فلسطين والفلسطينيون والقانون الدولي

محمود الصباغ

2021 / 9 / 9

تأليف فرانسيس بويل، مراجعة مايكل جيلسبي
ترجمة/ محمود الصباغ
يدرك يعرف معظم المراقبين، جيداً، أن الصهاينة الأوروبيين شردوا وطردوا مئات الآلاف من الفلسطينيين على دفعتين: المرة الأولى في العام1948، والثانية في أعقاب حرب 1967، وهذا ما خلق أكبر أزمة لاجئين في العالم وأطولها وأكثرها إشكالية. كما يدرك الكثيرون، أيضاً، أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية والقمع الوحشي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، إنما يتم بدعم وتحريض من حكومة الولايات المتحدة. وقلّة هم، من لديهم فهم شامل للعلاقة بين فلسطين وإسرائيل في ظل القانون الدولي. فكثيرا ما تطرح تساؤلات عن الوضع القانوني لفلسطين والفلسطينيين، حتى بين من يعتبرون أنفسهم مطلعين على القضية الفلسطينية.
ويقدم ،هنا، فرانسيس بويل، الفقيه في القانون الدولي وأحد رواد حقوق الإنسان في كتابه الجديد والمقنع "فلسطين والفلسطينيون والقانون الدولي" Palestine, Palestinians, and international law تاريخاً شاملاً للجدل القانوني السائد حول فلسطين وحقوق الفلسطينيين، من خلال وضعه استراتيجيات قانونية جديدة جريئة تعمل على إنهاء الانتهاكات الإسرائيلية للمعايير القانونية والإنسانية الدولية.
يصل كتاب بويل في لحظة حرجة. بينما يشدد نظام أرييل شارون اليميني المتطرف قبضته، وقلة فقط يمكنهم التنبؤ، بهذه الدرجة من الثقة أو تلك، بمستقبل النضال الفلسطيني البطولي لنيل حريتهم وتحقيق العدالة والسيادة الوطنية على أرضهم. ويوضح بويل حجم التعقيد القانوني المربك للأزمة في فلسطين، ويقترح مقاربات إبداعية جديدة تقف في وجه التعنت والخداع الإسرائيليين، كما يدافع، بأسلوب فيه الكثير من الإقناع، عن سبل الحفاظ على القواعد الراسخة للقانون الدولي في وقت تتعرض فيه سيادة القانون بعينها لتهديد خطير.
وللتذكير، فالكاتب، فرانسيس بويل، يعمل أستاذاً للقانون الدولي في جامعة إلينوي، شامبين، وهو مشارك متمرس في النضال الفلسطيني -بصفته مستشار قانوني لـ م ت ف بشأن إعلان الاستقلال الفلسطيني ابتداءً من العام 1987، ثم عملا لاحقاً بين عامي 1991 1993 مستشاراً قانونياً للوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. غير أن الكتاب الذي بين أيدينا لم يكتب لتثقيف الباحثين القانونيين حصراً. فالمؤلف، باعتباره مطلعاً على تاريخ المفاوضات والبروتكولات والاتفاقيات والقرارات الدولية التي تتناول بشكل مباشر أو ذات صلة بالطموحات والحقوق الفلسطينية، يستطيع أن يرسم، بطريقة ملفتة، مساراً واضحاً وجذاباً عبر المتاهة القانونية يلقى القبول أيضاً لدى القارىء العادي.
وأحد مفاتيح نجاح بويل يتمثل في قدرته على نقل الجوانب الشخصية المكثفة للدراما القانونية على المسرح العالمي. ويشرح في مقدمة الكتاب، كيف تعرّف، على الرغم من "الكذبة الكبرى"، على محنة الشعب الفلسطيني، حين كان مازال يدرس في الجامعة في أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ويتذكر الأحداث واللقاءات والتحديات التي شكلت وجهة نظره كمدافع عن فلسطين والفلسطينيين. وسوف تتردد ذكريات بويل هذه وملاحظاته اللاذعة، لدى المؤيدين ذوي الخبرة في لقضية الفلسطينية، حتى عندما يلهمون ويمكّنون جيلاً جديداً من النشطاء. ويقول بويل في هذا الصدد: "لقد اتُهمت بكل شيء، عدا التحرش بالأطفال، بسبب دعمي للشعب الفلسطيني". "لقد شاهدت بأم عيني انتهاكاً لكل مبدأ معروف من مبادئ النزاهة الأكاديمية والحرية.. بهدف قمع الحقائق الأساسية المتعلقة بهذا الصراع الطويل الأمد في الشرق الأوسط."
حصل بويل على دكتوراه في القانون (1976 ، بامتياز مع مرتبة الشرف، ودرجة الماجستير (1978) ودكتوراه. حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية (1983) في جامعة هارفارد -حيث عمل كعضو في اللجنة التنفيذية لمركز هارفارد للشؤون الدولية وكزميل تدريس في كلية هارفارد. إنه صريح في إعجابه بالمعلمين والقانونيين ذوي المبادئ ، وكذلك في انتقاده للتحيز المؤسسي، كما يتضح من مقارنته بين برنامجي دراسات الشرق الأوسط المعترف بهما على المستوى الوطني: الدراسات الشرقية التي أوصيت بها بشدة على مر السنين للعديد من الطلاب المحتملين.. وبالمقارنة ، يمكن اعتبار مركز هارفارد لدراسات الشرق الأوسط يعمل بشكل فعال كمنظمة واجهة لوكالة المخابرات المركزية وربما الموساد أيضًا ".
كتب بويل، مستشهداً بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان: "كما هو الحال بالنسبة لأي دولة أخرى في العالم اليوم، تمتلك دولة فلسطين المُعلنة حديثاً الحق الأصيل في الدفاع عن النفس سواء على مستوى الفردي أو الجماعي، المعترف به بموجب أعراف القانون الدولي، والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.. فالشعب الفلسطيني الذي يعيش بالفعل تحت هذا الاحتلال الإجرامي يمتلك الحق الكامل بموجب القانون الدولي في مقاومة الجيش الإسرائيلي باستخدام القوة، تماماً كما فعلت المقاومة الفرنسية ضد القوات النازية التي احتلت فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية". ويذكّر بويل قراءه بعقود كثيرة قد مرّت منذ أن استندت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على أساس المبادئ الأخلاقية والقانونية السليمة اللازمة لدعم العلاقات الدولية القابلة للحياة والدائمة في المنطقة. "لا يستطيع الشعب الأمريكي حتى البدء في فهم كيفية التعامل مع مشكلة الإرهاب الدولي في الشرق الأوسط"، ويضيف "إلا إذا فهموا حقيقة أن إدارة ريغان / بوش الأب كانت مسؤولة بشكل مباشر عن استمرار إحدى الجرائم الدولية الكبرى في هذا المنصب -حقبة الحرب العالمية الثانية ضد الفلسطينيين والمسلمين في لبنان.. حتى ذلك الوقت، وسوف يكون المواطنون الأمريكيون أهدافاً لهؤلاء الأفراد المحبطين والمظلومين في الشرق الأوسط ومحيط البحر الأبيض المتوسط ".
وتبدو تحليلات بويل الثاقبة للدور الإسرائيلي والأمريكي في الأزمة التي زعزعت استقرار الشرق الأوسط لأكثر من 50 عاماً، على درجة من الإقناع، بقدر جرأة تحذيراته وانتقاداته. وينصح القيادة الفلسطينية، في مذكرة قانونية مؤرخة في الفاتح من كانون الأول (ديسمبر) 1992، بالوقوف ضد ما اعتبره اتفاقاً مؤقتاً ومخلاً بصورة عميقة: ".. بسبب المماطلة الإسرائيلية وبسبب سياسات الانتخابات الرئاسية الأمريكية"، وحذر من مدة فاصلة قد تكون "12 أو 16 أو حتى 20 عاماً بين الاتفاقية المؤقتة وما يسمى بالوضع النهائي، بغض النظر عما قد تقوله الوثائق عن بعض "الترابط". في الواقع، إذا كان ما استطاع الإسرائيليون شق طريقهم وسط أنصارهم في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وفي كونغرس الولايات المتحدة لشرح رؤيتهم لمثل هذا الاتفاق، فلن ترى مفاوضات الوضع النهائي النور قط. سوف يتوقف الإسرائيليون، بمساعدة أمريكية، في مطرح ما هكذا ببساطة، ويماطلون ويؤجلون مفاوضات الحل النهائي ويؤخرونها إلى أجل غير مسمى بينما يواصلون قتل الشعب وسرقة الأرض وطرد الناس من بيوتهم".
وكان بويل هو من دعا، في خطاب ألقاه في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000 في جامعة ولاية إلينوي في بلومنغتون -نورمال، إلى حملة سحب الاستثمارات من إسرائيل التي تجري الآن في حرم الكليات والجامعات في جميع أنحاء البلاد (انظر https://www. divest-from-israel-campaign.org/).
يحتوي الكتاب على نصوص العديد من الوثائق المفيدة والملهمة، من بينها إعلان جنيف بشأن الإرهاب (1987)، وإعلان الاستقلال الفلسطيني (1988)، ومذكرة بويل القانونية المعروفة باسم البديل الفلسطيني لأوسلو ( 1992). ويتضمن الكتاب أيضاً أقسام ترتبط بالاتفاقية الدولية الداعية إلى الحد من جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (1973). بالإضافة إلى ملاحق "ببليوغرافيا الإبادة الجماعية / أعمال الفصل العنصري التي ارتكبتها إسرائيل على الفلسطينيين خلال انتفاضة الأقصى، وكذلك "ببليوغرافيا الشرق الأوسط والقانون الدولي الجزئي" التي أعدها بويل نفسه، وسوف يهر للقارىء أن كلا الملحقين على درجة عالية من الأهمية للطلاب الذين يدرسون لأزمات في فلسطين والشرق الأوسط. وما لاشك فيه، حجم الفائدة التي سوف يتحصل عليها القادة والنشطاء، على حدٍ سواء، من المعلومات والإلهام الذي يقدمه الكتاب، سوف يكون مرجعاً للباحثين والعلماء وغيرهم من أهل الاختصاص لسنوات عدة قادمة
هوامش المترجم
ظهرت الطبعة الأولى للكتاب في العام 2003
المصدر:https://www.wrmea.org/004-april/book-review-palestine-palestinians-and-international-law.html



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن