المسافة بين الدين والتدين والاعتقاد التسليمي ح1

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2022 / 3 / 31

واحدة من إشكاليات العقل المسلم ليس الآن ولكن حتى في فترة الولادة الأولى للإسلام كفكر جديد هي عدم القدرة على الفصل بين الدين كونه خطاب عقلي وبين الدين كمنتج معرفي خاضع لأعتبارات خارج المعروف الأجتماعي ,بمعنى أخر توهم في وجود تطابق بين فكرة الدين العقلية المستمدة من جوهرية الخطاب الذي يتكلم بطريقة عقل لعقل وبين أفتراض أن هذا الخطاب المعرفي يتكلم عن حدود الواقع الأجتماعي المجسد بطبيعة المجتمع , وهو ما يطلق عليه المعرفيون التداخل بين الذات الفكرية وبين الذات الأجتماعية .
في النص الذي فيه يخاطب العقل يقول الله تعالى (ألم ترى إلى الأبل كيف خلقت ...) الفكر المعرفي الإسلامي أخذ حدود البناء اللفظي وظن أن الأبل هنا مقصودة لأنها في حدود الإعجاز الرباني , والحقيقة أن الخطاب أختار الإبل ليس لأنها محض أعجاز بقد ما هي إشارة إلى قدرة الله على التوفيق بين المخلوق والبيئة التي يعيش فيها, فلو ضرب مثر بطائر البطريق وهو أيضا نتيجة نفس التوافق لم يدرك المسلم في حينه أهمية هذا المثال ولا الإشارة العقلية التي يريدها الله, كما حدث في مثال البعوضة وما فوقها بالتدرج الخلقي وليس بالمكان كما فسره البعض .
النص الديني يقرأ من بظرفه أولا لينطق إلى حقائه التي يريد أن ينبهنا لها الله تعالى في الإشارة وليس المراد منها حصر الفكرة بالمثل وحده , هناك نظرة فكرية أكبر كم بنائية الجملة تعامل معها العقل العربي والإسلامي بمحدودية ما يعرف وبمحدودي ما يسقطه من الواقع دون أن يعط للعقل حرية التوسع بالأستدلال والفهم والإدراك العقلي مع تعدد الإشارات البينة والملمح عنها منها مثلا ,قضية طيران الطيور وعدم سقوطها للأرض فقد أشار النص التالي لحقيقتين (ألم ترى إلى الطير صافات ما يمسكهن إلا الله ...) الحقيقة الأولى وجوبية سقوط الأجسام من الفضاء في حالة طيرانها حيث أكد النص على هذه الظاهرة بالمطلق دون أستثناء كما أكد على تدخل الله تعالى في التكوين والتكييف لهذه الكائنات للتغلب على هذه الحقيقة وتجاوزها .
المعرفة البشرية كانت تؤمن وتصدق أن يد الله التي هي غير محددة بالشكل هي التي تمسك الطير أثناء طيرانه من الوقوع وهذا أعجاز دون أن تسأل مثلا لماذا تسقط الطيور أصلا ؟ومن يجعلها تسقط وكيف ؟,كما يسأل العقل أنذاك عن سر هذه القوة التي تجعل بالإشارة إلى أن كل محاولة للبقاء في الفضاء محكوم عليها السقوط للأرض وخاصة عندما يكون الطير مثلا وهو الكائن المعروف أنه قادر على التحليق محكوم بالقاعدة والأستثناء إذا هناك قانون وهناك حقيقية واقعية لا بد من الكشف عنها وتدبر الوسائل العقلية للبحث في مجمل ظاهرة السقوط ومجمل ظاهرة الإمساك .
الملخص من القضية أن مشكلة العقل الإسلامي كما وضحنا هي تخلفها عن إدراك النص كونه فكرة عقلية أكثر مما هي فكرة عبادة وطقوس وغيبيات تخاطب بمحدودية الواقع وتتناغم معه ,هذا الفهم والذي كبل النص من أن يخترق الجمود العقلي والمعرفي عند الإنسان ليس سببه النص أو لغة النص أو عدم قدرة النص على أستفزاز العقل البشري بقدر ما هو كسل وتقوقع وعدم دقة في تتبع مسارات الهدف العلمي من النص , وبذلك لا يمكن للبعض الآن حتى قبول فكرة أن الأرض تدور حول الشمس وهما أيضا في حركة مفصلية من ضمن كون متحرك حول ذاته وحول مركز كلي غير مستقر بالرغم من أن هذا الأمر أصبح من البديهيات التي لا تحتاج حتى إلى نقاش .
نبدأ محاولتنا في كشف المستور والخفي من علاقة العقل بالدين أو ربط الدين بالعقل من افتراض هذه المعادلة التي لا يمكن أن تخرج الإنسان العاقل من مدار التدين النوعي الطبيعي أو المكتسب ومن خلال بسط الافتراض هذا نلتمس قاعدتين مهمتين وهما :.
• التدين نشاط عقلي ليس له علاقة بالإيمان أو بالغيب
• التدين فعل إنساني ضروري مرافق للوجود العاقل وبالتالي وجود الأول إشارة حتمية لوجود الثاني.
في محاولة لفهم الدين خارج النطاق التقليدي الذي يعبر عنه بأنه (سلطان قهري مسلط على العقل دون أن يكون للأخير حق بالخروج عنه وإلا عد كافرا بما في عالم الغيب والمجهول),الذي ينظر للدين على أنه حالة محيط يربط مجموعة متشابكة من العلاقات والأطر المنظمة والتي تأخذ شكل صياغة ما لترسم ومن خلالها مجموعة أخرى من الضوابط السيرة السلوكية الإنسانية وتنتسب لها أما حكما أو بالضرورة.
فهو لا يعتبر الدين سلطان بقدر ما يعبر عنه بالوسيلة الميسرة والمتاحة لتنظيم الوجود البشري فقط , فهو وسيلة مضافة لغاية تهدف في سيرورتها صنع نتيجة تساعد الإنسان للتفرغ من التفصيلات الجزئية ليتفرغ إلى معالجة قضايا كلية على أن تكون هذه الوسيلة من ضمن الدوافع والمؤهلات المساعدة له في عموميتها وتماميتها التي تسمى السير نحو الكمالية الإنسانية.
وحتى خارج ما في تلك الحالتين هناك محاولة لعدم التدين تسمى اللا دينية وهي حالة وهمية لأن اللا ديني يعني اللا عقلاني باعتبار أن كل عاقل محتاج لضبط عقله بضابط راشد ومساعد في توجيه ووضع خرائط للعيش في الوجود بكل ما تحتوي من ضروريات وأحتكامات وقواعد لفهمها يدان لها بالتفريق والفرز والتقرير ومن ثم رسم غالبية هذه الرؤى أو ما تحتاج لفهمها وتفعيلها ومن ضمنها أدعاه باللا دينيه ,هي بالحقيقة تشكل جوهر الدين.
ترابط العقل بالدين ترابط الوجود بالموجود ,الدين عبارة عن برمجة بشرية مصنعة ومكتسبة وقابلة للتحويل والتغيير مع الغلبة حسب قدرة المفاهيم المتصارعة على بسط مفرداتها وقضاياها بأي شكل كان على النظام العقلي عند الإنسان ,لذا فليس من الضروري للذي فقد هذا النظام أو تعطل جزءا أوكلا أن يكون ملزما بتمام الدين إلا بالقدر الذي يشكل بقاءه أو يمتحن به ظاهرا قوة العقل لديه لذا فأن المشرع الديني لا يلزم عادة عليل العقل بشرائط الدين أو لنقل أن الدين كفكر حر لا يملي شرائطه على صنفين من الناس فاقد النظام العقلي والمتخلي عنه بتمام القرار العقلي , إذن الدين هنا مصاحب للوعي العقلي ونقصد بالدين كل ما يبسطه الإنسان من قضايا وفق لمفردات جعلها معيار ومقياس للصحة لدية حتى لو كانت خارج ما يعرف تقليديا بالدين , هنا يصبح الملحد أيضا ذا دين بشكل ما.
مدع اللا دين يملك نظاما عقليا توصل بموجب البرمجة الحسية المعرفية المكتسبة إلى نتائج تتناسب مع فاعلية العقل لديه في رسم الصور الذهنية للعالم الداخلي الذاتي والخارجي الموضوعي عنده ,وعندما أجرى المقارنة بينهما وجد اختلال في تناسب الصورة بينهما أو عدم توافق بكل أو ببعض التفاصيل مرد هذا الخلل أو عدم التناسب والتوافق أنه كان يعتمد معيارية جاهزة سلفية سابقه عنه وسابقه لوجوده سواء أكان القياس وفق هذه المعيارية تاما حقيقيا أو حتى أفتراضيا , المهم أن عرف موطن الخلل هذا في تلك القواعد التي يراها غير متناسبة أصلا مع آليته العقلية ,فيلجأ عادة لرفض أجمالي لها والبحث عن مبرر أو دليل معياري أخر ليكون البديل.
هذا الدليل المعياري بما فيه من قواعد وركائز وتفصيلات ونتائج هو في الواقع دين جديد مرتسم ومرسوم لديه بحالية جديدة, أي أن الدين في الحقيقة الجوهرية هو ليس كل فكرة تأت من خارج الإنسان وتلزمه بمجموعة من المبادئ والسلوكيات كما هو الغالب بتعريف الدين ,بل الدين هو ما يرسم الإنسان من سلوكيات وتعاط يومي وتفصيلي مع قضايا وجوده منسوب أو مستخرج من نتاج عمل النظام العقلي بصفة خاصة قد لا تتطابق مع الفكرة الأولى الخارجية وقد تناقضها أحيانا, لكن هو من رسم الصورة وألتزم بحدودها, أذن الإنسان هو من يرسم الدين ويدخل في محيطة بما ألزم نفسه بهذا الرسم وأتخذه دليل له دون اشتراط الموافقة أو التطابق مع أصل الفكرة التي رسم منها النموذج الذهني.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن