العراق وأزمة الفراغ السياسي

صابرين ستار جبار
sabrinsstarj2018@gmail.com

2022 / 2 / 24

أن هدف ومهمة أي عملية ديمقراطية سياسية تجري في ظل نظام برلماني هو تشكيل الحكومة أستناداً إلى النتائج التي افضت إليها الانتخابات، إذ أن انخراط المواطنين في العملية الانتخابية يدلل على مدى الرغبة في اختيار وانتخاب من يمثلهم ويقوي في الوقت ذاته طبيعة النظام السياسي ويكسر الاستبداد بالسلطة واحتكارها فتبادل الاداور ما بين القوى السياسية سيكون هو الغالب على ماعده، ومن ثم يبعد الشعور بالغبن والتزوير الذي تعكسه إرادات القوى الخاسرة في الانتخابات، فإن القبول بنتائج الانتخابات واحترامها هو أساس وركيزة الديمقراطية والنظام البرلماني القائم على وفقها، فعلى اثر تلك النتائج تشكل الحكومة من الاغلبية الفائزة.
فالعلاقة بين نتائج الانتخابات وعملية تشكيل الحكومة علاقة متبادلة مكملة للأخر .
وفي ظل النظام السياسي العراقي، الذي شهد إجراء انتخابات قبل حوالي أربعة اشهر وبالتحديد بتاريخ 10 تشرين الأول من عام 2021 أذ جرت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت قبل عام من الاستحقاق الانتخابي ،وقد جاءت نتائج الانتخابات محققة رغبات كتل سياسية وصادمة لرغبات كتل أخرى ، فحصلت الكتلة الصدرية على نسبة المقاعد الأكبر وبعدد 73 مقعد، ومن وتقدم 37 مقعد ، ودولة القانون 33 مقعد، والحزب الديمقراطي الكردستاني 31 مقعد، والفتح 17 مقعد، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني 17 مقعد، وعزم 14 مقعد، والجيل الجديد 9 مقاعد، وحركة امتداد 9 مقاعد، وتوزعت بقية المقاعد بين الكتل السياسية الأخرى.
وعلى الرغم من كون هذه الانتخابات حملت الصفة المبكرة في إجرائها ألا أن الحكومة لم تشكل بعد، وان تعليل ذلك يكمن في العوق الوظيفي والبنائي في النظام السياسي العراقي، الذي أسهم في المرحلة الحالية في اظهار الفراغ السياسي الذي يكشف عن عجز القوى السياسية العراقية على القبول بتبادل الاداور بالطريقة الديمقراطية المعهودة في كل النظم البرلمانية، وهذا ما يجعل النظام السياسي العراقي يعيش في حالة أزمة مستمرة بكل مالها من تداعيات مختلفة على المستويات كافة.
فبحسب الدستور العراقي فإنه يتوجب انتخاب رئيس الجمهورية العراقي خلال 30 يوماً من تاريخ أول انعقاد للبرلمان، وسيكون الثامن من فبراير هو آخر يوم مقرر لانتخابه، وبحسب قرار المحكمة الاتحادية ، تحتاج جلسة انتخاب الرئيس لحضور ثلثي عدد أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 329 نائبا، من أجل الانعقاد.
غير أن قرار الكتلة الصدرية في العراق بتجميد المشاورات مع القوى السياسية بشأن تشكيل الحكومة، ومقاطعة الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، أثار التوتر من جديد داخل البلد الذي يخشى عليه من الفراغ والانسداد السياسي، وهذا القرار يعد مناورة سياسية متوقعة نظراً لوجود ضغوطات كثيرة حول انتخاب رئيس الجمهورية، وأخرى تكمن في تشكيل الحكومة.
والكتلة الصدرية بهذه المناورة تسعى لاستعراض قوى الإطار التنسيقي والكشف عن مدى تأثيرها واستيعابها لهذا الأمر، وفي فرض رغبته في تسمية رئيس للحكومة، وهو ما لا يريده الإطار التنسيقي، الذي اقترح على الكتلة الصدرية أن يكون لهم حق الفيتو على مرشح رئاسة الجمهورية، فضلاً عن مساعي الكتلة الصدرية إلى إبقاء السلاح بيد الدولة فقط مع دمج الفصائل، وهي أمور تعد من الخطوط الحمراء للإطار التنسيقي.
وخطوة الكتلة الصدرية جاءت مع وجود الضغوطات والتهديدات الكبيرة التي تمارس على تحالف الكتلة لعرقلة مشروع الأغلبية الوطنية، والكثير من هذه التهديدات تأتي من أطراف موالية لإيران تحمل السلاح وقادرة على إشعال العنف، لذا فأن موقف الكتلة يعد مناورة جديدة لمواجهة تلك الاطراف في سبيل الوصول إلى آلية للتمسك بخيار حكومة الأغلبية الوطنية تبعد منها قيادات شيعية بارزة.
فضلاً عن الخشية من عدم إيفاء جزء من المستقلين أو من الأحزاب الجديدة التي ساندت جلسة اختيار رئيس مجلس النواب، لحضور الجلسة المقرر عقدها لاختيار رئيس الجمهورية، وان عدم حضور الجلسة قد يفسح المجال أيضاً للاحزاب الكردية بغية اختيار مرشح أكثر قبولاً لدى الشارع، وهو أحد السيناريوهات، لكن السيناريو الأكثر توقعاً هو الخشية من عدم اكتمال النصاب ونجاح الجلسة.
وتعد خطوة الكتلة الصدرية خطوة استباقية جاءت بالضد من الثلث المعطل التي راهن عليها الإطار التنسيقي في أكثر من مناسبة ، ولأن كل المعطيات كانت تشير إلى أن قوى الإطار التنسيقي هي من ستتخذ قرار عدم حضور جلسة البرلمان، وبذلك أرادت الكتلة الصدرية أن تعطي رسالة للجميع أنها هي وحدها القادرة على تغيير مسار الوضع السياسي في البلد.
غير أن تغيب أعضاء التيار الصدري الذي يعد أقوى كتلة في البرلمان بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في اكتوبر 2021، نظراً لما يشغله من عدد المقاعد عن الجلسة البرلمانية لا يعرقل اكتمال النصاب، وبذلك لا تلغى الجلسة التي تحتاج إلى حضور 220 نائباً.
لكن الذي حدث في الجلسة المقررة لانتخاب رئيس الجمهورية هو تغيب ومقاطعة اعضاء الكتلية الصدرية وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني والكتلة التركمانية وبذلك لم تشهد جلسة مجلس النواب حضور اـلــ 220 نائباً المفترض حضورهم لاختيار رئيس الجمهورية.
وقد أدت هذه الخطوة إلى ادخال النظام السياسي العراقي في فراغ سياسي كاشف عن مدى عجز وضعف القوى السياسية العراقية المتمسكة بمصالحها التوافقية، كما أدت إلى خرق المدد الدستورية وأبقاء إدارة رئاسة الجمهورية 30 يوماً تحت إمرة اتحاد سلطة مجلس النواب الجديد مالم يتم استبدال المرشحين المقدمة أسماءهم أمام مجلس النواب بأخرين توافقيين أو بمرشح توافقي واحد يحظى برضى الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وهذا ما سيحدث.
فكل ما تقدم يجعل من المهمة القادمة للحكومة العراقية شاقة وصعبة، لأنها سترتكز على قوى سياسية، تستقوي بميليشات مسلحة، تفرض نفسها بالقوة، خارج سيطرة الدولة، وهي العامل الاكبر في عدم استقرار الوضع في العراق، وهذه القوى ستشكل اكبر عائق في طريق تشكيل برنامج وطني جامع للعراقيين، لانها تلوذ بالاحتلال وليس بالوطنية، فالكتل والاحزاب السياسية المهيمنة على المشهد السياسي في العراق تهدف عبر ضغوطها المكثفة تحقيق مصالحها الفئوية الضيقة بالدرجة الرئيسة, ومنع اي كسر لعقدة المحاصصة الطائفية لان ابقاء الوضع كما هو عليه في شكل التنافر السياسي ,وبقاء ظاهرة التناحر السياسي يعد هدف استراتيجي لتلك الاحزاب والكتل السياسية, والذي من خلاله يمكن تحقيق عدة اهداف مهمة وعلى راسها اضعاف العملية السياسية وبقاءها في حالة من الركود يصعب من خلالها تحقيق دولة قائمة على اسس دستورية وقانونية بعيداً عن المحاصصة والتوافقية، فالأخيرة تعد شريان الحياة للقوى والأحزاب ذات المصالح الفئوية الضيقة، وعليه في حال عدم تحقيق مصالح ومكاسب الكتل السياسية الفائزة والخاسرة في ذات الوقت أيضاً فإن منطقة الفراغ السياسي ستستمر بالظهور بصيغ ومسميات مختلفة بعد كل عملية انتخابية برلمانية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن