قرار محكمة العدل الاوربية

سعيد الوجاني
zehna_53@hotmail.fr

2021 / 10 / 1

اثار القرار الأخير لمحكمة العدل الاوربية ، بإبطال الاتفاقيات المبرمة بين النظام المغربي ، وبين الاتحاد الأوربي ، سجالا لم يسبق لسجالات تفسير وفهم مضمون نطق الاحكام ، ان عرفه تاريخ تفسير الاحكام القضائية . بسبب ان الوازع من الانخراط في حملة النقاش هذه ، هو سياسي ، وليس قانوني ...
وبخلاف القرارين السابقين لنفس المحكمة في نفس الموضوع ، فان التحْييث الذي ركز عليه قرارا المحكمة الأخير ، كان شاردا عن نص اصل الدعوى المرفوعة . لان القرار حشر انفه في مسائل ليست من اختصاص المحكمة .. وتعتبر من اختصاص مجلس الامن ، ومن اختصاص الأمم المتحدة ... وهذا سببه طبعا ليس الاختلاف في فهم المعطيات ، وحجج الخصوم المتنازعة . بل ان سببه يرجع بدرجة كبيرة الى تشنج و تأزيم العلاقات السياسية ، بين النظام السلطاني ، وبين الاتحاد الأوربي ، ووصلت اوجها برفض كل دول الاتحاد اعتراف Trump بمغربية الصحراء .. بل ان معارضة الاعتراف هذه . كانت بحدة غير مسبوقة ، عرت عن الوجه الحقيقي للوصاية التي تفرضها الدول الاستعمارية الامبريالية ، عن غيرها من دول المحور التي لا تنتمي الى ثقافتها ، و( مدنيتها ) الغربية ..
من هنا كان منتظرا ان تزيغ المحكمة في قراراها ، عن مضمون الدعوى النقض المرفوعة اليها .. والتي هي البث في مدى مشروعية ، او عدم مشروعية الاتفاقيات المبرمة ، بين النظام المغربي ، وبين الاتحاد الأوربي المعروضة عليها ، دون ان تتجاوز اختصاصها ، لتقرر في الماهية القانونية للطرف رافع دعوى الابطال ، عن طريق جمعية انجليزية ، وباعتماد محام اوربي ، لكي تنسجم دعوى الطعن ، مع شروط الدعاوى المرفوعة اليها ، ومنها الصفة الاوربية التي تفتقدها جبهة البوليساريو ...
فهل توقفت المحكمة عند الاختصاص المحدد لها بمقتضى انشاءها ، او انها في قراراها الأخير هذا ، تجاوزت اختصاصها ، و لتتطاول على اختصاص يحفظه القانون الدولي الى مجلس الامن ، والى الأمم المتحدة ...
فحتى الاتحادات كالاتحاد الأوربي ، ليس من حقه التطاول على اختصاص مجلس الامن ، ليقرر في مسائل بعيدة عنه ، والتي يكتفي فيها فقط بحق تسجيل الموقف ، دون ان يشرع فيه بتحديد الحالات القانونية للأوضاع المتخلف حولها .. فليس من حق الاتحاد الأوربي ، ولا من حق المحكمة التقرير في حالة بيد مجلس الامن ، وبيد الأمم المتحدة ، كما حصل في القرار الأخير للمحكمة ، وفي نفس الموضوع الذي تم اصدارحكمين في حقه سابقا ...
لكن تأزيم العلاقات بين النظام المغربي ، وبين الاتحاد الأوربي ، هو ما جعل المحكمة في قراراها الأخير تتعدى اختصاصها القانوني ، الى السياسي الذي يعود الاختصاص فيه الى الأمم المتحدة ... والسؤال هنا . لماذا كان التحْييث الذي بنت عليه المحكمة قراراها المتخذ ، سياسيا ، ويختلف عن التحييث الذي بنت عليه الحكمين السابقين في نفس الموضوع ...
ان القرار السياسي الذي أصدرته المحكمة ، هو قرار استشاري غير ملزم ، وليس بقرار يملك الضبط والسلطان ، ليفرض بالقوة كما هو حال الاحكام التي تصدرها المحاكم ، وبما فيها محكمة العدل الاوربية ، على الأطراف التي تمتنع عن تطبيق قراراتها .. وكالقرارين السابقين لنفس المحكمة ، اللذين لم يلتزم بهما الاتحاد الأوربي ، حين شرع في تجديد الاتفاقيات التجارية ، واتفاقية الصيد البحري .. فان الممثل السامي للاتحاد الأوربي المكلف بالسياسة الخارجية السيد جوزيف بوريل ، اكد في مكالمة هاتفية مع وزير خارجية النظام المغربي ناصر بوريطة ، في تصريح مشترك عقب صدور القرار المذكور " .. سنظل على اتم الاستعداد من اجل مواصلة التعاون في مناخ من الهدوء والالتزام لتوطيد الشراكة الاوربية المغربية .. " ، وأضاف " سنواصل العمل من اجل تطوير الابعاد المتعددة لهذه الشراكة الاستراتيجية بنفس روح التعبئة والانسجام والتضامن .. " ..
وهنا حين يركز السيد جوزيف بوريل على " مواصلة التعاون في مناخ من الهدوء .." ، فهو يوجه رسالة واضحة ليست مشفرة ، الى كل المهرجين ، والطبالين ، وقصيري النظر ، ومنعدمي تحليل السياسة الدولية ، وحتى للخونة الذين يصفقون ليل نهار للنظام الجزائري ، ويتبنون مواقف خيانية من وحدة المغرب ، ووحدة الشعب ، ومن مصالح الشعب .. بان قرار المحكمة الثالث هذا ، رغم اختلاف تحييثه لارتكازه على السياسي وليس على القانوني ، فالقرار كسابقيه غير ملزم التطبيق ، وسيبقى كالعادة قرارا استشاريا يمكن للاتحاد الأوربي ان يأخذ به ، ويمكنه الاّ يأخذ به ، ويمكن لبعض الدول فقط ان تأخذ به ، كما يمكن لبعض الدول فقط الاّ تأخذ به ... المهم ان لدول الاتحاد ، كامل الصلاحية والحرية ، في تحديد مجال التصرف من الحكم الصادر ..
وكما هو واضح . فان الدول التي لها مصالح خاصة من الاتفاقيات المبرمة ، اكيد لن تتقيد بالقرار الصادر عن المحكمة ، وستتصرف طبقا لما تمليه مصالحها ، لا مصالح الأطراف الغير مشمولة بإبرام الاتفاقيات التي طعن فيها قرار المحكمة ، بناء على معطيات سياسية فرضها تأزيم العلاقات مع النظام المغربي ، ولم تبني قرارها على المعطيات القانونية التي يفرضها النزاع ..
واضافة الى تصريح السيد جوزيف بوريل ، فالحكومة الاسبانية أعلنت عدم التزامها بقرار المحكمة ، وشددت على مواصلة اتفاقيات الشراكة المبرمة مع النظام المغربي ...
عندما ركز النظام الجزائري وابواقه المختلفة ، في تبريرهم صدور قرار محكمة العدل الاوربية على انّ " الجبهة معترف بها دوليا ، كمثل شرعي وحيد للشعب الصحراوي " .. وزادوا في غيهم حين رددوا " .. ان المحكمة اعتبرت ان الاتفاقيتين اللتين تم ابرامهما ، لم تراعيا ضرورة الحصول على موافقة شعب الصحراء الغربية ب، اعتباره طرفا معنيا بهما ، وانهما لا تمنحانه حقوقا ، بل تفرضان عليه واجبات .. "
فالسؤال الوجيه هنا : بأية صفقة يتوجب اخذ رأي الجبهة في كل ما يبرم من اتفاقيات .. وكان على أصحاب هذا الفهم المشوه ان يركزوا على الأمم المتحدة ، وعلى مجلس الامن . لان النزاع بأيديهما لإيجاد حل له ، لا بيد الجبهة التي يرعاها النظام الجزائري ... فكيف للمحكمة هنا ان تتطاول في قراراها على اختصاصات مجلس الامن ، وعلى اختصاصات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، اذا لم تكن المعطيات التي ركزت عليها المحكمة في قراراها ، سياسية اخدت بعين الاعتبار نوع العلاقة المتأزمة بين النظام المغربي وبين الاتحاد الأوربي ... ومنذ متى كان لمحكمة العدل الاوربية الاختصاص في انْ تسترسل في هذيانها بإضفاء الطبع القانوني على الكيانات التي ليست اوربية ، والحال ان المحكمة المختصة بهذا النوع من الإجراءات ، تبقى محكمة العدل الدولية ، وليس محكمة العدل الأوربية ...
وهل نسي هؤلاء المطبلون ، ومعهم محكمة العدل الاوربية ، اتفاقية مدريد الثلاثية التي تعطي لموقعيها سلطة تدير الإقليم من قبل الدول الموقعة لها ،قبل الانسحاب الموريتاني من الصحراء في سنة 1979 .. فبحكم الاتفاقية المسجلة بالأمم المتحدة ، فالاتفاقيات والمعاهدات تبرم مع الدولتين المغربية والموريتانية ، ومع المغرب بعد خروج وانسحاب موريتانية من إقليم وادي الذهب .. فكيف الآن ان تتطاول المحكمة على غير اختصاصها لتقرر في وضع قانوني تحدده اتفاقية مدريد .. فعلى الأقل كان على المحكمة ، وعلى المطبلون ، ان يُرجعوا امر أي تصرف قانوني ، لمجلس الامن ، وللجمعية العامة للأمم المتحدة اللذان لا يزالان يمسكان بملف نزاع الصحراء الغربية ... اما الإشارة الى جبهة البوليساريو صنيعة النظام الجزائري ، فهو تناقض صارخ مع اتفاقية مدريد ، وتناقض صارخ مع الأمم المتحدة ..
إذن . بناء على كل هذه المغالطات السياسية ، وليس القانونية ، التي من المفروض ان تركز على المعطيات الصحيحة ، وعلى الصفة القانونية التي حددها مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة .. فان التصريح المشترك بين جوزيف بوريل وناصر بوريطة ، وتصريح الحكومة الاسبانية باستمرارها التشبث بنص الاتفاقيات المبرمة .. فان مصير القرار الثالث الذي سبق للمحكمة ان بثت فيه مرتين ، مرة في الدرجة الأولى من التقاضي ، ومرة في الدرجة الثانية عند الاستئناف .. سيكون مصير القرارين السابقين اللذين بقيا فقط حبرا على ورق ، لانتفاء قوة الضبط والسلطان عند التنفيذ .. بسبب لكون اصل القرار استشاري ، وليس الزامي ..
وحين يكون طرف في الدعوى المرفوعة امام محكمة العدل الاوربية ليس اوربيا ، فقرارها يكون فقط من باب الاستئناس في التوسع في شرح مفهوم القرار ، ولا يتعدى ذلك الى مرحلة القوة في التنفيذ ، حين تكون اطراف الدعوى اوربية اوربية ...
واذا كانت نهاية القرار ان يبقى مجرد حبرا على ورق . فما الفائدة من تهليل النظام الجزائري المغبون .. وما الفائدة من تزمير المواقع الالكترونية المرتبطة بالمخابرات الجزائرية .. وما الفائدة من نباح الخونة الذي يمجدون في النظام الجزائري ، وفي الجيش الجزائري ، وفي البوليس الجزائري ، ضد وحدة المغرب وضد وحدة الشعب ، وضد مصالح الشعب ...
خيانة لم يسبق لتاريخ الخيانات البشرية ان عرفها العالم ...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن