عبقرية ويليام جيمس - ستيف تايلور (مقال مترجم)

صباح أحمد
sabaazmed198@gmail.com

2021 / 6 / 10

في كل سنواتي في الكتابة وإلقاء المحاضرات حول علم النفس، هناك ظاهرة اعتدت عليها: كلما توصلت إلى فكرة أو نظرية ”جديدة“، أجد في النهاية أن هناك عالم نفس واحد قد تناول الموضوع قبلي: ويليام جيمس.

على الرغم من أنه معروف جيدًا كواحد من الآباء المؤسسين لعلم النفس الأمريكي، إلا أن كتابات وليام جيمس ونظرياته لا تتوقف أبدًا عن إدهاشي. كان من أوائل الكتب التي كتبتها عن إدراك الزمن. كتاب ”صناعة الزمن“، طرحت نظرية ”معالجة المعلومات“ للزمن، هذه النظرية تشير إلى أنه كلما زادت المعلومات التي تعالجها عقولنا (أي كلما زادت الإدراكات والأحاسيس والأفكار وما إلى ذلك)، كلما أصبح مرور الزمن أبطأ. لقد جادلت أن الوقت يبدو أنه يمر ببطء بالنسبة للأطفال لأن العالم جديد عليهم، ولذا فهم يعالجون المزيد من المعلومات الإدراكية. لقد اقترحت أن أحد أسباب مرور الوقت بسرعة مع تقدمنا في السن هو أن العالم أصبح أكثر دراية لنا بالتدريج، وبالتالي فإننا نعالج عددًا أقل من الإنطباعات الجديدة. اعتقدت أنني توصلت إلى شيء جديد ولكن سرعان ما اكتشفت أن ويليام جيمس قد طرح نظرية مماثلة. في كتاب ويليام جيمس مبادئ علم النفس، وصف كيف أن إحساس الأطفال البطيء بالوقت يرجع إلى حقيقة أنه ”في الشباب، يكون لدينا تجربة جديدة تمامًا، شخصية أو موضوعية، في كل ساعة من اليوم ..... ولكن مع مرور كل عام يتم تحويل بعض هذه التجارب إلي روتين تلقائي، بالكاد نستطيع ملاحظته، والأيام تخزن نفسها في الذاكرة كوحدات بلا محتوى، والسنوات تصبح جوفاء وتنهار“.

مجال آخر لطالما اهتممت هو مجال سيكولوجية الحرب. ينبع اهتمامي بهذا الموضوع من قراءتي للنصوص الأنثروبولوجية والأثرية التي اقترحت أن الحرب أصبحت منتشرة فقط في الأزمنة الحديثة (أي منذ حوالي 6000 عام) وأنه في عصور ما قبل التاريخ، كان الصراع الجماعي غير شائع بشكل مدهش. قادني هذا إلى الاعتقاد بأن الحرب كانت في الأساس ظاهرة نفسية، وليست ظاهرة متجذرة في علم الأحياء البشري أو التطور. ومرة أخرى، سرعان ما وجدت أن ويليام جيمس قد توصل بالفعل إلى نتيجة مماثلة. في مقالته الأساسية ”المكافيء الأخلاقي للحرب“ (1910)، اقترح جيمس أن الحرب كانت منتشرة جدًا بسبب آثارها النفسية الإيجابية، سواء على الفرد أو على المجتمع ككل. على المستوى الاجتماعي، تجلب الحرب إحساسًا بالوحدة في مواجهة التهديد الجماعي. إنها تربط الناس معًا وتشجعهم على التصرف بشكل غير أناني من أجل الصالح العام. بينما على المستوى الفردي، تجعل الحرب الناس يشعرون بأنهم على قيد الحياة وأنهم أكثر انتباهاً ويقظة، مما يمنحهم معنى وهدفًا يتجاوز رتابة الحياة اليومية. كما قال جيمس، ”تبدو الحياة وكأنها ملقاة على مستوى أعلى من القوة“. بالمصطلح ”المكافيء الأخلاقي للحرب“، قصد جيمس أن المجتمعات البشرية بحاجة إلى إيجاد نشاط مكافئ يجلب نفس الفوائد الجماعية والفردية للحرب - دون التسبب في الموت والدمار.

– الفرضية الثنائية عن الوعي:

لم يكن ويليام جيمس مجرد عالم نفس، بل كان فيلسوفًا أيضًا. والإحساس المألوف بأن ”ويليام جيمس وصل قبلي“ حدث مؤخرًا عندما بدأت أيضًا في الكتابة عن القضايا الفلسفية. في كتاب العلوم الروحية، اقترحت أن أفضل طريقة لفهم الوعي البشري هي التفكير من منظور الوعي العام الشامل الذي يعد صفة أساسية للكون (بطريقة مشابهة للخواص الأساسية العالمية الأخرى الموجودة في الكون مثل الجاذبية أو الكتلة). اقترحت أن يصبح الوعي الأساسي واضحًا في أشكال الحياة الفردية كوعينا الشخصي، عبر الدماغ البشري. يؤدي الدماغ دور استقبال ونقل الوعي الأساسي إلى كياننا الفردي فقط.

لم يمض وقت طويل قبل أن أكتشف أن ويليام جيمس طرح نظرية مشابهة جدًا. في مقال بعنوان ”حول خلود الإنسان“، عام 1898، اقترح ويليام جيمس أن العقل أو الإدراك أو الوعي العقلي هو نتيجة الحقيقة الجوهرية للكون التي تنتقل عبر ”محطة الإستقبال“ في الدماغ. لا يحاول جيمس وصف طبيعة هذه الحقيقة الجوهرية، إلا من خلال الإستعارات مثل مرور الهواء عبر أنابيب أحد الأعضاء، أو كضوء غير مرئي أو ”إشعاع أبيض“. لكنه يوضح أن الوعي البشري هو تدفق لهذا الشيء الأساسي في الوجود. يقول أن ”مجال وجودنا“ الخاص بنا هو من نفس طبيعة ”ذلك العالم الجوهري الواقعي“.

– ويليام جيمس وعلم ما بعد المادية:

في الآونة الأخيرة، تبنى العديد من علماء النفس منظورًا ماديًا يرى العقل البشري (بما في ذلك الوعي) كظل للدماغ، ظاهرة ثانوية ناتجة عن تفاعلات الجسيمات المادية فقط. يشكك هذا المنظور المادي في الحالات غير العادية للوعي مثل التجارب الروحية، والتي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها حالات وهمية ناتجة عن نشاط الدماغ الشاذ. هناك أيضًا شكوك تجاه الظواهر الباراسيكولوجية مثل التخاطر عن بعد والإدراك المسبق للأشياء، والتي يُنظر إليها عادة على أنها مستحيلة بسبب انتهاكها المزعوم لقوانين العلم.

وجزء من سبب أهمية ويليام جيمس هو أنه حتى قبل أن تصبح المادية مهيمنة كنموذج فكري، كان قادرًا على رؤية حدودها. كان منفتحًا لإمكانية وجود الظواهر الباراسيكولوجية، وإمكانية وجود شكل من أشكال الحياة بعد الموت. كما يُظهر عمله العظيم "أنواع مختلفة من التجارب الدينية“، رأى ويليام جيمس التجارب الدينية الروحية - التي يتوسع فيها وعي الشخص ويتكثف - على أنها ”نافذة ينظر من خلالها العقل إلى عالم أكثر اتساعًا وشمولية“. لقد شعر أن الوعي البشري الطبيعي مقيد وأن نظرتنا التقليدية للواقع، بالتالي، لا يمكن الاعتماد عليها، بنفس الطريقة التي تكون بها الصور التي التقطتها الكاميرا المعيبة معيبة. كما ذكر جيمس، يجب ألا ”نغلق حساباتنا“ مع الواقع (وهو ما يحاول الماديون فعله الآن) حتى نتحرى حالات الوعي المختلفة هذه، ونعترف بطبيعة الواقع الذي تقدمه هذه التجارب الروحية.

ربما هذا هو السبب في أن جيمس يبدو شخصية معاصرة. كانت إحدى أكثر التطورات إثارة في السنوات القليلة الماضية هي حركة العلوم ما بعد المادية، التي أسسها مجموعة من العلماء (بما في ذلك ماريو بيوريجارد وليزا ميلر وجاري شوارتز)، الذين يعتقدون أن افتراضات العلم المادي التقليدي ليست صحيحة. طرح ما بعد الماديين منظورًا بديلاً، يقترحون فيه أن العقل أو الوعي لا يُشتق من المادة، بل هو جانب أساسي من الكون، وأن ”هناك ترابطًا عميقًا بين العقل والعالم المادي“ بهذا المعنى، يمكن بسهولة اعتبار ويليام جيمس القديس الراعي لعلم ما بعد المادية.

كان عمل جيمس واسع النطاق لدرجة أنني لم أتطرق إلا إلى جزء صغير من نظرياته هنا. أنا متأكد من أن هناك العديد من علماء النفس والفلاسفة الآخرين الذين وجدوا أن أفكارهم ونظرياتهم قد تم التنبؤ بها من قبل ويليام جيمس قبلهم. في مرحلة ما، كل من يسير على خطاه لا بد أن يجد نفسه يستكشف المناطق التي رسمها منذ أكثر من قرن.

هذا العقل الخارق، إلى جانب انفتاحه على وجهات النظر غير المادية، يمثلان العبقرية الحقيقية لـ ويليام جيمس.

* الباراسيكولوجي هو دراسة الظواهر الغريبة المزعومة مثل التخاطر عن بعد والتنبؤ بالمستقبل والقدرة علي التأثير علي الأشياء المادية بواسطة العقل، وعلي العكس من ما قد يتصوره البعض، هذا المجال ليس شعوذة أو خرافات كما تذكر هذه الورقة:
• يتم إجراء الأبحاث حول الظواهر الباراسيكولوجية (psi) في العديد من الجامعات ومراكز البحث المعتمدة في جميع أنحاء العالم من قبل أكاديميين من تخصصات مختلفة، وقد دعم أكثر من 20 من الحائزين على جائزة نوبل والعديد من العلماء البارزين دراسة (psi) أو حتى أجروا الأبحاث بأنفسهم.
• يستمر نشر النتائج التي تدعم صحة وجود الظواهر الباراسيكولوجية في المجلات الأكاديمية التي تمت مراجعتها من قبل الأقران في المجالات ذات الصلة، من علم النفس إلى علم الأعصاب إلى الفيزياء.
• لم تؤد الضوابط التجريبية المتزايدة إلى القضاء على نتائج الأبحاث التي تدعم وجود ظواهر (psi) أو حتى خفضتها.
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fnhum.2014.00017/full
المصدر:
https://www.psychologytoday.com/intl/blog/out-the-darkness/201906/the-genius-william-james
وهذا فصل من كتاب دليل جامعة أكسفورد لعلم النفس والروحانية يتحدث عن حركة هؤلاء العلماء ضد المادية (والكتاب من تحرير ليزا ميلر أحد المشاركات في هذه الحركة)
https://www.oxfordhandbooks.com/view/10.1093/oxfordhb/9780199729920.001.0001/oxfordhb-9780199729920-e-37



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن