لو كان للخلف حرية إختيار السلف !

دعد دريد ثابت
daadthabit@gmx.de

2022 / 3 / 30

منذ فترة ليست بالقصيرة، قياساً لنسبية الزمن بالنسبة لي، أشعر بعدمية ما أدونه، والأسباب كثيرة، منها ذاتي ومنها المحيط. لن أتناولها تجنباً للإطالة.
ولكني وبعد تجربة لست أنا من مررت بها، ولكني كنت قريبة جدا من الشخصية التي مرت بها، ابتدأت اللا أبالية مني بما يحدث حولي، والتجاهل المقصود به، هو عدم التعبير ومشاركتي لكم بما يعتمل فيّ، لكنه يصول ويجول ويختمر ويختمر الى حد لا أعلم ماسيحدث بعدها بعجينة أفكاري.
قررت الآن الإفصاح وإشراككم بأهم بل الأهم برأيي،
وهو كيف نكون إنسان ؟
هل تعلمون أننا نحن الآن الموجودون على قيد الحياة، أحتجنا على الأقل الى 11 جيل، اي مايعادل 4094 سلف، يعني أننا أجتزنا حتى ولدنا هنا الآن الى الكثير من المعجزات، من الحروب، الآفات، الأمراض، الكوارث، جفاف، حيوانات مفترسة، تقديرات خاطئة، فيضانات وسلف قوي لنصل بعد 300 عام، أنا وأنتِ وأنتَ ونحن الى هنا، وماذا نفعل؟
بعد كل هذه المصاعب والمجازفات، التي عليها أن تميزنا عن الحيوان الذي يتكاثر ويحافظ على ذريته بالغريزة فقط وينجح بذلك، أي الحيوانات أيضا وصلت الى ماوصلنا اليه، أو بعض منهم، إن لم ينجح الإنسان بالقضاء عليها، ترانا لانختلف البتة عن هذا الحيوان، بل أسوأ، لأننا نعتقد أننا كإنسان من أرقى وأذكى المخلوقات، ولكننا موهومون.
فنحن، وهذا ما دعاني اليوم للكتابة، حتى أنا لو عدت للوراء لما قررت الإنجاب. فنحن تحركنا الغريزة وليس الحكمة في التربية.
نعم الحكمة والنضج في فهم من هذا المخلوق الذي سنضعه في خضم سعير الحياة، وكيف انه مخلوق أو إنسان علينا أن نبعد عنه كل مامن شأنه أن يجعله نسخة مكررة عنا، أحلامنا، هواجسنا، آمالنا، كرهنا قلقنا، خوفنا وأحلامنا الغير منفذة.
نحن نشعر بكل ذلك، وبالرغم من هذا نقرر الإنجاب، نحن لانمتلك أي نضج أو شعور بالمسؤولية الحقيقة تجاه خَلف وقع في مثل هذا المطب هكذا بمنتهى البساطة كما نظن، لمجتمع ذكوري أبتعد عن الأمومية، ليصبح من أبشع المجتمعات الكائنية والتي لم يكفها المصائب الطبيعية، والتي للإنسان أيضا يد بها، ليزيدها المجتمع الأبوي قسوة إبتداء من عصور الحضارات القديمة حتى التوحيد، وإنتهاء بعصور الصناعة والمجتمعات الحديثة الرأسمالية والشيوعية الإشتراكية الى اليوم النيوليبرالية.
لسنا ناضجين البتة ولانمتلك الحكمة، فكيف بعد قوافل الحروب والإقتتالات والمجاعات الناتجة معظمها من ظلم الإنسان للإنسان، أن نكون مهيئين لوضع مخلوق لم يكتمل بعد، لأن جنين الإنسان وبسبب تطور النوع، وبرأيي لم يكن تطوراً الا للأسوأ، هو المخلوق الوحيد الذي يولد ويحتاج الى 9 أشهر أخرى على الأقل ليكتمل نموه في رحم أمه، أي بالواقع هو يحتاج الى 18 شهر ليكون مكتمل وتتم ولادته، ولكن بسبب ضيق عنق الرحم، فلا تستطيع المرأة حمله أكثر من 9 شهور. ولهذا فهو ليس فقط غير مكتمل النمو جسدياً وإنما عقلياً أيضاً لعدم نمو مخه مقارنة بكل المخلوقات واللبونات خاصة التي تثب على قدميها بعد دقائق قد تطول أو تقصر، ولكنها تستطيع الإعتماد على نفسها مقارنة بالإنسان. أي لو نظرنا بطريقة علمية بحتة لرأينا الصعوبات وعدم نضجنا وإستقرارنا المنشئي والذي يزداد سوءا بعالم كل مافيه من قانون وحكومات وشعوب ممتلئة بقباحة الملكية والسيطرة وإكتناز الأكثر على حساب الآخر، فكيف ونحن الأطفال بضيق الإدراك أن نربي ذريتنا؟
وكيف نتقبل أن لبناتنا وأبنائنا، وجود آخر، ليس وجودنا وإن كنا من أنتجناهم؟
هل نتقبلهم إن خالفونا الرأي، الأهواء، الميول، العقيدة، الإيمان أو اللإيمان؟
هل نتقبلهم إن أجرموا، أو لديهم نوازع لجنسهم، أو قرروا ترك الدراسة؟ هل نعتبر تصرفاتهم إساءة شخصية لنا، لأننا من كان لنا الفضل بإنجابهم وتربيتهم والإنفاق عليهم؟
اليس هذا مايفعله الحيوان الى حد كبير؟
إذا هي الغريزة ماتجعلنا نفعل ذلك وأسوأ، فنحن نريدهم مسخ منسوخة عنا وعن أحلامنا المبتورة، ننشئهم بمثاليتنا التي نعتقدها مثالية ولانتقبل غيرها، بقناعات تربينا نحن عليها وإن لم نكن في بداياتنا راضيين عنها أو ربما رفضناها علناً ثم بعدها أذعنا لها خوفا من العائلة، المحيط والمجموع ومن ثم أعدنا الكرة وزرعناها في ذريتنا.
نغضب عليهم ونعاقبهم وقد ننبذهم إن تجرأوا ورفضوا كل ترهات أسلافنا المتمثلة بنا، قد ننعتهم بالمجانين ونضعهم في مصاح، أو نقتلهم إن أخلوا بالشرف المزعوم.
كم حزينة أنا وغاضبة مني حين أرى مافعلت وفعلنا، حين أشاهد فلذات أكبادنا حزينة مجروحة تلعق جراحنا هو الجرح السرمدي ذاته الذي لعقناه لأجدادنا، والذي سيطال أحفادنا.
نحن ماكينات تهرس وتجرش وتسحق بدون هوادة، هل رأيتم في يوم ماكينة حكيمة؟
نريدهم يافطات إعلان مضاءة بالنيون تؤكد وجودنا بحسنا اللاواعي، وهو ذات اللاوعي لسلفنا قبل 300 سنة حين قرر أن نكون هنا اليوم!
فهل ستعيدون الكرة وتقرروا إستنساخكم بعد، أم تقرروا النضج أولاً ؟!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن