ممكنات وتحديات تكيّف اللاجئين السوريين في تركيا

عبدالله تركماني
abdtourkmani@yahoo.it

2021 / 8 / 15

إنّ عملية إقامة اللاجئين وتكيّفهم الاجتماعي والسياسي لا تناظر أي أنموذج وحيد صالح في كل زمان، بل هناك صيغ متنوعة على قاعدة التبدلات التاريخية التي شهدها العالم، الأمر الذي يستدعى بالتالي تعاطٍ مغاير. إنّ الأمر يتطلب نشوء ثقافة جديدة، تقبل اللاجئ الأجنبي، لتحل محل ثقافة البلد ذي اللسان الواحد، والدين الواحد، أي " المواطنة الثقافية ". ويطرح لجوء السوريين إلى تركيا أن تستعد لتقبُّل أمر واقع، يتمثل في التعدد الأثني والثقافي، لكنّ المسألة لا تتم بيسر، كما ظهر مؤخراً مع موجة العنصرية التي شهدتها أنقرة.
إنّ " المواطنة الثقافية " تعني حق اللاجئين السوريين في الاحتفاظ بهويتهم الثقافية الخاصة حتى لا يتم احتواؤها ودمجها قسراً في الثقافة العامة الرسمية السائدة في المجتمع التركي، بشرط ألا يترتب على ذلك عدم المشاركة بشكل إيجابي وفعَّال في مختلف أنشطة الحياة والالتزام التام بالقوانين والقواعد الأساسية المنظِّمة للحياة العامة في الدولة التركية. والمهم هنا هو أنّ الاعتراف بهذا التميّز الثقافي وقبوله واحترامه قد يكون عاملاً مؤثراً في إثراء الثقافة التركية.
إنّ مشكلة عدم تكيّف اللاجئين السوريين يتجلى أكثر في الميدان الاجتماعي، إذ هناك أحكام وتصنيفات مسبقة حيث تُلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية. كما أنّ هناك من يرغب في أن يكون اللاجئ السوري مجرد وسيلة وأداة لإنتاج السلع والخدمات بتكلفة محدودة، وليس ككائن بشري له خصوصياته اللغوية والثقافية والتي يجب الاعتراف بها والتعايش معها.
إنّ الفهم والتطبيق الصحيحين لمفهوم التكيّف يعد الخطوة المفتاحية نحو النجاح والتفوّق، فهو لا يعني إطلاقاً الذوبان والانصهار، بمعنى تقمص الفرد لهوية غير هويته الأصلية، كما أنه بالضرورة نقيض للسلبية والانزواء والانعزال عن المحيط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمجتمع التركي. وإذا ما أردنا تلخيص مفهوم التكيّف الصحيح، يمكن القول بأنه " يتمثل في كيفية امتلاك المقوّمات الكفيلة بتحقيق الموازنة بين ضرورات التكيّف، بمعنى الانتماء والمشاركة الفعلية النشطة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع التركي من جهة، والحفاظ في الآن ذاته على الروابط والجذور الثقافية من جهة أخرى ".
إنّ قدرة اللاجئين السوريين على التكيّف الايجابي الناجح في تركيا تستلزم: ضرورة الإدراك العميق لطبيعة المجتمع التركي، وإتقان لغته وأعرافه ونظمه، والالتزام بالقوانين السارية، والمشاركة الحية في شؤون المجتمع، والحرص على خدمة الصالح العام، وفك الارتباط الكامل مع كل ما له صلة بعادات خرق القانون. ومن جانب آخر، يتطلب النجاح في التكيّف تشجيع الأبناء على التفوّق في التعليم، بصفته المدخل الضروري لامتلاكهم المهارات المهنية الكفيلة باحتلالهم المراكز المرموقة المؤثرة.
وتبقى القضية مسألة تفاعلية بين جانبين، جانب اللاجئين السوريين من جهة، والدولة والمجتمع التركيين من جهة ثانية. وللطرفين مصلحة واحدة في تحقيق درجة عالية من درجات التكيّف الإيجابي الخلاق، بعيداً عن الإحساس بصغر الذات والهروب إلى " الغيتوهات " من جهة، أو التعالي والإقصاء السلبي من ناحية أخرى.
لقد كان في تقدير الحكومة التركية أنّ أزمة اللاجئين السوريين قد تصل إلى عشرات الآلاف، ولمدة زمنية قصيرة فقط، فلم يكن متوقعاً أن تطول أزمة الشعب السوري لما يزيد عن عشر سنوات. فقد أدركت الحكومة التركية أنّ مأساة اللاجئين تتفاقم في معاناتها الإنسانية اولاً، وفي كلفتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تركيا ثانياً، وأنّ المجتمع الدولي لا يقوم بمسؤولياته الإنسانية ثالثاً، ولا بواجباته القانونية في حماية شعب يُقتل بشكل مباشر رابعاً.
لقد كانت تركيا من ضمن الدول الأكثر تأثراً بتطورات المسألة السورية، على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي. ومن المتوقع أنّ عودة اللاجئين ستستغرق سنوات، حتى لو نجحت مساعي أطراف الصراع لفرض " الانتقال السياسي "، مما يبرز أهمية إيجاد حلول طويلة الأمد للاجئين السوريين في تركيا، من خلال رسم سياسات واضحة لاندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي. وهو الأمر الذي أكده مدير مركز أبحاث السياسات والهجرة التابع لجامعة " حجة تبة " في العاصمة أنقرة مراد إردوغان: " علينا أن نعمل على رسم سياسات واضحة لدمج السوريين في المجتمع التركي. لكن قبل ذلك، علينا أن نقبل بأنّ السوريين الموجودين في تركيا سيعيشون معنا في المستقبل ".
إنّ وصول آلاف اللاجئين السوريين الشبان، وأغلبهم ممن تلقوا قسطاً وافراً من التعليم، من شأنه أن يعزز إمكانات تركيا الاقتصادية على المدى البعيد. فقد رد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على انتقادات المعارضة، بعد إعلانه أنّ الحكومة التركية ستعمل على منح اللاجئين السوريين فرصة الحصول على الجنسية التركية، مشيراً إلى أنّ عمليات تجنيس اللاجئين ستستهدف ذوي الكفاءات العالية بين اللاجئين للحفاظ عليهم في تركيا، قائلاً: " يتواجد بين اللاجئين ذوو الكفاءات العالية، وأصحاب مهن، إن لم نأخذهم سيذهبون إلى بريطانيا وكندا أو إلى أي مكان آخر ".
ومن جهة أخرى، ثمة تخوّف من الإخلال بالنسيج الاجتماعي للمجتمع التركي، عبر تزايد الفئة العمرية من الشباب السوريين اللاجئين، خاصة الذكور. وما قد يترتب على كل هذا الخلل في التركيبة من إذكاء للصراعات المجتمعية التي تهدد الاستقرار والأمن الذي حققته تركيا خلال العقود الماضية. إذ يواجه اللاجئون مشكلة اختلاف البيئات التي يقيمون فيها، فالبيئة التركية مسلمة وهذا قد يساعد لكنها بيئة غير عربية وإقامة اللاجئين لفترة طويلة في تركيا سوف يتأثرون، ولا سيما أولئك في المخيمات، بالتربية والتعليم التي تعطى لهم بحيث يكاد يصبحون جزءاً من الثقافة التركية.
وهكذا، من المؤكد أنّ إدارة تكيّف اللاجئين السوريين مع المجتمع التركي بنجاعة، وضمان إثراء المجتمع المضيف، أكثر من زعزعة استقراره، تتطلب استراتيجية بعيدة النظر لتفهم الخصوصيات الثقافية للاجئين السوريين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن