ازمة أوكرانيا تمتن التقارب الصيني الروسي وستولد نظام تداول مالي جديد

محمد رياض اسماعيل
reyadh_sabir@yahoo.com

2022 / 2 / 4

قرأت في الاخبار عن نشر 3000 جندي امريكي في شرق أوروبا، ودعوة بوتين الولايات المتحدة الامريكية الى ضبط النفس.. وسبق ان حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل مدة قصيرة، من أنه ستكون هناك تداعيات خطيرة إذا غزت روسيا أوكرانيا. ورفضت موسكو هذه الادعاءات ووصفتها بأنها هستيرية، لا أساس لها من الصحة. وتصر على أن القوات الموجودة داخل حدودها الإقليمية هي مسألة داخلية سيادية، وان صور الأقمار التي تبررها أمريكا، تظهر قواتها تبعد مئات الكيلومترات من الحدود الأوكرانية في الواقع! مع ذلك يواصل الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار مساعديه، التأكيد على أن روسيا تحشد قواتها لمهاجمة جارتها الغربية، وهي تنطلق بنفس ادعاءات الاعلام الأمريكي لغزو العراق بسبب امتلاكها أسلحة دمار شامل عام 2003.
كما تم تبادل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية على مستوى غير مسبوق مع الحلفاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، في محاولة لإقناع الدول المتشككة مثل ألمانيا، بأن روسيا تعتزم الغزو حسب ما تدعي المخابرات الأمريكية، وأنه لم يتبق على الهجوم سوى أسابيع، ربما في نهاية الشهر المقبل.
تأجيج الوسائط الإعلامية، التي لها نبرة جنونية، لا تمت بصلة عما يجري في ارض الواقع. وتحت هذه الذرائع يتم تعزيز القوات العسكرية في المنطقة، من قبل نظام كييف المدعوم من الناتو، والذي يتمركز نصف إجمالي عدد قواته الآن بالقرب من خط التماس ضد الانفصاليين الموالين لروسيا في جنوب شرق أوكرانيا.
يحذر الكرملين من أن نظام كييف، تستعد لشن هجوم على المنطقة الانفصالية، بهدف تسوية الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات بالقوة العسكرية.
أظهرت القيادة السياسية الأوكرانية باستمرار تجاهلها لتنفيذ اتفاق مينسك للسلام لعام 2015. علاوة على ذلك، قدمت الولايات المتحدة وأعضاء آخرون في حلف شمال الأطلسي ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة الفتاكة لنظام كييف، بالإضافة إلى المدربين العسكريين على الأرض. تشمل آخر شحنة أسلحة من الولايات المتحدة صواريخ جافلين المضادة للدبابات، حسب ما تناقلتها الصحافة الغربية، وشرعت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في نشر سريع للسفن الحربية والقاذفات ذات القدرات النووية وطائرات الاستطلاع في منطقة البحر الأسود وبالمقابل نشرت روسيا المضادات الجوية اس400 على حدودها.
الدلالات تشير إلى نية نظام كييف في غزو جريء لمنطقة دونباس الانفصالية. سيؤدي مثل هذا الغزو، لمحنة سكان المنطقة ذوي الأصول الروسية في مواجهة الغزو، وفي نفس الوقت إلى ضغوط سياسية قوية على موسكو للتدخل عسكريًا. وبمجرد ان تنزلق رجل روسيا في الحرب، تتوقع أمريكا بأن روسيا ستغرق في حرب دموية طويلة الأمد ضد الفصائل العسكرية الأوكرانية، التي تمولها عسكريا الولايات المتحدة الامريكية. واعدت امريكا البدائل لاستثمار صادرات الغاز الى أوروبا في حالة نشوب الحرب، لتهدئ من روع أوروبا وتفنيد مخاوفها. تخطط أمريكا لتدمير روسيا بنفس أسلوب توريطها في حرب أفغانستان في السابق، والتي فككت الاتحاد السوفيتي..
ويبدو بان فلاديمير بوتين قد توصل الى نتائج هذا التخطيط، فبادر الى التنسيق مع الصين. ففي افتتاح محادثة الفيديو التي مدتها ساعة وأربع عشرة دقيقة مع شي جين بينغ في 15 ديسمبر الماضي، وصف العلاقات الروسية الصينية بأنها "مثال على التعاون الحقيقي بين الدول في القرن الحادي والعشرين. " اتفق بوتين وشي على إنشاء "هيكل مالي مستقل للعمليات التجارية لا يمكن أن تتأثر به الدول الأخرى".
غَيَر هذا التوجه قواعد اللعبة وفتحها الى جوانب متعددة بشكل مذهل، وبأكثر من طريقة. وقد نوقش على نطاق واسع في الاجتماعات الثنائية السابقة وفي التحضير لقمم البريكس، تركزت في الغالب على زيادة حصة اليوان والروبل في التسويات الروسية الصينية، وتجاوز الدولار الأمريكي، وفتح خيارات سوق الأوراق المالية الجديدة للمستثمرين الروس والصينيين. تتوقع روسيا فرض عقوبات اقتصادية عليها، ومنها طرد روسيا من تعاملات السويفت SWIFT، لذلك تقوم روسيا والصين الان بتجربة أنظمة الدفع البديلة الخاصة بهما منذ فترة طويلة: نظام SPFS الروسي (نظام نقل الرسائل المالية) ونظام الدفع الصيني CIPS (نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك).
سيكون عزل روسيا عن نظام SWIFT جزءًا من حزمة عقوبات جديدة قاسية تم تطويرها ردًا على "غزو" أوكرانيا، ويرجع ذلك أساسًا إلى تحمس دعاة الحرب المحترفون في الناتو.
كل هذه الروابط، بالإضافة إلى الخروج من نظام السويفت، ستفيد بالتأكيد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC ، الذي يمكن القول إنه مشروع مبادرة الحزام والطريق الرائد ، والذي تخطط بكين لضم أفغانستان إليه. سيتم ربط الممر بشكل تدريجي بالممر المستقبلي بين إيران والصين عبر أفغانستان، وهو جزء من الصفقة الاستراتيجية الإيرانية الصينية التي تبلغ مدتها 20 عامًا، والتي سيتم فيها إبراز مشاريع مبادرة الحزام والطريق. تتداول إيران والصين بالفعل باليوان والريال، لذا فإن التسويات بين إيران والصين في آلية غير السويفت ستكون مسألة منتهية منه.
فما حدث لإيران هو مثال كلاسيكي على أن السويفت أصبحت رهينة التلاعب السياسي الإمبريالي. تم طرد البنوك الإيرانية من نظام SWIFT في عام 2012، بسبب ضغوط من أمريكا والدول المتحالفة معها. في عام 2016، تمت استعادته كجزء من خطة العمل المشتركة الشاملةJCPOA ، التي تم التوصل إليها في عام 2015. ولكن في عام 2018، في ظل إدارة ترامب، تم قطع إيران مرة أخرى عن نظام SWIFT!!
لن يحدث أي من ذلك على الاطلاق، مع انضمام إيران الى الالية الروسية الصينية الجديدة. وهذا يقودنا إلى الترابط بين توسع الصين في مبادرة الحزام والطريق في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن. يمكن تمويل إعادة إعمار سوريا إلى حد كبير من خلال آلية غير السويفت. نفس الشيء بالنسبة للصين التي تشتري الطاقة العراقية. والشيء نفسه بالنسبة لإعادة إعمار اليمن الذي يشمل انشاء ميناءاً مملوكًا للصين، وهو جزء من "سلسلة اللؤلؤ". قد تبقى المملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل في دائرة النفوذ المالي للولايات المتحدة. وحتى إذا لم تكن هناك دولة من دول البريكس ترسي في غرب آسيا، فلا تلوح في الأفق اتفاقية تكامل اقتصادي إقليمي، فإن دور المندمج الاقتصادي ستلعبه الصين وروسيا في نهاية المطاف.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن