اليسار الفلسطيني والعربي وتعلقه بالماضي (3)

نهاد ابو غوش
abughoshn@yahoo.com

2021 / 9 / 24

نشأت قوى اليسار في فلسطين والعالم العربي، ضمن واحد من التيارات الرئيسية التالية:-
- تيار الأحزاب الشيوعية التقليدية التي تشكلت بوحي من انتصار ثورة اوكتوبر الاشتراكية العظمى، وتاثرا بها، أو استلهاما لتجربتها، وغالبا ما وقع التأثر من خلال الأحزاب الشيوعية الأوروبية القائمة في المراكز الاستعمارية الأوروبية، أو من خلال فرص الاحتكاك التي نشات بفعل البعثات التعليمية والإرساليات، أو تطويرا وامتدادا لتجارب النضال النقابي العمالي، وهذا التيار ظل مرتبطا بالخط الرسمي للأحزاب الشيوعية العالمية عبر حقبه المختلفة التي شهدها الحزب الشيوعي السوفييتي والأممية الثالثة بدءا من الحقبة الستالينية وصولا للبيروسترويكا وانهيار الاتحاد السوفييتي.
- تيار الأحزاب والقوى الديمقراطية الثورية التي ولدت من رحم قوى القومية العربية، وخاصة حركة القوميين العرب وامتداداتها في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية وتأثيراتها في الأحزاب المغاربيةن وهذه القوى انتقلت من تبني الفكر القومي والوحدوي العربي إلى تبني الماركسية اللينينية تأثرا بانتصار ثورات التحرر الوطني ذات التوجهات والقيادات الماركسية اللينينية وبشكل خاص تجربة فيتنام وكوبا.
- الأحزاب التي نشأت انطلاقا من حاضنتها الوطنية المحلية وحركات التحرر الوطني التي ولدت خلال النضال ضد الاستعمار من أجل الاستقلال، التي تطورت تجربتها الخاصة من النضال للتحرر من الاستعمار، إلى النضال ضد وكلاء الاستعمار وعملائه المحليين في كل بلد.
ولعل تجربة نشاة التجربة الشيوعية في فلسطين متميزة نسبيا عن باقي الدول العربية من حيث التوقيت المبكر لهذه النشأة (1919)، ثم نشأة هذه الفكر على هامش الهجرات اليهودية الصهيونية، حيث شملت الهجرات اليهودية في بدايات القرن العشرين عناصر شيوعية وتقدمية عمالية عرفت تجربة العمل الشيوعي واليساري الماركسي السياسي والنقابي في اوروبا، وفرّت من الاضطهاد مستغلة موجات الهجرة اليهودية في زمن الانتداب / الاستعمار البريطاني لفلسطين. ولا شك ان هذه النشاة الاستثنائية اثرت على موقف هذا الحزب، من الحركة الصهيونية، وظل يؤثر على مواقف الحزب والأحزاب الشيوعية العربية عموما من المسألة الوطنية الفلسطينية على امتداد العقود اللاحقة، بما في ذلك موقفها من قرار التقسيم في العام 1947 ولاحقا موقفها من الكفاح المسلح، وظل هذا الموقف إشكاليا ومحل خلاف إلى حين الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني وانضمام الحزب الشيوعي (التنظيم الشيوعي في الضفة وقتها) للمنظمة رسميا.
وخلال نضال هذه القوى اليسارية الماركسية أو المتاثرة بالماركسية، وتفاعلاتها مع القوى الثورية واليسارية في العالم، نشات في وسطها وعلى هامشها التيارات الماوية والتروتسكية والتي وصل تاثير بعضها حتى إلى داخل الأحزاب الوطنية غير اليسارية.
لكن التاثير المركزي والحاسم كان للاتحاد السوفييتي كدولة عظمى وحزبها الشيوعي حيث كان له دور حاسم في الانتصار على النازية، والدعم الملموس والحاسم الذي قدمه الاتحاد السوفييتي لثورات فيتنام وكمبوديا وكوبا، ولعموم حركات التحرر الوطني في افريقيا وآىسيا، وتقارب الاتحاد السوفييتي من الأنظمة الوطنية ذات النزعة الاستقلالية مثل النظام الناصري والأنظمة الوطنية في الجزائر وسوريا والعراق واليمن الديمقراطي، ثم دعمه للثورة الفلسطينية حيث وفر الاتحاد السوفييتي دعما ماديا عسكريا وتنمويا، وقدم عشرات آلاف المنح التعليمية والتدريبية لكل بلد من هذه البلدان ولمنتسبي الأحزاب اليسارية والوطنية وهو دعم ظل قائما حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وأنظمة الاشتراكية البيروقراطية في دول الكتلة الشرقية اوائل التسعينات.
تميزت مواقف القوى اليسارية خلال الحقبة السوفييتية بالحرص على الاقتراب من موقف موسكو، وتبنيه حرفيا مع تحفظات محدودة وشكلية تقتصر على الموقف من إسرائيل والاعتراف بها، بل حتى إرضاء الموقف الرسمي للحزب الشيوعي السوفييتي باتخاذ مواقف عدائية من الحزب الشيوعي الصيني والتجربة الجيفارية وبعض الاجتهادات الشيوعية الأوروبية لتطوير الفكر الماركسي والتخلي عن مبدا "ديكتاتورية البروليتاريا" الذي لا يستقيم مع تبني الدعوة إلى الديمقراطية.
ظلت المواقف السوفييتية تشكل مسطرة لأحزاب اليسار الفلسطيني والعربي، مع تمايزات طفيفة هنا وهناك، إلى أن انهارت التجربة تماما، وتبعتها انهيارات متلاحقة ليسارية هذه الأحزاب العربية وشيوعيتها، وتخلّ صريح عن النص على تبني أو الاسترشاد بالماركسية اللينينية، وتخل مماثل عن المبدأ الناظم للحياة الداخلية (المركزية الديمقراطية)، مع أن الفكر والتجربة الماركسية واليسارية بشكل عام شهدت موجات من التقدم والحيوية في غرب اوروبا وفي مختلف بلدان اميركا اللاتينية، أما في بلدان المشرق العربي فقد انكفأت الأحزاب اليسارية على نفسها وباتت تعتاش على تاريخها وامجادها المفترضة وسيرة قادتها أيام شبابهم، في حين أن ساحة العمل السياسي والاجتماعي والفكري خلت تماما لتيارات الإسلام السياسي والتشكيلات السياسية المنبثقة عن اجهزة المخابرات.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن