اشتعال -9-

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2021 / 9 / 14

تعيش في مدينة ليس فيها سكان لولا أنك ترى المقاعد الخشبية الفارغة في الحديقة أمامك . سوف أكسر ذلك الصمت ، وسوف أسهر وحيدة بين تلك الأشجار النّائمة . تذكرت الجبن والخبز، أنزلت معي الشاي والجبن و الخبز. سوف آكل كثيراً. جلست على مقعد خشبي قرب بركة فيها رمل من أجل أن يلعب الأطفال فيه . رن هاتفي ، كان ابني. قلت له : أرغب في النوم ، أرجو أن لا تخبّرني حتى الصباح.
مشيت على حواف شجيرات البيري " التوت البري"، قطعت بعض الأغصان الصغيرة ، غرستها في بركة الرمل على شكل طريق، ثم أتيت ببعض العيدان ، فصنعت كوخاُ، قطفت من الزهر البري ، ووضعته على حواف الكوخ، أصبحت الساعة الثانية ليلاً ، ولا زال لليل ساعات حتى ينجلي . صعدت إلى بيتي ، تناولت المهدّئ ، أردت أن ينقضي الليل ، فقمت بعجن القليل من الطحين ، ثم صنعت سبع فطائر ، لكن الليل لم ينته ، و أنا الآن مع المهدئات أفضل.
وضعت فنجان قهوة على الطاولة ، فتحت الكمبيوتر ، جلست نصف جلسة على الصوفاية في المطبخ ، لم أستطع الكتابة، ففتحت الراديو على البي بي سي ، وتناولت شفّة من فنجان القهوة ولم أشعر بعدها. غفوت بينما إذاعة البي بي سي تعيد الأخبار وتكرّرها. استيقظت في السادسة . كان نوماً لطيفاً . أخرجت الفطائر من الفرن، غلفتهم ، فأنا لا آكل الفطائر هذه، فقط أولادي يأكلونها . نزلت مسرعة و إلى طريق الغابة . . .
. .
أفكر في الماضي البعيد ، في الطفولة ، وما يورّثه الآباء لنا من جينات . لست عالمة لأعرف ذلك ، لكنني أعرف ما يورثه الآباء من عادات اجتماعية، وهي ربما أقوى من وراثة الجينات . أنظر إلى نفسي ، و أرى أنني نسخة طبق الأصل عن ذلك المجتمع الذي نشأت فيه ، ففي الطفولة الأولى ينغرس فيك كلّ شيء ، كان الحزن هو لون المجتمع ، و البكاء رمز الأمومة في زمن عشت فيه ، مع أنني عاهدت نفسي أن أغيّر ذلك. نعم لقد ثرت في مراهقتي على ذلك الحزن ، لكنني وجدت نفسي داخله ، فأنا أتصنّع الفرح لأنّني ثائرة على الحزن .
أعادني المرض إلى ذاتي
أرغب اليوم أن أتغيّر
أن أقبض على الفرح
قضيت عمري أبكي من أجله- أعني الفرح –
هي فرصتي في أن أتصالح مع ذاتي
أن أتخلص من الشعور مثلما يشعر الجميع
أن أعيش اليوم فقط
لو عشت مئة عام لطلبت يوماً زائداً
كل يوم أعيشه اليوم هو يوم زائد
الاثنين هو موعد الأسبوع الأخير من العلاج بالأشعة ، وبعدها عملية بالإشعاع الدّاخلي ، وينتهي المشوار بطريقة ما . عليّ أن أتمتّع بوقتي قدر ما أستطيع قبل أن أصل إلى عملية التعذيب تلك. هي عملية تعذيب ، لكنها نوع من الرّفاه ، و دائماً أقول لنفسي إن كانت رحلة لجوئي الطويلة فقط من أجل هذه الأيام الصعبة فإن الأمر يستحق ، ولن أنسى كيف أنزلوا راكباً من على درج الطائرة في أثينا لأنه هارب ، خفت أن ينزلوني ، أسرعت إلى الأعلى رحبت بي المضيفة. التفت مذعورة ، فلم يكن لدي ثمن البقاء في اليونان، كما أذكر أنني عندما ذهبت إلى كندا بجوازي السويدي قالوا لي: تمتعي بالرحلة . كم هذا العالم ظالما!
أعيش الآن بين أحضان الطبيعة بلا طقوس . غيرت الجهة فقط . ليس من الضّروري أن أذهب إلى الغابة، فالسويد كلها غابة. سوف أجلس في الحديقة تحت الخيمة ، فلا أحد يجلس فيها في الصباح . أنزلت معي فنجان قهوة ، ورغم أنني أحاول شرب فنجان قهوة كل يوم تقريباً ، لكنني لا أنجح، فبعد الشّفة الأولى أنساه، ويبرد فأقلبه . لا أسمع الأغاني في الصباح ، ولست مغرمة بأناشيد فيروز ، فالصباح لديّ هو معنى لحياتي، وليس من أجل أن أسترخي في فراشي أستمع للأناشيد و الأخبار . إن لم ألتق معي في الصباح يخرب يومي.
نسمات باردة تتسرب إليّ فألتّف بالجاكيت ، أتمنى أن تطول اللحظة الجميلة التي اخترقت روحي، أرسم في مخيلتي إطاراً لمسرحية عبثية . في السابعة يمرّ شابان ، وفي فم كلّ واحد منهما سيجارة ، ينتهى مفعول النّسيم ، تلوّث بالدّخان فصعدت إلى منزلي ، تناولت طعام الإفطار.
رن هاتفي . كان معي على الخط يونّس يوهانسون، وهو نزيل مشفى المرضى . تعارفنا بينما كنت أجلس في الهواء الطلق تحت الفندق . قال لي: ممكن أن أجلس ؟
تفضل . لا مشكلة.
اسمي يونس ، لدي سرطان بالبروستاتا .
أتمنى لك الشّفاء .
عمري 82 عام . كنت أعمل بالخطوط الحديدية . أعجبني جمالك الهندي!
الله ياخدك . نحن السوريين شايفين حالنا تحت الرب بدرجة وتقول هندي.
ماذا قلتِ ؟
عفواً تحدثت بالعربية . نسيت أن أحدثك بالسويدية .
جميل . تجيدين العبرية ! لو ذهبنا معاً في سياحة لإسرائيل .
أوه عفواً . الذهاب إلى إسرائيل خطر ، فكما تعلم أن الشرق الأوسط غير آمن .
معك حق .
يونس الآن على التلفون ، يقترح علي أن نسافر إلى مرّاكش . قلت له أن إمكانياتي المادية لا تساعدني على السياحة. قال لي : عندما أدعوك يعني أنني سوف أدفع.
اسمع ياعزيزي ! لم ننه العلاج بعد ، وما بعد العلاج رحلة طويلة . اترك الموضوع مفتوحاً.
هل يمكنني ان أعتبر أنك وافقت؟
يمكنك ذلك؟
سوف أدعوك عندما تأتين إلى مطعم على البحر في غوتنبرغ .
يونس هذا أصابه البطر. لا أعتقد أنه سوف يكون حياً بعد العلاج، فقد أصبح وزنه بوزن طفل.
ضحكت بيني وبين نفسي عندما أنهى المكالمة . إنه يتوق للحياة ، يرغب في أن يتونس ، فالوحدة التي يعيشها قاتلة . لكن يا يونس لن ننجو من المرض، فإما أنا، أو أنت سوف نموت ، وقد لا نموت، لكننا لن نستطيع تحمل عناء السّفر . هو متمسّك بالحياة ، يعيش على أمل الشّفاء ، وعلى أمل أنه سوف يقوم برحلة . نحن مرضى السرطان نعيش على الحلم، نحاول استبعاد الواقع، و الأحلام جميلة حتى لو كانت أحلام يقظة .
في مرة قلت له أن أصعب ما في الموت الألم ، أجابني : لا. لا خوف من ذلك. في المستشفى فريق يدعم الذين يحتضرون فلا يشعرون أنهم يموتون . قلت له: طمنتني. يالك من متفائل!
لم أر في مرض السّرطان أمراً غير طبيعيّ ، فمنذ عشرين عاماً عندما تلقيت نبأ إصابتي بالسكري بقيت ثلاثة أيام في حالة حداد ، ثم تأقلمت مع الوضع فأصبح السكري صديقاً. سوف أحاول أن أجعل السرطان صديقاً أيضاً.
لو عشت مئة عام ، أو أكثر. سوف أطلب فرصة أخيرة كي أبدأ ما كنت سوف أبدأه منذ زمن طويل . لقد منحت الفرصة ، عليّ أن أبدأ الآن .
لا أحتاج للشفقة . جسدي يضعف تحت وطأة العطف
أحتاج إلى عناق نفسي
إلى أن أتحرّر من نفسي
أن يحلّق ذهني بعيداً عن الحزن و الألم
أن أمحو من ذاكرتي كل ما تعلمته عن العيب
عن الخوف من الآخرة
عن الرأي و الرأي الآخر
اليوم سوف أبدأ بمحو الوراثة الاجتماعية من الجينات
أبتكر قانوناً جديداً للحياة:
احضن نفسك و ابتسم
المستقبل هو اليوم، و اليوم هو كلّ الحياة
الصّورة كاملة أمامي . . . على مساحة عمر
أسألني: ما ذنب الأطفال كي يأتوا إلى الدنيا ؟
أسألني: هل كان أي شيء كافحت من أجه ضرورياً؟
أسألني: لماذا خبّأت أسراري ، زيفت أفكاري ، فظهرت بمظهر لا يمتّ لي بصلة، فأنا لست مثالية ، لكنهم ألبسوني الثوب فقبلته، كنت أعتزّ بهذا الوسام الذي منحني إياه التّخلف.
لو كنت بحت بأسراري .
لو تنمّرت ،أخرجت غضبي على شكل صرخات عندما يضغط الأمر على صدري!
لو أنني لم أقتنع أن الفداء فضيلة، وهو ليس فضيلة حقاً، فلماذا تقدّم حياتك رخيصة لأنّهم قالوا أن التضحيّة قيمة؟
لو خرجت من القطيع نهائياً حتى لو أكلني الذئب ، أليس أفضل من تلقي الذّل من الأغنام صغاراً وكباراً؟
إنّها قيم الفقراء التي نشأت عليها، ولا أغنياء في مدينتي سوى القليل,
هناك من هو أدهى، ويفهم اللعبة، فصديقي الشّاب تبنى الطّائفة . لم لا؟ استطاع أن يحقق دخلاً، ومنصباً ، ومكانة لائقة في المجتمع، هو مقتنع بما يقوم به، وليس مقتنعاً بالطّائفة نفسها، لكن لو انفكّ عنها سوف يتهدّم بيت العزّ لديه. صديقتي أيضاً كنت أحتار من أمرها . لماذا أمورها تتيسّر مع أنها غير متعلّمة . فهمت الموضوع اليوم. لقد تعاونت مع زوجها في تهريب السلاح لمكان ما لست ملزمة بقوله، ولا زالت صديقتي، وهي صديقة الجميع، ولا ينطبق عليها المثل:" صديق الجميع لاصديق له" فالجميع حقيقة أصدقاؤها .
تعتقدون أنّني أتحدّث جزافاً !
كل تلك الأشياء التي تحدّثت بها ساهمت في تشكيل الورم . لم يقل الأطباء ذلك، فقط أنا أشعر بذلك، و إلا كيف يمكن أن يصل الورم إلى المرحلة الثالثة فجأة. هو ليس فجأة حتماً. فقط أنا كنت مشغولة عنه ، اعتقدت أنّني لدي جهاز مناعة يقضي على كل الأمراض ، أغلب الناس يقولون أن مناعتهم قوية ، و أنا من بين أولئك الذين يعيشون مع القطيع.
لا أعرف لماذا أحدّث نفسي بتلك التّرهات ! ربما نوع من التّأمّل كي أفهم على جسدي العليل، وربما هو نوع من البحث عن الذات.
نحن لا نتوقف عن البحث عن ذواتنا :
في السرير
في بيت الخلاء
في حفلة طرب
وعلى الأغلب نجدها ، لكن ليست بالصورة التي نريدها. نحاول أن نصحح الصورة.
البعض يقول أنّني على حافة القبر، ولا زلت أشكّل حياتي بزخرفة الكلمات.
أعتقد أنّه ليس للقبر حافة، وسوف أبقى ألهم نفسي ، إلى أن يتناثر جسدي المتفحم، ويعبأ رماده في زجاجة ، فقد اخترت الاشتعال. حتى عندما أموت أرغب أن أشتعل. أشتعل بالحبّ و الحياة، و أصبح رماداً يتحدّث عن سيرتي لي ، فلست أنت معنياً بالأمر.
تقول لي زميلتي في السّرطان - وهي عاملة مطعم ، والسرطان يأكل لسانها . اسمها "أولا "، هي شابة في الخامسة و الثلاثين ، خسرت عملها بسبب المرض، لكنها لم تخسر المرتب، فالدولة تدفعه لها-: سعيدة لأنّني لم أتزوج، و لم أنجب الأطفال ، ليس بالأمر الجيد أن تمرض، ويكون أطفالك في سن العاشرة، ولا تستطيع الاهتمام بهم، ثم سكتت لحظة ، قالت لي : لا أعرف لماذا لا يتزوج الرجال هنا؟ بقيت أنا وصديقي معاً لثلاث سنوات ، ثم انفصلنا. كلمة انفصلنا تعني اتفقنا على الانفصال، لكن في الحقيقة ليس الأمر كذلك. هنا يوجد حريّة، وهذه الحرية قد تناسب الرجل كثيراً حيث أن المرأة متاحة له في كل الأوقات ، مع هذا أغلب الرجال وحيدون . لا أعرف إن كان كلام " أولا" دقيقاً، لكنّني فوجئت برأيها ، تخيلت أنها إحدى صديقاتي السّوريات التي خذلها حبيبها. صديقتي اليوم عاجزة عن التّذوق ، وحتى عن الكلام. كتبت لي على دفترها، أنّه عندما ينتهي العلاج سوف تستعيد كل شيء.
الهموم لا تنتهي إن لم نضع حداً لها.
أنت مريض بالسرطان . لا بأس. انس الموضوع، تنهّد عندما تشعر بالألم، لكن لا تفكر بالموت، ولا بالشفاء .
أكتب تلك المذكرات وعندما تكتمل سوف أنشرها في كتاب. قد يقرأها مريض، أو طبيب ، ربما تساعده .
قد أكون اليوم في أفضل حالاتي
ذهني نظيف من كلّ الأشياء التي لوثته
ربما الكيماوي يقضي على تلوّث الذهن أيضاً
في غد سوف أكتب عن الحياة
وفي غد لي يوم آخر مع الحياة.
عندما يتحول الألم إلى عادة تتوقع أن يهاجمك في أيّة لحظة . أصبح لديك طقوس للتعامل معه -أعني الألم-. الليل في أوّله ، و الشمس لا زالت طالعة رغم أنها التاسعة مساء. لدي طاقة كبيرة، أشعر أنّني أتوهم حول المرض ، و أنزل من الفندق إلى الأسفل أراقب الشمس عندما تغيب، لكنها لا ترغب أن تغيب ، الشارع فارغ كالعادة ، فهنا تقع الجنة، لكنّها تفتقد للنّاس في المساء. أين يذهب النّاس ؟
أنا بخير، عليّ أن أستغل الموقف ، وأكمل قصتي في السويدية . قصتي التي تتحدّث عن فتاة تزوجت من جنّي . القصة حقيقيّة ، لن أبوح بتفاصيلها، لكن عندما تعيش الفتاة في عائلة فيها أم و أب، وليس فيها أمّ و أب ، وتتعرّض للاغتصاب أكثر من مرّة يصيبها الجنون، فتتوهم ، وينتهي بها المطاف مع جنّي بينما لا تزال أمها تأخذها إلى الشيخ ليخرج الجنّ منها .
أفتح الكمبيوتر ، لكن يديّ ترتجفان، أشعر بعدم الاستقرار. آلام في بطني ، غازات ، عدم قدرة على التماسك. جلست إلى حافة السرير أحاول أن أستسلم للموت ، لكن الأمر ليس بسيطاً، الموت يرفض أن يأخذك بهدوء، تقفز داخل غرفتك ، تحاول أن تجد حلاً . أصبحت الساعة الثانية عشر ليلاً ، ولم يأخذ المهدئ مفعوله.
كان داخلي مربكاً ، يحاول أن يستعيد بعض ما فقده من السيطرة .
كنت أقول بيني وبين نفسي أخاطب الألم:
هل تقدّم لي مكافأة نهاية خدمة؟
أستحق أيّها الألم ، فلطالما تمنيت أن أضرب رأسي على أرصفة غريبة.
لطالما أجلّت حاجاتي إلى الغد
ولطالما نسيت نفسي
جئت لتقول لي:
كان يجب أن تفهمي أنّك على قيد الحياة!
أمسكت بخدي في يدي. لازلت على قيد الحياة . نظرت إلى المرآة ، فإذ بي أشبه الأشباح . لا بأس أن أكون شبحاً أيتها المرآة، لكنّني لن أخاف منك، ولا من الموت . هل أتواصل مع أولادي ؟ لا . لن أتواصل. لماذا أشغلهم بمصيري ، لا فرق أن يعرفوا أنّني أتألم، أو أن يسمعوا خبري ، فالموضوع لن يستغرق سوى ساعات بعد الموت، وتختفي القصة إلى الأبد ، لا أحد يعيش من خلال ذكراه .
اليوم عرفت أنه علينا أن لا نبكي الأموات ، فالموت هو الطرف الآخر من الحياة.
سوف أحاول الذهاب إلى مطبخ الفندق ، أجلب فنجان قهوة . قد تؤثّر علي القهوة، وتمنعني من النوم، وهل أستطيع النوم دون قهوة؟
ذهبت إلى المطبخ، و أنا أتكئ على جدار الممر، لكنني غيّرت رأيي ، فلم أعد أرغب بالقهوة . كنت قد احتفظت في البرّاد بقطرميز صغير من الجبنة المشللة. أخرجته ، بدأت أكل منه كما البزر . كان مالحاً قليلاً .
يبدو أن المهدئ بدأ يأخذ مفعوله، جلست إلى الكمبيوتر، وكأن ما جرى كان حلماً نسيته ، أردت أن أتسلى فقط، ففتحت الفيس بوك ، أول ماظهرت الإشارة الخضراء أتتني الرسائل : الفستق الحلبي يشفي السرطان. الثوم يشفي السرطان. تجويع الخلايا السرطانية يشفي السرطان . الصيام المتقطع يشفي السرطان . طبعاً لم أرد على الرّسائل، ولم آخذها على محمل الجد ، أردت أن أتصفح صفحات الأصدقاء، أصابني الملل، شتتني أكثر من الألم أغلقت الكمبيوتر . ماهذا العالم الافتراضي الذي يسبب لنا التّشتت؟ لماذا نستعمله؟ هل أعتب على الناس وهي ترغب أن تفرغ ما بداخلها من شحنات، و تتحادث مع هذه الشاشة الزرقاء، فمرة تتحدّث عن عظمتها بينما هي في حالة وهن؟ إنّه الفراغ الذي يعيش فينا، ونعيش فيه، فماذا نفعل ، ونحن نعيش في الدّاخل نبحث عن ربطة خبز . سوف نلجأ إلى العالم الافتراضي ، لكن ما ذا يجبرني أنا عليه ، وعالمي مليء -على الأقل بالألم-؟ لا شيء يجبرني ، لكنني أكتب كي أكمل كتابة قصة ، أو مقال ما، فهذه حياتي منذ أكثر من خمسة عشر عام حيث كنت أعمل في الصحافة، ومن شروطها كان النشر على الفيس . نعم عملت في الصحافة في الإمارات، وهي عمل مأجور، وقد أكون لا زلت أستفيد مادياً.هل أنا بحاجة ماديّة؟ لا . لكن الدّخل المادي يشعرك بقيمتك، و أنك لا زلت على قيد الحياة .
سوف أنزل إلى الطبيعة أكسر صمت هذا العالم، فهنا لا أحد يراك، أو يسمعك، كأن البيوت مختبئة داخل الغابة. أنزلت موبايلي معي، جلست على المقعد الخشبي أمام حوض الورد . لففت نفسي بالجاكيت، وأنزلت الطاقية على عينيّ كي أتأمّل السكون ، أسندت ظهري إلى المقعد، يبدو أنّني غفوت لساعة . شعرت بالحياة تتسرب إليّ . هل أصعد لأنام أم أبقى هنا؟ سوف أبقى هنا، أتمدّد على المقعد ، فالكثير من مدمني الكحول و المخدرات يخسرون أعمالهم وبيوتهم ، ويعيشون حالة التّشرد تلك. في مرة رأيت شريكان يتمددان معاً على فرشة في نفق الترين، يتحدثان بحب، ورائحة الكحول تفوح منهما. لا حرج. لماذا أخجل منهما، بينما يمارسان حياتهما طبيعية؟
كل تلك الأفكار كانت تتوارد إلى ذهني قبل أن تذبل أجفاني ، و أستسلم للنوم . نمت ساعتين . ما أجمل هذا! قد يكون التّشرّد والضياع حاجة إنسانية .
الساعة الرّابعة صباحاً ، وهو الوقت الطبيعي لنشاطي . صعدت إلى الفندق ، جلست في القاعة الكبيرة مع فنجان قهوة، ثم ذهبت إلى الحمام كي أغسل أفكار ليلي، و أبدأ نهاراً جديداً .
كانت ليلة بطول عمر
سوف تكون ذكرى
لن نستطيع منع الألم ، ولا الموت
للألم طقوس، و أمنيات
يجعلك تتمنى توقيع الرسالة
أن تقول وداعاً
أن تهدأ
ثم تعيش يوماً جديداً
كأنّك تعيش إلى الأبد
خفّ الألم
بدأ الأمل
بدأ الحلم، ومشاريع للحياة لا تنتهي
في لحظة يخف فيها الألم
تلك اللحظات هي الحياة الجميلة
نعيشها ، ونحن نعيش مع أنفسنا، و العالم كلّه في داخلنا. نتجدّد، كأننا ولدنا للتوّ ، فلا بأس أن تكون الحياة لحظة صحوة، ولحظة أمل. . .
ليس الأمر بيدك عندما تتغيّر نظرتك إلى العالم بعد المرض. أنت الآن أكثر حساسية ، ربما تخشى على الآخرين أن يصيبهم ما أصابك ، وبخاصة عندما تقرأ نتائج أبحاث تقول أن واحداً من ثلاثة أشخاص سوف يعاني من هذا المرض.
قد تكون تلك الثورة الرّقمية جعلتنا نعرف الكثير، و الكثير الذي نقرأ عنه لن يكون صحيحاً حيث انتشر اليوم موضوع العلاج بالغذاء ، وهو قد يكون مفيداً لبعض الأمراض ، فالحمية في مرض السّكر قد تمكنّك من السيطرة عليه، لكنك لن تستطيع ممارستها إلى الأبد، وليس من الضروري أن تمارسها إن كان هناك دواء يجعلك تستطيع التمتّع بحياتك. نجحت يوماً في السيطرة على السّكري دون دواء ، لم أفعل الكثير، فقط ألغيت الخبز و النشويات ، لكنّني اكتشفت أنني أحب



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن