان هكذا عقل أولا يخضع في وجوده لما يراه العقل ويتصرف على حسب القوة العقلية وما تسطره من نتائج الصراع مع النفس والحسيات والماحول الخارجي ومع القوى المؤثرة الذاتية ،عملية الأنتاج عند الإنسان عملية عميقة ومركبة وتسري ببطء تحاول التوازن دوما بين الموجود وبين الذي سيفترض أفتراضا من تخيل أو توهم أو حتى أحيانا فشل للموجود في دعم قناعة العقل الخاص.
فو أخذنا إنسان ووضعناه في عالم غريب عنه عالم لا يعرف أسراره ولا مكوناته ولا حتى طريقة العيش فيه ونظرنا له من منظار خارجي لنرى كيف يتصرف كيف يتعامل مع الحول والبيئة الجديدة ، سيحاول أولا أن يتحقق من كل شيء حوله بالبصر أولا ويتدرج بالتعامل مع المحسوسات الأخرى ، لا يمكن أن يباشر التكيف معتمدا على نظام سابق ليسقطه هنا ،قد يحاول وقد ينجح في أكتشاف طريق أخر عندما يكتشف أن قوانينه السابقة لا يمكن أن تنطبق على هذا العالم الجديد، هذا الأكتشاف هو الذي يقوده للشروع ببناء نظام يتناسب بين خزينه المعرفي وبين واقع مجهول يقترب منه كلما أبتعد عن ممارسة ذاك النظام القديم ،لينتهي بعد سلسلة من التجارب العملية التي يقودها العقل إلى إنشاء شبكة من الروابط والعلائق والخيوط التي بجمعها العقل في منظومة تفسر الجزئيات وتتعالى للأكبر والأعمق منها ، يتعامل معها في الطول والعرض ليفهم أفضل ما يمكن أن يلائم بينه وبين واقعه الجديد.
هذا الحال ليس افتراض بل هو منهجية واقعية ومنطقية يسلم بها العقل ويجد لها مبرر قريب جدا من فهمه للنفس الإنسانية ،هذه الحالية التي تجعل من كل مجهول عدو أو خصم تتقي ما لم يكن ليس بالإمكان تحاشيه، تقترب منه شيئا فشيئا محاولة أن تبحث عن نقاط تواصل ونقاط يمكن النفاذ منها له حتى لو تطلب منها أن تقدم شيء كتضحية هاجسها الأول والرئيسي الخوف وليس حب الإطلاع أو التعلم أو روح الأكتشاف، الإنسان يخاف ما يجهله ويترجم الخوف أحيانا للهرب وعندما لا يجد منفذ يتخلص يعود بتقرب من جديد ليفهم سبب الخوف ليقيس مقدار المحاولة وثمنها ،من هنا أكتشف الإنسان الأول أنه من الواجب عليه أن يواجه عالم الغيب عالم القوة التي تعبث بوجوده دون أن يتمكن من تحديدها وتحديها سارع الآن أن يتقرب منها أن يسترضيها أن يسألها ما هو المطلوب ؟.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن