التصفية الإنتخابية لحزب العدالة و التنمية على ضوء نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021: المداخل العشرة الممكنة بين التفسير و الفهم :

بداوي سعيد
ostadbaddaoui@gmail.com

2021 / 9 / 13

التصفية الإنتخابية لحزب العدالة و التنمية على ضوء نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021: المداخل العشرة الممكنة بين
التفسير و الفهم :

يبدو أن القولة الشهيرة للفيلسوف الألماني "دلتاي" (الإنسان يفهم و لا يفسر...) تصلح كدعامة مركزية لفهم أبعاد و دلالات نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021 ، خصوصا أنه لا احد من الباحثين استطاع أن يتنبأ سلفا بخسارة حزب العدالة و التنمية و تقهقره من المركز الأول للثامن ومن 125 مقعدا إلى 13....فما الذي حدث؟وهل يجب تفسير السلوك الانتخابي للمواطن المغربي أم إن الناخب المغربي ينفلت من التفسير و يستعصي عن التنبؤ ؟ وهل نحن أمام ظاهرة انتخابية تقبل التفسير من خلال الكشف عن شبكة الأسباب و العلل المتحكمة في سيرها أم إن الفعل الإنتخابي للمواطن المغربي يفهم و لا يفسر؟؟؟
أكيد أن الظاهرة الإنتخابية هي ظاهرة إنسانية بشكل حصري فالحيوانات لا تنتخب و لا تختار ولا تعرف دورانا للنخب و لا تؤسس مؤسسة الدولة كأكبر مؤسسة سياسية اخترعها الإنسان؛ بل يحكمها قانون البقاء للأصلح (للإشارة هربرت سبنسر وليس داروين هو الذي اوجد مصطلح "البقاء للأصلح")؛ و لذلك فنحن نستبعد إمكانية تفسير نتائج انتخابات 8 شتنبر لصالح إمكانية أخرى تتعلق بالفهم أي باعتماد المنهج التفهمي ومرتكزات السوسيولوجيا التفهمية "لماكس فيبر" ما دام أن التفسير يقتضي البحث عن السبب الثاوي وراء النتيجة؛ و العلة المولدة للمعلول وهو أمر يقود إلى تفسيرات فضفاضة وواسعة و اختزالية تعجز عن تحديد الأسباب الحقيقية التي تفسر بدقة هذه النتائج ....
صحيح أننا لسنا في غفلة من مطلب عالم الإجتماع الفرنسي " اميل دوركهايم" من خلال إسهامه الفكري الشهير"قواعد المنهج السوسيولوجي" ودعوته إلى ضرورة دراسة الظواهر الاجتماعية كأشياء مستقلة عن ذات الباحث بحيث تتم ملاحظتُها من الخارج من خلال التخلي عن الأحكام المسبقة عند الملاحظة وأن يكتفي الباحث بتحديد الخواص الخارجية المستقلة للموضوع بتخليصه من مظاهره الفردية الذاتية ما دامت الظاهرة الاجتماعية تتميز بسمة الخارجية و التكرار والإكراه الخارجي المفروض على الأفراد.
إلا أن الفعل الإنتخابي في اعتقادنا كفعل إنساني عكس ذلك، يناسبه التأويل والفهم الذي يساعدنا على فهم مقاصد ودلالات وغايات الفعل الإنساني التي تحددها الذات الناخبة ؛ فكيف يمكن أن نفسر تصويت الكتلة الناخبة بالمغرب لفائدة حزب التجمع الوطني للأحرار وهو المشارك في نفس الحكومة بينما يتم تفعيل الية العقاب السياسي تجاه حزب العدالة و التنمية !!! كيف يتصدر مكون من الحكومة نتائج الإنتخابات ويتقدم؟ بينما يتراجع و يتخلف ويعود القهقرى مكون اخر من نفس الحكومة!!!!
ألا يحتاج الأمر إلى إعمال منهج الفهم عوض منهج التفسير ؟؟
إن المنهج التفهمي يشتغل من خلال فهم و إدراك المعاني والدلالات التي يعطيها الفاعل لفعله ويحاول تفهّمها من خلال المشاركة والتعاطف فهذا المنهج يتأسس على إدراك المقاصد والنوايا والغايات التي تصاحب الفعل والتي تتحدد بالقيم التي توجهه والتي لا تلاحظ مباشرة. وإنما يتم النفاذ إلى هذه الدلالات بواسطة التأويل. وهنا تحضر الذات بقوة في عملية الفهم والتأويل كذات عارفة، لكنها في نفس الوقت كذات متعاطفة ومتوحدة ومشاركة ومتفهمة لموضوعها. 
الظاهر إذن أن الإرتكاز على خطوات هذا المنهج يجعل من فهم المقاصد و النوايا المتحكمة في السلوك الإنتخابي للفرد الناخب نقطة الانطلاق في التحليل وذلك بفهم معنى النشاط الفردي عن طريق التعاطف والمشاركة الوجدانية و اعتمادا على تجربة المعيش اليومي المشترك والذي يجعلنا نفهم تراجع نتائج حزب العدالة و التنمية انطلاقا من عشرة مداخل ممكنة وهي:

-أولا: ارتفاع
. منسوب القدرة و الكفاءة المدنية عند المواطن المغربي والمقصود بالقدرة المدنية مجموع المهارات و الكفايات التي تجعل المواطن مقبلا على العمل النشيط مع مواطنيه لحل مشكلات المجتمع،علاوة على وفرة المعلومة السياسية التي أصبحت مشاعة ومتاحة بفضل وسائط التواصل الإجتماعي.
ثانيا: الجمع بين الانتخابات الجماعية و الجهويةوالبرلمانية في يوم واحد ساهم في الرفع النسبي من نسبة المشاركةوالتي بلغت 50,35 بالمئة وفق ما أعلنه وزير الداخلية، علما أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي تجري فيها في اليوم نفسه انتخابات برلمانية ومحلية وجهوية فانتصرت الخدمة على الفكرة أي الأشخاص والمعارف على الرؤى و البرامج بحيث يبدو أن الناخب المغربي يعطي الأولوية للشأن المحلي على الشأن الوطني، فالمنتخب الجماعي القريب والخدوم أفضل من البرلماني البعيد والمركزي و
الغائب ...
-ثالثا:الهوية السياسية الممزقة لحزب العدالة و التنمية خاصة على مستوى نخبة الحزب التي لم تعد متطابقة و منسجمة مع نفسها بل لم يعد فكرها يقترن بسلوك أعضائها (التطبيع....؛تقاعد ابن كيران ؛زيجات جديدة بعد
الاستوزار....).
-رابعا:القرارات الحكومية المتعلقة بصندوقي المقاصة والتقاعد والتي جرت سخطا شعبيا عارما و ضررا بليغا
للمواطنين عموما ولفئة الموظفين بحيث انبرى وزراء العدالة والتنمية جهارا للدفاع عنها فيما توارى وزراء الأحزاب الأخرى خلف الستار مما نتج عنه تآكل و ترهل المشروعية التدبيرية للنخبة الوزارية لحزب العدالة والتنمية.
-خامسا: الصدفة والعرضية التاريخية المتمثلة في وباء كورونا بحيث تزامن و تصادف الزمن السياسي لحكومة السيد سعد الدين العثماني مع تداعيات الجائحة بالشكل الذي جعل الذاكرة السياسية للناخب المغربي موشومة تربط بينهما من خلال إسقاط تداعيات الوباء وربطه بالزمن السياسي لعمر الحكومة.
سادسا:فشل حزب العدالة و التنمية في تسويق أي منجز عملي يمكن أن يلمسه الناخب المغربي في معيشه اليومي المشترك خصوصا بعد انتظار المواطن لعقد من الزمن.( ولايتين حكوميتين بالتتالي) مما ساهم في انتشار مشاعر السخط الشعبي تجاه الحزب والتي تمظهرت أثناء الحملة الإنتخابية للحزب بشعارات "ارحل" تجاه الكثير من قادة الحزب.
--سابعا: اللغة السياسية الرديئة للامين العام السابق للحزب السيد "عبد الإله ابن كيران" وخروجه المباشر و المرتجل على الفايسبوك قبيل الإنتخابات من خلال توظيفه لأسلوب حجاحي يطبعه التهكم و السخرية تجاه الفنانين و الإقصاء و العداء تجاه الأساتذة برفض برنامج الأحرار للزيادة في أجورهم مما ولد مفعولا عكسيا سواء على مستوى الدعاية لبرنامج الأحرار أو على مستوى خلق رغبة في التصويت العقابي ضده من طرف أكبر قوة عددية للموظفين المدنيين بالمغرب أي رجال و نساء التعليم...
-ثامنا:التمايز و الإنفصال بين الجناح الدعوي متمثلا في حركة التوحيد و الإصلاح و الجناح السياسي المتمثل في حزب العدالة و التنمية بسبب اختلافات جذرية و أصيلة من قضايا التطبيع و تقنين القنب الهندي.....،بحيث يظهر أن الحركة لم تعد خزانا انتخابيا احتياطيا للحزب..
._تاسعا: جاذبية برنامج حزب التجمع الوطني للأحرار و نجاحه في تسويق نفسه كبديل واقعيا وفي العالم الافتراضي اعتمادا على منهجية الإنصات والتواصل المباشر مع الناخب المحتمل عوض التعالي والوصاية وبلغة اقتصادية سهلة الفهم تأسر الناخب المغربي وتركز على 5 التزامات أساسيةمحصورة زمنيا من2021إلى 2026 وهي: الحماية الاجتماعية، والصحة، والشغل، والتعليم، وإدارة في الاستماع”.
-عاشرا: انتهاء صلاحية مفعول الخطاب الديني و الأخلاقي (البلاغة والإستمالة ) لحزب العدالة و التنمية لصالح تفوق الخطاب الاقتصادي(الإقناع) لحزب التجمع الوطني للأحرار في جذب أصوات الناخبين بحيث لم يعد الناخب بالمغرب يهتم بمظاهر الإعتقاد و التدين بقدر اهتمامه بوضعيته الاقتصادية والاجتماعية المأزومة حالا على الأرض وليس في السماء...إنه ناخب ينتظر حلولا لأنه مل من سماع التوصيفات البلاغية والإنشائية لتجار الكلام.

قصارى القول، تبدو هذه بعض المقاصد والبواعث التي تحكمت في الفعل الإنتخابي للمواطن المغربي والتي أدت إلى الهزيمة الديمقراطية لحزب العدالة و التنمية بالمغرب،بالشكل الذي يجعل من لحظة التصويت فعلا انتخابيا قصديا يروم إنتاج معنى سياسي مقصود من طرف الفاعل الانتخابي (الناخب)و هو العقاب السياسي.
إنني كباحث لا أزعم الجرد الكامل لنوايا الناخب المغربي بل هي محاولة لفهم معنى الفعل الانتخابي بالمغرب على ضوء نتائج اقتراع 8 شتنبر 2021 .

بداوي سعيد
أستاذ الفلسفة بالثانوي التأهيلي و باحث مهتم بالفكر السياسي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن