الكونية وحاجة الإنسان للعودة لنقطة الإنطلاق الأولى

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2022 / 3 / 5

المعنى هنا بالعودة للجذور قد يفقد عند البعض المضمون الحقيقي من الوجود الكوكبي بشكله الحالي أحادي التفكير والتوجيه والاعتناء بالخصوصيات بعيدا عن التشاركية والتناظر، لأن عودة الإنسان الكوني بالجذور وهو المسخّر الإلهي المليء بالحيوية والنشاط المقنن لبرهة زمنية عمرية معينة، سرعان ما يندثر عبر صيرورته وعبر سيرورة الزمن الحتمية، وبالتالي لا معنى له على الإطلاق في الوجود ما لم يضع بصماته عليه، وما لم يترك أثرا للأخر التالي الأخر الذي ينتظر عالما يتوافق مع هو في فطرته الأولى .
الواقع أن هذا التفسير قد يشكل طرحا فلسفيا نحن أحوج ما نكون له والذي ما يهمنا منه هو أن ما ينجزه الإنسان الكوني في برهة زمنية وعمرية معينة له أثّر في الإنسانية لا يمكن أن تندثر أثاره من الوجود بسهولة، وقد يقاس على ذلك الأعمال التي ينشط بها الناس من حيث فائدتها عليه كوجود كلي بالمطلق، والتي تعتبر مركز التحولات المحورية في التاريخ وهي التي تعبئ المجتمعات نحو التقدم العلمي والمعرفي وقيادة التاريخ وتترك مجالا واسع النطاق للأجيال الصاعدة من الاستمرار في النهوض بالواقع الكوني.
ومن ثم يصبح الحديث عن انهيار الدولة وسيادتها وصورتها بظهور مفهوم الإنسان الكوني مجرد وهم محقق، لكن السؤال لماذا التركيز دوما على الجانب الشمولي كالصورة الظاهرة على شاشة السينما دون أن نربط كيفية حدوثها مع تطور وجودها والعودة لتلك الجذور لفهم ما نريد أن نفهمه كحقيقة وليس إنعكاسا سطحيا للأشياء.
إذا الحل يمكن عندي في العودة إلى الجذور الأولى، العودة لصيرورة الأنا من الكينونة الأبتدائية، ليس كما يفهم البعض من هذا القول الرجوع إلى الماضي إلى عصر البساطة وعصر الدين الأول أبدا لم يكن كذلك، هو العودة بالوعي إلى صورة الحقيقية ولأن الذات الإنسانية منقسمه على نفسها بين الروحي والمادي إنقساما تكوينيا وليس تشغيليا، أي بمعنى أن قدر الذات في التكوين أن تكون هكذا وليس غير ذلك، هذه العودة لا بد أن تمر بإيماننا أن التكوين هذا ليس مصنوعا ومتخيلا من الذات، بل هو من خارجها من نفس المكون الذي جعل للذات وجود، إنها العودة لله للدين لقيمة أن يكون الإنسان أما أخا لك في الدين وعليك أن تتشارك بهذه الأخوة وتتدين بها، أو أن يكون نظيرا لك في الخلق أي أنها أنا في صورة وأخر في صورة كما أنت أنا في صورة وأخر أيضا في صورة متناظرة.
نعود للأستاذة أماني أبو رحمة في تجربتها النقدية لعالم ما بعد العولمة ولنرى كيف تفهم هذه العودة من خلال نظره أيكولوجية نافذه في الواقع ومستجيبة للصدمة التي احدثتها العولمة في الوعي الإنساني، تلك الصدمة أحدث الشرخ بين الإنسان والواقع بين الذات والأنا الطبيعيان فتسرد قولها (وتعود جذور الإيكولوجية العميقة إلى الفيلسوف النرويجي آرني ناي (Arne Naess وتؤكد هذه الفلسفة على اعتبار البشر جزءاً مكملاً للنسق البيئي الذي يعتبر أعلى وأكبر من أي من أجزائه ومن ضمنهم البشر، ومن ثم تضفي قيمة أكبر على الكائنات الحية والأنساق والعمليات البيئية في الطبيعة، تتجاوز الايكولوجيا العميقة الفردانية الغربية لترى البشر جزءاً من الأرض أو الطبيعة ويؤدي ذلك إلى ارتباط أقوى بالحياة وبالأرض وبالكوكب وبالطبيعة ككل) .
هذا الأرتباط أنا أدركه من خلال كلمة الكل الذي لا تحدده الإيكولوجيا العميقة بحد معين، أنها تشير لواحد من أعظم المؤثرات البنيوية في حياة الإنسان على الأرض، وأشد ما حرك الإنسان خارج النطاق المادي بالممارسة وليست بالأثر كما في الطبيعة البيئية، أنه أثر لا شعوري وإن كان واقعا بالحدوث إلا أن الدين ولو تجاوزنا أثره الروحي فهو ممارسة حسية وعلاقة وطيده بين الأرض والسماء، ترسم وترتسم سلوكيا ومعرفيا وفكريا وجسديا في كون أثرها العيني والحسي ظاهر بدون نكران بدون أن نتجاوز واقعه الحقيقي لا الأفتراضي.
وهنا يمكن النظر إلى الايكولوجيا العميقة بوصفها جزءاً من عملية أكبر، عملية تكوين وخلق ووعي وبحث عن الذات عن الهوية عن الحلم، عن إستجابة للتحدي الذي فرضه الإلحاد المادي أو كما تقول الناقدة أماني أبو رحمة (تستجوب الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الغربي والتي تهدف إلى نظرة جديدة نحو العلم والسياسات والصحة والتعليم والروحانيات ومجالات أخرى تطال الحياة وما بعدها، وبسبب هذا التنوع الهائل في الاهتمامات فقد أطلق عليها "النظرة الجديدة")، إنها العودة إذن للجذور عودة لمنطق الحركة الكينونية الإنسانية.
إذن يبقى الدين ذلك الرابط الذي لا يمكن نكرانه عند أشد الملحدين واللا دينيين فلكل إنسان عقيدة في الحياة قد يسميها دين أو فكر عقيدي أو نظرة للوجود كل ذلك صور من صور التدين، فلا يوجد كائن إنساني له عقل خال من نظرة للكون للحياة للمات للخلق للخير والشر، إذا لا يوجد من هو لا ديني بل ديني وإن أخرج ذلك من ظواهر الفكر المنتج عنه ولكنه يمارسه حقيقة وعلى نطاق واسع لا شعوريا، عندما يعلن الوجوديين موت الله إنهم يقرون بصورة وجوده يقرون بالموت وبالله وإن أعلنوا موته، ولكن المنطلق الذي إنطلقوا منه منطلق ديني سيرافقهم باللا وعي باللا إختيار حتما.
وقد يحتج البعض أن الدين ليس بريئا أيضا من هدر إنسانية الإنسان وتدمير الكثير من مفاصل حياته عبر الزمن التأريخي، مثلا كيف نبرر على وجه التحديد الغزوات الإسلامية أو رحلات التبشير المسيحية وما قبلها من حروب صليبية، أو التكلم عن التحريض اليهودي على كراهية الأخر بإعتبار أن كل من ليس يهوديا غير مقدس عند الله ويجب أستباحة وجوده؟؟ إنها أمثلة قريبة وموثقة عبر التأريخ!، فقط أمثلة من سيرة طويلة لا يمكن حصرها، وقبل الدخول في فهم الدين والتدين والديانه لا بد لنا أن نفهم أستراتيجية الدين، أي لماذا كان وجود الدين ضرورة حقيقية في حياة الإنسان؟ وماهي حدود هذه الضرورة ومبرراتها؟ لكي نستلهم من الإجابة ما يمكن أن نضع لنا موازين تتعلق بالأشكالية التي يحتج بها البعض علينا بإقحام الدين كنموذج حي وطبيعي محرك للتغيير كما تفترضه الإيكولوجيا العميقة.
يرى الباحث أحمد حجازي في مقال منشور له أن الأستراجية الكونية ليست إبتداع بشري ولا هي إستجابة لحاجة إنسانية، إنها جزء من فاعلية وجود الإنسان في الأرض يتوافق أصلا مع الوظيفة الطبيعية له، الوظيفة التي تتصل بالعقل وإنتاج المعرفة لديه دون أن يكون مختار فيها، إنه إنسان مبرمج أن يكون متدينا بوجود العقل لديه هذا الفرض لا تنكره المعرفة العلمية ولا تبرهن عكسه التجربة العلمية، فضلا عن التجربة الحسية (إن بناء هيكلية الكون محفوفة بالعادة والمعرفة العلمية، فهي إلى جانب ذلك تكتسي حلّة جديدة بالديانة الأستراتيجية، فالديانة الأستراتيجية مكوَّن أساسي من مكونات الطبيعة البشرية والمفطورة بالهالة القدسية والطابع الروحاني الذي يفيض به جيشان العاطفة الإنسانية المتأصلة بكنه الجنس البشري، والتي تترجم بفعل الزمكانية إلى طقوس ومسارات تعبدية تكرس حالة الاعتقاد والدَيْن (الفعل دان يدين لفلان طاعه وحاسبه) إلى قوى غيبية معنوية أو رمزية كامنة بالطبيعة وواعية منطقيا وغريزيا في الإنسان يصعب إزالتها بسهولة رغم قوة ورباطة جأش الإنسان) .
إنه يعود إذن بالدين إلى كينونة الأنا في لحظة التكوين الأولى إنها من أصل النظام العام الذي يجعل الذات كما يصفها الفلاسفه أنها جوهرة عارفة مرة وذات محل معرفة مرة ثانية، فالدين منتج معرفي يلتمسه الإنسان من الواقع الحضوري كما يلتمسه من الواقع الغيبي، وهو أيضا يتخذ من الذات محلا كونه معرفة حقيقية فسرت وتفسر له الكثير من التسأولات التي أحاطت بوجوده وفرضتها ضرورات هذا الوجود، فهي أي الديانه وجه ذاتي أيضا للذات الإنسانية نفسها، نعود للأستاذ حجازي ليؤكد (أن الدين يستطيع أن يجعل من الضمير الجمعي الذي يجهد الإنسان في بنائه وتكوينه الاجتماعي منذ الصغر هدفا للتحول بأنشطة النفس البشرية نحو أهوائه وتلبية لرغباته وشهواته)، كما يمكنه أن يجعله أيضا متحولا نحو المعرفة الراقية نحو العلم كل ذلك يعتمد على طريقة فهمه ذاتيا، فليس كل الذوات متشابه في انتاج المعرفة أو قدرتها على احتواء المعرفة بصفتها محل له، هنا تفترق قيمة الدين عند الإنسان وليس ضروريا أن يكون الدين بصورة واحدة عند الجميع.
إن إنتقال الوعي والإدراك بالدين من صور وأشكال ذهنية متعددة بناء على ما يشكل الدين للأنا المتدينة من ضروريات وكيف، تتعامل هذه الأنا وتسخر فهمها وانتاجها الديني وفق مساراتها الخاصة، فالأنا التي تقوم على مبدأ التفاضل والمزاحمة تحاول أن تصوغ الدين نحو تعزيز هذا الإعتقاد وترسيخه لا شعوريا كما تحاول أن تترجمه عمليا في أرض الواقع، بذلك يفرق الاستاذ حجازي بين مفهومين للدين فطري أستراتيجي ودين غريزي وله صفة أستراتيجية أيضا (لذلك يكون الدَيْن دَيْنا بعيدا عن طهارة النفس البشرية الداعية إلى قيادة السلوك السوي نحو الديانة الإستراتيجية الفطرية لصالح الديانة السلوكية المادية الداعية إلى جعل النفس مصدرا للقيادة والإبداع أو النفس الخلاّقة وأنها لا تدين لأي شيء سوى ما يصرفه العطاء الذاتي من مجهود منطقي لا غريزي ومنطقي معا كما في الديانة الفطرية الأستراتيجية). .
إذا نجد هنا مغزى التفرق بين المفهومين يقوم على حقيقة مبدأ الاستثمار الحر الإرادي في الدين وكيفية توجيه هذا الإستثمار ونتائجه على مستوى الغايات الكليه التي تتعلق بوجود الإنسان الكوني في وجهه الديني وبطبيعة الحال، سواء كان مصدر التدين الشكل الرمزي فيه أو في الفعل المجسد المادي له بشكلا دينيا فهو يمثل بصورة ما الحصانة الشرعية للإنسان كفرد أو كجماعة وهو كذلك فعلا.
وأن الجماعات والأفراد سواء اكانت ذات ديانة سماوية من صنع الله أو ديانة وضعية من نتاج العقل البشري هي تكريس واقعي لما جبل الإنسان عليه من ميل لا شعوري فطري تكويني نحو الدين، نحو السماء نحو الحلم بالعودة للجنة الذي تكلمنا عنه، هذا التبرير نجده واقعا فلسفيا أوربيا أيضا فقد صرح لوبون غوستاف بإيراده (باسكال فقد ذهب إلى "أنّ الناس يعتقدون بتأثير العاطفة لا بتأثير الدليل والبرهان ثم قال "أن بيان كيفية هذا الاعتقاد أي الاعتقاد بتأثير العاطفة هو من الصعوبة والدقة والغرابة بحيث يستحيل على من هو في مثلي) .
يبقى موضوع الأستثمار وقراءة الدين وكيفية إدراكه والتعامل البيني بين المتدين والمتدين الأخر عوامل جوهرية في بسط مفهوم الدين أو الكشف عن الأنا المتدينة، لكن هذا لا يلغي أهمية الدين أو إخراجه من الحياة الوجودية عبر نبذ الأنا عند البعض لمفهوم الدين، حتى لو أراد أن يتجرد منه صاحب الأنا، فهل يمكن للفرد أن يتخلص من بعض الجينات الأساسية في نظامه التكويني بحجة أنا قد تؤثر على شخصيته العامة بشكل ما أو بأخر؟ أو هل يستطيع بعد أن تكون من تلك الجينات أن ينكر وجودها؟ الدين بالنسبة للأنا مثل الجين في الخلية إنه تكوين مخلق به الإنسان.
أولا وقبل أن نبرر ضرورة العودة إلى الدين والجانب الروحي يجب أن نفهم معنى الدين؟ كيف يعمل؟ وما يريد الدين؟ وما وجه الفائدة منه؟ والسؤال المركزي والمحوري دوما هو ما نفهم من الدين؟ قد يكون السؤال عند البعض بديهيا وهو أن نكون مرتبطين حركيا ومفصليا مع أمر الدين نقبل ما يقبل ونرفض ما يرفض وأن نمارس هذا القبول والرفض من خلال منظومة متعددة الجوانب والأوجه من مراسيم وواجبات وتكاليف، يعني أن نكون متدينين به وأن يكون الدين هو القائد الذي يجب أن نتبعه سيره وإلغاء كل حركة وسلوك وتصرف خارج حدوده.
فهم الدين على أنه القائد الذي تتبعه جيوش المتدينين هو تحريف فظيع لقيمة الدين ودوره في الحياة، الدين ليس شخصا ولا موجود له أليات تقوم بقمع الناس على الخروج من محدداته، وليس ذاك المحارب الذي يجرد كل الأسلحة ليقهر الإنسان لأن يكون تابعا له دون أن يمنحه حرية الأختيار في ذلك، ولا يمكن أن يكون الدين مجرد وظيفة نمارسها متى ما نحب أو نرغب ونتركها متى ما كانت لا توافق رغباتنا أو ما يستحق علينا من ضرورات أو يفرض علينا من استجابات، الدين قيمة تحرك في الذات الإنسانية عوامل السعي نحو الكمال من خلال الذات نفسها، فهو كقيمة فكر حاله حال كل الأفكار التي تطمح أن تكون محرك للوجود من خلال أداة الحركة الوجودية الرئيس وهو الإنسان، لا أن تكون قهرا فوق الإرادة.
تأريخيا تعرض الدين كمفهوم وكقيمة إلى الكثير من المحاربة والتعرض له كما لحقه الكثير من التزييف والتحريف ولكن بقى موجودا مستمرا على الدوام كضرورة، ولم تقدر كل المحاولات الإنسانية المحاربه له أن تنتزع دوره المحوري في الوجود، ليس لأنه يملك عصا سحريه تبقيه موجودا بل لما فيه من قوة دفع وقدرة على المقاومة لأنه يرتبط مع الإنسان وجودا وعدما معه، ولم يتخلف عن أداء دوره في الحياة من خلال حضوره في الأنا في جوهرية الوجود، وهذا ما يمنحه قوة البقاء.
الدين كما نفهم قوة أخلاقية زرعها الله في الكون الوجودي الهدف منه ليس وجوده لأجل وجوده ولكن ليكون دليلا ومعيارا تقاس عليه سلوكيات الفرد تجاه وجوده أولا، بما فيه وجود الأخر وتصحيح وتصويب تلك السلوكيات البشرية لكي لا تتضارب مع الأسس السلمية للاستمرارية والتطور، ولم يفرض الدين في كل الأديان كونه رمز للإلوهية ولم يكن هو بحاجة لها، بل كان دعوى لكل من يرغب أن يكون لوجوده معنى، فهو لا يفصل بالأمور من خارج وجودها ولكن من خلال ما يعقل ويتعقل منه الإنسان، فهو حاكم غير مباشر يمارس دوره من خلال الأنا من خلال الذات الإنسانية، ولهذا فلا أظن أن ما يشاع من تعارض بينه وبين العلم ليس إلا نتاج سوء فهم لدوره وعدم قراءة ما يريد الله من الدين بوجوده بيننا.
لقد أسست العلمانية كجوهر لفكرة أن الدين ليس حاكما وأنه مجرد توافق بين إرادة الله والأنا، وبالتالي فالأنا هي الحاكم الفعلي بما تنتج متقيدة به أو غير متقيدة، فكلما كانت أقرب لفهم الدين تكون أقرب للصلاح منها لأن تكون خارج ضابط حقيقي يجنبها التجاوز على الأخر أو المزاحمة على وجوده المحض، وبالتالي فالأنا المتدينة وإن لم تمارس الطقوسية المطلوبة هي الأقدر دوما على النجاح بمهمة القيادة لأنها منضبطة بالكمال الأخلاقي الذي تؤمن به أولا ولا يخرجها للطغيان.
العلمانية في هذا المفهوم ليست ضد الدين بل هي ما يريد الدين أن ندع الإنسان يقرر ما يراه مناسبا له سواء أتدين أم لم يتدين، أما فرض الدين على الجميع على قاعدة من لم يكن متدينا فهو كافر وعليه أما أن يلغي وجوده أو أن يقوم الدين بإلغائه، الفكرة ليست من فكر الدين أصلا، وهذا هو محور الخلاف بين الفهم الأصلي له وفهم المستثمر الديني، وبهذا الفهم يمكن للإنسان أن يكون كونيا عندما يمارس تلك الحرية ويتشابه مع الأخر في الحقوق والواجبات، أما أن تفرض عليه ما هو خارج عن تلك الحرية إنما تلغي دوره ووظيفته بأن يكون فاعل عضوي في الوجود وبالتالي إنتكاس لإنسانيته المجردة.
لابد للدين أن يمارس دوره المحرك للقيادة وليس قائدا وليس متعاليا على الإنسان، فالله الذي شرع الدين لم ينتخب نوابا محددين له، بل فرضه للناس طريقا للإصلاح والعدل والحرية، فكيف تتوافق الحرية مع الجبرية؟ وكيف تتوافق القراءة الفاسدة واللا منتمية للدين مع هدف الإصلاح؟ إذا لا بد من العودة لمفهوم الدين، العودة إلى جذور مبدأ التدين الذي يخرج الإنسن من عبودية الأنا وعبودية الأخر ليتشاركو جميعا في حرية الإنتماء أو حرية الرفض.
إن من مساؤى العولمة أنها تتجاوز فهم العلمانية لدور الدين كما تتجاوز مبدأ حرية التدين من خلال رفضها الإنتماء له أو حرية أن تمتلك هوية دينية وتجرد الإنسان من مصدر قوته المحركة، قوته التي تشعره بالانتماء الكوني لقيمة كلية جامعة يتشارك بها مع الأخر، وتصطبغ بالوجه الروحي الذي يتوائم ويتماهى مع الأصل الكينوني للذات، ومع كل ذلك للعولمة فضل كبير في تحريك وكشف الكثير من الخبايا التي عرت الوجود الإنساني وكشف حقيقته دون وجل أو خوف وهي أيضا من فضائلها المؤكدة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن