كيف حال العمل اللائق في فلسطين؟

نهى نعيم الطوباسي
nuhatobasi11@gmail.com

2021 / 10 / 31

ليس غريبا ولا محض صدفة أن يسبق ذكر العمل اللائق كلمة الاقتصاد، في عنوان الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، فالعمل اللائق شرط أساسي للنمو الاقتصادي، وكلاهما مسبب للآخر، وهو مطلب إنساني وديمقراطي، ومبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان، إلا أن واقع العمل في فلسطين ما زال يثير القلق مع ازدياد نسبة الفقر وآثاره الوخيمة على مستقبل الأسر الفلسطينية وكرامتها.
أما عن حال العمل اللائق في فلسطين، فهو لا يسرّ صديقا، بحسب التقارير الصادرة عن الجهات الدولية والمحلية، على الرغم من وجود استراتيجيات وجهود وطنية لاحتواء أزمة التشغيل، وتحقيق العمل اللائق، فقد جاء وصف حال العمال في تقرير لمكتب العمل الدولي في جنيف، عن وضع العمال في الأراضي المحتلة لعام 2021، عندما أشار إلى زيادة حادة في معدل التعطل عن العمل، وزيادة في عدد العمال المحبطين، ويعيش الآن أكثر من ربع الفلسطينيين أي حوالي 1,4 مليون شخص في حالة فقر حسب التقرير.
فسوق العمل في فلسطين يعاني من الهشاشة والضعف، وملغوم بالمشاكل والتحديات، والقيود على حركة الأشخاص والبضائع بفعل الحواجز والجدار وعزل المدن وفصلها عن بعضها البعض، وتداعيات ذلك الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. فاسرائيل تنفذ، عمليات الهدم والاستيطان، دون الاكتراث بمصير أعداد كبيرة من الذين يُهجّرون ويخسرون مصادر رزقهم، فمن أصل 283 مبنى تم هدمها عام 2020 في المناطق المصنفة ج والقدس الشرقية، هناك 139 مبنى لتوفير مصدر الرزق وسبل العيش، من ورش عمل، ومصانع، وحظائر حيوانات، ومزارع دواجن، ومنشآت الرعاة والبدو، عدا عن الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية، وصعوبة وصول العمال إلى أماكن عملهم بسبب الحواجز، أما مأساة قطاع غزة، وما نتج عن الحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر وما تخلله من تدمير القطاعات الاقتصادية من صناعة وزراعة وتجارة وسياحة، فهي حالة تفوق الوصف، وتفاقم من كارثية الأزمة الإنسانية بكل أبعادها.
وهذا الوضع أدى إلى زيادة نسبة الوظائف غير المنتظمة، وفقا للإحصاءات ما يزيد على نصف الفلسطينيين المستخدمين يعملون حتى قبل الجائحة في وظائف غير منظمة، بمن فيهم العمال الفلسطينيون العاملون في إسرائيل والمستوطنات، وهم الفئات الأكثر هشاشة وتأثرا في الأزمات. وبلغت نسبة العمالة غير المنظمة في الضفة الغربية نحو 43 في المائة من إجمالي العمالة، أما في غزة فبلغت حوالي 54 في المائة. وحسب جهاز الإحصاء المركزي، فإن أكثر من نصف المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يعملون دون عقد، وبالتالي هم محرومون من إعانات الحماية الاجتماعية أو التأمينات الصحية، ولا يملكون صندوق معاش تقاعدي، كما أنهم محرومون من الإجازات السنوية والمرضية، ومعرضون لخسارة دخلهم في حال المرض، وغير محميين قانونيا في حال تم انتهاك حقوقهم في العمل.
بشكل عام مازالت هناك إشكاليات بالعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق لجميع النساء والرجال، بما في ذلك الشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، وإشكالية تحقيق المساواة بين الجنسين، وأسوأ أشكال عمالة الأطفال، وضعف الرقابة على معايير السلامة والأمان في الكثير من منشآت العمل.
وحسب الجهاز المركزي للاحصاء فإن 29% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى المقر قانونا للأجر (1,450 شيقلاً) في فلسطين.
كما تبين الإحصاءات أن 76 ألفا من الباحثين عن عمل محبطون، بسبب محدودية فرص العمل اللائق وتدني الأجور في سوق العمل الفلسطينية.
أما العمل في المستوطنات وسوق العمل الإسرائيلي، فهو أشبه برحلة عذاب بدءا من البحث عن تصريح عمل، مرورا باستغلال سماسرة التصاريح، وهو ما أشار إليه تقرير مكتب العمل الدولي، أن أرباح سماسرة التصاريح، وصلت إلى ما يقل عن 119 مليون دولار عام 2019، وهو مبلغ ضخم يدفع من أجور العمال الفلسطينيين، وتعيد صور العمال على المعابر والحواجز الاسرائيلية وفي أماكن العمل، بكل ما يتعرضون له من بشاعة المعاملة وتمييز عنصري، صور العبودية وعصر الرق من جديد، حيث ينتظر العامل مروره عن الحاجز لساعات طويلة، ويتعرض خلال وقوفه لكل ما يمكن أن يمس إنسانيته من أشكال التعنيف، وتعتمد معاملته على مزاجية الجندي الاسرائيلي على الحاجز.
وتفتقد أماكن العمل في إسرائيل والمستوطنات، لكل معايير الأمن والسلامة للعامل الفلسطيني، وغياب الحقوق، وحرمان أسر العمال من التعويضات والدخل بحال التعرض لحوادث قد تودي بحياتهم أو تسبب الإعاقة. فالعمل في اسرائيل والمستوطنات لا يحلّ مشكلة البطالة، بل هي حالة "الأَمرّ من المرّ"، وتزيد الطين بلة وتقوّض أي خطة للانفكاك الاقتصادي، وتزيد من مخاطر خلق فقراء جدد، في حال تخلي اسرائيل عن عمالنا، كما حصل خلال جائحة كورونا.
لحل مشكلة غياب العمل اللائق في فلسطين، مطلوب شراكة حقيقية بين كافة القطاعات بالتشاور، والتطبيق وتنفيذ البرامج والتكاتف بالإمكانيات لاحتواء الأزمة، والاستجابة للأزمات.
والإحصائيات غير مبشرة، حول واقع العمل، فحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، خلال العقود المقبلة ستشهد فلسطين نموا سكانيا، وتحولا ديمغرافيا جذريا، وزيادة عدد السكان في عمر الإنتاج مما يتطلب إيجاد 72000 وظيفة سنويا بحلول 2030-2035، ما يستدعي زيادة الضغط على اسرائيل لإنهاء احتلالها ورفع حصارها، والإسراع في تطبيق نظام الضمان الاجتماعي وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، ومراجعة حقيقية لكل معايير العمل اللائق في سوق العمل الفلسطيني، وأهمها الدخل اللائق، والأمان الوظيفي، وميزات شخصية من قبيل وظيفة توافق قدرات الفرد واهتماماته ومؤهلاته، وتمكنه من تحقيق أهدافه وتطلعاته، وتحقق له السعادة والرضا في أي فرصة عمل وتحسن من أدائه.
أخيرا تحقيق العمل اللائق مطلب وطني وأساسي لاستقرار المجتمع، وتحفيز العمال من الجنسين، فتعزيز صمود قطاع العمل الفلسطيني هو الأساس في تحريك عجلة التنمية المستدامة.
*ماجستير تنمية وحل الصراع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن