الظاهرة القرآنية كتاب من تأليف مالك بن نبي

مصطفى العبد الله الكفري
moustafa.alkafri@gmail.com

2022 / 2 / 1

الظاهرة القرآنية
كتاب من تأليف مالك بن نبي
عرض وتقديم: الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
يتحدث كتاب "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي عن الظاهرة الدينية والمذهب الغيبي والمذهب المادي كمقدمةٍ عقلانية لما سيتمُّ عرضه بعد ذلك. ثمَّ يناقش الحركة النبويَّة ومبدأ النبوَّة أو ادِّعاء النبوَّة والأنبياء ويشير للنبي "أرمياء" الَّذي ذُكر في كتب بني إسرائيل وبخاصة التوراة، وقدَّم مالكٌ بن نبي في فلسفةٍ عميقةٍ ومدهشة الظاهرة النفسية عند أرمياء.
بعد ذلك يحدُّثنا عن أصول الإسلام في دراسة نقدية لا تغفل أهمية فحص الوثائق المدونة أو التاريخيَّة الَّتي يمكن أن تلقي ضوءاً على الظاهرة القرآنية. كما يتحدث عن أصول الإسلام مع إفراد مساحةٍ كبيرة من كتابه للحديث عن النبي محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم، فيتناول حياته ثمَّ يعرج إلى الحديث عن الوحي واقتناع النبي صلى الله عليه وسلَّم بنبوته.
أنجز (مالك بن نبي) كتابه "الظاهرة القرآنية" باللغة الفرنسية ونشرته دار الفكر التي اهتمت بكل ما كتبه الفيلسوف مالك بن نبي باللغة العربية. قدم للطبعة الفرنسية الدكتور الشيخ محمَّد عبد الله دراز أستاذ في الأزهر الشريف، وقام الأستاذ محمود محمَّد شاكر بتقديم فصلٍ في إعجاز القرآن في 33 صفحة مشوقة، تناول فيها الإعجاز في القرآن الكريم وفصَّل فيه كثيرًا. وأثنى الأستاذ محمود محمَّد شاكر أبلغ الثناء على كتاب مالك بن نبي في تقديمه له فقال: (هذا كتاب الظاهرة القرآنية، وكفى، فليس عدلاً أن أقدِّم كتابًا هو يُقدِّم نفسه إلى قارئه. وبحسب أخي الأستاذ مالك بن نبي وبحسب كتابه أن يُشار إليه، وإنَّه لعسيرٌ أن أقدِّم كتابًا هو نهجٌ مستقل، أحسبه لم يسبقه كتابٌ مثله من قبل. وهو منهجٌ متكامل يفسره تطبيق أصوله، كما يفسِّره حرص قارئه على تأمُّل مناحيه). ويستدرك الأستاذ محمود محمَّد شاكر خطر كتاب " الظاهرة القرآنيَّة " فيقول: (ولكن أحسبني من أعرف النَّاس بخطر هذا الكتاب، فإنَّ صاحبه قد كتبه لغايةٍ بيَّنها، ولأسبابٍ فصَّلها. وقد صهرتني المحن دهراً طويلاً، فاصطليتُ بالأسباب الَّتي دعته إلى اتِّخاذ منهجه في تأليف هذا الكتاب ثمَّ أفضيتُ إلى الغاية الَّتي أرادها، بعد أن سلكت إليها طرقاً موحشة مخوِّفة. وقد قرأتُ الكتاب وصاحبته، فكنتُ كلَّما قرأتُ منه فصلاً وجدتُ نفسي كالسائر في دروبٍ قد طال عهدي بها، وخُيِّل إليَّ أنَّ مالكًا لم يُؤلِّف هذا الكتاب إلاَّ بعد أن سقط في مثل الفتنِ الَّتي سقطتُ فيها من قبل، ثمَّ أقال الله عثرتُه بالهداية فكان طريقه إلى المذهب الصحيح، هو ما ضمَّنه كتابه من بعض دلائل إعجاز القرآن وأنَّه كتابٌ منزَّل).
يقول مالك بن نبي: (لم يُتح لهذا الكتاب أن يرى النور في صورته الكاملة، فالواقع أنَّنا قد أعدنا تأليف أصوله الَّتي أُحرقت في ظروفٍ خاصَّة. وهو كما هو الآن، لا يكفي في علاج فكرتنا الأولى عن المشكلة القرآنية، فإنَّ موضوع الكتاب هام جداً ويتطلَّب عملاً شاقًا طويل الأنفاس، ومراجع ذات أهميَّة قصوى لإنجازه).
عندما يقرأ المسلم كتاب مالكٌ بن نبي الظاهرة القرآنية، يكتشف جهلاً عميقًا فيما يؤمن به في قرارة نفسه، فالمسلم يؤمن لأنَّه تعوَّد ذلك، تعوَّد أن يصلِّي ويقرأ القرآن ويحفظ سيرة محمَّد صلى الله عليه وسلَّم، لكن (مالك بن نبي) يخاطب عقول المسلمين بلغة قلوبهم، فيحدثهم كيف اقتنع صلى الله عليه وسلَّم بنبوته، ويشرح لهم المنهج الغيبي والمنهج المادِّي وظاهرة النبوة وأصول الإسلام بعقلٍ فريدٍ جمع بين دراسة الماديات والتعمُّق في دراسة الروح. كتاب الظاهرة القرآنية كتاب متميُّزٌ في طرحه لأنه يخاطب العقل والقلب معًا في مزجٍ فريدٍ لا يقدره إلاَّ المتمكِّن في فلسفة الروح والإنسانية.
يقول مالك بن نبي: " منذ وقتٍ طويل لم نعد نملك في أذواقنا عبقرية اللغة العربية، ليمكننا أن نستنبط من موازنةٍ أدبية نتيجةً عادلة حكيمة، ومنذ وقتٍ طويل تكتفي عقائدنا في هذا الباب بالتقليد الَّذي لا يتفق وعقول المتعلقين بالموضوعية".
(قرأتُ " الظاهرة القرآنية " أكثر من مرَّة، وفي كلِّ مرَّةٍ أعيد قراءته فيها أشعر بأنَّني أقرأ كتاباً مختلفاً، في كلِّ سطرٍ وفي كلِّ كلمة يقدِّم لنا مالكٌ "حياةً" بمجملها وليس مجرَّد كلمات ربَّما يكون أكثر ما شدَّني في كتاب مالكٍ وأوَّل ما قرأته فيه هو مقارنة فريدة وذكية بين آيات سورة يوسف في القرآن الكريم، وبين ذات القصَّة في التوراة، محاولاً تبيين أوجه الشبه والاختلاف بين الكتاب السماوي الَّذي تعهد الله بحفظه، وبين الكتاب السماوي الَّذي تناقلته أيد اليهود المحرِّفة. لكنَّه لم يغفل أبداً الجانب السماوي الباقي في هذه الكتب والخالد بين ثناياها).
لم يوف الَّذين تحدَّثوا عن كتاب مالك بن نبي حقه، فالبَحار مهما بلغت به الخبرة لن يستطيع أن يصف لك البحر الَّذي قطعه في سفره، وكيف إذا كان البحر كتاباً خالداً مثل "الظاهرة القرآنية". إنَّما أردتُ أن أتحدث بشكلٍ متواضع عن أحد أهم الكتب الَّتي قرأتها، لأحد أهم المفكرين الَّذين عرفتهم.
ويستعرض الكتاب عناوين مهمَّة وجديرة بالتمحيص والقراءة والتحليل بعمق، مثل الصورة الأدبية في القرآن الكريم والعلاقة بينه وبين الكتاب المقدَّس والقيمة الاجتماعية لأفكار القرآن، والعديد من القضايا المهمَّة. فالكتاب لا يقدِّم العقيدة الإسلامية كمسلَّماتٍ يؤمن بها القلب تحت عمىً عقلي، بل حقائق يتشربها القلب تحت إشرافٍ عقلي متميز. ويتميز أسلوب مالك بن نبي في الكتابة بأنه أسلوب متماسك بطريقة متقنة وعميق ومبطن بالكثير من الأشياء وسريع وملخص, يصلك بالهدف مباشرة.
يعد كتاب مالك بن نبي " الظاهرة القرآنية "، أحد أهم مؤلفات الفكر الإسلامي المعاصر. وقراءة كل سطر فيه أكثر من مرَّةٍ محاولةٍ لفهم أبعاد فلسفة مالك بن نبي. فقد كان مالك بن نبي يرغب باستحداث نهجٍ جديدٍ يوافق العقل الحديث في تفسير القرآن الكريم.
يتنقل مالك بن نبي في كتابه بين عناوين مختلفة ومشوقة جدًّا، ويقدم أفكارًا رائعة وفلسفة مختلفة، ويكفي بأنَّ أغلب هذه العناوين يندرج تحت "الظاهرة القرآنية"، حيث يؤمن بالروح الإنسانية وأنَّ المجتمع يحمل في داخله صفات ذاتية تضمن استمراره.

• المؤلف: مالكٌ بن نبي،
• العنوان: الظاهرة القرآنية،
• الناشر: دار الفكر،
• عدد الصفحات 328 صفحة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن