من الذاكرة الشخصية

خالد محمد جوشن
khalidgoshan@hotmail.com

2021 / 6 / 10

نحن الان فى العام 1979 منذ اثنان واربعون عاما بالتمام والكمال ، كنت طالبا فى كلية الحقوق ، وسمعت عن سفر الطلبة فى اجازة الصيف ، قررت السفر مثلهم خلال الصيف الدراسى لتحسين احوالى المعيشية ومساعدة اسرتى .


لم يمانع ابى وهذه تحسب له ، وفعلا انهيت جواز سفرى وكان لمدة ستة اشهر فقط ( جواز سفر طلبة ) وذهبت وابى لمقابلة عمى فى القاهرة حيث سيجىء معنا الى المطار لتوصيلى ، فهذه هى تجربة السفر الاولى لى .


تحدث ابى مع عمى ليقابلنا ، فطلب منا الحضور الى منزله فى ميت عقبة خلف نادى الترسانة ، حيث انه مقيم حاليا عند زوجته الثانية الحاجة .


كنا نشاهد عمى هذا يحضر الينا فى بلدتنا الصغيرة رفقة زوجته الثانية هذه ، وكان يطلق عليه الحاجة ، كانت سيدة اعمال تقود سيارة فلوكس واجن ، وتنزل من وقت الى اخر بلدتنا الصغيرة رفقة عمى بسيارتهم المحملة بالهدايا الى اناس فى بلدتنا الصغيرة تربطهم معا علاقات عمل .

كانت شخصية الحاجة ومظهرها لا يمت بصلة الى عالم النساء فى بلدتنا ، ولا يفهم من هذا ان نساء بلدتنا كن منغلقات ، اطلاقا ، ولكن لم يكن نساء اعمال .


سافرنا الى القاهرة انا وابى ووصلنا منطقة ميت عقبة ، نزلنا من الاتوبيس الى اقرب محطة لعنوان عمى ، ومضينا نكمل السير فى شوارع فاخرة بمحلات شيك ، تعج بالبضاعات المستورة ، فقد كانت سياسة الانفتاح السداح مداح و التى تبناها السادات فى اوجها .

ثم دلفنا من الشوارع الجميلة الى اخرى سيئة النظام والترتيب ، ومبان شبه متلاصقة ، وصلنا الى بيت عمى هناك وكان فى احد البيوت المكونة من عدة ادوار ، وصعدنا الى شقته فى الدور الثالث .


طرقنا الباب فتحت لنا صبية غاية فى الجمال لا يتجاوز سنها السابعة عشرة ، عيون زرقاء وشعر منسدل ، صورة طبق الاصل من الفنانة زبيدة ثروت .


رحبت الصبية بنا ، ودعتنا للدخول ، دلفنا الى الداخل وجلسنا فى الصالة والتى كان فيها اكثر من ثلاجة وعدة مراوح توشيبا مكتبية جميلة بها اضاءة وجميعها يعمل .كانت صيحة فى وقتها ، لدرجة انه كان يرمز للقادم من الخارج رسم صورته مصطحبا معه مروحة .

حضر عمى من الداخل وزوجته الحاجة مرحبين بنا ، وجلسنا جميعا وجاءت الصبية الجميلة ومعها شقيقتها اقل جمالا منها ،بادر عمى قائلا لبابا ، دول ولاد الحاجة من جوزها الاولانى ، بس اكثر من ولادى عندى .


انفتح الحديث بينهم وكنت عنهم لاه ، انتقل بناظرى متجولا بين الحاجة وعمى والصبيتين ، والمراوح التى تدور متهادية ذات اليمين واليسار ، منبهرا بهم جميعا .


اكملنا سهرتنا وتعشينا جبنة رومى وزيتون ، وشاى بحليب ، خلاف عشائنا التقليدى فول وطعمية و جبنة قريش وربما وجرجير .


قمنا فى الصباح وجهزت اوراقى وذهبنا الى المطار انا وبابا وعمى فى عربية الحاجة ، وجلسنا فى صالة المطار ريثما يجىء ميعاد الطائرة ، قمت اتفقد المكان وذهبت الى الحمام وعدت اليهم بعد قليل .


ذهب عمى بعد فترة قصيرة الى الحمام وعاد وجلس ، قائلا لى فين جواز سفرك ؟


طفقت ابحث عن الجواز فى سلقط فى ملقط ، ولم اجده ، فاخرج عمى الجواز من جيبه وقال جوازك اهو يا أهبل، لقيته واقع على الارض منك وانا رايح الحمام .


واردف عمى موجها كلامه لابى ، هو ازاى هيسافر بره اذا كان وهو لسه فى مصر ، جواز السفر ضاع منه .


كنت فى موقف لا يحسد عليه ، ولكنى اكدت لابى اننى سوف اكون حريصا على اوارقى ولن تضيع منى ابدا ، وجاء ميعاد الطائرة وغادرت متجها الى العراق الشقيق .


وامضيت فى العراق اشهرا عدة متنقلا من عمل الى اخر ، ان انتهت الفترة المسموح لى للبقاء فيها ولاستئناف الدراسة فى مصر . وهكذا بدأت اعد للعودة الى مصر .


وقبل يوم السفر ذهبت الى السوق لشراء بعض الاغراض والهدايا وشيئا اكله ، وكانت معى عدة اكياس ، وكنت اتمنطق بحافظة بجراب يعلق فى الحزام تحوى اوراقى واموالى التى جمعتها ، وجواز سفرى .


وقفت فى شارع هادىء لترتيب الاكياس ، ومعرفة ماذا صرفت فى الاسواق ، ومعرفة الباقى معى وهى عادة سيئة لا زالت مواظبا عليها .


وضعت الاكياس على الارض واخرجت الحافظة وبدأت ارتب ما فيها واطمئن على اوراقى واموالى وجواز السفر ووضعتها فيما يشبة كوة كانت موجودة بجدار المنزل الذى كنت اقف بجواره، وانتهيت من ترتيب باقى الاكياس ووضع بعضها فى بعضها الاخر .
ذهبت الى الفندق الذى كنت اقيم فيه وكان على مسير ربع الساعة سيرا على الاقدام .


وضعت الاكياس على الطاولة فى غرفتى وفتحت اكياس الطعام وبدأت اتناوله بنهم شديد ، وانا افكر فى الترتيب القادم للسفر .


وفجاءة تذكرت حافظة اوراقى وجوازى واموالى ، وقمت ابحث عنها فى كل مكان ، يانهار اسود .... ده انا نسيتها فى كوة الجدار ، نزلت كالمجنون اسابق الخطى ، الى حيث كنت اقف ونظرت فى الكوة ووجدت الحافظة كما هى لم تمسها يد بشر ، اخذتها وعدت وانا لا اصدق نفسى اننى وجدتها .


وفى طريقى للفندق تذكرت عمى وقولته الملعونة عنى ، هو هيسافر بره ازاى ، اذا كان وهو لسه فى مصر جواز السفر ضاع منه .


هل ما حدث معى من ضياع الجواز للمرة الثانية صدفة ؟

وهل ستر الله معى للمرة الثانية صدفة ايضا ؟

لا اعتقد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن