غناء القلم.. فى يوم البيئة العالمى.. حرق الغابات ليس أخطر من حرق الدم

منى نوال حلمى
dr_monahelmy@yahoo.com

2021 / 6 / 9


5 يونيو، هو اليوم العالمى لحماية البيئة على كوكب الأرض، الذى تحول إلى بؤرة كبيرة ملوثة، مستنزفة الموارد، مختلة التوازن، تسبب الأمراض العضوية، والنفسية والاجتماعية والثقافية.



إن الدول الصناعية الكبرى، نتيجة لتقدمها الصناعى، والتكنولوجى، هى التى شاركت، ومازالت تُشارك بنصيب أكبر فى تلويث البيئة العالمية، ويقتضى المنطق العادل تبعًا لذلك، أن تتحمل هذه الدول الثمن الأكبر، فى حل مشكلات البيئة، وانتهاك التوازن الطبيعى للحياة.

الدول الصناعية الكبرى مدعوة للتخلى عن قيم السيطرة والتعصب والاستغلال وهوس الاستهلاك.. إنها القيم التى تعكس نفسها، فى المزيد من قهر الطبيعة، وتدمير الموارد البيئية، وإهدار حق الأجيال القادمة، فى بيئة نظيفة خضراء متوازنة آمنة.

وصلنا إلى مستويات غير مسبوقة، من التقدم العلمى والتكنولوجى.. لكن البشرية فى أيامها الأولى، كانت أكثر سعادة، وأكثر إحساسًا بالتناغم والتصالح، مع الطبيعة والبيئة.

الآن نعرف أكثر، نستهلك أكثر، نملك أكثر.. لكن يبقى المحك الحقيقى، هو نوعية الحياة، وأى إطار من القيم، تتم فيه هذه المعرفة والاستهلاك والملكية.. لقد أصبح الاستهلاك فى حد ذاته «غاية»، نلهث وراءها لحل مشكلات نفسية عديدة، أولها وأهمها، الإحساس بالعجز، وعدم التحقق، والخواء الداخلى.

الوعى البيئى فى جوهره، هو خلق العقلية ذات الحساسية، تجاه مشكلات البيئة، وإدراك العلاقة المتبادلة، بين الإنسان والبيئة المحيطة من ناحية، وبين البناء السياسى والاقتصادى والثقافى، وانعكاساته على التعامل مع البيئة، من ناحية أخرى.

وفقًا لهذا الوعى، تكون مشكلة الفقر، أو الظلم الاجتماعى، من ملوثات البيئة، وليس فقط المشكلات المادية، مثل استنزاف الموارد الطبيعية. فالفقر أو الظلم الاجتماعى، فى خطورة انتهاك التوازن الطبيعى للحياة، مثل قطع الغابات، أو تلويث المياه، والهواء.. فالفقر يلوث كرامة الإنسان، والظلم ينتهك إنسانية الإنسان.

هناك تيار عالمى، يعرف باسم التيار النسائى البيئى، والذى يفسر انتهاكات البيئة، بأنها من إفراز العلم الذكورى، ذى النظرة الاستعمارية للأرض، والطبيعة، والهواء، والبحار، والماء، والأشجار، والنساء.

فالطبيعة أو الموارد الطبيعية ينظر إليها، كما ينظر الفكر الذكورى للمرأة، شىء مباح للاغتصاب، وإيقاع العنف، والتحرش، إن كلًا من الطبيعة والمرأة، فى الحضارة الذكورية، جبهتان على الرجل أن يقهرهما ويخضعهما، ولذلك فإن تحرير الطبيعة، وتحرير النساء، غير ممكنين بدون التخلص من القيم الذكورية، التى لم تنتج طوال تاريخها، إلا التدمير، والأمراض والأوبئة، والموت والحروب.

كل أشكال التفرقة تخدم بعضها البعض.. ولذلك فإن تغيير مقولة (الرجل) سيد الطبيعة، مرتبط بتغيير مقولة أن الرجل سيد المرأة، وأن الرجل الأبيض سيد الرجل الأسود، وأن دول الشمال سيدة دول الجنوب، وأن الغنى سيد الفقير.

نحتاج عالمًا جديدًا، لا أحد فيه سيد أحد.. كلنا نتعاون بنزاهة لتخفيف معاناة الإنسانية أينما وجدت على كوكب الأرض.

إن وباء كورونا، ليس أخطر على البشرية، من أوبئة الفقر المهلك، وفيروسات القهر المتحورة، وأمراض التملك والسيطرة، وعبادة الفلوس، وتدخل رجال الدين فى تسيير وحكم حياة الناس، وسفك الدماء باسم الذات العليا، وتنفيس العقد القبلية وغرائز النصف الأسفل من الجسد، على حساب راحة وسعادة وكرامة النساء.. وليس حرق الغابات، أكثر خطورة من حرق الدم، بغياب العدالة، وتهاون تطبيق القوانين المدنية.

إن الثورة البيئية التى تتزعمها النساء فى العالم، مثلما ترفض اغتصاب حقوق الطبيعة، من أجل حمى الاستهلاك، ترفض اغتصاب حقوق النساء وحقوق الشعوب، لكنها مثل كل الثورات قديمًا، يتم إجهاضها، وتشويهها، والتغطية على مبادئها، وإنجازاتها.

من واحة أشعارى:

ليست السعادة

إلا تقبل عبثية الحياة

كأنها مسرحيات كوميدية

للسخرية والضحك والتسلية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن