القضاء العراقي وعظمة العدالة في المحكمة الجنائية العراقية العليا

ابراهيم أحمد السلامي
salam_111117@yahoo.com

2006 / 9 / 5

كان قد وصلني رد على مقالاتي التي كتبتها في الصحافة الالكترونية عن القضاء العراقي من مجموعة من القضاة الذين تم عزلهم بعد سقوط النظام السابق اطلقوا على أنفسهم (رابطة القضاة العراقيين) وقد أرسلوا لي مشكورين برنامجا أعدته رابطتهم عن القضاء العراقي بعنوان( مؤسسة القضاء / سياقات التأسيس في مرحلة سيادة القانون ) سأتولى القاء الضوء عليها في مقالة قادمة. ولكن يبدو من خلال الرد الذي وصلني منهم عبر بريدي الالكتروني أنهم غير راضين عن تلك المقالات وأعتبروا ماورد فيها هو مساس بهم شخصيا, وأتأمل أن يلتمسوا لي العذر لاني كنت أتناول موضوع القضاء وفقا لعمومياته وليس وفقا لاستثناءاته كما أن بعض من القضاة الذين تم عزلهم مازالوا موضع احترام وتقدير من قبل المحامين والحقوقيين لما يتمتعون به من علم وخبرة ونزاهة وتواضع , أكثر بكثير مما يتمتع به بعض الذين مازالوا مستمرين بالعمل في القضاء . لذا سأستغل هذه المناسبة بأن أتحدث بشئ من الاسهاب عن موضوع التواضع في القضاء الذي يشكل الركن المهم في القاضي النزيه والعادل ولا اراني مبالغا اذا قلت أن هذه الصفة هي التي تجعل من القاضي قاضيا عادلا وناجحا , فكم تناسى الناس أخطاء مثل هذا القاضي لدماثة خلقه وطيبة سريرته وتواضعه الجم , بينما لايترددون بوصف القاضي الذي لايتمتع بتلك الصفات بكل الاوصاف والنعوت غير المحببه وربما يظلمون مثل هذا القاضي ولكن من عرض نفسه للتهمة فلا لوم لمن ساء الضن به , .
أن مايؤسف له أن كثير من المحامين أو الحقوقيين أو غيرهم بمجرد تبوئه منصبا في القضاء يتحول الى شخصية غريبة الاطوار بتعجرفها وتكبرها متخيلا أو معتقدا أو متوهما أن هذا الاسلوب سيجعله موضع ثقة مرؤسيه كما أن الناس ستحاول تجنب مطالبته بحق لايستحقونه , بينما الحقيقة هي أن الناس سيقولون عنه أنه يتصنع ذلك من أجل أن يدفعهم للتوسط لديه من أجل تحقيق منافع شخصية وهذه اصبحت ظاهرة مره للاسف فأكثر القضاة الذين تعاملوا وفقا لهذه الطريقة مشكوك بنزاهتهم .كما لااجدني قد ابتعدت عن الحقيقة اذا قلت أن أكثر من يتعاملون وفقا لهذه الطريقة أو هذا الاسلوب هم القضاة الذين جاءوا عن طريق المعهد القضائي , .
أن التواضع صفة حضارية عظيمة لايتمتع بها الاذلك الانسان الذي ارتقى فوق عقده وتخلى عن سلوكيات الصحراء والبادية ذات الطباع الخشنة من الناس الذين لايمثلون الا انفسهم وعقدهم وغرائب طباعهم ومثل هؤلاء لايمثلون الا كارثة الحضارة والانسانية لذا فهم لايمثلون الا أنفسهم على اقل تقدير ولايمكنهم أن يمثلوا القضاء العراقي بأية صورة كانت فأمثال هؤلاء قد يصلحون أن يكونوا أفرادا من الشرطة أو الجيش أو غيرها من الخدمات الامنية اما أن يكونوا قضاة فهي المأساة التي عانيناها والتي سنعانيها على يد أمثالهم .
ولابد لي أن اتذكر تلك الحكاية التي رواها المفكر الكبير الدكتور علي الوردي في كتابه الرائع المسمى ( خوارق اللاشعور) وهويتحدث عن الشعوب المتحضرة التي اعتبرت التواضع جزءا من ثقافة الحق والعدل والانسانية اذ قال الوردي بينما كنت اتجول في احدى ضواحي احدى المدن الامريكية التي كنت اكمل فيها دراستي لمحت صباغا للاحذية فقررت أن اصبغ حذائي لدى هذا الصباغ وبينما كنت اضع حذائي على ناصية مكان الصبغ لمحت شخصا كان يقف جوار هذا الصباغ وكان هذا الشخص بمنتهى الاناقة والوسامة وكانا منشغلين مع بعضهما بحديث مشترك اذ كان ذلك الرجل الانيق يحدث الصباغ عن كيفية قضاءه عطلة الاسبوع مع زوجته في احدى المدن الثلجية وكيف تمكنا من التزحلق على الجليد والتمتع بعطلة الاسبوع , بينما كان الدكتور علي الوردي في حالة اندهاش وتعجب . وبفضول الرجل الشرقي سأل الدكتور علي الوردي صباغ الاحذيه من يكون هذا الرجل فأجابه صباغ الاحذية أنه صديقي , فقال له علي الوردي وماذا يعمل صديقك هذا فاشار الى بناية فخمة وقال أنه مدير ذلك المستشفى, قال الدكتور علي الوردي أنني لم أنسى شرقيتي ولم أنسى كوني أحمل كل عقد الشرق وتخلفه أما هؤلاء فقد تقدموا وتحضروا لانهم تخلوا عن عقدهم النفسية الموروثة . وأعتقد أن احدى الاسباب الرئيسية التي أدت الى عزل بعض القضاة كان بسبب شعورهم بأنهم فوق القانون وأن العدل لايتأتى الا من بين أيديهم فهم كانوا يشعرون بأنهم ليسوا بحاجة الى دفاع المحامي أو مطالعاته ولاحتى بحاجة الى دفاع المتهم أو أقوال المدعي اوالمدعى عليه , فهم آلهة العدل والقانون أما غيرهم فعليهم أن يؤمنوا بهذا التفويض الغريب , ولكني أتمنى على هؤلاء وكل من على شاكلتهم من القضاة الحاليين أن يتأملوا المحكمة الجنائية العراقية العليا المختصة بمحاكمة اركان النظام السابق وكيف تألق قضاتها علما وتواضعا واهتماما بكل كلمة يتفوه بها محام أم مدعي عام أم متهم وكيف أنهم فسحوا المجال للمحامين سواء وكلاء المدعين بالحق الشخصي أم وكلاء المتهمين
وبالتالي تألق الجميع من قضاة أو محامين أو مدعين عامين بأستشناء بعض التصرفات الغريبة التي ابداها بعض محامو المتهمين ولكنها لم تؤثر على أداء المحكمة الرائع .أتمنى أن تكون هذه المحكمة درسا بليغا لمن يريد أن يتعلم ماذا تعني العدالة بلا تواضع وبلا صبر .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن