أم كلثوم الحاضر الغائب

محمد حمادى
mohmedhmadi@gmail.com

2022 / 2 / 12

تسمع صوت أم كلثوم قبل أن تراه، ينبعث صوت الكمان مثيراً العواطف خارج المقهى، يجلس كل اثنين على مقاعد بلاستيكية يدخنان الشيشة ، ليظهرا كأقزام بجانب تمثالين ذهبيين ضخمين للمطربة التي مُنحت ألقاباً عدة، منها “كوكب الشرق” و”أم العرب” و”هرم مصر الرابع”.
سجلت أم كلثوم 300 أغنية تقريباً على مدار 60 عاماً خلال مسيرتها الفنية، لنسمع اليوم أغنياتها عن العشق والهجر والشوق آتية من السيارات والراديو والمقاهي في العالم العربي بأكمله بعد 45 عاماً على رحيلها. على رغم القصائد العربية الصعبة التي تغنّت بها، أثّرت أم كلثوم في عدد من أشهر مطربي الغرب. وصفها بوب ديلان قائلاً، “إنها رائعة. حقاً إنها رائعة”. وأدت كل من شاكيرا وبيونسيه حركات راقصة على أنغام موسيقاها. وقالت ماريا كالاس، إنها “صوت لا يُضاهى”.

يخلو الغرب من نظير لأم كلثوم، ولا يوجد على الساحة فنان يلقى هذا القدر من الحب والاحترام مثل ما تلاقيه أم كلثوم في العالم العربي. على رغم ذلك، كانت لا تزال غير معروفة إلى حد ما في المملكة المتحدة حتى عرض مسرحية غنائية على مسرح “بالاديوم لندن” ليتبدل الأمر. تسرد المسرحية بعنوان “أم كلثوم والعصر الذهبي” حياتها باللغة الإنكليزية مع أغنياتها باللغة العربية. تقول منى خاشقجي، منتجة العرض، “يهدف جوهر رسالتي إلى ترويج ثقافتنا الثرية بالموسيقى العربية الكلاسيكية في الغرب”.
في أوائل عشرينات القرن الماضي، استغرقت أم كلثوم وقتاً لتثبت موهبتها في المدينة الشاسعة. وبينما أُعجبت صفوة المجتمع بصوتها في القاهرة، فقد تعرضت للسخرية بسبب ملابسها وسلوكياتها الريفية الغليظة. لذا تعلمت تدريجاً التأنق في أفضل الملابس وتعاونت مع نخبة من فناني هذا العصر، على رغم شهرتها كمطربة صعبة الإرضاء. فقد تنافست أشهر شركات الإنتاج للتعاون مع أم كلثوم، بينما تفاوضت هي بذكاء لزيادة أجرها وشهرتها. وسرعان ما ضاعفت أجرها لتضاهي أشهر الفنانين على الساحة في القاهرة آنذاك.

تميز صوتها بأنه صوت رنان، من أندر الأصوات النسائية، ويتمتع بقوة مذهلة. غنت أم كلثوم أمام جمهور هائل من دون ميكروفون وكانت ترتجل ببراعة تامة. وقال عنها نجيب محفوظ، الروائي المصري الحائز نوبل “كانت تغني مثل الواعظ المُلهم من جمهوره. فعندما يدرك الواعظ ما يصل إلى جمهوره، يمنحهم المزيد، ويتفانى فيه”. كان الجمهور يهتف لتعيد غناء المقاطع وكانت تستجيب لهم، لتستمر الأغنية ما بين 45 و90 دقيقة. تنقلت أم كلثوم ببراعة بين نبرات الصوت وأبرزت المقامات بمهارة لينفجر التصفيق الحار. ويُقال إنها لم تغن مقطعاً واحداً مرتين بالطريقة ذاتها.

عام 1967، قدمت أم كلثوم عرضها الوحيد في أوروبا في قاعة مسرح الأولمبيا في باريس. وحصلت على ضعف الأجر الذي تتقاضاه كالاس من المسرح ذاته، وفاق سعر تذاكر الحفل سعر تذاكر حفل المغني سامي ديفيس جونيور بأربعة أضعاف. وبعد العرض، قالت أم كلثوم: “ليس بإمكان أحد أن يصف مقدار اعتزازي عند زيارتي باريس، فقد وقفت في قلب أوروبا ورفعت صوتي باسم مصر”.

واصلت أم كلثوم الغناء حتى عام 1970، وتُوفيت فى 3 فبرايرعام 1975 جراء إصابتها بالفشل الكلوي. ويُقال إن عدد من شيعوا جنازتها يصل إلى أربعة ملايين مصري. وقد أخذ المشيعون النعش من المسؤولين عن حمله وجابوا به شوارع القاهرة لساعات.

ستعيش أم كلقوم في قلوب كل الباحثين عن الأصالة والقيمة والاحترام، ستعيش في عقول كل الذين يحترمون عقولهم ولا يتركونها حقول تجارب أو مقالب نفايات يئن فيها غبار الكلام الهابط الممسوس بطعم الرذيلة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن